من تسالونيكى إلى أثينا
(1) فى تسالونيكى (ع 1-9):
1فَاجْتَازَا فِى أَمْفِيبُولِيسَ وَأَبُولُونِيَّةَ، وَأَتَيَا إِلَى تَسَالُونِيكِى حَيْثُ كَانَ مَجْمَعُ الْيَهُودِ. 2فَدَخَلَ بُولُسُ إِلَيْهِمْ حَسَبَ عَادَتِهِ، وَكَانَ يُحَاجُّهُمْ ثَلاَثَةَ سُبُوتٍ مِنَ الْكُتُبِ، 3مُوَضِّحًا وَمُبَيِّنًا أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِى أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَنَّ: «هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ يَسُوعُ الَّذِى أَنَا أُنَادِى لَكُمْ بِهِ.» 4فَاقْتَنَعَ قَوْمٌ مِنْهُمْ وَانْحَازُوا إِلَى بُولُسَ وَسِيلاَ، وَمِنَ الْيُونَانِيِّينَ الْمُتَعَبِّدِينَ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ، وَمِنَ النِّسَاءِ الْمُتَقَدِّمَاتِ عَدَدٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ. 5فَغَارَ الْيَهُودُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَاتَّخَذُوا رِجَالًا أَشْرَارًا مِنْ أَهْلِ السُّوقِ، وَتَجَمَّعُوا، وَسَجَّسُوا الْمَدِينَةَ، وَقَامُوا عَلَى بَيْتِ يَاسُونَ، طَالِبِينَ أَنْ يُحْضِرُوهُمَا إِلَى الشَّعْبِ. 6وَلَمَّا لَمْ يَجِدُوهُمَا، جَرُّوا يَاسُونَ وَأُنَاسًا مِنَ الإِخْوَةِ إِلَى حُكَّامِ الْمَدِينَةِ، صَارِخِينَ: «إِنَّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمَسْكُونَةَ، حَضَرُوا إِلَى هَهُنَا أَيْضًا، 7وَقَدْ قَبِلَهُمْ يَاسُونُ. وَهَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ يَعْمَلُونَ ضِدَّ أَحْكَامِ قَيْصَرَ، قَائِلِينَ إِنَّهُ يُوجَدُ مَلِكٌ آخَرُ: يَسُوعُ!» 8فَأَزْعَجُوا الْجَمْعَ وَحُكَّامَ الْمَدِينَةِ إِذْ سَمِعُوا هَذَا. 9فَأَخَذُوا كَفَالَةً مِنْ يَاسُونَ وَمِنَ الْبَاقِينَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمْ.
ع1: خرج بولس وسيلا من فيلبى سيرًا لمدة يوم، ووصلوا إلى مدينة أمفيبوليس ولم يمكثا بها أيضا وذلك لعدم وجود مجامع لليهود هناك، لأن بولس كان يتخذ اليهود بداية لوعظه وتبشيره. ثم سافرا لمدة يوم ثالث فوصلا إلى تسالونيكى عاصمة مكدونية شمال بلاد اليونان وهى ميناء معروف.
ع2: الكتب: أسفار العهد القديم.
دخل بولس وسيلا إلى المجمع، كالعادة، ليبشرا اليهود فى البداية، فرغم أن بولس رسول الأمم، لكنه كان يهتم باليهود بالإضافة إلى استخدامهم مدخلاً لتبشير الأمم الذين يحضر بعضهم فى المجمع اليهودى. واستمرا فى التبشير ثلاثة سبوت فى المجمع، ولكنهما ظلا فى المدينة مدة أطول من هذا، كان بولس الرسول يعمل فى أثنائها بصناعة الخيام (2 تس3: 8) وهناك وصلتهم مساعدات مالية من فيلبى مرتين.
ع3: أثبت بولس الرسول من النبوات ضرورة تألم المسيا المنتظر ثم قيامته وملكه، وهذا ما حدث مع يسوع؛ إذا فيسوع هو المسيح لأن اليهود كانوا يظنون أن المسيا ملك يحررهم من الرومان، فرفضوا فكرة تألمه وموته كما قالت النبوات.
ع4: انحازوا: صاروا فى إيمان بولس وسيلا، أى أصبحوا أعضاءً فى كنيسة تسالونيكى. آمن بعض اليهود وكثيرون من اليونانيين الأتقياء، الذين كانوا يصلون فى المجمع دون أن يتهودوا، وكذلك بعض من النساء المتزوجات برجال ذوى مراكز كبيرة.
