الرحلة من قيصرية إلى مالطة
(1) بداية الرحلة (ع 1-13):
1فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الرَّأْىُ أَنْ نُسَافِرَ فِى الْبَحْرِ إِلَى إِيطَالِيَا، سَلَّمُوا بُولُسَ وَأَسْرَى آخَرِينَ إِلَى قَائِدِ مِئَةٍ مِنْ كَتِيبَةِ أُوغُسْطُسَ اسْمُهُ يُولِيُوسُ. 2فَصَعِدْنَا إِلَى سَفِينَةٍ أَدْرَامِيتِينِيَّةٍ وَأَقْلَعْنَا، مُزْمِعِينَ أَنْ نُسَافِرَ مَارِّينَ بِالْمَوَاضِعِ الَّتِى فِى أَسِيَّا. وَكَانَ مَعَنَا أَرَسْتَرْخُسُ، رَجُلٌ مَكِدُونِىٌّ مِنْ تَسَالُونِيكِى. 3وَفِى الْيَوْمِ الآخَرِ، أَقْبَلْنَا إِلَى صَيْدَاءَ، فَعَامَلَ يُولِيُوسُ بُولُسَ بِالرِّفْقِ، وَأَذِنَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أَصْدِقَائِهِ لِيحْصُلَ عَلَى عِنَايَةٍ مِنْهُمْ. 4ثُمَّ أَقْلَعْنَا مِنْ هُنَاكَ، وَسَافَرْنَا فِى الْبَحْرِ مِنْ تَحْتِ قُبْرُسَ، لأَنَّ الرِّيَاحَ كَانَتْ مُضَادَّةً. 5وَبَعْدَ مَا عَبَرْنَا الْبَحْرَ الَّذِى بِجَانِبِ كِيلِيكِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ، نَزَلْنَا إِلَى مِيرَا لِيكِيَّةَ. 6فَإِذْ وَجَدَ قَائِدُ الْمِئَةِ هُنَاكَ سَفِينَةً إِسْكَنْدَرِيَّةً مُسَافِرَةً إِلَى إِيطَالِيَا، أَدْخَلَنَا فِيهَا. 7وَلَمَّا كُنَّا نُسَافِرُ رُوَيْدًا أَيَّامًا كَثِيرَةً، وَبِالْجَهْدِ صِرْنَا بِقُرْبِ كِنِيدُسَ، وَلَمْ تُمَكِّنَّا الرِّيحُ أَكْثَرَ، سَافَرْنَا مِنْ تَحْتِ كِرِيتَ بِقُرْبِ سَلْمُونِى. 8وَلَمَّا تَجَاوَزْنَاهَا بِالْجَهْدِ، جِئْنَا إِلَى مَكَانٍ يُقَالُ لَهُ “الْمَوَانِى الْحَسَنَةُ” الَّتِى بِقُرْبِهَا مَدِينَةُ لَسَائِيَةَ.
9وَلَمَّا مَضَى زَمَانٌ طَوِيلٌ وَصَارَ السَّفَرُ فِى الْبَحْرِ خَطِرًا، إِذْ كَانَ الصَّوْمُ أَيْضًا قَدْ مَضَى، جَعَلَ بُولُسُ يُنْذِرُهُمْ 10قَائِلاً: «أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَنَا أَرَى أَنَّ هَذَا السَّفَرَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بِضَرَرٍ وَخَسَارَةٍ كَثِيرَةٍ، لَيْسَ لِلشَّحْنِ وَالسَّفِينَةِ فَقَطْ، بَلْ لأَنْفُسِنَا أَيْضًا.» 11وَلَكِنْ، كَانَ قَائِدُ الْمِئَةِ يَنْقَادُ إِلَى رُبَّانِ السَّفِينَةِ وَإِلَى صَاحِبِهَا، أَكْثَرَ مِمَّا إِلَى قَوْلِ بُولُسَ. 12وَلأَنَّ الْمِينَا لَمْ يَكُنْ مَوْقِعُهَا صَالِحًا لِلْمَشْتَى، اسْتَقَرَّ رَأْى أَكْثَرِهِمْ أَنْ يُقْلِعُوا مِنْ هُنَاكَ أَيْضًا، عَسَى أَنْ يُمْكِنَهُمُ الإِقْبَالُ إِلَى فِينِكْسَ لِيَشْتُوا فِيهَا، وَهِى مِينَا فِى كِرِيتَ تَنْظُرُ نَحْوَ الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ الْغَرْبِيَّيْنِ. 13فَلَمَّا نَسَّمَتْ رِيحٌ جَنُوبٌ، ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ مَلَكُوا مَقْصَدَهُمْ، فَرَفَعُوا الْمِرْسَاةَ، وَطَفِقُوا يَتَجَاوَزُونَ كِرِيتَ عَلَى أَكْثَرِ قُرْبٍ.
