عزيا ملكاً على يهوذا
(1) بداية حكم عزيا (ع1-5):
1- و اخذ كل شعب يهوذا عزيا و هو ابن ست عشرة سنة و ملكوه عوضا عن ابيه امصيا.
2- هو بنى ايلة و ردها ليهوذا بعد اضطجاع الملك مع ابائه. 3- كان عزيا ابن ست عشرة سنة حين ملك و ملك اثنتين و خمسين سنة في اورشليم و اسم امه يكليا من اورشليم. 4- و عمل المستقيم في عيني الرب حسب كل ما عمل امصيا ابوه. 5- و كان يطلب الله في ايام زكريا الفاهم بمناظر الله وفي ايام طلبه الرب انجحه الله.
ذكرت هذه الآيات وتم شرحها فى الموسوعة فى تفسير الملوك الثانى (2مل14: 21، 22، 15: 2، 3) وفيها نرى بداية صالحة لعزيا الملك ويعلن الله فى (ع5) أن سبب الصلاح يرجع لخضوع الملك لزكريا النبى، الذى يفهم شريعة الله، بل ويرى رؤى ويعلم عزيا.
وهكذا نرى أن عزيا عندما طلب الله أنجحه وبارك فى أعماله وحروبه، كما سنرى فى الآيات التالية، فصلاح الإنسان هو سبب بركة الله فى حياته.
وزكريا النبى هذا، غير زكريا الذى له سفر بإسمه فى الكتاب المقدس؛ لأن هذا الأخير كان بعد السبى. وغير زكريا بن يهوياداع الكاهن، الذى تنبأ أيام يوآش جد عزيا، وقتله يوآش.
وغير زكريا النبى هذا، وُجد أنبياء آخرون تنبأوا أيام عزيا هم أشعياء النبى (ع22) وهوشع (هو1: 1) وعاموس النبى (عا1: 1).
? الله يعلن نفسه لك من خلال أب اعترافك والمرشدين الروحيين، فإن أطعتهم، فأنت تطيع الله وتربح حياتك وتسلك مستقيماً وتتمتع برعاية الله.
(2) انتصارات عزيا وإنشاءاته (ع6-15):
6- و خرج و حارب الفلسطينيين و هدم سور جت و سور يبنة و سور اشدود و بنى مدنا في ارض اشدود و الفلسطينيين. 7- و ساعده الله على الفلسطينيين و على العرب الساكنين في جور بعل و المعونيين. 8- و اعطى العمونيون عزيا هدايا و امتد اسمه الى مدخل مصر لانه تشدد جدا.
9- و بنى عزيا ابراجا في اورشليم عند باب الزاوية و عند باب الوادي و عند الزاوية و حصنها.
10- و بنى ابراجا في البرية و حفر ابار كثيرة لانه كان له ماشية كثيرة في الساحل و السهل وفلاحون و كرامون في الجبال و في الكرمل لانه كان يحب الفلاحة. 11- و كان لعزيا جيش من المقاتلين يخرجون للحرب احزابا حسب عدد احصائهم عن يد يعيئيل الكاتب و معسيا العريف تحت يد حننيا واحد من رؤساء الملك. 12- كل عدد رؤوس الاباء من جبابرة الباس الفان و ست مئة. 13- و تحت يدهم جيش جنود ثلاث مئة الف و سبعة الاف و خمس مئة من المقاتلين بقوة شديدة لمساعدة الملك على العدو. 14- و هيا لهم عزيا لكل الجيش اتراسا و رماحا و خوذا و دروعا و قسيا و حجارة مقاليع. 15- و عمل في اورشليم منجنيقات اختراع مخترعين لتكون على الابراج و على الزوايا لترمى بها السهام و الحجارة العظيمة و امتد اسمه الى بعيد اذ عجبت مساعدته حتى تشدد.
ع6: جت : إحدى مدن الفلسطينيين الخمس الكبرى وهى جت وعقرون وأشقلون وأشدود وغزة، وتقع على ساحل البحر الأبيض، شمال أشدود، على بعد 12 ميلاً.
يبنة : مدينة كبيرة فى فلسطين، تقع جنوب يافا، على بعد 20 كم.
