منسى وآمون ملوك يهوذا
(1) حكم منسى الشرير (ع1-9):
1- كان منسى ابن اثنتي عشرة سنة حين ملك و ملك خمسا و خمسين سنة في اورشليم.
2- و عمل الشر في عيني الرب حسب رجاسات الامم الذين طردهم الرب من امام بني اسرائيل.
3- و عاد فبنى المرتفعات التي هدمها حزقيا ابوه و اقام مذابح للبعليم و عمل سواري و سجد لكل جند السماء و عبدها. 4- و بنى مذابح في بيت الرب الذي قال عنه الرب في اورشليم يكون اسمي الى الابد. 5- و بنى مذابح لكل جند السماء في داري بيت الرب. 6- و عبر بنيه في النار في وادي ابن هنوم و عاف و تفائل و سحر و استخدم جانا و تابعة و اكثر عمل الشر في عيني الرب لاغاظته. 7- و وضع تمثال الشكل الذي عمله في بيت الله الذي قال الله عنه لداود و لسليمان ابنه في هذا البيت و في اورشليم التي اخترت من جميع اسباط اسرائيل اضع اسمي الى الابد. 8- و لا اعود ازحزح رجل اسرائيل عن الارض التي عينت لابائهم و ذلك اذا حفظوا و عملوا كل ما اوصيتهم به كل الشريعة و الفرائض و الاحكام عن يد موسى. 9- و لكن منسى اضل يهوذا و سكان اورشليم ليعملوا اشر من الامم الذين طردهم الرب من امام بني اسرائيل.
ذكرت هذه الآيات وشرحت فى (2مل21: 1-9)، وفيها نرى انغماس منسى فى عبادة أوثان الأمم المحيطة به، مخالفاً وصايا الله وأقام تماثيل الأوثان فى بيت الرب. ويضيف هنا أنه عمل تمثال الشكل (ع7)، أى تمثال على شكله. وهذا يظهر مدى كبرياؤه وأنانيته وابتعاده عن الله، حتى أنه وضع نفسه إلهاً بدل الله.
? افحص نفسك، لئلا يكون فيك بعض الأنانية وتفضيل نفسك عن الآخرين، فهذه عبادة لنفسك وابتعاد عن الله. إعرف خطاياك وقدم توبة، فتنال بركات الله فى حياتك.
(2) سجن منسى وتوبته (ع10-13):
10- و كلم الرب منسى و شعبه فلم يصغوا. 11- فجلب الرب عليهم رؤساء الجند الذين لملك اشور فاخذوا منسى بخزامة و قيدوه بسلاسل نحاس و ذهبوا به الى بابل. 12- و لما تضايق طلب وجه الرب الهه و تواضع جدا امام اله ابائه. 13- و صلى اليه فاستجاب له و سمع تضرعه و رده الى اورشليم الى مملكته فعلم منسى ان الرب هو الله.
ع10: نتيجة انغماس منسى وشعبه فى عبادة الأوثان والشهوات الردية، لم يسمعوا لصوت الله، الذى كان على فم الأنبياء، مثل أشعياء.
وهذا يبين محبة الله واهتمامه بالخطاة مهما انغمسوا فى الخطية، فهو يطلب خلاص الكل.
? ثق أن الله يحبك ويطلب خلاصك مهما ابتعدت عنه ولكن ليتك تتجاوب مع دعوته وترجع سريعًا إليه مهما كانت خطاياك، فهو سيسامحك.
ع11: خزامة : حلقة من النحاس توضع فى أنف العبيد، أو الحيوانات؛ للدلالة على امتلاكها وخضوعها لسيدها.
سمح الله للأشوريين، الذين يحكمون العالم وقتذاك، أن يهاجموا مملكة يهوذا ويقبضوا على الملك منسى ويضعوا خزامة فى أنفه كالعبيد والحيوانات وقيدوه بسلاسل، ولعل ذلك بسبب اتهام وجه إليه بالتمرد على ملك أشور. وذهبوا به إلى بابل، التى كانت وقتذاك مدينة تحت سلطان ملك أشور.
