حلول الروح القدس وميلاد الكنيسة الأولى وحياتها
(1) حلول الروح القدس (ع1-13 ):
1وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ، كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. 2وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ، كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ، وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، 3وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ، وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. 4وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا.
5وَكَانَ يَهُودٌ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ سَاكِنِينَ فِى أُورُشَلِيمَ. 6فَلَمَّا صَارَ هَذَا الصَّوْتُ اجْتَمَعَ الْجُمْهُورُ، وَتَحَيَّرُوا، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ يَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ. 7فَبُهِتَ الْجَمِيعُ وَتَعَجَّبُوا، قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «أَتُرَى لَيْسَ جَمِيعُ هَؤُلاَءِ الْمُتَكَلِّمِينَ جَلِيلِيِّينَ؟ 8فَكَيْفَ نَسْمَعُ نَحْنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لُغَتَهُ الَّتِى وُلِدَ فِيهَا: 9 فَرْتِيُّونَ وَمَادِيُّونَ وَعِيلاَمِيُّونَ وَالسَّاكِنُونَ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ وَالْيَهُودِيَّةَ وَكَبَّدُوكِيَّةَ وَبُنْتُسَ وَأَسِيَّا 10وَفَرِيجِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ وَمِصْرَ وَنَوَاحِىَ لِيبِيَّةَ الَّتِى نَحْوَ الْقَيْرَوَانِ وَالرُّومَانِيُّونَ الْمُسْتَوْطِنُونَ يَهُودٌ وَدُخَلاَءُ 11كِرِيتِيُّونَ وَعَرَبٌ، نَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا بِعَظَائِمِ اللهِ؟» 12فَتَحَيَّرَ الْجَمِيعُ وَارْتَابُوا، قَائلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا؟» 13وَكَانَ آخَرُونَ يَسْتَهْزِئُونَ قَائِلِينَ: «إِنَّهُمْ قَدِ امْتَلأُوا سُلاَفَةً.»
ع1: كان عيد الخمسين هو أحد الأعياد الثلاثة الكبرى عند اليهود، وهى الفصح والخمسين والمظال، الذى يلزم أن يحضر فيه جميع الذكور فى أورشليم عند الهيكل. وكان يأتى بعد خمسين يومًا من ثانى أيام عيد الفصح ويسمى عيد الجمع أو الحصاد، فيقدم فيه كل يهودى باكورة حصاده، وكان يأتى يوم أحد.
وكان المائة والعشرون المجتمعون فى العلية مستمرين فى الصلاة حتى هذا اليوم بقلب واحد.
ع2: صار فى بيت مارمرقس صوت مثل صوت الريح، لكن آتيًا من فوق وليس من الأفق البعيد كما اعتدنا أن نسمع الريح (قارن يو 3: 8)، وكان هذا الصوت لتنبيه الناس لما يحدث فى العلية.
ع3: ظهر ما يشبه نار تشكلت إلى ألسنة منقسمة، وكانت طائرة فى الهواء ثم استقرت على رأس كل واحد من المجتمعين فى العلية إشارة إلى ما سيمنحه الله لهم من ألسنة نارية فى الكرازة، لأن النار ترمز للتطهير والقوة.
ع4: عندما استقرت الألسنة على كل واحد منهم، امتلأ الجميع من عمل الروح القدس، وإظهارًا لذلك تكلم كل منهم بلغة لم يكن يعرفها حسب الوعد الإلهى (مر16: 17).
وهكذا ظهرت ثلاث معجزات هى، صوت الريح والألسنة النارية والتكلم بلغات غريبة، لإعلان حلول الروح القدس وتأسيس الكنيسة.
ع5: حضر اليهود من بلاد العالم المختلفة وسكنوا فى أورشليم لحضور عيد الخمسين. وكانوا من الأتقياء المهتمين بالعبادة بدليل احتمالهم مشاق السفر وتكاليفه.