ع5: أهل السوق: رجال عاطلون يجلسون فى السوق، وهم أمميون من أدنى الطبقات، استغلهم اليهود لتهييج الأمميين فى المدينة لأنهم أمميون مثلهم.
سجسوا: هيجوا المدينة بشكوك ضد تعليم بولس وسيلا.
ياسون: يهودى آمن ببشارة بولس وهو قريبه فى الجسد، واستضاف بولس وسيلا فى بيته.
كان اليهود يشعرون أن الإيمان بالله وبركاته خاص بهم، فتضايقوا جدًا عندما آمن الأمميون بالله مثلهم، فاستأجروا أشرارًا لتهييج المدنية وتشكيكها فى وعظ بولس، وهاجموا بيت ياسون قريب بولس بحثًا عن الرسولين.
ع6: حكام المدينة: كانت تسالونيكى مدينة مستقلة يسمح لها القيصر أن يحكمها أناس منها ولهم سلطان العقاب والموت.
فتنوا: هيجوا وأزعجوا بتعاليم غريبة.
لم يجدوا بولس وسيلا فى بيت ياسون، فقبضوا عليه هو وبعض المسيحيين، وأخذوهم إلى الحكام واتهموا بولس وسيلا بنشر تعاليم غريبة فى كل مكان، وقد وصلا إلى تسالونيكى، وبدآ فى نشر تعاليمهما.
ع7: كالعادة مزجوا الاتهام الدينى بالاتهام السياسى، مدعين أن بولس وسيلا علما ضد قيصر وناديا بأن يسوع ملك، وقد استضافهم ياسون فى بيته.
ع8: انزعج الشعب والحكام من ذلك، وخافوا انتقام قيصر من المدينة.
ع9: أخذ الحكام مبلغًا من المال من ياسون كضمان لأن يطرد بولس وسيلا من المدينة، ثم أطلقوه هو والمسيحيين المقبوض عليهم. وهذا يظهر عدالة هؤلاء الحكام وعدم اندفاعهم وراء اليهود الأشرار.
? لا تثير الآخرين ضد من يعارضونك، وكن مدققًا فى كلامك لئلا تنسب أخطاء إليهم ليست فيهم، بل احترم رأى غيرك حتى لو اختلف معك، واترك الله يفعل ما يشاء حتى لو كان ضد رأيك، فهياجك وغضبك لن يغيرا شيئًا فى تدبير إرادة الله بل يزيدا من خطاياك وتوترك. اهتم فقط بسلامك الداخلى والسلام فى علاقتك مع الآخرين.
(2) فى بيرية (ع 10-15):
10وَأَمَّا الإِخْوَةُ، فَلِلْوَقْتِ أَرْسَلُوا بُولُسَ وَسِيلاَ لَيْلًا إِلَى بِيرِيَّةَ. وَهُمَا لَمَّا وَصَلاَ، مَضَيَا إِلَى مَجْمَعِ الْيَهُودِ. 11وَكَانَ هَؤُلاَءِ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِى تَسَالُونِيكِى، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ، فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هَذِهِ الأُمُورُ هَكَذَا؟ 12فَآمَنَ مِنْهُمْ كَثِيرُونَ، وَمِنَ النِّسَاءِ الْيُونَانِيَّاتِ الشَّرِيفَاتِ وَمِنَ الرِّجَالِ، عَدَدٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ.
13فَلَمَّا عَلِمَ الْيَهُودُ الَّذِينَ مِنْ تَسَالُونِيكِى، أَنَّهُ فِى بِيرِيَّةَ أَيْضًا نَادَى بُولُسُ بِكَلِمَةِ اللهِ، جَاءُوا يُهَيِّجُونَ الْجُمُوعَ هُنَاكَ أَيْضًا. 14فَحِينَئِذٍ، أَرْسَلَ الإِخْوَةُ بُولُسَ لِلْوَقْتِ لِيذْهَبَ كَمَا إِلَى الْبَحْرِ، وَأَمَّا سِيلاَ وَتِيمُوثَاوُسُ فَبَقِيَا هُنَاكَ. 15وَالَّذِينَ صَاحَبُوا بُولُسَ، جَاءُوا بِهِ إِلَى أَثِينَا. وَلَمَّا أَخَذُوا وَصِيَّةً إِلَى سِيلاَ وَتِيمُوثَاوُسَ أَنْ يَأْتِيَا إِلَيْهِ بِأَسْرَعِ مَا يُمْكِنُ، مَضَوْا.
