بـرج بـابــل
(1) بلبلة الألسنة (ع1-9):
1وَكَانَتِ الأَرْضُ كُلُّهَا لِسَاناً وَاحِداً وَلُغَةً وَاحِدَةً. 2وَحَدَثَ فِي ارْتِحَالِهِمْ شَرْقاً أَنَّهُمْ وَجَدُوا بُقْعَةً فِي أَرْضِ شِنْعَارَ وَسَكَنُوا هُنَاكَ. 3وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «هَلُمَّ نَصْنَعُ لِبْناً وَنَشْوِيهِ شَيّاً». فَكَانَ لَهُمُ اللِّبْنُ مَكَانَ الْحَجَرِ وَكَانَ لَهُمُ الْحُمَرُ مَكَانَ الطِّينِ. 4وَقَالُوا: «هَلُمَّ نَبْنِ لأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجاً رَأْسُهُ بِالسَّمَاءِ. وَنَصْنَعُ لأَنْفُسِنَا اسْماً لِئَلَّا نَتَبَدَّدَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ». 5فَنَزَلَ الرَّبُّ لِيَنْظُرَ الْمَدِينَةَ وَالْبُرْجَ اللَّذَيْنِ كَانَ بَنُو آدَمَ يَبْنُونَهُمَا. 6وَقَالَ الرَّبُّ: «هُوَذَا شَعْبٌ وَاحِدٌ وَلِسَانٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهِمْ وَهَذَا ابْتِدَاؤُهُمْ بِالْعَمَلِ. وَالْآنَ لاَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ كُلُّ مَا يَنْوُونَ أَنْ يَعْمَلُوهُ. 7هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ بَعْضُهُمْ لِسَانَ بَعْضٍ». 8فَبَدَّدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ فَكَفُّوا عَنْ بُنْيَانِ الْمَدِينَةِ 9لِذَلِكَ دُعِيَ اسْمُهَا «بَابِلَ» لأَنَّ الرَّبَّ هُنَاكَ بَلْبَلَ لِسَانَ كُلِّ الأَرْضِ. وَمِنْ هُنَاكَ بَدَّدَهُمُ الرَّبُّ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ.
ع1: كان نسل نوح يعيشون فى أماكن متقاربة ويتكلمون لغة واحدة غالبًا هى العبرانية والبعض يقول أنها الكلدانية أو السامية.
ع2: شنعار : سهل دجلة والفرات.
استقر الفلك على جبل أراراط الذى يقع شمال غرب سهل شنعار، ثم إرتحلوا شرقًا فى منطقة شنعار.
ع3: لبنًا : أى الطوب اللبن المصنوع من الطين والقش.
نشويه : يحرق بالنار ليصير أكثر متانة.
الحمر : نوع من القار المعدنى يكثر فى منطقة دجلة والفرات ويستخدم للصق الطوب بعضه مع بعض بدلاً من الطين المستخدم قديمًا أو الأسمنت حاليًا.
فكر بنو نوح فى بناء مدينة وبيوتًا وكانوا قديمًا يصنعون طوبًا لبنًا بخلط الطين مع القش فاكتشفوا أن الطوب اللبن إذا احترق بالنار يصير أكثر قوة فعملوا الطوب الأحمر المعروف حاليًا لبناء البيوت، وبدلاً من استخدام الطين للصق الطوب بعضه مع بعض اكتشفوا فى المنطقة التى يعيشون فيها مادة الحمر وهى مادة تلصق الطوب بعضه مع بعض بصلابة أكثر.
ع4: مدينة : أى مملكة.
اسمًا : صيت ومركز عظيم.
رغم أن الله طمأن نوح ونسله أنه لن يهلك العالم مرة ثانية بالطوفان ولكنهم عندما اكتشفوا بعقولهم التى وهبهم الله إياها وسائل لصنع أبنية قوية بالطوب الأحمر والحمر، اتكلوا على قوتهم ليقيموا مملكة وبناءً عاليًا هو البرج حتى أنه لو فكر الله فى عمل طوفان يصعدوا إلى البرج ولا يخيفهم غضب الله، وهكذا تركوا الله واعتمدوا على أنفسهم واثقين من قوتهم لتكوين مملكة ومركز دائم، وبهذا أهملوا الله والمدينة السماوية والفردوس الذى خرجوا منه وسيعيدهم الله إليه إن عاشوا معه فى الإيمان، ويعتقد القديس أغسطينوس أن قائد هذا العمل هو نمرود الذى حاول تأسيس مدينة بابل والسابق ذكره فى (ص10: 8-10).
ع5: نزل الرب : هو إعلان أنه يراقب كل أعمالنا، وليس معناه أنه تحرك من مكان إلى مكان لأنه مالئ كل مكان ومراقبته للمدينة والبرج اللذين بدأوا فى بنائهما هو إثبات لكبريائهم الذى سيدينهم عليه ورفضهم الإتكال على الله.