ع6-8: هذا الصوت: أى صوت الريح، فاجتمع اليهود وانتشر الخبر وتجمعت اعداد كبيرة حول البيت.
يبدو أن المجتمعين خرجوا من العلية وسط الجماهير المحتشدة وتكلم كل منهم بلغة غريبة عن اللغة السائدة بين اليهود وهى الآرامية، فتجمع حوله العارفون بهذه اللغة الجديدة وكانوا فى حيرة شديدة، كيف يستطيع أناس ضعفاء فى تعليمهم وثقافتهم أن يجيدوا هذه اللغات الأجنبية الكثيرة، خاصة وأن أصلهم جميعًا من الجليل، ولم يذهبوا إلى بلاد العالم الأخرى ذات اللغات الأجنبية. والسامعون أجادوا هذه اللغات نتيجة نشأتهم فيها منذ طفولتهم، ولكن الغريب أن يعرفها فجأة هؤلاء الجليليين.
ع9-11: يظهر القديس لوقا عظمة المعجزة بكثرة اللغات التى تكلموا بها، فذكر بلاد العالم المختلفة التى أتى منها اليهود وكل واحد له لغته الخاصة، ورتب البلاد من شرق آسيا إلى غربها ثم أوروبا وبعد ذلك أفريقيا ثم عاد إلى آسيا ثانية.
فرتيون وماديون وعيلاميون: وهم يسكنون بجوار إيران.
ما بين النهرين: أى ما بين نهرى دجلة والفرات وهى العراق.
اليهودية: وهى القسم الجنوبى من مملكة اليهود ويمثلون أكبر عدد من المجتمعين، وكانت لغتهم تختلف فى طريقة نطقها إلى حد ما عن لغة أهل الجليل.
كبدوكية وبنتس وآسيا وفريجية وبمفيلية: هى بلاد نواحى تركيا الحالية.
مصر: وهى مصر الحالية وكانت تتكلم فى هذا الوقت باللغة القبطية.
ليبيا والقيروان: وهى ليبيا الحالية وقيروان مدينة فيها، وتقع فى شمال أفريقيا وغرب مصر.
الرومانيون المستوطنون: أى يهود استوطنوا فى إيطاليا ولغتهم هى اللاتينية.
يهود ودخلاء: أى يهود يعيشون فى بلاد أخرى غير اليهودية، أو أمميون انضموا إلى الديانة اليهودية فيسموا دخلاء. سواء هذا أو ذاك فقد حضروا من بلاد العالم وكل واحد له لغته.
كريتيون: وهم سكان جزيرة كريت.
عرب: ويعيشون فى شبة الجزيرة العربية.
عظائم الله: كان الذين حل عليهم الروح القدس يتكلمون عن المسيح وفدائه وقيامته وخلاصه المقدس للعالم كله.
ع12: تعجب السامعون بهذه اللغات وتحيروا فى معرفة سبب هذه المعجزة هل هى من الله أم بأى سبب آخر؟
ع13: هنا بدأ اليهود الأصليون، الذين لا يعرفون هذه اللغات، يسخرون وظنوا أن الرسل والمؤمنين قد شربوا خمرًا جيدًا وهى السلافة.
? لا تستهن بكلام الآخرين أو أى عمل يعملونه، ولا تتسرع بالحكم عليه، وابحث عن الصالح فيه وإن وجدت خطأ فالتمس العذر، حتى يكون قلبك مفتوحًا للكل وتكسب الكل وفى نفس الوقت تحتفظ بسلامك الداخلى وتمييزك للأمور بعيدًا عن التوتر والانفعال.