ع12، 13: عندما تضايق منسى جداً وصار فى ذل شديد، فى سجن بابل، وهو يعامل كالعبد، رجع إلى نفسه وشعر بخطاياه التى سببت له كل هذا الذل وقدم توبة بانسحاق أمام الله وصلى صلاة عميقة تقرأها الكنيسة فى ليلة أبو غالامسيس، أى سبت الفرح، وهى جزء من الكتاب المقدس، حذف منه ولكن الكنيسة تعترف به وتقرأه فى صلواتها.
وعندما تاب غفر الله له خطاياه وأعاده إلى ملكه فى أورشليم.
لم يذكر سفر الملوك الثانى سجن منسى وصلاته، ثم رجوعه من بابل وإصلاحاته، لأنه عندما تاب، لم يستطع أن يغير الفساد الذى انتشر فى الشعب بسبب شروره الكثيرة وسفر الملوك يهتم بحالة الشعب، أما سفر الأخبار فيهتم بالملوك كرموز للمسيح ويركز على الأعمال الصالحة التى عملوها، أكثر من شرورهم.
صلاة منسى
(هذا النص منقول من كتاب صلوات أسبوع الآلام للكنيسة القبطية الأرثوذكسية)
1أيها الرب ضابط الكل الذى فى السماء إله آبائنا إبراهيم واسحق ويعقوب ونسلهم.
2الذى خلق السماء والأرض وكل زينتهما. 3 الذى ربط البحر بكلمة أمره وختم أعماقه باسمه المخوف والمملوء مجداً، الذى يفزع ويرتعد كل شئ من قدام وجه قوته.4 لأنه لا تحد عظمة مجدك. 5 ولا يدرك غضب رجزك على الخطاة. 6 ولا تحصى أو تدرك رحمة إرادتك، أنت الرب العلى الرحوم طويل الروح وكثير الرحمة وبار ونادم على شر البشر. 7 أنت أيضاً يا رب على قدر صلاحك رسمت توبة لمن أخطأ إليك. 8 وبكثرة رحمتك ناديت بتوبة للخطاة لخلاصهم. 9 أنت يا رب إله الأبرار لم تجعل التوبة للصديقين إبراهيم واسحق ويعقوب هؤلاء الذين لم يخطئوا إليك، بل جعلت التوبة لمثلى أنا الخاطئ. 10 لأنى أخطأت أكثر من عدد رمل البحر. 11كثرت آثامى ولست مستحقاً أن أرفع عينى إلى السماء من أجل كثرة ظلمى. 12 بل أنحنى من أجل كثرة رباطاتى الحديدية ولا أرفع رأسى من خطاياى. 13 والآن بالحقيقة قد أغضبتك ولا راحة لى لأنى أسخطت رجزك، والشر صنعت بين يديك، ولم أفعل مشيئتك ولا حفظت وصاياك بل أقمت رجاساتى، وأكثرت نجاساتى. 14والآن أحنى ركبتى قلبى وأطلب من صلاحك، أخطأت يا رب أخطأت، وآثامى أنا أعرفها. ولكنى أسأل وأطلب إليك يا رب اغفر لى ولا تهلكنى بآثامى، ولا تحقد علىَّ إلى الدهر، ولا تمسك علىَّ شرورى ولا تطرحنى فى الدينونة فى عمق أسفل الأرض. 15 لأنك أنت هو إله التائبين. 16 وفىّ أظهر صلاحك لأنى غير مستحق. 17 وخلصنى بكثرة رحمتك، فأسبحك كل حين كل أيام حياتى. 18 لأنك أنت هو الذى ترنم لك كل قوات السموات. 19 لك المجد إلى الأبد آمين.
صلاة منسى
(هذا النص منقول من كتاب صلوات أسبوع الآلام للكنيسة القبطية الأرثوذكسية)
هذه الصلاة تعترف بها الكنيسة الأرثوذكية والكاثوليكية وهى صلاة معروفة منذ العصر الرسولى ووجدت فى الترجمة السبعينية لأسفار العهد القديم وتقرأها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ضمن الصلوات المختارة من الكتاب المقدس فى ليلة سبت الفرح بعد الجمعة العظيمة. وقد وردت هذه الصلاة فى البطعة اللاتينية للكتاب المقدس بعد سفر أخبار الأيام الثانى ووجدت أيضاً فى النسخة الإسكندرانية للكتاب المقدس المحفوظة فى المتحف البريطانى، ووردت أيضاً فى النسخ اليونانية السريانية والأرمنية والقبطية والحبشية وكل النسخ المأخوذة عن النسخة اليونانية. وهى صلاة توبة رائعة قدمها منسى لله بعد حياة طويلة شريرة، قاد شعبه فيها إلى عبادة الأوثان وكل شر، وبعدها سمح الله له أن يسبى إلى بابل ويلقى فى السجن وفى ذل القيود رجع منسى نفسه وقدم هذه الصلاة فهى تناسب كل إنسان يتوب عن خطاياه لتشجعه وتعطيه رجاء فى الحياة الجديدة. وقد أوردنا نص الصلاة وفيما يلى تفسيرها.
