الرحلة الثانية وكرازة بولس فى أوربا وآسيا
(1) الذهاب إلى تركيا (ع1-10 ):
1ثُمَّ وَصَلَ إِلَى دَرْبَةَ وَلِسْتِرَةَ، وَإِذَا تِلْمِيذٌ كَانَ هُنَاكَ اسْمُهُ تِيمُوثَاوُسُ، ابْنُ امْرَأَةٍ يَهُودِيَّةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَلَكِنَّ أَبَاهُ يُونَانِىٌّ، 2وَكَانَ مَشْهُودًا لَهُ مِنَ الإِخْوَةِ الَّذِينَ فِى لِسْتِرَةَ وَإِيقُونِيَةَ. 3فَأَرَادَ بُولُسُ أَنْ يَخْرُجَ هَذَا مَعَهُ، فَأَخَذَهُ وَخَتَنَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِى تِلْكَ الأَمَاكِنِ، لأَنَّ الْجَمِيعَ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَبَاهُ أَنَّهُ يُونَانِىٌّ. 4وَإِذْ كَانُوا يَجْتَازُونَ فِى الْمُدُنِ، كَانُوا يُسَلِّمُونَهُمُ الْقَضَايَا الَّتِى حَكَمَ بِهَا الرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ الَّذِينَ فِى أُورُشَلِيمَ لِيحْفَظُوهَا. 5فَكَانَتِ الْكَنَائِسُ تَتَشَدَّدُ فِى الإِيمَانِ، وَتَزْدَادُ فِى الْعَـدَدِ كُلَّ يَـوْمٍ. 6وَبَعْدَ مَا اجْتَازُوا فِى فِرِيجِيَّةَ وَكُورَةِ غَلاَطِيَّةَ، مَنَعَهُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالْكَلِمَـةِ فِى أَسـِيَّا. 7فَلَمَّا أَتَوْا إِلَى مِيسِيَّا، حَاوَلُوا أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى بِثِينِيَّةَ، فَلَمْ يَدَعْهُمُ الرُّوحُ. 8فَمَرُّوا عَلَى مِيسِيَّا، وَانْحَدَرُوا إِلَى تَرُوَاسَ. 9وَظَهَرَتْ لِبُولُسَ رُؤْيَا فِى اللَّيْلِ: رَجُلٌ مَكِدُونِىٌّ قَائِمٌ يَطْلُبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: «اعْبُرْ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ وَأَعِنَّا.» 10فَلَمَّا رَأَى الرُّؤْيَا، لِلْوَقْتِ طَلَبْنَا أَنْ نَخْرُجَ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ، مُتَحَقِّقِينَ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَعَانَا لِنُبَشِّرَهُمْ.
ع1-2: تميزت الرحلة الثانية ببدء الكرازة فى أوربا لأول مرة بمدينة فيلبى. وقامت الرحلة من أنطاكية (سوريا) برًا إلى طرسوس (تركيا)، ثم برًا إلى دربة (تركيا)، وبعد ذلك برًا إلى لسترة (تركيا)، ومنها برًا إلى أيقونية (تركيا)، وبعدها برًا إلى ترواس (تركيا)، ثم بحرًا إلى مينابوليس (أوربا)، واتجه هناك برًا إلى فيلبى (أوربا) ومنها برًا إلى أمفيبوليس (أوربا)، وبعد ذلك برًا إلى أبولونيا (أوربا)، ومنها سافر برًا إلى تسالونيكى (أوربا)، وبعدها برًا إلى بيرية (أوربا) وتلتها أثينا (أوربا) برًا، ومن هناك انتقل إلى كنخريا (اليونان) برًا، وبعدها إلى كورنثوس (اليونان) برًا أيضًا، وأبحر منها إلى أفسس (تركيا)، ثم بحرًا إلى قيصرية (فلسطين)، ووصل أخيرًا إلى أورشليم برًا. وذكرت الرحلة الثانية من (ص15: 36 إلى ص 18: 22)، واستغرقت الفترة من سنة 51م إلى 54م أى ثلاث سنوات ونصف.