ع1: نسافر: يفهم من هذا أن لوقا كان مرافقا لبولس فى هذه الرحلة، بل وكان معه أيضا فى قيصرية.
كتيبة أوغسطس: عددها 3000 جندى وتسمى باسم القيصر، وتعمل فى خدمات تابعة لها.
بعد سنتين من اعتقال بولس بقيصرية، سلم فستوس بولس وأسرى آخرين إلى قائد مئة اسمه يوليوس للسفر بهم إلى إيطاليا، حيث العاصمة روما ليحاكم هناك.
ع2: ركب بولس ومن معه سفينة أدراميتينية، نسبة إلى ميناء أدراميتين فى غرب آسيا (تركيا)، ومن هناك يستقلون سفينة أخرى متجهة إلى روما، وكان معهم أرسترخس من مكدونية (شمال اليونان) وتحديدا من مدينة تسالونيكى عاصمة الشمال. فكان وجود أرسترخس ولوقا، تلميذى بولس معه، تعزية كبيرة له فى هذه الرحلة ودليل لمحبتهما الكبيرة له فى احتمال مخاطر السفر.
ع3: بالرفق: لعل ذلك بسبب توصية فستوس، ومن ناحية أخرى بسبب طباع يوليوس وكذلك من أجل شخصية بولس اللطيفة والجذابة وكونه رومانيا.
وصلت السفينة إلى صيداء، وهى مدينة فينيقية (لبنان)، وتبعد سبعة وستون ميلا شمال قيصرية. وعامل يوليوس بولس حسنا، وسمح له بمقابلة أصدقائه، أى مسيحى صيداء، ليحصل على مساعده مادية ومعنوية منهم، ولعله انتهز هذه الفرصة لوعظهم وتثبيت إيمانهم.
ع4: أكملت الرحلة السفر غربا، وجعلوا قبرص غربهم لتحجز عنهم الرياح الغربية المضادة.
ع5: مرت السفينة بجوار ولايتى كيليكية وبمفيلية فى جنوب آسيا (تركيا)، ثم وصلت إلى ميراليكية وهى مدينة ميرا فى جنوب تركيا.
ع6: فى ميناء ميراليكية، تركوا السفينة وركبوا أخرى قادمة من مصر من مدينة الإسكندرية ومحملة بالحبوب (القمح) (ع38)، ومتجهة إلى روما. وكانت سفينة كبيرة حملت عدد كبير من الركاب بالإضافة إلى كميات الحبوب التى فيها.
ع7-8: كانت السفينة شراعية، ونظرا لأن الريح كانت معاكسة، فسافروا ببطء حتى قرب مدينة كنيدس بجنوب تركيا. ونظرًا لقوة الرياح الشمالية الغربية، لم يستطيعوا التقدم غربا، فأبحروا جنوبا إلى جزيرة كريت حتى وصلوا طرفها الشرقى حيث مدينة سلمونى، وتحركوا بصعوبة لشدة الرياح الشمالية الغربية، فمروا جنوب كريت التى تحميهم لحد ما من شدة الرياح حتى وصلوا إلى شاطئ يسمى الموانى الحسنة (وهى مدينة على الشاطئ الجنوبى من جزيرة كريت بقرب مدينة لسائية).
ع9-10: الصوم: صوم الكفارة عند اليهود ويقع فى العاشر من الشهر السابع العبرى فى عيد الكفارة الذى يقع فى الخريف.
مضى صوم الكفارة اليهودى الذى يقع فى الخريف وبدأ جو الشتاء القاسى، واشتدت الرياح الشمالية الغربية المضادة لخط سيرهم إلى روما، فأنذرهم بولس، بإرشاد الله وبواقع خبرته السابقة فى السفر، بأن السفر فى ذلك الوقت سيضر بالسفينة والبضائع والركاب أنفسهم.