(1) تمجيد الله (ع1-5):
1أيها الرب ضابط الكل الذى فى السماء إله آبائنا إبراهيم واسحق ويعقوب ونسلهم.
2الذى خلق السماء الأرض وكل زينتهما. 3 الذى ربط البحر بكلمة أمره وختم أعماقه باسمه المخوف والمملوء مجداً، الذى يفزع ويرتعد كل شئ من قدام وجه قوته.4 لأنه لا تحد عظمة مجدك.
5 ولا يدرك غضب رجزك على الخطاة.
ع1: يبدأ منسى صلاته بالتأمل فى صفات الله وعظمته؛ لأنه إذا عرف الإنسان الله يشعر بقداسته ويتضاءل أمامه وهكذا يبدأ أن يشعر بمخافة الله فتقوده للتوبة.
ويرى منسى فى الله خلال هذه الآية ثلاث صفات هى :
- ضابط الكل : الذى فى يده كل شئ وتحت سلطانه كل أنفس البشر ومنهم منسى وبالتالى يقوده هذا للخضوع أمام الله والتوبة عن خطاياه، فلا يستطيع أى إنسان أن يهرب من الله؛ لأن كل شئ مكشوف وعريان أمامه، بل تحت سلطانه ويستطيع أن يعطيه حياة، أو ينهيها.
- الذى فى السماء : فهو يسمو عن كل الماديات والأرضيات، وأمام سموه تظهر شناعة الخطية، فيسرع الإنسان للتوبة؛ حتى يتخلص منها وحينئذ يستطيع أن يقف ويتراءى أمام الله.
- إله آبائنا : إن منسى له دالة عند الله؛ لأنه إله آبائه، فهو إن كان إله الآباء ونسلهم القديسين ولكنه أيضاً يحب كل النسل الذى منه منسى ويريد خلاصهم، مما يعطى رجاء للخاطئ؛ حتى يتقدم بالتوبة طالباً الغفران الإلهى.
ع2: الصفة الرابعة التى يمجد منسى الله عليها، أنه خالق كل شئ؛ السماء والأرض وكل ما فيهما، فقد زين السماء؛ ليس فقط بالنجوم والكواكب، بل بالأحرى الملائكة وزين الأرض ليس فقط بالأشجار والنباتات والحيوانات، بل فوق الكل بالإنسان، الذى من أجله خلق كل شئ، فهو يحبه وبالتالى يفرح بتوبته رجوعه إليه.
ع3: يرى منسى فى هذه الآية ثلاث صفات أخرى جديدة فى الله، بخلاف الأربع صفات السابقة وهى :
5- ربط البحر :
فرغم عظمة البحار والتى تستطيع أن تقلب أكبر السفن بأمواجها العالية ولكن الله وضع لها قانوناً هو قانون المد والجزر، الذى به لا تستطيع الأمواج أن تغطى اليابسة، بل إذ تقترب المياه من الشاطئ تعود ثانية إلى الأعماق، فالبحر يشبه الجبار المقيد بسلاسل، حتى لو تحرك نحو الأرض وما عليها يوقفه الله ويعيده إلى مكانه. كل هذا ينمى مخافة الله داخل الإنسان ليتوب.
6- ختم أعماق البحر
وإن كان الإنسان قد نزل إلى البحر وعرف عنه الكثير، ولكنه حتى الآن لا يستطيع أن يصل إلى كل أعماق البحار ولا يعرف الكائنات التى فيها ولا يحتمل الظروف الجوية هناك، فهذا يبين عظمة علم الله، التى يحاول الإنسان اكتشاف شيئاً منها. فيشعر الإنسان بضعف فهمه أمام الله ويتصاغر جداً فيذهب عنه كل كبرياء.