(2) عظة بطرس الرسول (ع14-36):
14فَوَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الْيَهُودُ وَالسَّاكِنُونَ فِى أُورُشَلِيمَ أَجْمَعُونَ، لِيكُنْ هَذَا مَعْلُومًا عِنْدَكُمْ، وَأَصْغُوا إِلَى كَلاَمِى، 15لأَنَّ هَؤُلاَءِ لَيْسُوا سُكَارَى كَمَا أَنْتُمْ تَظُنُّونَ، لأَنَّهَا السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ النَّهَارِ. 16بَلْ هَذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ النَّبِىِّ: 17″يَقُولُ اللهُ: وَيَكُونُ فِى الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّى أَسْكُبُ مِنْ رُوحِى عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى، وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا. 18وَعَلَى عَبِيدِى أَيْضًا وَإِمَائِى أَسْكُبُ مِنْ رُوحِى فِى تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ. 19وَأُعْطِى عَجَائِبَ فِى السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَآيَاتٍ عَلَى الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ: دَمًا وَنَارًا وَبُخَارَ دُخـَانٍ. 20تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ، قَبْلَ أَنْ يَجِىءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الشَّهِيرُ. 21وَيَكُونُ كُلُّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ.”»
22«أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ، اسْمَعُوا هَذِهِ الأَقْوَالَ: يَسُوعُ النَّاصِرِىُّ، رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ، بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللهُ بِيَدِهِ فِى وَسَطِكُمْ، كَمَا أَنْتُمْ أَيْضًا تَعْلَمُونَ. 23هَذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّمًا بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِى أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. 24الَّذِى أَقَامَهُ اللهُ نَاقِضًا أَوْجَاعَ الْمَوْتِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ. 25لأَنَّ دَاوُدَ يَقُولُ فِيهِ: “كُنْتُ أَرَى الرَّبَّ أَمَامِى فِى كُلِّ حِينٍ أَنَّهُ عَنْ يَمِينِى، لِكَىْ لاَ أَتَزَعْزَعَ. 26لِذَلِكَ سُرَّ قَلْبِى وَتَهَلَّلَ لِسَانِى. حَتَّى جَسَدِى أَيْضًا سَيَسْكُنُ عَلَى رَجَاءٍ. 27لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِى فِى الْهَاوِيَةِ، وَلاَ تَدَعُ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَادًا. 28عَرَّفْتَنِى سُبُلَ الْحَيَاةِ، وَسَتَمْلأُنِى سُرُورًا مَعَ وَجْهِكَ.” 29أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ لَكُمْ جِهَارًا عَنْ رَئِيسِ الآبَاءِ دَاوُدَ إِنَّهُ مَاتَ وَدُفِنَ، وَقَبْرُهُ عِنْدَنَا حَتَّى هَذَا الْيَوْمِ. 30فَإِذْ كَانَ نَبِيًّا، وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ حَلَفَ لَهُ بِقَسَمٍ أَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ صُلْبِهِ يُقِيمُ الْمَسِيحَ، حَسَبَ الْجَسَدِ، لِيجْلِسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، 31سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِى الْهَاوِيَةِ، وَلاَ رَأَى جَسَـدُهُ فَسَادًا. 32فَيَسُوعُ هَذَا أَقَامَهُ اللهُ، وَنَحْنُ جَمِيعًا شُهُودٌ لِذَلِكَ. 33وَإِذِ ارْتَفَعَ بِيَمِينِ اللهِ، وَأَخَذَ مَوْعِدَ الرُّوحِ الْقُدُسِ مِنَ الآبِ، سَكَبَ هَذَا الَّذِى أَنْتُمُ الآنَ تُبْصِرُونَهُ وَتَسْمَعُونَهُ. 34لأَنَّ دَاوُدَ لَمْ يَصْعَدْ إِلَى السَّمَاوَاتِ. وَهُوَ نَفْسُهُ يَقُولُ: “قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّى اجْلِـسْ عَنْ يَمِينِى 35حَتَّى أَضَـعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَـدَمَيْكَ.” 36فَلْيَعْلَمْ يَقِينًا جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، أَنَّ اللهَ جَعَلَ يَسُوعَ هَذَا، الَّذِى صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، رَبًّا وَمَسِيحًا.»