ع6: كانت هناك مدينة صغيرة اسمها بابل بناها نمرود والآن يحاول توسيعها وبناء برج عالى فيها، فبدأوا يستخدمون اكتشافهم الجديد وهو الطوب الأحمر والحمر فى البناء. والله لم يمنعهم بالقوة من إتمام كبريائهم ولكن إشفاقًا عليهم حتى يتوبوا ويرجعوا إليه تدخل بطريقة بسيطة لإيقاف الكبرياء المتمثل فى بناء البرج.
ع7: ننزل : تعلن الثالوث القدوس لأن كلامه بصيغة الجمع وترمز لتنازل المسيح بتجسده ليرفع خطية الإنسان وكبرياءه عنه بالفداء.
نبلبل : جعلهم يتكلمون لغات أى ألسنة مختلفة.
تدخل الله لإيقاف البشر عن التمادى فى الشر ليشعروا بضعفهم ويرجعوا معه لحياتهم الروحية، فجعلهم يتكلمون كل مجموعة بلغة تختلف عن المجموعة الأخرى مما يجعل التفاهم مستحيلاً بينهم وبالتالى عجزوا عن إتمام خطتهم فى بناء البرج والمملكة.
ع8: نتيجة عجزهم عن التفاهم تفرقت كل جماعة تتكلم لغة معينة إلى مكان وبهذا عادوا فنفذوا كلام الله الذى قاله سابقًا لهم أن يثمروا ويكثروا ويملأوا الأرض. وبهذا تكونت بدايات القبائل التى أسَّست الدول والممالك فيما بعد.
ع9: دعا الله اسم المدينة بابل بمعنى تبلبل الألسنة، فصارت دليلاً على كبرياء البشر الذى اضطر الله الرحيم أن يغير لغاتهم لينقذهم من الكبرياء.
? الكبرياء هو الخطية الأولى للإنسان وسبب سقوط الشيطان ومازال الشيطان يحارب البشرية ليس فقط أيام برج بابل بل حتى الآن بالكبرياء … فكن حريصًا منها بأن تشكر الله علىكل ما تعمله وتقدم الآخرين عنك وتحتمل إساءاتهم وتطفئ نيرانها بحبك لهم.
(2) مواليد سام (ع10-26):
10هَذِهِ مَوَالِيدُ سَامٍ: لَمَّا كَانَ سَامٌ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ وَلَدَ أَرْفَكْشَادَ بَعْدَ الطُّوفَانِ بِسَنَتَيْنِ. 11وَعَاشَ سَامٌ بَعْدَ مَا وَلَدَ أَرْفَكْشَادَ خَمْسَ مِئَةِ سَنَةٍ وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. 12وَعَاشَ أَرْفَكْشَادُ خَمْساً وَثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ شَالَحَ. 13وَعَاشَ أَرْفَكْشَادُ بَعْدَ مَا وَلَدَ شَالَحَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثَ سِنِينَ وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. 14وَعَاشَ شَالَحُ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ عَابِرَ. 15وَعَاشَ شَالَحُ بَعْدَ مَا وَلَدَ عَابِرَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثَ سِنِينَ وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. 16وَعَاشَ عَابِرُ أَرْبَعاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ فَالَجَ. 17وَعَاشَ عَابِرُ بَعْدَ مَا وَلَدَ فَالَجَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. 18وَعَاشَ فَالَجُ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ رَعُوَ. 19وَعَاشَ فَالَجُ بَعْدَ مَا وَلَدَ رَعُوَ مِئَتَيْنِ وَتِسْعَ سِنِينَ وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. 20وَعَاشَ رَعُو اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ سَرُوجَ. 21وَعَاشَ رَعُو بَعْدَ مَا وَلَدَ سَرُوجَ مِئَتَيْنِ وَسَبْعَ سِنِينَ وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. 22وَعَاشَ سَرُوجُ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ نَاحُورَ. 23وَعَاشَ سَرُوجُ بَعْدَ مَا وَلَدَ نَاحُورَ مِئَتَيْ سَنَةٍ وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. 24وَعَاشَ نَاحُورُ تِسْعاً وَعِشْرِينَ سَنَةً وَوَلَدَ تَارَحَ. 25وَعَاشَ نَاحُورُ بَعْدَ مَا وَلَدَ تَارَحَ مِئَةً وَتِسْعَ عَشَرَةَ سَنَةً وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. 26وَعَاشَ تَارَحُ سَبْعِينَ سَنَةً وَوَلَدَ أَبْرَامَ وَنَاحُورَ وَهَارَانَ.
يهتم هنا بذكر نسل سام بالتفصيل لأن منه سيخرج إبرام أب شعب الله الذى يهتم بمدينة الله السماوية بدلاً من نسل حام أى نمرود الذى اهتم بالمدينة الأرضية بابل، فإبرام يتميز بطاعة الله أما نمرود فيتميز بالكبرياء مثل باقى الأشرار.
? تأمل فى بداية كل يوم ولو دقائق قليلة فى ملكوت السموات حيث أعد لك الله مكانًا حتى لا تنهمك فى مشاغل الحياة أو يجذبك الشيطان للشهوات الردية. واهتم أن ترفع قلبك للصلاة وتنتهز كل فرصة للوجود مع الله فتحيا فى استعداد دائم للملكوت.