7- يرتعد كل شئ أمامه :
إن كان الله يحرك البحر بيده كأنه ألعوبة صغيرة، فكل ما فى السماء وما على الأرض يفزع أمام قوته، فعندما تهب الزوابع والأعاصير تقتلع أمامها الأشجار الضخمة والمبانى وتحرك البحار فتفيض على الأرض. وعندما تتحرك الجبال بالزلازل والجبال الثلجية بالحرارة وكل شئ يفزع أمام قوة الله يشعر الإنسان بضعفه ويثق فى نفس الوقت بقوة الله التى تحميه، فيلتجئ إلى أحضان الله بتوبة وانسحاق.
ع4: يرى فى هذه الآية صفة جديدة فى الله وهى :
8- غير محدود
فمجد الله الذى يظهر فى الطبيعة بأشكال مختلفة يفوق عقل الإنسان ويصعب عليه أن يعرف عنه كل شئ مما يبهر الإنسان، فيتضع أمام الله ويظل يتأمل جماله كل الأيام لأنه غير محدود.
ع5: ويرى منسى صفة جديدة تخص الإنسان مباشرة وهى :
9- غضب رجزه
فالله العظيم البار القدوس كله نور ويتنافر مع أى شر، بل يغضب بشدة على الخطاة، المتمادين فى شرهم وهذا يزيد مخافة الله فى قلب الإنسان، مما يدفعه للتوبة.
? تأمل صفات الله لينجذب قلبك إليه، فتسبحه وتمجده، فيدفعك هذا للطهارة ورفض كل خطية.
(2) إله التائبين (ع6-9):
6 ولا تحصى أو تدرك رحمة إرادتك أنت الرب العلى الرحوم طويل الروح وكثير الرحمة وبار ونادم على شر البشر. 7 أنت يا رب على قدر صلاحك رسمت توبة لمن أخطأ إليك. 8 وبكثرة رحمتك ناديت بتوبة الخطاة لخلاصهم. 9 أنت يا رب إله الأبرار لم تجعل التوبة للصديقين إبراهيم واسحق ويعقوب هؤلاء الذين لم يخطئوا إليك، بل جعلت التوبة لمثلى أنا الخاطئ.
ع6: ينتقل منسى فى صلاته وهو يتأمل صفات الله إلى محبته للبشر ورحمته وغفرانه لخطاياهم ويرى فيه ما يلى :
- رحمته الغير محدودة : فإلى جانب عدله وغضبه وعقابه الشديد للخطاة المتمادين فى شرورهم، فهو أيضاً رحيم جداً على كل الخطاة التائبين، بل إن رحمته لا يمكن إحصائها. فمهماكانت خطايا منسى ومهما اتسعت شروره، فإن رحمة الله أوسع؛ لأنها غير محدودة وتغفر كل خطايا التائبين.
- العلى الرحوم : رغم أن الله عالى جداً ويسمو عن كل البشر ولكنه حنون جداً، إذ يرى البشر أولاده، فيسامحهم عن خطاياهم التى يتوبون عنها.
- طويل الروح : لقد أطال الله أناته على منسى عشرات السنوات ولم ينه حياته؛ ليعطيه فرصة للتوبة وأخيراً عندما دخل فى الضيقة أثناء سجنه فى بابل تاب، فنال مراحم الله فى هذه الصلاة.
- بار ونادم على الشر : إن الله قدوس ولكنه يكره الشر ولا يريد عقاب أولاده؛ لأنه يريد أن “الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون” (1تى2: 4)، فندم الله هنا على معاقبة الأشرار يعنى تراجعه عن عقابهم عندما يتوبون، كما فعل مع أهل نينوى.
ع7، 8: ثم يرى منسى صفة جديدة فى الله نحو أولاده التائبين وهى :
5- صلاحـه :
الذى ظهر فى استعداده أن يغفر جميع خطايا أولاده ووضع الطريق إلى ذلك وهو التوبة.
ع9: يمجد فى النهاية منسى الله، الذى يقبل أشر الخطاة ويقول له وإن كنت تنسب نفسك للآباء الأبرار إبراهيم واسحق ويعقوب؛ لأنك بار وقدوس، لكنك عندما وضعت التوبة لم تقصد بها الأبرار، بل الخطاة الأشرار مثلى أنا منسى، الذى فعلت شروراً كثيرة أمامك.