فى لسترة كان يعيش تيموثاوس، الذى صار تلميذًا لبولس الرسول، وكانت أمه تسمى أفنيكى (أى الإرادة المنتصرة)، وأبوه يونانى وثنى. وكان الجميع يشهدون بإيمان تيموثاوس وروحانيته وخدمته.
ع3: أراد بولس أن يصحب تيموثاوس كتلميذ له فى رحلته ليساعده مثلما أخذ مرقس قبلاً، فختنه أولاً ليستطيع أن يبشر معه فى مجامع اليهود، ولا يرفضوه بسبب أصله اليونانى.
ع4: كان الرسل يسلمون قرارات مجمع أورشليم إلى كل مدينة يذهبون إليها حيث أسسوا كنائس، وذلك حتى لا يزعجهم أحد اليهود المتنصرين، بل يثقوا أنهم غير محتاجين للختان والناموس بعد عمادهم وانضمامهم للكنيسة.
ع5: كانت الكنائس تزداد عددًا وقوة فى الإيمان على مر الأيام.
ع6: فريجيه: مقاطعة كبيرة فى وسط آسيا الصغرى أى تركيا، وهى غرب بيسيدية ومن أهم مدنها كولوسى وهيرابوليس ولادوكية.
غلاطية: مقاطعة فى آسيا الصغرى تقع شرق فريجيه، معظم سكانها وثنيون وفيها بعض اليهود.
آسيا: مقاطعة فى غرب آسيا الصغرى أى تركيا، عاصمتها أفسس، وتقع فيها السبع مدن التى أرسلت إليها الرسائل فى سفر الرؤيا، وهى بالطبع غير قارة آسيا.
اجتاز الرسل فى وسط تركيا وغلاطية، ولكن الروح القدس منعهم من البشارة بأفسس غرب تركيا.
ع7-8: ميسيا: مقاطعة فى شمال غرب آسيا الصغرى.
بيثينيه: مقاطعة فى آسيا الصغرى تقع شرق ميسيا وعاصمتها نيقيه، التى اجتمع فيها المجمع المسكونى الأول.
ترواس: ميناء فى مقاطعة ميسيا يقع على البحر الأبيض المتوسط.
فى ميسيا أراد الرسل الذهاب شرقا للكرازة فى بيثينية بتركيا، لكن الروح القدس وجههم غربا لعبور البحر إلى اليونان من ميناء ترواس التركى.
ع9: مكدونى: من مكدونية، وهى أول مقاطعة فى أوربا باليونان التى خرج منها الإسكندر الأكبر.
أعبر… وأعنا: يدعوه للتبشير فى أوربا ليعينهم ويخرجهم من ظلمة الوثنية إلى نور المسيحية.
ظهرت رؤيا لبولس فى الليل تدعوه للعبور من تركيا إلى أوربا للكرازة بها.
ع10: إلتقى بولس ورفقاؤه بلوقا الذى كان يبشر فى ترواس، فانضم إليهم، ولما ظهرت الرؤيا لبولس تحرك الجميع بحرًا إلى مكدونية (اليونان)، متأكدين أن الله يريد منهم التبشير فى أوربا.
? لا تتضايق إن تعطلت بعض خطتك وترتيباتك لأسباب خارجة عن إرادتك، فمشيئة الله أفضل من مشيئتك، فقط كن أمينا فيما بين يديك واقبل تدابير الله، وكن مرنًا وتكيف مع الظروف الجديدة واثقا أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله.