ع10: للوقت: فى مساء نفس يوم المحاكمة، حتى تهدأ الأحوال فى المدينة فيطمئن الحكام وتسكن ثورة اليهود.
بيرية: تقع جنوب غرب تسالونيكى فى مقاطعة مكدونية، وعدد اليهود فيها أقل من تسالونيكى.
أرسل المسيحيون بولس وسيلا إلى بيرية ليلا حتى لا يراهم اليهود ويؤذونهما، وهناك بدأ الرسولان الكرازة بمجمع اليهود.
ع11: أشرف: اسمَى عقلا وفهما واتساع قلب.
بكل نشاط: اهتمام بفهم ما سمعوه وتطبيقه فى حياتهم.
هل هذه الأمور هكذا: التأكد من حقيقة الإيمان الذى سمعوه بإثباتات من النبوات الموجودة فى أسفار العهد القديم ليثبتوا هذا الإيمان.
كان يهود بيرية أفضل من يهود تسالونيكى فى اهتمامهم بفحص النبوات والأسفار المقدسة كما قال الرب “فتشوا الكتب” (يو5: 39).
ع12: آمن كثيرون من الرجال اليهود ومن اليونانيات الداخلات على اليهود ذوات النسب العالى وكذلك كثير من الرجال اليونانيين.
ع13: اغتاظ يهود تسالونيكى عندما علموا بانتشار الإيمان فى بيرية، فأرسلوا رجالاً منهم يهيجون أهل بيرية على بولس وسيلا.
ع14: بادر المسيحيون بإرسال بولس كأنه سيسافر بحرًا ليسكنوا غضب اليهود، ولكنه سافر برًا إلى أثينا عاصمة بلاد اليونان، رغم أن الطريق البرى أطول بكثير، وبقى سيلا وتيموثاوس فى بيرية ليكملا الخدمة، إذ أن أنظار اليهود الأشرار كانت موجهة إلى بولس وليس إلى رفقائه.
وهكذا أنهى بولس خدمته فى مكدونية والتى تركزت فى ثلاث بلاد هامة هى فيلبى وتسالونيكى وبيرية، كما دعته الرؤيا الإلهية للخدمة فى مكدونية (ص16: 9)، ووجهه روح الله بعد ذلك للخدمة فى أثينا مركز الفلسفة اليونانية.
ع15: اصطحب مجموعة من مسيحيى بيرية بولس، وبعد أن رتبوا له مكان إقامة فى أثينا، عادوا إلى بيرية وأبلغوا سيلا وتيموثاوس أن بولس ينتظرهما فى أثينا فسافروا إليه بسرعة.
? ليكن هدفك، وهو محبة المسيح والوجود معه فى الأبدية، أمام عينيك دائما، وإن اعترضتك معطلات إهرب منها واستمر ناظرًا نحو هدفك. لا تنزعج من المقاومات، فإبليس ضعيف يثير المشاكل ولكنه لا يستطيع إيقاف محبتك وسعيك نحو الله.
(3) فى أثينا (ع 16-21):
16وَبَيْنَمَا بُولُسُ يَنْتَظِرُهُمَا فِى أَثِينَا، احْتَدَّتْ رُوحُهُ فِيهِ، إِذْ رَأَى الْمَدِينَـةَ مَمْلُـوءَةً أَصْنَامًا. 17فَكَانَ يُكَلِّمُ فِى الْمَجْمَعِ الْيَهُودَ الْمُتَعَبِّدِينَ، وَالَّذِينَ يُصَادِفُونَهُ فِى السُّوقِ كُلَّ يَوْمٍ. 18فَقَابَلَهُ قَوْمٌ مِنَ الْفَلاَسِفَةِ الأَبِيكُورِيِّينَ وَالرِّوَاقِيِّينَ، وَقَالَ بَعْضٌ: «تُرَى، مَاذَا يُرِيدُ هَذَا الْمِهْذَارُ أَنْ يَقُولَ؟» وَبَعْضٌ: «إِنَّهُ يَظْهَرُ مُنَادِيًا بِآلِهَةٍ غَرِيبَةٍ.» لأَنَّهُ كَانَ يُبَشِّرُهُمْ بِيَسُوعَ وَالْقِيَامَةِ. 19فَأَخَذُوهُ، وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى أَرِيُوسَ بَاغُوسَ، قَائِلِينَ: «هَلْ يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا هُوَ هَذَا التَّعْلِيمُ الْجَدِيدُ الَّذِى تَتَكَلَّمُ بِهِ؟ 20لأَنَّكَ تَأْتِى إِلَى مَسَامِعِنَا بِأُمُورٍ غَرِيبَةٍ، فَنُرِيدُ أَنْ نَعْلَمَ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ.» 21أَمَّا الأَثِينَوِيُّونَ أَجْمَعُونَ، وَالْغُرَبَاءُ الْمُسْتَوْطِنُونَ، فَلاَ يَتَفَرَّغُونَ لِشَىْءٍ آخَرَ، إِلاَّ لأَنْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَسْمَعُوا شَيْئًا حَديثًا.