أشدود : إحدى مدن الفلسطينيين الخمس الكبرى، تقع شمال غزة، على بعد 30 كم، وهى فى منتصف المسافة بين غزة ويافا.
خضع الفلسطينيون للملك يهوشافاط وقدموا له هدايا (ص17: 11) ولكنهم استغلوا ضعف يهورام ابنه؛ لابتعاده عن الله، فهجموا عليه، وأخذوا نساءه وأولاده وأمواله
(ص21: 16). ولكن إذ اعتمد عزيا على الله، حارب الفلسطينيين، الذين يسكنون جنوب مملكة يهوذا نحو ساحل البحر الأبيض، فهاجم ثلاثة من مدنهم الكبيرة وهى جت ويبنة وأشدود، وهدم أسوارها واستولى عليها، بل واستطاع أيضاً أن يبنى مدناً تابعة له فى هذه المناطق. وهذه هى أول نجاحاته.
ع7، 8: جور بعل : منطقة يسكنها العرب، تقع جنوب بئر سبع، أى جنوب مملكة يهوذا وكانت تعبد البعل، لذا سميت بهذا الإسم.
المعونيون : قبيلة من الأدوميين تسكن فى جبال ساعير، التى تقع جنوب مملكة يهوذا.
النجاح الثانى الذى حققه عزيا هو انتصاره على أماكن أخرى من الفلسطينيين والعرب الساكنين فى جور بعل والمعونين الساكنين فى جبال ساعير. وإذ خضع له العمونيون، قدموا له هدايا، ليسترضوه. وامتد نفوذ وسلطان عزيا إلى حدود مصر، أى صارت له عظمة وقوة، فهابته كل الأمم، حتى وصل إلى حدود مملكة مصر القوية.
ع9: باب الزاوية : يقع فى الشمال الغربى لمدينة أورشليم.
باب الوادى : يقع فى الجنوب الغربى لمدينة أورشليم.
النجاح الثالث لعزيا هو تحصينه لأورشليم، فبنى أبراجاً فى سور أورشليم، عند باب الزاوية وباب الوادى، أى أعاد بناء سور أورشليم، الذى كان قد هدمه يوآش ملك إسرائيل فى حربه مع أمصيا أبو عزيا (2أى26: 9).
ع10: الكرمل : معناها البستان المثمر وهى أرض خصبة، تقع جنوب مملكة يهوذا.
النجاح الرابع لعزيا هو إنشاؤه أبراجاً فى برية يهوذا، وحفر آباراً حتى تساعد على رعى الغنم ورعايتها؛ لأنه كان يمتلك ماشية كثيرة فى أودية يهوذا وحتى ساحل البحر الأبيض.
والنجاح الخامس لعزيا هو اهتمامه بالزراعة، إذ كان محباً لها، فاهتم بالمزروعات المختلفة فى الأراضى الخصبة من مملكته، مثل الكرمل وفى أماكن كثيرة من المملكة وكان له فلاحون كثيرون، يهتمون بهذه الزراعات.
ع11-13: أحزاب : أقسام.
العريف : ضابط برتبة كبيرة.
النجاح السادس لعزيا هو تكوينه جيش كبير تعداده ثلثمائة وسبعة آلاف وخمسمائة جندياً (307500 جندى) وكانوا مقسمين إلى أقسام، فيتحركون بنظام، تحت قيادة كاتب الملك واثنان من قادته العسكريين. ويفهم من هذا أن عزيا قد وضع نظاماً جديداً وقسم جيشه إلى أقسام؛ حتى يخرجون للحرب فرقاً فرقاً، حسب هذا النظام، وتبقى الفرق الأخرى؛ لحماية الدولة بترتيب دقيق، فعزيا مفكر عسكرى، تميز عمن سبقوه من الملوك.
وكان له ألفين وستمائة من القادة يقودون جيشه العظيم.
ع14، 15: أتراس : جمع ترس وهو سلاح دفاعى، عبارة عن قطعة خشبية.
خوذا : جمع خوذة وهى غطاء معدنى، يوضع على رأس الجندى المحارب؛ لحمايتها.
دروعاً : جمع درع وهو ملابس معدنية، يلبسها المحارب على صدره حتى ركبتيه.
قسيا : جمع قوس وهو ما تضرب بواسطته السهام.