(2) البشارة فى فيلبى (ع11-15):
11فَأَقْلَعْنَا مِنْ تَرُوَاسَ، وَتَوَجَّهْنَا بِالاِسْتِقَامَةِ إِلَى سَامُوثْرَاكِى، وَفِى الْغَدِ إِلَى نِيَابُولِيسَ، 12وَمِنْ هُنَاكَ إِلَى فِيلِبِّى الَّتِى هِى أَوَّلُ مَدِينَةٍ مِنْ مُقَاطَعَةِ مَكِدُونِيَّةَ، وَهِى كُولُونِيَّةُ. فَأَقَمْنَا فِى هَذِهِ الْمَدِينَةِ أَيَّامًا. 13وَفِى يَوْمِ السَّبْتِ، خَرَجْنَا إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ نَهْرٍ، حَيْثُ جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ تَكُونَ صَلاَةٌ، فَجَلَسْنَا، وَكُنَّا نُكَلِّمُ النِّسَاءَ اللَّوَاتِى اجْتَمَعْنَ. 14فَكَانَتْ تَسْمَعُ امْرَأَةٌ اسْمُهَا لِيدِيَّةُ، بَيَّاعَةُ أُرْجُوانٍ، مِنْ مَدِينَةِ ثَيَاتِيرَا، مُتَعَبِّدَةٌ لِلَّهِ، فَفَتَحَ الرَّبُّ قَلْبَهَا لِتُصْغِىَ إِلَى مَا كَانَ يَقُولُهُ بُولُسُ. 15فَلَمَّا اعْتَمَدَتْ هِى وَأَهْلُ بَيْتِهَا، طَلَبَتْ قَائِلَةً: «إِنْ كُنْتُمْ قَدْ حَكَمْتُمْ أَنِّى مُؤْمِنَةٌ بِالرَّبِّ، فَادْخُلُوا بَيْتِى وَامْكُثُوا.» فَأَلْزَمَتْنَا.
ع11: أقلعنا: سافرنا بحرًا واستغرقت هذه الرحلة البحرية يومين حتى وصلنا نيابوليس.
ساموثراكى: جزيرة صغيرة بين ترواس ونيابوليس.
نيابوليس: أى المدينة الجديدة وهى ميناء مدينة فيلبى.
انتقل بولس ورفقاؤه من ترواس فى آسيا إلى ساموثراكى بحرًا، ثم نيابوليس باليونان.
ع12: كولونية: أى مدينة تتمتع بنفس حقوق روما.
تركوا نيابوليس غالبا لعدم وجود يهود بها، واتجهوا إلى فيلبى فى مقاطعة مكدونية بشمال اليونان وهى مدينة من يسكنها يكون مواطنًا رومانيا، له حقوق أهل روما وأقاموا بها لمدة أيام.
ع13: عندما حل يوم السبت، بدأ بولس البشارة فى تجمع لليهود كان يتم خارج المدينة التى لم يكن بها مجمع، وكان اليهود يجتمعون عند النهر لأنه محظور دخول ديانة غير معترف بها إلى فيلبى، كما أن النهر مناسب لأخذ ماء للتطهير. وبدأوا يكلمون النساء المجتمعات للصلاة.
ع14: أرجوان: لون صبغة أحمر يستخرج من الصدف، تصبغ به الأقمشة التى يلبسها الملوك والعظماء، وكانت ليدية تبيع هذا النوع الفاخر من القماش.
ثياتيرا: مدينة فى آسيا الصغرى كرز فيها يوحنا الحبيب وذكرت فى سفر الرؤيا.
متعبدة لله: أممية تأثرت باليهود وأحبت عبادة الله.
سمعت ليدية الرسل وقد كانت أممية من تركيا وآمنت بالمسيح.
ع15: حكمتم أنى مؤمنة: وافقتم على إيمانى بدليل تعميدكم لى، فيصبح من حقى أن أنال بركة استضافتكم.
ألزمتنا: كان بولس ومن معه متعففين لا يريدون التثقيل على أحد، ويأكلون من أعمال أيديهم، ولكن تظهر فضيلة إضافة الغرباء عند ليدية، التى ألحت على استضافتهم.
بعد اعتماد ليدية وأسرتها، الذى يؤكد معمودية الأطفال، استضافتهم فى بيتها.
? اهتم بالغرباء فى كنيستك أو مكان إقامتك أو عملك، فتشجعهم بكلماتك الطيبة وتساعدهم قدر ما تستطيع. ضع نفسك مكانهم لتشعر بهم، واعلم أن محبتك هذه تقدمها لله نفسه، فالمسيح قال أن من يضيف غريبا كأنه أضافنى، وإبراهيم عندما أضاف غرباءً اكتشف أنه أضاف الله وملائكته.