ع16: كان بولس فى أثينا ينتظر حضور سيلا وتيموثاوس، ولكنه تضايق من كثرة الإباحية فى العبادات الوثنية المنتشرة جدًا بالمدينة، حتى أن المؤرخ بترونيس قال: إن تجد إلهًا فى أثينا أسهل من أن تجد فيها إنسانًا.
ع17: كان بولس يبشر اليهود فقط فى المجمع وفى السوق، لأنه لم يكن مكان للبيع والشراء فقط، بل يجتمع فيه الكثيرون للحوار والمناقشات.
ع18: أبيقوريين: أتباع أبيقور الفيلسوف الرومانى الذى ظهر فى القرن الثالث ق.م.، وقد أهمل فكرة الألوهية ونادى بعدم وجود ثواب أو عقاب وأباح الانغماس فى الشهوات.
الرواقيين: أتباع زينو الفيلسوف اليونانى الذى ظهر فى القرن الثالث قبل الميلاد ونادى بأهمية العقل واعتبر الله هو العالم، وكان يلقى عظاته فى رواق، وسمى أتباعه بالرواقيين وتميزوا بالكبرياء.
قابل بولس الرسول مجموعة من الفلاسفة اليونانيين التابعين لفئة الأبيقوريين والرواقيين، الذين ظنوه ينادى بآلهة غريبة لأنه كان ينادى بيسوع وبقيامته من الأموات، فحسبوه ينادى بإلهين هما يسوع والقيامة، فاحتقروه ووصفوه أنه مهذار أى لا يفهم ما يقول.
ع19-20: أريوس باغوس: أعلى مجمع فلسفى فى أثينا، يجتمعون فيه لبحث الفلسفات المختلفة القديمة والحديثة.
طلب هؤلاء الفلاسفة من بولس أن يأتى معهم إلى مجمع أريوس باغوس الذى يجتمع فى مكان مدرج بالجبل ليسمعوا لتعليمه الجديد الذى لم يسمعوا مثله قبلاً، فيفحصوا هذه الفلسفة ويقرروا صحتها أو خطأها، وبالتالى يسمحوا له بمواصلة هذا التعليم أو إيقافه.
ع21: كان أهم شئ لدى أهل أثينا وزوارها هو المناقشات الفلسفية المستمرة، وخاصة الفلسفات والأفكار الحديثة مثل هذا التعليم الجديد الذى يعلم به بولس.
? ليتنا ننفق وقتنا فيما هو مفيد وليس فى كلام باطل، فتجنب المناقشات التى لا تفيد
أو تسقطك فى أفكار خاطئة، وقدم المسيح فى كلامك وأعمالك فى شكل محبة لمن حولك.
(4) فى أريوس باغوس (ع 22-34):
22فَوَقَفَ بُولُسُ فِى وَسَطِ أَرِيُوسَ بَاغُوسَ، وَقَالَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الأَثِينَوِيُّونَ، أَرَاكُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَأَنَّكُمْ مُتَدَيِّنُونَ كَثِيرًا، 23لأَنَّنِى بَيْنَمَا كُنْتُ أَجْتَازُ وَأَنْظُرُ إِلَى مَعْبُودَاتِكُمْ، وَجَدْتُ أَيْضًا مَذْبَحًا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ: «لإِلَهٍ مَجْهُولٍ.» فَالَّذِى تَتَّقُونَهُ وَأَنْتُمْ تَجْهَلُونَهُ، هَذَا أَنَا أُنَادِى لَكُمْ بِهِ. 24الإِلَهُ الَّذِى خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ، هَذَا، إِذْ هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لاَ يَسْكُنُ فِى هَيَاكِلَ مَصْنُوعَةٍ بِالأَيَادِى، 25وَلاَ يُخْدَمُ بِأَيَادِى النَّاسِ كَأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى شَىْءٍ، إِذْ هُوَ يُعْطِى الْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْسًا وَكُلَّ شَىْءٍ. 26وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ، كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ، وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ، وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ، 27لِكَىْ يَطْلُبُوا اللهَ، لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ، مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِـدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِـيدًا. 28لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا، وَنَتَحَرَّكُ، وَنُوجَدُ. كَمَا قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أَيْضًا: “لأَنَّنَا أَيْضًا ذُرِّيَّتُهُ.” 29فَإِذْ نَحْنُ ذُرِّيَّةُ اللهِ، لاَ يَنْبَغِى أَنْ نَظُنَّ أَنَّ اللاَّهُوتَ شَبِيهٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرٍ، نَقْشِ صِنَاعَةِ وَاخْتِرَاعِ إِنْسَانٍ. 30فَاللَّهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِى كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا، مُتَغَاضِيًا عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ. 31لأَنَّهُ أَقَامَ يَوْمًا هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ، بِرَجُلٍ قَدْ عَيَّنَهُ مُقَدِّمًا لِلْجَمِيعِ إِيمَانًا، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ.»