مقاليع : جمع مقلاع وهو آلة جلدية، توضع بها حجارة صغيرة؛ لتطوح بها بعيداً، فتصيب الأعداء؛ مثلما فعل داود مع جليات.
منجنيقات : جمع منجنيق وهو آلة حربية قديمة، تلقى بها الحجارة والكرات النارية؛ لهدم أسوار المدن وحرقها.
اهتم عزيا بتسليح جيشه بالأسلحة المختلفة، سواء للمحارب الواحد، للدفاع عنه، مثل الأتراس والدروع، أو لمهاجمة الأعداء، مثل الرماح والقسى والمقاليع. وكذلك الآلات الحربية الكبيرة، مثل المنجانيقات، التى كانت قد اخترعت فى زمن سابق عن عزيا ولكنه اهتم بتطويرها بواسطة مخترعين من جيشه، أى كان له جيش مسلح بأحدث الأسلحة.
تميز عزيا بمواهب متعددة، فنجح فى كل المجالات، كما ذكرنا فى الآيات السابقة، حتى أن علمه ومهارته وقوته ذاعت وتكلم الناس عنها بين الأمم المحيطة به، مثل سليمان جده؛ لأن قوة الله المساعدة له ظهرت عجيبة وقوية فى أعين الكل، وصار متشدداً وناجحاً فى كل ما يعمل. ولكنه للأسف سقط فى الكبرياء بعد هذا فجعل نفسه كاهناً وتجاسر ودخل إلى القدس، حيث لا يدخل إلا الكهنة، فضربه الرب بالبرص وتم عزله عن الشعب، لأجل نجاسته، كما سيظهر فى الآيات التالية فى هذا الأصحاح.
? عندما تزداد نعمة الله المعطاة لك، ليت قلبك يرتفع بالشكر الكثير، لئلا يخدعك الشيطان وتظن أنك شئ وتتكبر على الناس والله، فتفقد كل شئ.
(3) خطية عزيا ومرضه وموته (ع16-23):
16- و لما تشدد ارتفع قلبه الى الهلاك و خان الرب الهه و دخل هيكل الرب ليوقد على مذبح البخور.17- و دخل وراءه عزريا الكاهن و معه ثمانون من كهنة الرب بني الباس. 18- و قاوموا عزيا الملك و قالوا له ليس لك يا عزيا ان توقد للرب بل للكهنة بني هرون المقدسين للايقاد اخرج من المقدس لانك خنت و ليس لك من كرامة من عند الرب الاله. 19- فحنق عزيا و كان في يده مجمرة للايقاد و عند حنقه على الكهنة خرج برص في جبهته امام الكهنة في بيت الرب بجانب مذبح البخور. 20- فالتفت نحوه عزرياهو الكاهن الراس و كل الكهنة و اذا هو ابرص في جبهته فطردوه من هناك حتى انه هو نفسه بادر الى الخروج لان الرب ضربه. 21- و كان عزيا الملك ابرص الى يوم وفاته واقام في بيت المرض ابرص لانه قطع من بيت الرب و كان يوثام ابنه على بيت الملك يحكم على شعب الارض. 22- و بقية امور عزيا الاولى و الاخيرة كتبها اشعياء بن اموص النبي. 23- ثم اضطجع عزيا مع ابائه و دفنوه مع ابائه في حقل المقبرة التي للملوك لانهم قالوا انه ابرص و ملك يوثام ابنه عوضا عنه
ع16: عندما بارك الله عزيا الملك وتقوى ونجح فى مجالات إدارة المملكة المختلفة، تكبر ولم ينسب المجد لله، بل شعر أنه ملك متميز ويستطيع أن يعمل كل شئ؛ حتى أنه تجاسر واعتبر أن له الحق فى دخول القدس، مثل باقى الكهنة، فدخل ليقدم بخوراً على مذبح البخور، أمام قدس الأقداس.