(3) مواليد تارح (ع27-32):
27وَهَذِهِ مَوَالِيدُ تَارَحَ: وَلَدَ تَارَحُ أَبْرَامَ وَنَاحُورَ وَهَارَانَ. وَوَلَدَ هَارَانُ لُوطاً. 28وَمَاتَ هَارَانُ قَبْلَ تَارَحَ أَبِيهِ فِي أَرْضِ مِيلاَدِهِ فِي أُورِ الْكِلْدَانِيِّينَ. 29وَاتَّخَذَ أَبْرَامُ وَنَاحُورُ لَهُمَا امْرَأَتَيْنِ: اسْمُ امْرَأَةِ أَبْرَامَ سَارَايُ وَاسْمُ امْرَأَةِ نَاحُورَ مِلْكَةُ بِنْتُ هَارَانَ أَبِي مِلْكَةَ وَأَبِي يِسْكَةَ. 30وَكَانَتْ سَارَايُ عَاقِراً لَيْسَ لَهَا وَلَدٌ. 31وَأَخَذَ تَارَحُ أَبْرَامَ ابْنَهُ وَلُوطاً بْنَ هَارَانَ ابْنَ ابْنِهِ وَسَارَايَ كَنَّتَهُ امْرَأَةَ أَبْرَامَ ابْنِهِ فَخَرَجُوا مَعاً مِنْ أُورِ الْكِلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتُوا إِلَى حَارَانَ وَأَقَامُوا هُنَاكَ. 32وَكَانَتْ أَيَّامُ تَارَحَ مِئَتَيْنِ وَخَمْسَ سِنِينَ. وَمَاتَ تَارَحُ فِي حَارَانَ.
يلاحظ فى هذه الأعداد :
- أنجب تارح ثلاثة أبناء أحدهم إبرام وقد ذكره أولاً ليس لأنه البكر بل لأجل تميزه الروحى، حيث انفرد بعبادة الله دونًا عن باقى أهله وكل العالم الذين عبدوا الأوثان.
- أنجب هاران لوطًا وبنتين هما ملكة ويسكة واهتم الكتاب المقدس بذكر لوط لأجل إيمانه بالله ومرافقته بعد ذلك لإبرام الذى أطاع الله وخرج إلى أرض كنعان، ومات هاران فى أور الكلدانيين قبل أبيه تارح.
- تزوج ناحور الذى تسمى باسم جده بابنة أخيه هاران وهى ملكة وكان ذلك مسموحًا به فى ذلك الوقت، أما إبرام فتزوج بساراى أخته ولكن ليست شقيقته وهذا أيضًا كان مسموحًا به.
- واجهت ساراى مشكلة وهى عدم الإنجاب ولكن ليس معنى هذا عدم رضا الله عنها أو عن زوجها، بل ليتمجد الله فيهما ويعطيهما النسل العظيم إسحق الذى يأتى منه شعب الله.
- أور الكلدانيين : (أور) معناها نور أو لهب وهى مدينة سكنها الكلدانيون وهى تقع بين نهرى دجلة والفرات وتبعد 10 أميال شرق نهر الفرات فى منتصف المسافة بين بغداد والخليج الفارسى (الخليج العربى) وكانت مركزًا تجاريًا كبيرًا ولها تاريخ قديم قبل إبرام وكانت تعبد القمر (خريطة 4).
حاران : اسم مدينة بين نهرى دجلة والفرات على مسافة 280 ميل إلى الشمال الشرقى من دمشق وكانت مركزًا تجاريًا هامًا واتخذت القمر إلهًا لها أيضًا.
وجَّه الله دعوته لإبرام لترك أهله وعشيرته كما سيأتى فى (ص12) ويأخذ امرأته ساراى معه، وطلب لوط مرافقته وكذا أبوه تارح لأنه كان يحبه من أجل تميزه الروحى وفضائله التى ظهرت فى معاملاته معه ومع الآخرين. ولكن طلب منه أبوه ألا يخرجوا مباشرة إلى أرض كنعان بل يذهبوا أولاً إلى حاران وهى مدينة تقع فى شمال أور الكلدانيين (أع7 : 2-4) وكان عمر إبرام حينئذ 61 عامًا وسكن فى حاران مدة حوالى 14 سنة حتى مات أبوه، فجدَّد له الرب الدعوة للخروج إلى كنعان فأطاع وأخذ معه لوط.
واحترامًا لمكانة أبيه يذكر الكتاب أن تارح هو القائد الذى أخذ معه إبرام ولوط.
- مات تارح عن عمر 205 عام فى حاران.
? العلاقات العاطفية أحيانًا تعطل الإنسان عن طاعة وصية الله، فمع اهتمامك بإكرام والديك وكل أحبائك لا يكن ذلك على حساب طاعة الله، فتمسك بوصاياه واحتمل اعتراضات الآخرين عليك والله سيثبتك ويعطيك نعمة فى أعينهم فى النهاية.