32وَلَمَّا سَمِعُوا بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ، كَانَ الْبَعْضُ يَسْتَهْزِئُونَ، وَالْبَعْضُ يَقُولُونَ: «سَنَسْمَعُ مِنْكَ عَنْ هَذَا أَيْضًا!» 33وَهَكَذَا، خَرَجَ بُولُسُ مِنْ وَسَطِهِمْ. 34وَلَكِنَّ أُنَاسًا الْتَصَقُوا بِهِ وَآمَنُوا، مِنْهُمْ دِيُونِيسِيُوسُ الأَرِيُوبَاغِىُّ، وَامْرَأَةٌ اسْمُهَا دَامَرِسُ، وَآخَرُونَ مَعَهُمَا.
ع22: بدأ بولس عظته فى أكبر مجمع فلسفى بأثينا، المشهورة فى العالم كله بتقدمها فى العلم والفلسفة وقتذاك، وبدأ يقول أنه يرى تدين أهل أثينا الشديد الظاهر من كثرة أصنامهم. وهو بهذا يمتدح فضيلة فيهم وهى الميل الدينى وإن كان فى اتجاه خاطئ ولكنه اهتمام واضح بالدين، وذلك ليجتذب قلوبهم لسماعه.
ع23: بينما كان بولس يمر فى شوارع المدينة يتعرف على آلهتها، رأى فى معبوداتهم من سموه إلها مجهولاً. إذ أنه كان قد انتشر وباء فى المدينة، فأوصاهم أحد الفلاسفة أن يطلقوا غنما فى أنحاء المدينة، وكل غنمه تربض عند مذبح لأى إله يقدمونها ترضية له، وعندما ربضت بعض الغنم فى أماكن لا مذابح فيها، بنوا مذابح وسموها لإله مجهول، وقال لهم بولس أنه جاء ليكرز لهم بالإله الذى يتقونه خوفا من غضبه دون أن يعرفوه. وبذلك نجا من تهمة التبشير بدين جديد.
ع24: قال بولس أن ذلك الإله هو الإله الواحد خالق العالم كله، وإنه أعظم من أن يسكن فى الهياكل المبنية، كما سبق وقال استفانوس فى خطابه قبل استشهاده (ص7: 48-50). وهذا التعليم ليس ضد وجود الله فى خيمة الاجتماع أو هيكل سليمان فى العهد القديم، أو وجوده فى كنيسة العهد الجديد، فهو يحل ببركته ولكن لا ينحصر وجوده فيها بل يسكن فى السماء ويملأ كل مكان. وبهذا يعلن بولس وحدانية الله، وهذا ضد معتقدات الوثنيين فى أثينا.
ع25: أعلن بولس أن الله غير محتاج لخدمة وعطايا البشر، لأنه معطى الحياة وكل النعم ولكن تقديم العبادة لله فى العهد القديم أو الجديد هو إعلان لتوبة الإنسان ومحبته وشكره له.
ع26: أعلن بولس أيضا أن الله هو خالق الكل من أصل واحد، فلا تفرقه بين جنس وآخر، بل الكل إخوة وزعهم الله فى الأرض ليسكنوها كل فى المكان والزمان المناسب له، وحدد متى ترتفع أمة ومتى تهبط أخرى. وبهذا يرفض تكبر اليونانيين عن باقى البشر.
ع27: طلب بولس الرسول منهم أن يبحثوا عن الله ويقيموا علاقة معه، فهو قريب جدًا منهم، ليس فقط معهم، بل يسكن داخلهم.