? ما أجمل التوبة فهى الطريق العظيم، الذى ينقل أشر الخطاة إلى أحضان الله، لذا فأسرع إليها مهما كانت خطاياك لتتمتع بمحبته الإلهية.
(3) إقرار منسى بخطاياه (ع10-13):
10 لأنى أخطأت أكثر من عدد رمل البحر. 11كثرت آثامى ولست مستحقاً أن أرفع عينى إلى السماء من أجل كثرة ظلمى. 12 بل أنحنى من أجل كثرة رباطاتى الحديدية ولا أرفع رأسى من خطاياى. 13 والآن بالحقيقة قد أغضبتك ولا راحة لى لأنى أسخطت رجزك، والشر صنعت بين يديك، ولم أفعل مشيئتك ولا حفظت وصاياك بل أقمت رجاساتى، وأكثرت نجاساتى.
ع10: يقر منسى بانسحاق أن خطاياه كثيرة جداً وتكررت بشكل لا يستطيع أن يحصيها، حتى أنه يقول أنها أكثر من عدد رمل البحر وهذا يبين أمرين :
- تمادى منسى عشرات السنين فى نشر عبادة الأوثان وكل الشهوات والشرور المصاحبة لها.
- ندمه الشديد على هذه الخطايا وشعوره بكثرة خطاياه.
ع11: لأجل كثرة خطايا منسى يشعر بانسحاق شديد، فينظر إلى الأرض، أى إلى التراب الذى أخذ منه؛ لأن آدم أبوه قد خلق من التراب. ويشعر بعدم استحقاقه أن يرفع عينيه نحو الله فى السماء. فرغم اشتياقه إلى الحياة النقية السماوية، لكنه فى اتضاع يعلن أنه فى ذاته غير مستحق لها.والله هو الذى سيهبه الغفران كنعمة مجانية، فيستطيع أن ينظر إليه.
يزيد إحساسه بالندم أنه ظلم الكثيرين، ليس فقط من أخذ حقوقهم، بل من أعثرهم؛ لأنه أزاغ شعبه عن عبادة الله وشجعهم على الوثنية وكل شر فيها (2مل21: 9). ووصل ظلمه إلى أقرب الناس إليه، فقد قتل ابنه، إذ قدمه ذبيحة لمولك فأحرقه بالنار؛ ليرضى هذا الإله الوثنى (2مل21: 6) والخلاصة أنه سفك دماءً كثيرة ظلماً (2مل21: 16).
ع12: وتدفع منسى خطاياه لينحنى برأسه نحو الأرض، ليس فقط من أجل ثقل القيود الحديدية، التى ربطت بها يديه. ولكن بالأكثر فظاعة خطاياه، التى حملها على ظهره فانحنى إلى الأرض باكياً منسحقاً؛ ليحرمه الله، ويغفر له.
ع13: أسخطت رجزك : أثرت غضبك الشديد علىَّ واستحققت كل عقاب.
رجاساتى : شرورى الدنسة والقذرة.
يعلن منسى مسئوليته عن إثارة غضب الله عليه بسبب كثرة خطاياه. وهذا جعله مضطرباً، فاقداً لسلامه وراحته. وإذ تاب منسى اكتشف أن خطاياه مكشوفة أمام الله، بل أنه فى جهل عمل كل هذه الشرور بين يدى الله. وإن كان الله قد أطال أناته عليه، لكنه كان يستحق التأديب وكل عقاب.
ويعلن أيضاً منسى مسئوليته عن رفض وصايا الله ومشيئته، إذ أنه عمل عكسها وهى الخطايا، وكل أنواع النجاسة والدنس. وفى تحدى لله أقام منسى الأصنام والعبادة الوثنية فى كل مكان من مملكته، بل أمام هيكل الله نفسه وهو الآن يعترف أن كل هذه خطايا شنيعة جداً.
? إن كنت تقدم توبة عن خطاياك وتظهر شناعتها، فأنت تستدر مراحم الله عليك وتتمتع برحمته، ولكنك إن أهملت التوبة تجلب على نفسك غضب الله، فاهتم بمحاسبة نفسك كل يوم لتنام مطمئناً بين يدى الله.