ع11: رأى ربان السفينة وصاحبها أنه يمكن السفر إلى إيطاليا، فطاوعهما قائد المئة وأهمل رأى بولس باعتبارهما متخصصين فى البحر أكثر من بولس المهتم بالعلوم الدينية والأدبية.
ع12: نظرا لأن منطقة الموانى الحسنة لم تكن صالحة لقضاء الشتاء فيها، بدأوا يبحثون عن ميناء آخر بعيدا عن الرياح ليشتوا فيه. فحاولوا أن يتجهوا بالسفينة إلى ميناء فينكس على مسافة أربعين ميلا إلى الغرب (أى إبحار ثلاث ساعات) فى جنوب كريت أيضا، حيث أن الجزيرة تحميهم إلى حد ما من الرياح الشمالية الغربية.
ع13: هبت ريح جنوبية خفيفة، فشعر الملاحون أن الجو مناسب للسفر. فتحركوا بالسفينة غربا إلى ميناء فينكس، وكانوا يسيرون قريبا من الجزيرة حتى لا تسحبهم الرياح داخل البحر ويتعرضون للأخطار.
? يرسل الله لنا رأيه كثيرا، لكننا نعتد برأى العالم ونرفض رأى الله ونستخف به، وتكون النتائج الخطيرة برهانا على خطأ تصرفنا. فلا تعاند صوت الله الذى تسمعه فى الكنيسة ومن أب اعترافك والمرشدين الروحيين، ولا تندفع فى قراراتك واطلب إرشاد الله حتى لا تتعرض للمخاطر.
(2) العواصف والتيه فى البحر (ع 14-26):
14وَلَكِنْ بَعْدَ قَلِيلٍ، هَاجَتْ عَلَيْهَا رِيحٌ زَوْبَعِيَّةٌ يُقَالُ لَهَا “أُورُوكْلِيدُونُ.” 15فَلَمَّا خُطِفَتِ السَّفِينَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُقَابِلَ الرِّيحَ، سَلَّمْنَا، فَصِرْنَا نُحْمَلُ. 16فَجَرَيْنَا تَحْتَ جَزِيرَةٍ يُقَالُ لَهَا “كَلَوْدِى”، وَبِالْجَهْدِ قَدَرْنَا أَنْ نَمْلِكَ الْقَارِبَ. 17وَلَمَّا رَفَعُوهُ، طَفِقُوا يَسْتَعْمِلُونَ مَعُونَاتٍ، حَازِمِينَ السَّفِينَةَ. وَإِذْ كَانُوا خَائِفِينَ أَنْ يَقَعُوا فِى السِّيرْتِسِ، أَنْزَلُوا الْقُلُوعَ، وَهَكَذَا كَانُوا يُحْمَلُونَ. 18وَإِذْ كُنَّا فِى نَوْءٍ عَنِيفٍ، جَعَلُوا يُفَرِّغُونَ فِى الْغَدِ. 19وَفِى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، رَمَيْنَا بِأَيْدِينَا أَثَاثَ السَّفِينَةِ. 20وَإِذْ لَمْ تَكُنِ الشَّمْسُ وَلاَ النُّجُومُ تَظْهَرُ أَيَّامًا كَثِيرَةً، وَاشْتَدَّ عَلَيْنَا نَوْءٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ، انْتُزِعَ أَخِيرًا كُلُّ رَجَاءٍ فِى نَجَاتِنَا.
21فَلَمَّا حَصَلَ صَوْمٌ كَثِيرٌ، حِينَئِذٍ وَقَفَ بُولُسُ فِى وَسْطِهِمْ، وَقَالَ: «كَانَ يَنْبَغِى أَيُّهَا الرِّجَالُ أَنْ تُذْعِنُوا لِى وَلاَ تُقْلِعُوا مِنْ كِرِيتَ، فَتَسْلَمُوا مِنْ هَذَا الضَّرَرِ وَالْخَسَارَةِ. 22وَالآنَ، أُنْذِرُكُمْ أَنْ تُسَرُّوا، لأَنَّهُ لاَ تَكُونُ خَسَارَةُ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ إِلاَّ السَّفِينَةَ. 23لأَنَّهُ وَقَفَ بِى هَذِهِ اللَّيْلَةَ مَلاَكُ الإِلَهِ، الَّذِى أَنَا لَهُ وَالَّذِى أَعْبُدُهُ، 24قَائِلاً: “لاَ تَخَفْ يَا بُولُسُ. يَنْبَغِى لَكَ أَنْ تَقِفَ أَمَامَ قَيْصَرَ. وَهُوَذَا قَدْ وَهَبَكَ اللهُ جَمِيعَ الْمُسَافِرِينَ مَعَكَ.” 25لِذَلِكَ سُرُّوا أَيُّهَا الرِّجَالُ، لأَنِّى أُومِنُ بِاللَّهِ أَنَّهُ يَكُونُ هَكَذَا كَمَا قِيلَ لِى. 26وَلَكِنْ لاَ بُدَّ أَنْ نَقَعَ عَلَى جَزِيرَةٍ.»
