إبتعاد لوط عن إبرام
(1) رجوع إبرام إلى كنعان (ع1-4):
1فَصَعِدَ أَبْرَامُ مِنْ مِصْرَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُ وَلُوطٌ مَعَهُ إِلَى الْجَنُوبِ. 2وَكَانَ أَبْرَامُ غَنِيّاً جِدّاً فِي الْمَوَاشِي وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ. 3وَسَارَ فِي رِحْلاَتِهِ مِنَ الْجَنُوبِ إِلَى بَيْتِ إِيلَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَتْ خَيْمَتُهُ فِيهِ فِي الْبَدَاءَةِ بَيْنَ بَيْتِ إِيلَ وَعَايَ 4إِلَى مَكَانِ الْمَذْبَحِ الَّذِي عَمِلَهُ هُنَاكَ أَوَّلاً. وَدَعَا هُنَاكَ أَبْرَامُ بِاسْمِ الرَّبِّ.
ع1: فصعد : لأن كنعان تقع شمال مصر.
عاد إبرام وكل من معه من مصر إلى جنوب كنعان حيث كان يقيم قبل ذهابه إلى مصر.
ع2: رغم أن إبرام قد اخطأ ولكن الله ستر عليه وأنقذه وأعاد إليه ساراى بل وأخجله بكثرة الهدايا من فرعون بالإضافة إلى بركة الله أولاً إليه فى غنمه، فصار غنيًا جدًا فى الدواب التى يمتلكها بل كان معه فضة وذهب كثير، وذلك لأنه آمن بالله وقبل ترك أهله وعشيرته ليسكن فى البرية.
? على قدر إيمانك واتكالك على الله وطاعتك لوصاياه مهما بدت صعبة، سيباركك ببركات روحية ومادية حتى تخجل من كثرة محبته ويثبِّت إيمانك وتزداد طاعتك له.
ع3، 4: تحرك إبرام شمالاً فى أرض كنعان ناقلاً خيمته من مكان إلى مكان حتى وصل إلى بيت إيل التى كان يقيم فيها (خريطة 6)، وهكذا عاد إلى نفس مكانه، ورغم أنه أضاع وقتًا من حياته بلا داعٍ بنزولـه إلى مصر وتعرضه لتجربة صعبة، ولكنه استفاد منها وعلم أن حياته لا تستقر إلا فى البرية أى بالتجرد وأمام مذبح الله حيث يرفع الصلوات والذبائح فيجد راحته.
? لا تبتعد عن المذبح والتناول من الأسرار المقدسة فهى حياتك، وعلى المذبح تضع كل طلباتك فتنال قوتك وتقوم من خطاياك وتتمتع بعشرة الله وتحتفظ بسلامك وسط اضطرابات العالم.
(2) إعتزال لوط عن إبرام (ع5-9):
5وَلُوطٌ السَّائِرُ مَعَ أَبْرَامَ كَانَ لَهُ أَيْضاً غَنَمٌ وَبَقَرٌ وَخِيَامٌ. 6وَلَمْ تَحْتَمِلْهُمَا الأَرْضُ أَنْ يَسْكُنَا مَعاً إِذْ كَانَتْ أَمْلاَكُهُمَا كَثِيرَةً فَلَمْ يَقْدِرَا أَنْ يَسْكُنَا مَعاً. 7فَحَدَثَتْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنَ رُعَاةِ مَوَاشِي أَبْرَامَ وَرُعَاةِ مَوَاشِي لُوطٍ. وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ وَالْفِرِزِّيُّونَ حِينَئِذٍ سَاكِنِينَ فِي الأَرْضِ. 8فَقَالَ أَبْرَامُ لِلُوطٍ: «لاَ تَكُنْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ رُعَاتِي وَرُعَاتِكَ لأَنَّنَا نَحْنُ أَخَوَانِ. 9أَلَيْسَتْ كُلُّ الأَرْضِ أَمَامَكَ؟ اعْتَزِلْ عَنِّي. إِنْ ذَهَبْتَ شِمَالاً فَأَنَا يَمِيناً وَإِنْ يَمِيناً فَأَنَا شِمَالاً».
ع5: بارك الله فى أغنام وممتلكات لوط كما بارك فى ممتلكات إبرام لأنه آمن بالله ورافق عمه فى مسيرة الإيمان والتجرد والترك من أجل الله.