(4) اتضاع منسى وطلب الغفران (ع14-18):
14والآن أحنى ركبتى قلبى وأطلب من صلاحك، أخطأت يا رب أخطأت، وآثامى أنا أعرفها. ولكنى أسأل وأطلب إليك يا رب اغفر لى ولا تهلكنى باثامى، ولا تحقد علىَّ إلى الدهر، ولا تمسك علىَّ شرورى ولا تطرحنى فى الدينونة فى عمق أسفل الأرض. 15 لأنك أنت هو إله التائبين. 16 وفىّ أظهر صلاحك لأنى غير مستحق. 17 وخلصنى بكثرة رحمتك، فأسبحك كل حين كل أيام حياتى.
18 لأنك أنت هو الذى ترنم لك كل قوات السموات. 19 لك المجد إلى الأبد آمين.
ع14: تحقد علىَّ إلى الدهر : أى تلقينى فى العذاب الأبدى عقاباً على خطاياى.
أخيراً فى اتضاع يعبر عنه، ليس فقط فى إحناء ركبتيه، بل ركبتى قلبه، أى ينسحق منسى، ومن هذا الاتضاع، ينظر إلى صلاح الله، طالباً غفران خطاياه، فهو غير مستحق لكثرة خطاياه ولكن رجاؤه فى رحمة الله. فهو إذ يقر ويؤكد خطاياه ومعرفته بشروره، يتضرع إلى الله؛ ليغفر له كل هذه الخطايا ولا يحاسبه عليها، أو يغضب ويحقد عليه بسبب هذه الشرور، فيلقيه فى الهلاك الأبدى.
ع15: يصف منسى الله بصفة جميلة، أنه إله التائبين، فليس هناك إنسان بلا خطية ولكن هناك من يرجع بالتوبة، فهو من أولاد الله وهناك من يصر على خطاياه، فهو من أولاد إبليس.
ع16: يترجى منسى الله أن يظهر فيه صلاحه أى رحمته، فرغم عدم استحقاق منسى يرجو الله أن يهبه الغفران كنعمة إلهية. ويتمنى أن يعطيه الله من صلاحه، أى يجعل منسى صالحاً.
ع17: إذ ينال منسى الخلاص من خطاياه الكثيرة والغفران بكثرة مراحم الله، يدفعه هذا إلى تسبيح الله وتمجيده كل أيام حياته. لأن الغفران الإلهى لكل هذه الخطايا يفوق العقل وليس لدى منسى إلا الشكر والتسبيح. هذا هو شعور كل تائب بالحقيقة أمام الله.
ع18: وهكذا ينضم منسى إلى الملائكة الذين هم قوات وأجناد السموات، فيسبح الله معهم، أى يعمل منسى عمله الطبيعى كإنسان، فيبدأ بالتسبيح على الأرض، الذى يكمل فى السماء بعد انتقاله من هذا الجسد.
وواضح أن الإنسان المنغمس فى الخطية ليست له ميول روحية، فلا يحب الصلاة والتسبيح ولكن إذ تتحرر خطاياه، تنطلق مشاعره للصلاة والتسبيح.
? أشكر الله كل يوم بعد أن تعترف بخطاياك؛ لأنه يقبلك ويغفرها لك وينتظرك فى سرى الاعتراف والتناول، ليتمم لك نعمته. بل كن متمسكاً بصلواتك وتسابيحك كل يوم؛ لأنها هى حياتك الطبيعية ولذتك.
(3) اصلاحات منسى وموته (ع14-20):
14- و بعد ذلك بنى سورا خارج مدينة داود غربا الى جيحون في الوادي و الى مدخل باب السمك و حوط الاكمة بسور و علاه جدا و وضع رؤساء جيوش في جميع المدن الحصينة في يهوذا. 15- و ازال الالهة الغريبة و الاشباه من بيت الرب و جميع المذابح التي بناها في جبل بيت الرب و في اورشليم و طرحها خارج المدينة. 16- و رمم مذبح الرب و ذبح عليه ذبائح سلامة و شكر و امر يهوذا ان يعبدوا الرب اله اسرائيل. 17- الا ان الشعب كانوا بعد يذبحون على المرتفعات انما للرب الههم. 18- و بقية امور منسى و صلاته الى الهه و كلام الرائين الذين كلموه باسم الرب اله اسرائيل ها هي في اخبار ملوك اسرائيل. 19- و صلاته و الاستجابة له و كل خطاياه و خيانته و الاماكن التي بنى فيها مرتفعات و اقام سواري و تماثيل قبل تواضعه ها هي مكتوبة في اخبار الرائين. 20- ثم اضطجع منسى مع ابائه فدفنوه في بيته و ملك امون ابنه عوضا عنه.