ع14: بعد أن أبحروا قليلا حوالى خمسة أميال غربا فى طريقهم إلى فينكس، هبت عليهم عاصفة اسمها أوروكليدون، أى الأمواج الشرقية باليونانية، وهى فى اتجاه الشمال الشرقى.
ع15: انتزعت الريح السفينة من سيطرة الملاحين وعجزوا عن مواجهة الريح، فسلم الركاب أنفسهم فى يد الله وصارت الريح تحملهم حيث تشاء.
ع16: مروا بجوار جزيرة كلودى، وهم يحاولون سحب القارب الذى يستعمل فى انتقال الركاب من الشاطئ إلى السفينة، وكانوا يسحبونه خلف السفينة لاقترابهم من فينكس. ولكن لما خطفتهم الرياح، حاولوا رفع القارب إلى السفينة حتى لا ينقطع الحبل الذى يربطه بها فيتوه أو يتحطم. ونجحوا فى ذلك لكن بعد جهد كبير لعنف الرياح.
ع17: لمواجهة العواصف، أخذوا يحزمون السفينة بحبال قوية حتى لا تفكك الريح ألواحها وتنفد المياه داخلها. وكانوا قريبين من خليج فى شمال أفريقيا اسمه السيرتس، فكانوا يخافون أن تدفعهم الرياح إليه لأنه كان ضحلا جدًا، فإذا دخلت السفينة فيه ستنغرس فى قاعه وتحطمها الرياح. فأنزلوا القلوع لتخفيف تأثير الرياح على السفينة.
ع18: نوء: ريح شديدة.
فى اليوم التالى، نظرًا لاشتداد الرياح، أفرغوا حموله السفينة من القمح فى البحر لتخفيفها فيسهل نجاتها.
ع19: فى اليوم الثالث رموا أثاث السفينة فى البحر ليخففوها أيضا.
ع20: كانت أشعة الشمس لا تظهر لهم لكثافة السحب وهكذا النجوم ليلا. ونظرا لأن الاسترشاد لمعرفة الاتجاهات فى هذه الأيام لم يكن بالبوصلة، بل بالشمس نهارا والنجوم ليلا، فقد فقدوا اتجاههم ويئسوا من النجاة.
ع21: بسبب دوار البحر والخوف الشديد، امتنعوا عن الطعام مدة طويلة وضعفت أجسامهم. وهنا وقف بولس بينهم وعاتبهم على عدم طاعتهم له عندما حذرهم ألا يقلعوا من الموانى الحسنة مما عرضهم لهذه الأخطار. وقد قال هذا ليس اعتدادا برأيه وكرامته، بل ليطيعوه فيما سيقوله بعد ذلك.
ع22: بشرهم بولس أنه لن يغرق أحد منهم، لكن السفينة فقط هى التى ستتحطم.
ع23: عندما صلى بولس إلى الله، أرسل ملاكه له فى الليلة الماضية.
ع24: أعلم الملاك بولس ألا يخاف لأنه سيصل سالما إلى روما، ويقف ليحاكم أمام قيصر، وأن الله سينجى جميع ركاب السفينة من الغرق لأجله.
هنا نقارن بين بولس، الذى كان بطاعته لله سببا لخلاص ركاب السفينة، ويونان النبى الذى كان بسبب عصيانه لله سبب مأزق لركاب السفينة لولا أن رموه فى البحر فهدأ عنهم (يونان 1: 12).