(3) الجارية العرافة (ع16-18):
16وَحَدَثَ بَيْنَمَا كُنَّا ذَاهِبِينَ إِلَى الصَّلاَةِ، أَنَّ جَارِيَةً بِهَا رُوحُ عِرَافَةٍ اسْتَقْبَلَتْنَا، وَكَانَتْ تُكْسِبُ مَوَالِيَهَا مَكْسَبًا كَثِيرًا بِعِرَافَتِهَا. 17هَذِهِ اتَّبَعَتْ بُولُسَ وَإِيَّانَا، وَصَرَخَتْ قَائِلَةً: «هَؤُلاَءِ النَّاسُ هُمْ عَبِيدُ اللهِ الْعَلِىِّ، الَّذِينَ يُنَادُونَ لَكُمْ بِطَرِيقِ الْخَلاَصِ.» 18وَكَانَتْ تَفْعَلُ هَذَا أَيَّامًا كَثِيرَةً. فَضَجِرَ بُولُسُ، وَالْتَفَتَ إِلَى الرُّوحِ وَقَالَ: «أَنَا آمُرُكَ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا.» فَخَرَجَ فِى تِلْكَ السَّاعَةِ.
ع16: مواليها: سادتها الذين يستخدمونها فى معرفة الغيب ليربحوا من هذا العمل، وكانوا عددًا كبيرًا إذ كانت تدر عليهم أموالاً كثيرة.
فى طريق ذهابهم صباحًا لصلاة الساعة الثالثة، وهى أول صلوات اليهود أى التاسعة صباحا بالتوقيت الحالى، ولعل المكان هو المذكور فى (ع13)، كانت جارية بها شيطان تعمل كعرافة أى تكشف بعض الأمور المستقبلية القريبة، وهى أحداث رآها الشيطان وتمت فى أماكن بعيدة ولم تصل بعد إلى الإنسان، وكانت تكسب سادتها مكسبا كبيرًا.
ع17: اتبعت: استمعت لتبشير بولس، واستمرت تتابعه فى تحركاته لأن الشيطان يريد أن يعرف كلام التبشير ليقاومه.
صرخت: كان من عادة بعض العرافين فى ذلك الوقت أن يصرخوا لجذب انتباه الناس ثم يعلنوا الغيبيات، فهنا صرخت كعادتها لتعلن حقيقة أن بولس ومن معه عبيد الله.
تبعت العرافة بولس ورفقاءه، وأخذ الشيطان يشوش عليهم حتى لا يسمع الناس وعظهم. وشهد الشيطان لبولس ومن معه، ليكسب ثقة الجموع الذين يتبعون بولس فيظل يضلهم.
ع18: ضجر: لأجل التشويش الذى تصنعه، وإشفاقا عليها كإنسانة معذبة بالشيطان، وحتى لا يكسب الشيطان رضا الناس وثقتهم بشهادته.
تلك الساعة: أى فى الحال.
عندما فعلت العرافة ذلك أيامًا كثيرة، تضايق بولس لأن شهادة الشيطان للمسيح مرفوضة، وأمر الروح باسم المسيح أن يخرج منها فخرج فورًا.
? شهادة الأشرار غير مقبولة لسوء سلوكهم. فكن مدققا فى تصرفاتك وكلامك لئلا تعثر أحدًا عندما تتكلم عن الله. أرفض كل ما لا يليق بك كمسيحى حتى لو لم يكن خطية، وتب سريعًا عن خطاياك فيستر الله عليك ولا تعثر أحدًا.