ع17، 18: فوجئ رئيس الكهنة – وهو عزريا – باقتحام عُزيا للقدس، فغضب جداً وكل الكهنة الذين معه، الذين كانوا يخدمون فى الهيكل، فدخل عزريا ومعه ثمانون من الكهنة خلف عزيا، لإخراجه من القدس. وأمروه بالخروج من القدس وأعلموه أنه ليس من حقه الدخول، إذ أنه ليس كاهناً (خر30: 7، تث33: 10). لكنه للأسف لم يسمع لتحذيرات الكهنة فى عدم الدخول، ولعله قد شعر أن منع الدخول يسرى على الشعب ولكن لا يسرى عليه، إذ أن الملك – فى نظره – أعظم من الكهنة.
وواضح أن عزيا نسى ما حدث لقورح وجماعته، الذين تجاسروا على الكهنوت، أيام موسى وهارون، فانشقت الأرض وابتلعتهم (عد16: 35). يفهم من هذا أن عزيا أراد أن يجمع كرامة الملك وكرامة الكهنوت فى شخصه وهذا ليس من حقه، ولا يستطيع أحد أن يجمع هاتين الكرامتين، إلا المسيح نفسه، الذى هو ملك الملوك ورئيس كهنة العهد الجديد، الذى قدم ذبيحة نفسه على الصليب.
ع19، 20: حنق : غضب بشدة أو اغتاظ.
اغتاظ عزيا الملك لأجل أمر الكهنة له أن يخرج من القدس، فلم يعتاد – بسبب كبريائه- أن يأمره أحد، فالكل يلزم أن يخضع له، أما هو فلا يخضع لأحد. وكان عزيا قد أمسك بمجمرة؛ ليوقد بها على مذبح البخور، مثل الكهنة، وإذ لم يخضع لله وقاوم بتمرد، ضربه الله بالبرص فى الحال، فظهرت بقعة بيضاء فى جبهته، فطرده الكهنة خارج القدس، وهو نفسه خاف جداً، إذ علم أنه قد أصيب بالبرص وصار نجساً من قبل الرب، بل ويلزم عزله بعيداً، ليس عن الهيكل فقط، بل عن كل الشعب.
ويقول يوسيفوس المؤرخ أن الزلزلة التى حدثت أيام عزيا وذكرت فى (عا1: 1)، (زك14: 5) تمت فى هذا الوقت، الذى أصيب فيه عزيا بالبرص، بل يقول يوسيفوس أيضاً أن سقف الهيكل انشق ودخل شعاع من الشمس تسلط على وجه عزيا، فظهر برصه واضحاً أمام كل الكهنة، مما جعلهم يطردونه بسرعة خارج الهيكل، وصار عزيا فى رعب شديد.
حاول عزيا بكبرياء أن يغتصب كرامة الكهنوت إلى جانب كرامة الملك، لكنه خسر الاثنين، كما حاول آدم وحواء أن يحصلا على معرفة جديدة بعيداً عن الله بالأكل من الشجرة المحرمة، ففقدا مكانهما فى الجنة ومعرفتهما لله.
ونرى عزيا يتكبر ويتمرد على الكهنة فى دخوله القدس ولكن الله أصابه بالبرص، فصار تحت سلطان الكهنة، الذين فحصوه ووجدوه أبرصاً، فطردوه وعزلوه.
? إن الكبرياء تفقد الإنسان كرامته الحقيقية، فيصير محتقراً ومرفوضاً من الله وتحزن عليه الملائكة والقديسون. لذا فاتضاعك وشكرك لله، يحميك من حيل إبليس المتكبر وتستطيع أن تتذوق محبة الله.
ع21: عزل الكهنة عزيا فى بيت وحده، دعوه بيت المرض، الذى يحجز فيه المصابين بمرض البرص، وظل مصاباً بهذا المرض حتى نهاية حياته. ولعل هذا دليلاً على نجاسته ورفض الله له ولم يستطع بالتالى أن يختلط بالناس، فملك ابنه يوثام عوضاً عنه، وهكذا ذُلَّ عزيا الذى تكبر؛ ليعلم كل الشعب خطورة الكبرياء.
ع22، 23: باقى أمور وحياة عزيا كتبها أشعياء النبى، الذى عاصره. ثم مات عزيا ولم يكرموه مثل باقى الملوك، بل دفنوه فى حقل مقابر الملوك، لأنه كان نجساً ببرصه، ثم ملك يوثام وحده بعد موت أبيه، لأنه كان يملك مدة طويلة مع أبيه أثناء مرضه.