ع14، 15: هنا نرى بطرس، وقد غيرته قوة الروح القدس من الخوف إلى الشجاعة، واقفا مع الأحد عشر ليكرز لليهود سكان أورشليم ولليهود الضيوف الذين أتوا للعيد، وطالبًا الإصغاء له.
وكان يتكلم باللغة الآرامية التى يعرفها جميع السامعين لأن الكل يهود، موضحا أن التلاميذ والمؤمنين ليسوا سكارى لأنه يستحيل أن يشرب يهودى، مهما بلغ شره، خمرًا قبل صلاة الساعة الثالثة التى هى أول صلاة عند اليهود (إش5: 7).
ع16: بل إن هذا الحادث هو إتمام لنبوة يوئيل (يؤ2: 28-32).
ع72: أسكب من روحى: أى يعطى الروح القدس عطاياه الروحية بفيض كثير.
كل بشر: أى اليهود والأمم، كل من يؤمن بالمسيح.
يتنبأ: يتكلم عن فداء المسيح وملكوته والاستعداد له.
رؤى: أى مناظر روحية يراها الإنسان وهو مستيقظ.
إنه فى الأيام الأخيرة أى عند مجىء المسيا، ينسكب الروح القدس على البشر فيتنبأون، سواء كانوا شبابًا مثل إسطفانوس وبولس الرسول، أو شيوخًا يحلمون أحلامًا مقدسة مثل يوسف النجار.
ع18: عبيد وإماء: يقصد الأقل رتبة فى المجتمع، سواء الفقراء أو غير المتعلمين أو المستعبدين.
يحل الروح القدس على كل المؤمنين، أيًا كان مقامهم الإجتماعى، ودليل على حلوله التنبؤ ليس فقط بإعلان المستقبل، بل المقصود بالأكثر الوعظ والتعليم لأنه يتكلم عن أمور آتية وهى ملكوت السموات.
ع19-20: دمًا: أى قتل الكثيرين، كما حدث فى الاضطهادات بعصور الاستشهاد.
نارًا: حرائق ضخمة، كما حرق نيرون روما واتهم المسيحيين بذلك.
بخار ودخان: ناتج عن الحرائق.
تتحول الشمس إلى ظلمة: وهى علامة قوية تحدث قبل يوم الدينونة، حينما تفقد الشمس نورها تمامًا.
القمر إلى دم: أى يصير لونه كالدم، وهذا شئ مرعب جدًا سيتم أيضًا قبل يوم الدينونة.
هذه العلامات حدثت وتحدث جزئيا ثم تكمل قبل يوم الدينونة الأخير، وهى ترمز إلى معانى روحية، إذ تقوم بدع ضد لاهوت المسيح – شمس البر – لتنكره وتشوه صورة الكنيسة التى هى القمر بدخان البدع.
لا يقتصر عمل الروح القدس على الوعود الجميلة المذكورة فى (ع17، 18)، بل أيضًا على تهديدات. فتحدث اضطرابات فى الطبيعة وضيقات واضطهادات لتقود الناس للتوبة مثل خراب أورشليم عام 70م. وهذه الاضطرابات مقدمة لاضطرابات أعلى تتم قبل يوم الدينونة الأخير.
ع21: وعد الله أن من يؤمن بالمسيح ويتوب عن خطاياه يخلص، يهوديًا كان أم أمميًا، أى بلا تفرقة فى الجنس، وينجو من كل التهديدات السابقة وينال ملكوت السموات.