ع25-26: أعلن لهم بولس ثقته بقول الملاك بأنهم سيقعون على جزيرة. وهكذا نجتهم طاعة بولس بعد أن كاد عصيانهم أن يهلكهم.
? كلما أطعنا الله، صار حاميا لنا من الأخطار وساترا علينا. فأطع وصايا الله وإرشادات الكنيسة حتى لو كانت ضد رغباتك، لأن الله يعلم خيرك ويحبك أكثر مما تحب نفسك. فالإنسان يفعل ما يقتنع به، أما الطاعة فهى تنفيذ مالا يقتنع به فهى أعلى من كل شئ ودافعها هو المحبة والإيمان بالله.
(3) النجاة بعد غرق السفينة (ع 27-44):
27فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَشْرَةُ، وَنَحْنُ نُحْمَلُ تَائِهِينَ فِى بَحْرِ أَدْرِيَا، ظَنَّ النُّوتِيَّةُ نَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَنَّهُمُ اقْتَرَبُوا إِلَى بَرٍّ. 28فَقَاسُوا وَوَجَدُوا عِشْرِينَ قَامَةً. وَلَمَّا مَضَوْا قَلِيلاً، قَاسُوا أَيْضًا فَوَجَدُوا خَمْسَ عَشْرَةَ قَامَةً. 29وَإِذْ كَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يَقَعُوا عَلَى مَوَاضِعَ صَعْبَةٍ، رَمَوْا مِنَ الْمُؤَخَّرِ أَرْبَعَ مَرَاسٍ، وَكَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَصِيرَ النَّهَارُ. 30وَلَمَّا كَانَ النُّوتِيَّةُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَهْرُبُوا مِنَ السَّفِينَةِ، وَأَنْزَلُوا الْقَارِبَ إِلَى الْبَحْرِ بِعِلَّةِ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَمُدُّوا مَرَاسِىَ مِنَ الْمُقَدَّمِ، 31قَالَ بُولُسُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ وَالْعَسْكَرِ: «إِنْ لَمْ يَبْقَ هَؤُلاَءِ فِى السَّفِينَةِ، فَأَنْتُمْ لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْجُوا.» 32حِينَئِذٍ، قَطَعَ الْعَسْكَرُ حِبَالَ الْقَارِبِ وَتَرَكُوهُ يَسْقُطُ. 33وَحَتَّى قَارَبَ أَنْ يَصِيرَ النَّهَارُ، كَانَ بُولُسُ يَطْلُبُ إِلَى الْجَمِيعِ أَنْ يَتَنَاوَلُوا طَعَامًا، قَائِلاً: «هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ عَشَرَ، وَأَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ لاَ تَزَالُونَ صَائِمِينَ، وَلَمْ تَأْخُذُوا شَيْئًا. 34لِذَلِكَ أَلْتَمِسُ مِنْكُمْ أَنْ تَتَنَاوَلُوا طَعَامًا، لأَنَّ هَذَا يَكُونُ مُفِيدًا لِنَجَاتِكُمْ، لأَنَّهُ لاَ تَسْقُطُ شَعْرَةٌ مِنْ رَأْسِ وَاحِدٍ مِنْكُمْ.» 35وَلَمَّا قَالَ هَذَا، أَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ اللهَ أَمَامَ الْجَمِيعِ، وَكَسَّرَ وَابْتَدَأَ يَأْكُلُ. 36فَصَارَ الْجَمِيعُ مَسْرُورِينَ، وَأَخَذُوا هُمْ أَيْضًا طَعَامًا. 37وَكُنَّا فِى السَّفِينَةِ جَمِيعُ الأَنْفُسِ مِئَتَيْنِ وَسِتَّةً وَسَبْعِينَ.