(4) فى السجن (ع19-24):
19فَلَمَّا رَأَى مَوَالِيهَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ رَجَاءُ مَكْسَبِهِمْ، أَمْسَكُوا بُولُسَ وَسِيلاَ وَجَرُّوهُمَا إِلَى السُّوقِ إِلَى الْحُكَّامِ. 20وَإِذْ أَتَوْا بِهِمَا إِلَى الْوُلاَةِ، قَالُوا: «هَذَانِ الرَّجُلاَنِ يُبَلْبِلاَنِ مَدِينَتَنَا، وَهُمَا يَهُـودِيَّانِ، 21وَيُنَادِيَانِ بِعَوَائِدَ لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْبَلَهَا وَلاَ نَعْمَلَ بِهَا، إِذْ نَحْنُ رُومَانِيُّونَ.» 22فَقَامَ الْجَمْعُ مَعًا عَلَيْهِمَا، وَمَزَّقَ الْوُلاَةُ ثِيَابَهُمَا، وَأَمَرُوا أَنْ يُضْرَبَا بِالْعِصِىِّ. 23فَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا ضَرَبَاتٍ كَثِيرَةً، وَأَلْقَوْهُمَا فِى السِّجْنِ، وَأَوْصَوْا حَافِظَ السِّجْنِ أَنْ يَحْرُسَهُمَا بِضَبْطٍ. 24وَهُوَ، إِذْ أَخَذَ وَصِيَّةً مِثْلَ هَذِهِ، أَلْقَاهُمَا فِى السِّجْنِ الدَّاخِلِىِّ، وَضَبَطَ أَرْجُلَهُمَا فِى الْمِقْطَرَةِ.
ع19: رأى: ظهر هدوء على الجارية أعلمهم أنها قد تخلصت من الشيطان.
أمسكوا بولس وسيلا: لأنهما كانا المتكلمين والمتقدمين، ولم يمسكوا من معهم وهما لوقا وتيموثاوس.
السوق: حيث يجتمع الناس وتقام المحاكمات.
نتيجة لتوقف ربح أصحاب الجارية، جروا بولس وسيلا إلى حكام المدينة.
ع20-21: الولاة: الحكام الرومانيون العسكريون لأنها مدينة تابعة للسلطة الرومانية.
يبلبلان: يثيران قلق واضطراب فى المدينة.
يهوديان: ذكر جنسهما لأن اليهود مكروهون عند السلطة الرومانية.
عوائد: لم يكن مسموحًا فى النظام الرومانى بممارسة أى دين أو عوائد جديدة إلا بإذن من السلطة، فأظهر الموالى أن هذه العوائد غريبة عن التفكير الرومانى وغير معتمدة من السلطة.
ادعى موالى الجارية على بولس وسيلا اتهامات تستوجب الموت، وهى التبشير بعقيدة غريبة فى مدينة رومانية مما يسبب بلبلة المدينة وانزعاجها.
ع22-23: قام الجمع: استطاع موالى الجارية أن يهيجوا الشعب لأنهم خسروا من يعرفهم الغيب فى مشاكلهم الخاصة، ولأن بولس وسيلا يهوديان فعوائدهما وتعاليمهما ضد الرومان.
قام الولاة بتعرية بولس وسيلا لجلدهما بعنف غير عادى، ممزقين ثيابهما بدلاً من خلعها، وأمروا بضربهم بالعصى على ظهورهم بقسوة غير معتادة (2كو11: 25)، وأوصوا المسئول عن السجن بتشديد الحراسة عليهما باعتبارهما من أشر المجرمين المحتاجين لحراسة أكثر من العادى.
ع24: المقطرة: آلة خشبيه لربط رأس ويدى ورجلى المذنب فى فتحاتها الخمسة، حتى لا يتحرك ويظل فى وضع مؤلم لجسمه كله، إذ ينام على ظهره.
وضع السجان بولس وسيلا فى أعمق مكان بالسجن وهو السجن الداخلى، الذى لا يدخله عادة أى ضوء أو هواء بل يكون كهفا أسفل السجن العادى، ولا يسجن فيه إلا من ينتظر الموت، وربط أرجلهما فى المقطرة، وكان ظهرهما داميين من أثر الضرب الشديد بالعصى.
? احتمل الآلام من أجل التمسك بوصايا الله أو خدمته ومهما كانت الضيقات شديدة، فالله سيسندك؛ وهو يسمح للشيطان أن يظهر كل شره ثم يتمجد فيك وينصرك. واعلم أن كل ما تحتمله غالٍ جدًا فى عينى الله وسيكافئك عنه، ليس فقط فى هذه الحياة بل بالأحرى فى الحياة الأبدية.