ع14: مدينة داود : تسمى أيضاً جبل صهيون وتقع فى الجنوب الشرقى من أورشليم وتوجد فيها مدافن ملوك يهوذا.
جيحون : هو وادى قدرون، الذى يمتد من الشمال الشرقى لمدينة أورشليم حتى جنوبها.
باب السمك : أحد أبواب أورشليم، يقع فى شمالها ويقع بجوار سوق السمك؛ ليدخل منه الصيادون بأسماكهم.
الأكمة : مكان مرتفع محصن يقع شرق أورشليم وجنوب الهيكل وشمال مدينة داود، أو جبل صهيون.
بعد توبة منسى اهتم بمملكة يهوذا وبدأ بأورشليم، فبنى سوراً لها، يمتد من شمال المدينة عند باب السمك ويلف غرباً؛ حتى يصل إلى جنوب المدينة، عند وادى قدرون. وأيضاً بنى سوراً عالياً حول الأكمة، التى هى مكان محصن جداً.
أهتم أيضاً بحماية مدن يهوذا ووضع فى كل منها أحد رؤساء جيشه، ومعه عدد كبير من العسكر.
وهذا يرمز إلى أن الإنسان التائب ينبغى أن يحصن نفسه ضد هجمات الشر ولا يكتفى برفض الخطية ولكن يقوى علاقته بالله؛ حتى لا يستطيع إبليس أن يهاجمه، أو يتغلب عليه.
? تمسك بجهادك الروحى طوال حياتك، ولا تكتفى بترك الخطايا الصعبة، التى سقطت فيها كثيراً، بل كن مواظباً على علاقتك بالله، نامياً فى مخافته ومحبته.
ع15: الأشباه : تماثيل تشبه الآلهة ويقال أن منسى قد عمل تماثيل له أيضاً تشبهه ليتعبدوها.
جبل بيت الرب : هو تل يقع شمال شرق مدينة أورشليم ويسمى جبل المريا.
من الأعمال الهامة التى عملها منسى الملك، بعد توبته، إزالته للأصنام ومذابح الأوثان، التى كان قد بناها فى أورشليم، بل وفى داخل دارى بيت الرب (ع5) وطرح هذه التماثيل خارج أورشليم ولكنه للأسف لم يحطمها، أو يحرقها، كما فعل غيره من الملوك الصالحين، ولذا عندما ملك ابنه آمون بعده، أخذ هذه التماثيل وأقامها ثانية وعبدها وذبح (ع22).
ع16: أزال منسى العبادات الوثنية، التى أقامها فى أيام ملكه الأول، عندما كان بعيداً عن الله قبل أن يتوب، وهى مدة تصل إلى ما يقرب من خمسين عاماً؛ لأنه ملك خمس وخمسين عاماً وقد ملك وعمره إثنى عشر عاماً وتم سبيه وعمره ثمانى وخمسين عاماً (عام 648 ق.م) كما تشير المخطوطات القديمة، أى أنه تاب فى السنوات الأخيرة من حياته، بعد رجوعه من بابل.
بعدما تاب اهتم منسى، ليس فقط بإزالة العبادات الوثنية، بل أهتم بدعوة شعبه لعبادة الله؛ لأنه رمم مذبح الله الذى كان قد أهمل عشرات السنوات، ثم قدم عليه ذبائح سلامة وشكر لله، الذى قبل توبته وشجع شعبه، بل أمرهم أن يعبدوا الله، كما أوصى فى شريعته.
ع17: أزال منسى معابد الأوثان والتماثيل ولكن لم يسعفه الوقت أن يزيل المرتفعات التى كانوا يقدمون عليها عبادة لأجناد السماء ولكن منسى منع تقديم آية عبادة وثنية عليها، فكان الشعب يقدمون عليها عبادة لله وذبائح وإن كان هذا الأمر غير سليم؛ لأن الذبائح ينبغى أن تُقدم فى هيكل الله فقط ولكنه على الأقل كانت هذه العبادة رجوع إلى الله ورفض للأوثان.