38وَلَمَّا شَبِعُوا مِنَ الطَّعَامِ، طَفِقُوا يُخَفِّفُونَ السَّفِينَةَ، طَارِحِينَ الْحِنْطَةَ فِى الْبَحْرِ. 39وَلَمَّا صَارَ النَّهَارُ، لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ الأَرْضَ، وَلَكِنَّهُمْ أَبْصَرُوا خَلِيجًا لَهُ شَاطِئٌ، فَأَجْمَعُوا أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِ السَّفِينَةَ إِنْ أَمْكَنَهُمْ. 40فَلَمَّا نَزَعُوا الْمَرَاسِىَ، تَارِكِينَ إِيَّاهَا فِى الْبَحْرِ، وَحَلُّوا رُبُطَ الدَّفَّةِ أَيْضًا، رَفَعُوا قِلْعًا لِلرِّيحِ الْهَابَّةِ، وَأَقْبَلُوا إِلَى الشَّاطِئِ. 41وَإِذْ وَقَعُوا عَلَى مَوْضِعٍ بَيْنَ بَحْرَيْنِ، شَطَّطُوا السَّفِينَةَ، فَارْتَكَزَ الْمُقَدَّمُ وَلَبِثَ لاَ يَتَحَرَّكُ. وَأَمَّا الْمؤَخَّرُ، فَكَانَ يَنْحَلُّ مِنْ عُنْفِ الأَمْوَاجِ. 42فَكَانَ رَأْىُ الْعَسْكَرِ أَنْ يَقْتُلُوا الأَسْرَى، لِئَلاَّ يَسْبَحَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَيَهْرُبَ. 43وَلَكِنَّ قَائِدَ الْمِئَةِ، إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُخَلِّصَ بُولُسَ، مَنَعَهُمْ مِنْ هَذَا الرَّأْىِ، وَأَمَرَ أَنَّ الْقَادِرِينَ عَلَى السِّبَاحَةِ يَرْمُونَ أَنْفُسَهُـمْ أَوَّلاً فَيَخْرُجـُونَ إِلَى الْبَرِّ، 44وَالْبَاقِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَلْوَاحٍ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى قِطَعٍ مِنَ السَّفِينَةِ؛ فَهَكَذَا حَدَثَ أَنَّ الْجَمِيعَ نَجَوْا إِلَى الْبَرِّ.
ع27: بحر أدريا: الأدرياتيك بجوار إيطاليا.
النوتية: الملاحون.
مر أربعة عشر يوما على السفينة منذ خروجها من جزيرة كريت، ومعظم هذه الفترة كانت معذبة بالرياح ومعرضة للهلاك فى بحر أدريا الذى يقع بين إيطاليا واليونان. وبعد ذلك يبدو أن النوتية سمعوا صوت أمواج ترتطم بشاطئ، فاستنتجوا أنهم بقرب ساحل ما، لأن الوقت كان ليلا ولا يرون شيئا.
ع28: القامة: هى طول إنسان، أى حوالى 160سم فى المتوسط.
استخدموا حبلا فى آخره ثقل ليقيسوا عمق الماء حتى القاع، فوجدوا العمق حوالى ستة وثلاثين مترا، لأن القامة هى قدر طول إنسان. ثم قاسوا بعد فترة فوجدوا العمق قد نقص وأصبح حوالى أربعة وعشرون مترا فقط، فتأكدوا من صحة استنتاجهم.
ع29: مراسى: جمع مرساة، وهى عصا حديدية فى نهايتها قوس حديدى مدبب من كل ناحية، وهذه العصا مربوطة بحبل طويل إلى السفينة، وإذ تلقى هذه المرساة فى قاع البحر، تنغرس فيه وبهذا تثبت السفينة فى مكانها، وقد عرفت عن البحارة باسم “الهلب”.
نظرا لأن الوقت كان فى نصف الليل والرؤيا منعدمة، فقد خافوا أن يكون الشاطئ صخريا، فرموا من مؤخرة السفينة أربعة مراسى لتثبيت السفينة فى مكانها حتى يضئ النهار.
ع30: دبر النوتية أن يهربوا للنجاة من السفينة إلى البر بواسطة القارب، فأخذوا ينزلونه إلى البحر، مدعين أنهم سيمدون مراسى أخرى من مقدمة السفينة لإحكام تثبيت المركب فى مكانها. لأنهم لو قالوا الحقيقة أنهم سيهربون فى هذا القارب الذى لا يسع إلا سواهم، لمنعهم القائد والجند.
ع31: حذر بولس القائد والجنود من محاولة النوتية للهرب بالقارب، إذ أن ذلك سيؤدى إلى عدم نجاة الركاب. فوعد الله بنجاتهم من الغرق (ع21) ليس معناه أن يكفوا عن جهادهم للوصول إلى البر.
ع32: عندئذ قطع الجنود الحبال التى يتدلى منها القارب، فسقط وضاع فى البحر.