(5) فتح السجن وإيمان السجان (ع25-34):
25وَنَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ، كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ، وَالْمَسْجُونُونَ يَسْمَعُونَهُمَا. 26فَحَدَثَ بَغْتَةً زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ، حَتَّى تَزَعْزَعَتْ أَسَاسَاتُ السِّجْنِ، فَانْفَتَحَتْ فِى الْحَالِ الأَبْوَابُ كُلُّهَا، وَانْفَكَّتْ قُيُودُ الْجَمِيعِ. 27وَلَمَّا اسْتَيْقَظَ حَافِظُ السِّجْنِ وَرَأَى أَبْوَابَ السِّجْنِ مَفْتُوحَةً، اسْتَلَّ سَيْفَهُ، وَكَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ، ظَانًّا أَنَّ الْمَسْجُونِينَ قَدْ هَرَبُوا. 28فَنَادَى بُولُسُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلًا: «لاَ تَفْعَلْ بِنَفْسِكَ شَيْئًا رَدِيًّا، لأَنَّ جَمِيعَنَا هَهُنَا.» 29فَطَلَبَ ضَوْءًا، وَانْدَفَعَ إِلَى دَاخِلٍ، وَخَرَّ لِبُولُسَ وَسِيلاَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ، 30ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا، وَقَالَ: «يَا سَيِّدَىَّ، مَاذَا يَنْبَغِى أَنْ أَفْعَلَ لِكَىْ أَخْلُصَ؟» 31فَقَالاَ: «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ.» 32وَكَلَّمَاهُ وَجَمِيعَ مَنْ فِى بَيْتِهِ بِكَلِمَـةِ الرَّبِّ. 33فَأَخَذَهُمَا فِى تِلْكَ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَغَسَّلَهُمَا مِنَ الْجِرَاحَاتِ، وَاعْتَمَدَ فِى الْحَالِ هُوَ وَالَّذِينَ لَهُ أَجْمَعُونَ. 34وَلَمَّا أَصْعَدَهُمَا إِلَى بَيْتِهِ، قَدَّمَ لَهُمَا مَائِدَةً، وَتَهَلَّلَ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ، إِذْ كَانَ قَدْ آمَنَ بِاللَّهِ.
ع25: فى نصف الليل: منعهما الألم من النوم، فكان هذا مساعدًا لهما على الصلاة والتسبيح.
يصليان ويسبحان: إذ فرحا بمشاركتهم المسيح فى آلامه.
أخذ بولس وسيلا يصليان فى نصف الليل بفرح عجيب دائم، مستهينين بالقيود والألم، وكان المسجونون ينصتون إليهما بدلاً من النوم لغرابة الأمر.
ع26: زلزلة عظيمة: إعلان قوى لقوة الله الذى يصلى إليه بولس وسيلا، وسمعهما المسجونون ففهموا أن الزلزلة مرتبطة بصلاتهما، وأنهما السبب فى فتح الأبواب وانفكاك القيود؛ ومن هول المفاجأة لم يتحرك أحد المسجونين من مكانه رغم وجود فرصة كافية للهرب.
ع27: استيقظ: نام السجان وهذا خطأ يُعاقَب عليه، فلما استيقظ فوجئ بانفتاح أبواب السجن.
ظانًا: كان متأكدًا أن بعضهم على الأقل قد هرب وهو بالتالى سيتعرض لعذابات تنتهى بقتله فقرر أن يقتل نفسه؛ لأنه سيحكم عليه بالقتل بدلاً منهم، كما ينص على ذلك القانون الرومانى.
ع28: لم يكن بولس يراه ولكن أعلن الله له الأمر، فصاح بصوت عظيم من السجن الداخلى ليسمعه السجان، طالبًا منه الامتناع عن قتل نفسه لأن هذا شر عظيم، وطمأنه أن الجميع موجودون ولم يهرب أحد.
ع29: طلب ضوءًا: كلمة ضوء فى الأصل اليونانى بالجمع، أى أن السجان طلب من مساعديه إحضار مجموعة مشاعل للتأكد من وجود جميع المسجونين.