وواضح أن هذه الآية هى تعليق على الآيات السابقة ولا يمكن فصلها كما يدعى أصحاب بدعة عمومية الخلاص، الذين يقولون أن كل إنسان يدعو باسم الله يخلص بدون الإيمان بالمسيح أو الحياة فى الكنيسة. وهكذا يرفضون كل آيات الكتاب المقدس الأخرى التى تنادى بالمعمودية والتناول وكل الممارسات الروحية من صلوات وأصوام…
ع22-24: أقامه الله: أى اللاهوت المتحد بناسوته. فالمسيح فى صورة الضعف أمام عيون البشر كان محتاجًا لقوة تقيمه وهى قوة اللاهوت المتحد بناسوته. وهو هنا يؤكد عدم انفصال المسيح عن الله المعروف لليهود فى العهد القديم، فهو الذى أقامه لأنه هو والآب واحد حتى لا يسقطوا فى بدعة وجود إلهين، واحد للعهد القديم وآخر للجديد.
يوضح لهم بطرس، أنه توجد براهين كثيرة من حياة السيد المسيح توضح أن الله عمل المعجزات بيده بينهم، ومع ذلك فإنهم قبضوا عليه وسلموه للرومان ليقتلوه.
وفى الحقيقة أن ذلك كان متممًا لمشورة الله وخطته لفداء البشرية بموت المسيح على الصليب.
وإن كانت يد بيلاطس الأثيمة هى التى أصدرت الأمر بصلبه، إلا أنهم هم المسئولون بالأكثر عن صلبه وموته لأنهم طالبوا وضغطوا على بيلاطس ليصلبه، لكن الله أقامه من الموت، وانتصر المسيح على كافة الأوجاع التى تسبق الموت لأنه كان أقوى من الموت ويستحيل على الموت أن يخضعه. وهذه أول مرة يكرز فيها الرسل بالقيامة، فقد تحول بطرس من ضعف الإنكار، منذ حوالى 50 يومًا، إلى شجاعة الإعلان والتبشير بقوة الروح القدس.
ع25-28: عن يمينى: ترمز للقوة والثقة عند المسيح، فلا يخشى الموت لأنه قادر على القيامة.
سر وتهلل… على الرجاء: يوضح أن الفرح لم يفارق المسيح أثناء آلامه لأجل رجائه فى القيامة من الموت.
تترك نفسى فى الهاوية: أى فى الجحيم مكان انتظار الأشرار.
لا تدع قدوسك يرى فسادًا: أى لا يمكن للمسيح القدوس أن يصيب جسده أى تحول أو فساد مثل باقى الراقدين فى القبور.
سبل الحياة: أى طريق الخروج من الموت إلى الحياة بالقيامة معتمدًا على قوة لاهوته المتحد بناسوته.
ستملأنى سرورًا: وهو الفرح بقيامة البشر من خلال قيامته، ثم صعوده إلى المجد، ليصير للبشر المؤمنين به قدرة على دخول الأمجاد السمائية لفدائه.
يورد القديس بطرس الرسول نبوة داود النبى (مز16)، والتى لم يقصد بها داود النبى نفسه، بل قالها على لسان المسيح وهو فى القبر ولاهوته متحد بجسده، فلا ينزعج من الموت لأن اللاهوت يعين الناسوت ويعود بالقيامة إلى مجده وفرحه بإتمام الخلاص وتبشير أولاده بذلك.
ع29: يسوغ: أى يجوز أو يمكن أو يسمح.
رئيس الآباء: لأنه من نسله أتى كل الآباء حتى ولد المسيح.
يؤكد القديس بطرس أنه بكل سهولة يمكن إثبات موت داود ووجود قبره فى أورشليم.
ع30: حسب الجسد: أى من جهة طبيعة المسيح البشرية، ولكن فى نفس الوقت له الطبيعة اللاهوتية المتحدة بناسوته.
هذا يؤكد أن ما قاله داود كنبى ليس عن نفسه بل هو عن المسيح، عندما علم على يد ناثان النبى فى (2صم7: 12، 16)، وأعلن ذلك فى المزمور (89: 3، 35-37) أن نسله سيولد منه المسيح حسب الجسد. وبالفعل قد جاء الرب من نسل داود.
ع31-32: كما تكلم داود فى (مز 16) عن قيامة المسيح، وانتصار روحه المتحدة بلاهوته على الهاوية، وحفظ جسده المتحد بلاهوته من الفساد حتى عادت روحه إلى جسده وقام كما يشهد الآباء الرسل.