ع28: أوضح بولس أن الله هو مصدر حياة كل البشر، وأكد كلامه بأقوال شعراء اليونان مثل الشاعر اليونانى أراتوس سنة 277ق.م، والشاعر كلينثوس سنة 300 ق.م، أننا نسله. وهذا يوضح دراسة بولس الرسول للثقافة اليونانية بطرسوس، بالإضافة إلى دراسته الدينية عند قدمى غمالائيل معلم اليهود العظيم. وبهذا أعلن أن الله قريب جدًا من الإنسان وليس كما يظن اليونانيون أن الآلهة تسكن فى أماكن بعيدة وأنها منفصلة عن البشر، أو أن المادة نشأت من نفسها.
ع29: استنتج الرسول من أقوال شعراء اليونان أننا مماثلون لله كذرية له، فنعلم أن اللاهوت ليس ماديًا بل روحيا مثل أرواحنا التى على مثاله. فإن كان جوهر الإنسان متميز عن الجماد، فبالأحرى جوهر الله (اللاهوت) أعلى بكثير عن الجماد أى الأصنام. ويلاحظ أن بولس لم يعتمد فى إثباتاته على آيات من الأسفار المقدسة، بل على أقوال شعراء وفلاسفة الوثنيين ليقنعهم أن يؤمنوا بالله.
ع30: الآن: حيث بدأ التبشير بالإنجيل فى العالم كله كما أمر ربنا يسوع المسيح.
جميع الناس: اليهود والأمم.
الجهل: لم يقل الشر وعصيان الله، بل يلتمس العذر لهم أنهم عبدة أوثان عن جهل، فهى طريقة لطيفة فى جذب السامعين للإيمان.
الله يدعو كل البشر للتوبة، ويعدهم بغفران خطاياهم.
ع31: المسكونة: كل البشر، يهود وأمم.
بالعدل: دون محاباة أو تمييز لجنس أو لشخص.
مقدمًا للجميع إيمانًا: تمم المسيح الفداء على الصليب، ويقدم الخلاص عن طريق التبشير به ليؤمن البشر ويخلصون.
أعلن بولس ضرورة التوبة، لأن الله حدد يوم للدينونة، سيرسل فيه رجلا يحاكم البشر جميعًا وهو المسيح الذى أقامه من الأموات.
ع32: البعض يستهزئون: وهم الأبيقوريون المنغمسون فى الشهوات ولا يؤمنون بيوم الدينونة، فسخروا من تعاليم بولس.
البعض يقولون سنسمع منك عن هذا أيضا: البعض الآخر هم الرواقيون، وهم أكثر وقارًا وقبولاً للإيمان بالله، فهؤلاء طلبوا أن يسمعوا منه تفاصيل أكثر عن هذا التعليم، ولكنهم عادوا فرفضوا تعاليمه إذ فحصوها لأنهم وجدوها ضد معتقداتهم.
رغم تعدد ديانات أثينا، فقد كانت جميعا تتفق أنه لا قيامة بعد الموت، فعندما سمعوا ذكر القيامة استهزأوا، وبالذات الأبيقوريون منهم، ببولس وطلبوا تأجيل باقى الحديث لوقت آخر.
ع33-34: خرج: لم يحكم عليه المجلس بشئ، ولكن غالبيته رفضوا تعاليمه بدليل خروجه حرًا.
ديوناسيوس: فيلسوف يونانى كان يدرس الفلسفة فى مصر أثناء صلب المسيح، ورأى الظلمة التى حدثت وقت الساعة السادسة أى ظهرًا، فقال كدارس للفلك أن هذا يعنى أن إله العالم يتألم، ثم عاد إلى اليونان وانضم إلى مجمعهم الفلسفى أريوس باغوس، فعندما سمع تعاليم بولس آمن بالمسيح. وله ميمر (خطاب) يُقرَأ أحيانا يوم الجمعة العظيمة.
خرج بولس من بينهم والتصق به من آمنوا، وكان منهم أحد أعضاء مجمع أريوس باغوس الفلسفى، والذى كان يشترط أن يكونوا من القضاة السابقين الذين تجاوزوا سن الستين، وكان اسمه ديوناسيوس الأريوباغى، وامرأة تسمى دامرس وآخرون غيرهم.
? قدم بولس بشارته رغم رفض الكثيرين لها، ولكن القليلين قبلوا الإيمان.
قدم محبتك لكل من حولك، حتى لو رفضها الكثيرون، فقد يقبلها البعض والباقون قد يتأثرون بعد فترة.