خر: شعر السجان أن بولس وسيلا، اللذين قبضا عليهما بسبب تعاليم غريبة عن العبادات الوثنية الرومانية، لابد أنهما رجلا الله بسبب الزلزلة التى حدثت وما تلاها من انفتاح الأبواب وانفكاك القيود، فسجد لهما.
مرتعد: لأنه أمام إله عظيم يزلزل المكان، وهو إله بولس وسيلا.
ع30-32: يا سيدىّ: يظهر مدى احترامه وخضوعه لهما، واستعداده لقبول التبشير منهما.
لكى أخلص: اهتم السجان بخلاص نفسه، فقد قادته معجزة الزلزلة للاهتمام بحياته الروحية وليس فقط الاطمئنان على أنه لن يعاقب لعدم هروب المسجونين.
آمن بالرب يسوع المسيح: لأن أساس الخلاص هو فداء المسيح.
كلماه: شرحا له تفاصيل الحياة مع الله داخل الكنيسة التى تشمل الأسرار المقدسة، وأولها سر المعمودية الذى تمماه له (ع33) ووسائط النعمة مثل الصلاة والصوم…
جميع من فى بيته: زوجته وأولاده وأقاربه وعبيده.
أخرج السجان بولس وسيلا من السجن وأتى بهما إلى بيته طالبًا أن يرشداه لطريق الخلاص، إذ يبدو أنه قد سمع سابقًا جانبًا من كرازتهما وتأثر بهما، فأرشداه للإيمان هو وأهل بيته.
ع33: فى تلك الساعة من الليل: يحدد هنا أن السجان أخرجهما أثناء الليل إلى بيته ولم ينتظر إلى الصباح، وهناك غسلهما من جراحاتهما ووعظاه ثم عمداه هو وأهل بيته.
غسلهما: من الجراحات التى نشأت فى ظهريهما، من الضرب، والتصقت بأوساخ السجن الداخلى، فاحتاجا أن يغتسلا منها لتخفيف الآلام عنهما.
الذين له أجمعون: لابد أن هذا يشمل الكبار والصغار، وهذا يؤكد أهمية تعميد الأطفال حتى ينالوا الخلاص.
غسل السجان جراحاتهما، إذ أن معجزة فتح السجن لم تشمل شفاء جراحاتهما، واعتمد هو وكل أهل بيته كبارًا وصغارًا، ولابد أنهم اعترفوا بخطاياهم قبل المعمودية فنالوا جميعًا الغفران والطبيعة الجديدة فى سر المعمودية.
ع34: لما أصعدهما إلى بيته: تأكيد لما قاله فى (ع30)، أن السجان أخرجهما من السجن إلى بيته، أى يريد أن يعلن أحداث جديدة حدثت فى البيت وهى الوليمة.
قدم السجان لهما طعامًا فى بيته، إذ أنهما لم يأكلا منذ صباح اليوم السابق عند إخراج الروح الشرير من الجارية. وبالطبع تمم بولس الرسول للمجتمعين سر الافخارستيا وناولهم من الأسرار المقدسة، وصار السجان فى فرح هو وأهله جميعا بعد أن آمنوا.
? إن الله يبحث عنك مهما كنت منشغلاً عنه. إفهم ما يحدث حولك فإنه رسائل من الله إليك لتتوب وتؤمن به وترجع إليه، واستغل كل فرصة لتتعلم وتعرف طريق الحياة مع الله.