ع33: تمجد المسيح أمام الكل وصعد إلى السماء، وأرسل الروح المعزى الذى وعد به تلاميذه فى هذا اليوم بهذه الصورة المعجزية التى يرونها بشكل ألسنة نارية وصوت الريح والتكلم بألسنة.
ع34-35: كل هذه الأقوال التى نطقها داود لا تنطبق أيضًا على داود نفسه بل على المسيح، فداود لم يصعد إلى السماء، بل هو الذى نقل بالنبوة حديث الآب مع الابن الذى يؤكد مساواة الابن للآب فى الجوهر والمجد، لأنه قال له إجلس عن يمينى، أى بعد إتمام الفداء يعود المسيح لمجده فى نظرنا مساويًا للآب.
ع35: هذا هو إتمام غاية الفداء وهو حبس الشيطان فى بحيرة النار والكبريت (1كو15: 24-28)، وبذلك يخضع أعداء المسيح أى الشيطان والموت تحت موطئ قدميه إلى الأبد.
ع36: يجب أن يعلم جميع السامعين ويؤمنوا، أن السيد المسيح هو الرب المخلص.
? الروح القدس الذى حول بطرس من الضعف إلى القوة والشهادة بالمسيح، قادر أن يرفعك من ضعفك مهما كانت خطاياك لتسلك بنقاوة.
إخضع له بالتوبة وطلب معونته والتناول من الأسرار المقدسة، فتتقوى فى كل خطواتك.
(3) إيمان ومعمودية الجموع (ع37-41):
37فَلَمَّا سَمِعُوا نُخِسُوا فِى قُلُوبِهِمْ، وَقَالُوا لِبُطْرُسَ وَلِسَائِرِ الرُّسُلِ: «مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ؟» 38فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: «تُوبُوا، وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. 39لأَنَّ الْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُمْ، وَلِكُلِّ الَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ، كُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ إِلَهُنَا.» 40وَبِأَقْوَالٍ أُخَرَ كَثِيرَةٍ كَانَ يَشْهَدُ لَهُمْ، وَيَعِظُهُمْ قَائِلًا: «اخْلُصُوا مِنْ هَذَا الْجِيلِ الْمُلْتَوِى.» 41فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ وَاعْتَمَدُوا؛ وَانْضَمَّ فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ.
ع37: عندما سمعوا، تأثروا جدًا فى أعماق قلوبهم وطلبوا الإرشاد من الرسل عما يفعلونه، معلنين توبتهم واستعدادهم لتنفيذ ما يقوله الروح على ألسنة الرسل.
ع38: رد القديس بطرس، طالبًا منهم التوبة وتغيير طريقهم وإعلان إيمانهم بالمسيح المخلص الواحد مع أبيه والروح القدس وقبول سر المعمودية، فتغفر لهم خطاياهم ويحل الروح القدس عليهم.
وهنا نلاحظ عمل المعمودية فى غفران الخطايا وتجديد طبيعة الإنسان، فهى شرط للقبول فى المسيحية.
ع39: الذين على بعد: أى الأمم فهو إعلان أن الخلاص لليهود والأمم.
يدعوه الرب إلهنا: بواسطة المبشرين والخدام.
أعلن لهم الرسول أن الموعد بالحياة الأبدية هو لكل من يتوب ويؤمن ويعتمد، سواء من اليهود أو أولادهم الذين يمكن أن يعتمدوا أيضًا. ولهذا تعمد الكنيسة الأطفال.
ع40: استطرد الرسول فى عظة (لم تُذكر كلها فى هذا السفر)، شاهدًا للرب وداعيًا السامعين إلى قبول المسيح المخلص والبعد عن أعمال الأشرار الملتوية.