ع33-34: بدأ بولس فى الجزء الباقى من الليل يلتمس فى محبة شديدة من الجميع أن يأكلوا طعاما، لأنهم لم يأكلوا شيئا ذا قيمة منذ أربعة عشر يوما، سواء بسبب دوار البحر أو الخوف، مما أدى إلى إنهاك قواهم، الأمر الذى يعيق نجاتهم كما وعدهم الله ألا تهلك شعره من رؤوسهم.
وهنا يظهر بولس كقائد ومرشد لكل ركاب السفينة، مع أنه أحد الأسرى. فهذه هى المرة الرابعة التى يهتم فيها بولس بقيادة من معه لينجيهم من الموت (ع10 ، 21، 31).
ع35: شجع بولس من معه على الأكل، بأن شكر الله مصليا أمامهم وبدأ يأكل.
ع36-37: اطمأنت قلوب ركاب السفينة وفرحوا بثقة بولس فى إلهه وأكلوا. وكان عدد الجميع مئتين وستة وسبعين.
? إن وجود أبناء الله فى مكان يكون مصدر عزاء وفرح ونجاة للموجودين، كما يذكر تاريخ الكنيسة أنه بسبب الأنبا بولا أول السواح كان الله ينزل الندى والمطر على أرض مصر.
فاعلم أن الله يود أن يبارك كل من حولك لأجلك إذا كنت تحيا معه فى أمانة، وصلاتك لأجل الكل ينتظرها الله حتى يرحمهم لأنك ابنه ومكانتك كبيرة فى قلبه.
ع38: لأول مرة منذ أسبوعين، أكل ركاب السفينة إلى حد الشبع. وإذ كانوا عالمين أن السفينة على وشك الغرق، بذلوا محاولة أخيرة لنجاتهم بتخفيف الحمولة، فرموا الحنطة فى البحر لعل هذا يساعدها على الاقتراب من الشاطئ وتقل المسافة التى سيسحبونها إليه.
ع39: عندما ظهر ضوء النهار من خلال السحب الكثيفة، أبصروا خليجا فى أرض لا يعرفونها، فاتفقوا على توجيه السفينة إليه، ولم يعرف الملاحون أن هذه هى جزيرة مالطة لأنهم كانوا بعيدين عن مينائها (ص28: 1).
ع40: قطعوا الحبال التى تربط المراسى بالسفينة، وفكوا كذلك الحبال التى تربط الدفة، ورفعوا قلعاً للإستفاده من دفع الريح للسفينة نحو الشاطئ.
ع41: بحرين: تيارين متضادين من الماء.
دخلت السفينة فى موقع بين تيارين مائيين يؤدى تصادمها إلى ترسيب الرمال كلسان من الرمل داخل البحر، فتنغرس فيه السفن ولا يمكن تحريكها. وهذا هو ما حدث للسفينة عندما قربوها من الشاطئ. وإذ انغرست المقدمة فى الرمال وأخذت الأمواج تصطدم بعنف بمؤخرة السفينة، بدأت ألواحها تنحل من بعضها، أى تتكسر السفينة.
ع42: كان القانون الرومانى يعاقب الجندى بالقتل إن هرب أسيره، لذا رأى الجنود قتل الأسرى.
ع43: لم يوافق قائد الجند على رأى العسكر لينجى بولس، الذى أحبه وعامله بلطف واقتنع بحكمته وعمل الله فيه بإرشاده لركاب السفينة، فأمر بنزول القادرين على السباحة منهم إلى الماء ليتجهوا للشاطئ.
ع44: تعلق الباقون، أى الذين لا يجيدون السباحة، بألواح وقطع خشبية من السفينة، سبحوا فوقها حتى وصلوا إلى الشاطئ فنجا الكل.
وكانت هذه هى رابع مرة ينجو فيها بولس من الغرق، فقد تعرض للغرق ثلاث مرات قبل ذلك (2كو 11: 25).
? إن الخادم الواضح الهدف يستمر فى خدمته مهما تكررت العقبات، وهكذا كان بولس لأن دعوته واختياره ثابتان. فلا تتضايق من العقبات التى تواجهك، فليس معنى هذا أن الله تركك، ولكن استمر فى جهادك الروحى وخدمتك، واثقا من قوة إلهك على إنقاذك، عالما أن خطاياك لا تعطل عمل الله معك مادمت تتوب عنها.