(6) الإفراج (ع35-40):
35وَلَمَّا صَارَ النَّهَارُ، أَرْسَلَ الْوُلاَةُ الْجَلاَّدِينَ قَائِلِينَ: «أَطْلِقْ ذَيْنِكَ الرَّجُلَيْنِ.» 36فَأَخْبَرَ حَافِظُ السِّجْنِ بُولُسَ بِهَذَا الْكَلاَمِ: أَنَّ الْوُلاَةَ قَدْ أَرْسَلُوا أَنْ تُطْلَقَا، فَاخْرُجَا الآنَ وَاذْهَبَا بِسَلاَمٍ. 37فَقَالَ لَهُمْ بُولُسُ: «ضَرَبُونَا جَهْرًا غَيْرَ مَقْضِىٍّ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ رَجُلاَنِ رُومَانِيَّانِ، وَأَلْقَوْنَا فِى السِّجْنِ، أَفَالآنَ يَطْرُدُونَنَا سِرًّا؟ كَلاَّ، بَلْ لِيأْتُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ وَيُخْرِجُونَا.» 38فَأَخْبَرَ الْجَلاَّدُونَ الْوُلاَةَ بِهَذَا الْكَلاَمِ، فَاخْتَشَوْا لَمَّا سَمِعُوا أَنَّهُمَا رُومَانِيَّانِ. 39فَجَاءُوا وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِمَا، وَأَخْرَجُوهُمَا، وَسَأَلُوهُمَا أَنْ يَخْرُجَا مِنَ الْمَدِينَةِ. 40فَخَرَجَا مِنَ السِّجْنِ وَدَخَلاَ عِنْدَ لِيدِيَّةَ، فَأَبْصَرَا الإِخْوَةَ وَعَزَّيَاهُمْ، ثُمَّ خَرَجَا.
ع35: خاف الولاة بسبب الزلزلة، لئلا يكون هذا غضب من الآلهة التى ينادى بها بولس وسيلا، فغيروا رأيهم عند الصباح وبدلاً من الحكم بقتلهما أمروا بإطلاقهما.
ع36: بعد أن أكل بولس وسيلا مع السجان وأهل بيته، رجعا إلى السجن حتى لا يسببان أى مشاكل للسجان، ثم وصل أمر الولاة بإطلاق الرسولين، ففرح السجان لأنه كان فى مأزق بين محبته لهما وبين واجبه كسجان بحراستهما، وأعلم الرسولين بهذا الخبر السعيد ليفرحا به، إذ نالا به حريتهما.
ع37: سقط الولاة فى ثلاثة أخطاء فيما عملوه مع بولس وسيلا الرومانيين وهى:
- ضربوهم أمام الجموع، وهذه إهانة واضحة.
- أمروا بتقييدهما.
- أمروا بحبسهما فى السجن.
وهذه الأمور لا يسمح بها القانون الرومانى للرومانيين، وبالتالى يتعرض الولاة للمحاكمة، فأعلن بولس جنسيتهما والأخطاء التى سقط فيها الولاة، وبالتالى رفض أن يخرج من السجن إثباتًا للتهمة على الولاة، وطلب أن يأتى الولاة بأنفسهم إلى السجن لعله يقبل اعتذارهم ويسامحهم. وقد فعل هذا ليس لكبريائه ولكن ليعطى أمانًا وتشجيعًا للمؤمنين فى فيلبى، مثل السجان وليدية، أمام الولاة وكل شعب المدينة.
ع38: أخبر الجلادون الولاة أن الرسولين رومانيان، فخافوا مما فعلوه معهما إذ أصبحوا معرضين للمحاكمة والعقوبة التى قد تصل إلى الإعدام ومصادرة الأموال.
ع39: جاء الولاة معتذرين للرسولين ومترجين إياهما أن يسامحانهم، وأخرجوهما من السجن واستأذنوهما أن يتركا المدينة منعًا للشغب فيها.
ع40: بعد أن ترك الرسولان السجن، ذهبا إلى بيت ليديه حيث كان المؤمنون غالبا يجتمعون، فقصَّا عليهم عمل الله معهما فى السجن وكذلك أخبار إيمان السجان ومن فى بيته، فتعزوا جميعًا وتشجعوا.
وهكذا تأسست كنيسة فيلبى، التى أظهرت فيما بعد محبتها القوية لبولس وتقدماتها المادية لمساعدته فى الخدمة. ويبدو أن لوقا بقى فى فيلبى ولم يكمل الرحلة مع بولس، بدليل أنه تكلم بعد ذلك بضمير الغائبين وليس المتكلمين حتى عاد بولس إلى فيلبى، فاصطـحب لوقا معه (ص20 :6).
? استخدم إمكانياتك ومركزك لأجل مجد الله وليس لراحتك الشخصية، حتى لو احتملت أتعاب كثيرة لأجله، واعمل على ثبات الكنيسة والخدمة ورفع اسم المسيح فهو هدفك الأول.