ع41: قبلوا الكلام بفرح وآمنوا تائبين معتمدين. وبذلك وُلدت الكنيسة يوم الخمسين، وبدأت حبة الحنطة (أى المسيح)، التى ماتت وقامت، تأتى بثمر كثير هو ثلاثة آلاف نفس.
? عندما يتأثر قلبك بكلام الله، حَوّله إلى فعل بتوبة وحياة جادة فى طريقة، بمحبة باذلة نحو المحيطين بك، واخضع للآباء والمرشدين فتعرف كيف تسلك ببر وطهارة.
(4) حياة الكنيسة الأولى (ع42-47):
42وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ وَالشَّرِكَةِ وَكَسْرِ الْخُبْزِ وَالصَّلَوَاتِ. 43وَصَارَ خَوْفٌ فِى كُلِّ نَفْسٍ. وَكَانَتْ عَجَائِبُ وَآيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُجْرَى عَلَى أَيْدِى الرُّسُلِ. 44وَجَمِيعُ الَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَىْءٍ مُشْتَرَكًا. 45وَالأَمْلاَكُ وَالْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا، وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ الْجَمِيعِ كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِيَاجٌ. 46وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِى الْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الْخُبْزَ فِى الْبُيُوتِ، كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ، 47مُسَبِّحِينَ اللهَ، وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ الشَّعْبِ. وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ.
ع42: هنا نرى ثبات المؤمنين الجدد فى الرب، مواظبين على أربعة أمور أساسية تميزت بها الجماعة الجديدة وهى:
- الاستماع إلى تعاليم الرسل.
- حياة الشركة، أى وليمة المحبة التى تعبر عن الوحدانية.
- كسر الخبز، أى التناول من جسد الرب ودمه.
- الصلوات الطقسية الجماعية، أى القداس.
ع43: صار خوف الله فى داخل نفوس المؤمنين، مما جعلهم يبعدون عن الخطايا ويسلكون بطهارة، وكذلك خوف اليهود والوثنيين من الكنيسة كجماعة مملوءة حماسًا وقوة.
وساندهم الله بمعجزات لتثبت إيمانهم وتدعو الكثيرين للإيمان بالمسيح.
ع44: كان المؤمنون يجتمعون بقلب واحد ومحبة، دفعتهم ليس فقط للصلاة معًا بل لاعتبار ما يملكونه ملكًا للكنيسة فيوزعونه على الكل، وما عندهم يمكن أن يعطونه للكنيسة فى أى وقت لأنهم جميعًا أعضاء فى جسد المسيح.
ع45: باع الكثيرون مقتنياتهم وقسموا المال على الكل حسب احتياجهم، خاصة وإنه قد استقر بأورشليم كثير من اليهود، الذين كانوا قادمين من العالم كله لحضور عيد الخمسين، وذلك بعد قبولهم الإيمان ولم يكن لهم مورد رزق فى البلاد اليهودية.
ع46: كانت العبادة بالهيكل فى رواق سليمان بجوار باب الجميل، وهو الجزء القديم الوحيد من الهيكل الذى لم يُهدم فى السبى منذ بناه سليمان. وكانوا محافظين على وحدانية الروح، وإلى جانب ذلك كانوا يصلون ويمارسون سر الإفخارستيا فى البيوت مبتهجين بالرب الذى آمنوا به ومنحهم بساطة القلب.
ع47: كان المؤمنون يتميزون بتسبيح وشكر الله بفرح، فأحبهم اليهود لأجل طهارة سيرتهم وعطفهم على الفقراء. وقد ساعد هذا على جلب الروح القدس كثيرين للإيمان كل يوم.
? هل تشعر باتحادك فى الكنيسة مع باقى المؤمنين، فتهتم بحضور القداسات والاجتماعات الروحية؟
وهل تسعى لسد احتياجات الآخرين وتشعر أن كل ما تملكه هو ملك لله والكنيسة؟
إن فعلت هذا، حينئذ يحفظك الله فى حياة نقية ويعطيك نعمة فى أعين من حولك.