ع6، 7: لكثرة المواشى أصبحت المراعى وعيون الماء أقل من احتياجاتها، وحاول كل فريق من الرعاة الإستيلاء على المراعى الأفضل عند خروجهم كل يوم للرعى معا فحدثت صدامات ومشاكل بينهما. وفى نفس الوقت كانت قبائل الكنعانيين والفرزيين تسكن حولهم ويخرج أيضًا رعاتهم بمواشيهم للرعى، فكان منظرًا سيئًا وهو تشاجر وتخاصم المؤمنين أى رعاة إبرام ورعاة لوط أمام الوثنيين سكان الأرض.
ع8، 9: تدخل إبرام، إذ سمع بهذه المشاجرات والمخاصمات بين الرعاة، وتكلم مع لوط لإيقافها وحدَّثه بكل اتضاع إذ قال له “نحن أخوان” مع أن إبرام هو الأكبر وهو عمه، وأعطاه حق الإختيار للأرض والمراعى الأفضل فقال له لنسكن معًا ولكن نتباعد قليلاً ليكون لكل واحد فرصة للرعى بحرية ونوقف المشاكل لنحتفظ بسلامنا ومحبتنا.
وهنا تظهر أهمية القائد الروحى أو رب الأسرة أو الخادم فى حفظ السلام لمن معه وحل المشاكل.
? إهتم بسلامك فوق كل اهتمام مهما كان ثمن ذلك واتضع أمام الكل وتنازل عن أى شئ مادى واحتمل إساءات من حولك لأنك بسلامك هذا تستطيع أن تواصل حياتك الروحية وتعيش فى فرح وتكسب محبة الكثيرين وبالتالى تستطيع التأثير فيهم وجذبهم إلى الله.
(3) ذهاب لوط إلى سدوم (ع10-13):
10فَرَفَعَ لُوطٌ عَيْنَيْهِ وَرَأَى كُلَّ دَائِرَةِ الأُرْدُنِّ أَنَّ جَمِيعَهَا سَقْيٌ قَبْلَمَا أَخْرَبَ الرَّبُّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ كَجَنَّةِ الرَّبِّ كَأَرْضِ مِصْرَ. حِينَمَا تَجِيءُ إِلَى صُوغَرَ. 11فَاخْتَارَ لُوطٌ لِنَفْسِهِ كُلَّ دَائِرَةِ الأُرْدُنِّ وَارْتَحَلَ لُوطٌ شَرْقاً. فَاعْتَزَلَ الْوَاحِدُ عَنِ الْآخَرِ. 12أَبْرَامُ سَكَنَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ وَلُوطٌ سَكَنَ فِي مُدُنِ الدَّائِرَةِ وَنَقَلَ خِيَامَهُ إِلَى سَدُومَ. 13وَكَانَ أَهْلُ سَدُومَ أَشْرَاراً وَخُطَاةً لَدَى الرَّبِّ جِدّاً.
ع10، 11: دائرة الأردن : أى سهل الأردن أو وادى الأردن بجوار النهر.
سقى : تكثر فيها المياه سواء من نهر الأردن أو من البرك التى كانت تكثر هناك.
سدوم وعمورة : مدينتان تقعان جنوب البحر الميت.
صوغر : مدينة صغيرة بطرف وادى الأردن جنوب شرق البحر الميت سيأتى الكلام عنها أيضاً فى (ص19).
يبدو أن لوط قد إرتفع فوق تل وأخذ يبحث عن أكثر مكان خصب، أو من خلال تجواله فى أرض كنعان وما سمعه من سكانها، فعلم أن دائرة الأردن أرض خصبة تكثر فيها المراعى والمياه وتشبه فى خصوبتها وغناها أرض مصر بل يشبهها بالجنة التى عاش فيها آدم وحواء لكثرة خصوبتها، وهذه الدائرة تشمل بلاد سدوم وعمورة وبلادًا أخرى؛ فابتهج بها واختارها ليسكن فيها. وهنا تظهر النظرة المادية عند لوط والتى أزعجته كثيرًا، فرغم إيمانه بالله لكن محبة الماديات طمست عينيه فجعلته يختار الغنى أكثر من الإقتراب من عمه إبرام قائد مسيرة الإيمان. فكان يمكنه أن يبتعد قليلاً حتى لا تحدث مخاصمات بين الرعاة وفى نفس الوقت يظل على علاقة وثيقة به ليتتلمذ على يديه، ولكنه فضَّل الماديات عن الحياة الروحية مع إبرام.