ع18، 19: الرائين : جمع رائى وهو شخص يرى رؤى من الله ويتنبأ ويعلن صوت الله للشعب وكان يكتب الرؤى والنبوات والإرشادات فى كتاب.
أما تفاصيل حياة منسى، سواء فى فترة سلوكه الشرير وتشجيعه لعبادة الأوثان، التى أزاغ بها الشعب عن الله، فكلها مكتوبة فى أخبار ملوك إسرائيل وكذلك أخبار الرائين. وفى هذه الكتب يُذكر توبيخ الرائين لمنسى أيام ابتعاده عن الله، ثم تحوى هذه الكتب توبته ورجوعه إلى الله، ثم صلاته، التى استجاب لها الله فأعاده من بابل، فبدأ إصلاحاته فى أورشليم واليهودية، دليلاً على توبته ومحاولته أن يرجع الشعب إلى الله وإن كان عدد قليل منهم قد عاد لأنهم كانوا قد ثبتوا فى عبادة الأوثان ونسوا الله.
ع20: مات منسى بعد أن ملك 55 عاماً عن عمر 67 سنة ويبدو أنه أوصى أن يدفنوه فى بستان بيته؛ لأنه شعر بعدم استحقاقه أن يدفن فى قبور الملوك وهذا يبين تواضعه وتوبته العميقة. ثم ملك بعده ابنه آمون.
(4) تملك آمون على يهوذا (ع21-25):
21- كان امون ابن اثنتين و عشرين سنة حين ملك و ملك سنتين في اورشليم. 22- و عمل الشر في عيني الرب كما عمل منسى ابوه و ذبح امون لجميع التماثيل التي عمل منسى ابوه و عبدها. 23- و لم يتواضع امام الرب كما تواضع منسى ابوه بل ازداد امون اثما. 24- و فتن عليه عبيده وقتلوه في بيته. 25- و قتل شعب الارض جميع الفاتنين على الملك امون و ملك شعب الارض يوشيا ابنه عوضا عنه
ذكرت حياة آمون الملك فى (2مل ص21: 19-26).
ع21، 22: بعد موت منسى ملك ابنه آمون وكان عمره اثنين وعشرين عاماً، أى شاباً صغيراً وهو الملك الخامس عشر على عرش يهوذا وسار فى الشر وقدم ذبائح للأوثان وابتعد عن الله ولم يتعلم من توبة أبيه، التى تمت عندما دخل فى ضيقة عظيمة فى سجنه داخل بابل.
? ليتك تتعلم من فضائل الآخرين وأيضاً من أخطائهم، فتحاول اقتناء الفضائل وتبتعد عن الأخطاء، التى رأيت نهايتها المرة. إن كل ما يحدث حولك هو رسائل شخصية لك من الله؛ لتبتعد عن خطاياك وتقترب إليه.
ع23: استمر آمون فى الشر وعبادة الأوثان ولم يرجع عنها بالتوبة إلى الله مثل أبيه؛ لعله قال سأتوب فيما بعد، كما تاب أبى ولكنى أريد أن أتمتع الآن بالشهوات ونسى أنه لا يعرف يوم نهايته فى هذا العالم، فلم يملك إلا سنتين وهذا كان بتدبير الله؛ حتى لا يزيد فى شروره ويبعد شعبه أكثر من هذا عن الله.
غالباً كان الشعب مستمراً فى عبادة الأوثان ولم يتب مع منسى، مما ساعد آمون على عبادة الأصنام، لعل هذا بتشجيع مستشاريه وعبيده، وعموماً هذا يبين لنا أن الشر الذى يعمله الإنسان يعثر الآخرين وإن تاب فقد لا يستطيع إعادة من أعثرهم إلى الله.
ع24: أنهى الله حياة آمون بعد سنتين من تملكه وكان عمره حينئذ أربع وعشرون عاماً، إذ قام عليه عبيده وقتلوه وهكذا أتى شره على رأسه.
ع25: أغتاظ شعب مملكة يهوذا من قاتلى الملك فقتلوهم. ودفنوا آمون فى بستان بيته الذى يدعى بستان عزا (2مل21: 26) لم ملكوا ابنه الطفل الصغير يوشيا ملكاً بعده.