? إحترس من محبة المال فهى أصل لكل الشرور واستخدم كل ما فى العالم بمقدار، ولا تنغمس فى شهواته حتى تعطى فرصة لإيمانك أن ينمو وتزداد محبتك نحو الله فتجد خلاص نفسك.
ع12، 13: بقى إبرام فى برية كنعان حيث التجرد وغربة العالم، أما لوط فسكن فى سدوم حيث الأرض الخصبة رغم علمه أن سكان سدوم أشرار، ولكنه استهان وسكن وسط الأشرار، فتعذب قلبه كل يوم بما يراه من شرورهم بل تأثر هو وأسرته بهم. إنها محبة المال التى تعمى الإنسان عن رؤية الله فيتهاون مع الشر.
(4) بركة الرب لإبرام (ع14-18):
14وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ بَعْدَ اعْتِزَالِ لُوطٍ عَنْهُ: «ارْفَعْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ شِمَالاً وَجَنُوباً وَشَرْقاً وَغَرْباً 15لأَنَّ جَمِيعَ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ تَرَى لَكَ أُعْطِيهَا وَلِنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ. 16وَأَجْعَلُ نَسْلَكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ حَتَّى إِذَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّ تُرَابَ الأَرْضِ فَنَسْلُكَ أَيْضاً يُعَدُّ. 17قُمِ امْشِ فِي الأَرْضِ طُولَهَا وَعَرْضَهَا لأَنِّي لَكَ أُعْطِيهَا». 18فَنَقَلَ أَبْرَامُ خِيَامَهُ وَأَتَى وَأَقَامَ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا الَّتِي فِي حَبْرُونَ وَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ.
ع14، 15: ظهر الله مرة رابعة لإبرام لأنه عاد إلى حياة التجرد فى البرية وترك الله يختار لـه المكان الذى يسكنه، أما لوط فاختار لنفسه الغنى المادى. وهكذا تمتع إبرام المتجرد برؤية الله مرات كثيرة، بل ونال منه مواعيد عظيمة إذ قال لـه قم وتمشى فى الأربعة جهات ليعلن له أن كل الأرض التى يقيم فيها سيعطيها له ولنسله، وآمن إبرام بهذا رغم أنه لم يكن قد رُزِقَ بعد بنسل. ومشيه فى الأربعة جهات هو على مثال الصليب الذى به ننال كل الخيرات الروحية. وقول الله أنه يعطى الأرض لنسل إبراهيم إلى الأبد يقصد بها طوال الحياة على الأرض إن كانوا يعيشون فى نفس إيمان إبرام، ولكن عندما تركوا الإيمان فقدوا الأرض، كما حدث فى السبى وعندما رفضوا الإيمان بالمسيح، فخربت أورشليم.
ع16، 17: وعده الله بالنسل الكثير الذى شبهه بتراب الأرض الذى لا يمكن عده لكثرته، وعاد فطلب منه أن يتمشى فى الأرض واثقًا أنها أصبحت ملكه بوعد الله.
ع18: ممرا : اسم رجل أمورى.
حبرون : معناه مصاحبة أو تزاوج وهى قرية تبعد 20 ميلاً جنوب أورشليم ومكانها الآن مدينة الخليل نسبة إلى إبراهيم خليل الله، وكانت تسمى أولاً قرية أربع نسبة إلى رجل يسمى أربع أحد رؤساء قبيلة العناقيين.
فرح إبرام بوعد الله واستمر فى حياة الغربة فنقل خيامه إلى منطقة فيها بعض أشجار البلوط تسمى بلوطات ممرا بجوار قرية تسمى حبرون، وهناك مارس حياته الروحية ببناء مذبح رفع عليه ذبائح وصلوات كثيرة (خريطة 6).
? عندما تقرأ الكتاب المقدس وترى وعود الله الكثيرة المقدمة لك، تمسك بصلواتك وغربتك عن العالم فتزداد بركات الله لك ويظهر الله فى حياتك فتتمتع به.