ولادة إسـحق
(1) ولادة إسحق وختانه وفطامه (ع1-8):
1وَافْتَقَدَ الرَّبُّ سَارَةَ كَمَا قَالَ وَفَعَلَ الرَّبُّ لِسَارَةَ كَمَا تَكَلَّمَ. 2فَحَبِلَتْ سَارَةُ وَوَلَدَتْ لإِبْرَاهِيمَ ابْناً فِي شَيْخُوخَتِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَكَلَّمَ اللهُ عَنْهُ. 3وَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ابْنِهِ الْمَوْلُودِ لَهُ الَّذِي وَلَدَتْهُ لَهُ سَارَةُ «إِسْحَاقَ». 4وَخَتَنَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. 5وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ حِينَ وُلِدَ لَهُ إِسْحَاقُ ابْنُهُ. 6وَقَالَتْ سَارَةُ: «قَدْ صَنَعَ إِلَيَّ اللهُ ضِحْكاً. كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ يَضْحَكُ لِي». 7وَقَالَتْ: «مَنْ قَالَ لإِبْرَاهِيمَ: سَارَةُ تُرْضِعُ بَنِينَ حَتَّى وَلَدْتُ ابْناً فِي شَيْخُوخَتِهِ!» 8فَكَبِرَ الْوَلَدُ وَفُطِمَ. وَصَنَعَ إِبْرَاهِيمُ وَلِيمَةً عَظِيمَةً يَوْمَ فِطَامِ إِسْحَاقَ.
ع1-3: إفتقد : ذكر الله سارة ومنحها أن تحبل كما وعدها.
حبلت سارة كما وعدها الله وولدت فى الموعد الذى حدده (ص18: 10) ففرحت هى وإبراهيم وأسمياه إسحق كما دعاه الله.
? ثق فى مواعيد الله لك فهى أمينة وصادقة ولابد أن تحدث مهما كانت الظروف المحيطة معاكسة، بل طالب الله بوعوده فى إيمان وترجى الأبدية السعيدة فترتفع فوق كل الآلام.
ع4، 5: إهتم إبراهيم بتنفيذ كلام الله بختان كل ذكر فختن إسحق فى اليوم الثامن. وكان عمره وقتذاك مائة عام وفرح بإنجاب ابن الموعد الذى هو هبة واضحة معجزية من الله.
ع6، 7: صنع إلىّ الله ضحكًا : أعطانى فرحًا عظيمًا.
كل من يسمع يضحك لى : كل من يسمع بولادة إسحق يفرح ويهنئ سارة وإبراهيم.
من قال لإبراهيم سارة ترضع بنين : تعجب الناس وفرحهم بولادة إسحق وإرضاع سارة له وتهنئتهم لوالديه.
أعلنت سارة فرحها بولادة إسحق وتهنئة الناس لها على الولادة والرضاعة رغم شيخوختها هى وإبراهيم.
ع8: من المعتاد فى الشرق أن يفطم الطفل فى سن سنتين تقريبًا، ففطم إسحق فى هذا السن وفرح إبراهيم بهذا الحدث الذى يمثل نضج إسحق فصنع وليمة لأحبائه وجيرانه. ولم يصنع وليمة عند الولادة ولكن عند الفطام لاهتمامه بنضج ابنه.
(2) إسحق وإسماعيل (ع9-13):
9وَرَأَتْ سَارَةُ ابْنَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ لإِبْرَاهِيمَ يَمْزَحُ 10فَقَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: «اطْرُدْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا لأَنَّ ابْنَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ». 11فَقَبُحَ الْكَلاَمُ جِدّاً فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ابْنِهِ. 12فَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ الْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. 13وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ».
ع9: إغتاظت هاجر وابنها إسماعيل، الذى كان فى السادسة عشر من عمر، حين فطم إسحق لأجل الوليمة العظيمة التى عملت لإسحق، أما إسماعيل فلم تعمل له وليمة حين فطم ولأن هاجر ظنت أن ابنها هو الوارث الوحيد لإبراهيم والآن ظهر إسحق الذى يزاحمه بل قد يأخذ ميراثًا أكثر منه لاهتمام إبراهيم به، ونقلت هذه المشاعر لابنها اسماعيل الذى بدأ يضايق الطفل إسحق بالسخرية والاستهزاء. ويعبر بولس الرسول عن هذا المزاح بأنه إضطهاد أى كان يضايقه بشدة (غل 4 : 29).
ع10: تضايقت سارة جدًا لأجل طفلها إسحق المضطهد من أخيه الكبير وخافت أن يؤذيه فقالت لإبراهيم أن يطرد الجارية وابنها حتى لا يرث إسماعيل أى شئ من أملاك إبراهيم بل يكون الكل لإسحق.
ع11: إستاء إبراهيم جدًا من كلام سارة لأنه أحب ابنه إسماعيل الذى صار شابًا وشعر أن كلام سارة فيه أنانية وظلم لإسماعيل.
ع12، 13: وافق الله على كلام سارة وقال لإبراهيم أن يسمع لكلامها، فحتى لو كان فى كلامها ضيق من إسماعيل أو ظلم له ولكن من ناحية أخرى فإن إسحق فقط هو ابن الموعد أما إسماعيل فولد بحسب المشيئة البشرية وليس مشيئة الله؛ ومع هذا وعد الله إبراهيم أن يبارك فى إسماعيل بعد أن يطرده هو وأمه فيعطيه نسلاً كبيرًا.
? أطع وصايا الله حتى لو كانت ضد مشيئتك أو عواطفك لأن حكمته تفوق كل عقل وهو يعرف خيرك وما يبدو سيئًا فى نظرك قد يكون هو الأفضل، واعلم أنك لست حنونًا على الناس أكثر منه فاقبل مشيئته فى كل حياتك.
(3) طرد هاجر وإسماعيل (ع14-21):
14فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحاً وَأَخَذَ خُبْزاً وَقِرْبَةَ مَاءٍ وَأَعْطَاهُمَا لِهَاجَرَ وَاضِعاً إِيَّاهُمَا عَلَى كَتِفِهَا وَالْوَلَدَ وَصَرَفَهَا. فَمَضَتْ وَتَاهَتْ فِي بَرِّيَّةِ بِئْرِ سَبْعٍ. 15وَلَمَّا فَرَغَ الْمَاءُ مِنَ الْقِرْبَةِ طَرَحَتِ الْوَلَدَ تَحْتَ إِحْدَى الأَشْجَارِ 16وَمَضَتْ وَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ بَعِيداً نَحْوَ رَمْيَةِ قَوْسٍ لأَنَّهَا قَالَتْ: «لاَ أَنْظُرُ مَوْتَ الْوَلَدِ». فَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ وَرَفَعَتْ صَوْتَهَا وَبَكَتْ. 17فَسَمِعَ اللهُ صَوْتَ الْغُلاَمِ. وَنَادَى مَلاَكُ اللهِ هَاجَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ لَهَا: «مَا لَكِ يَا هَاجَرُ؟ لاَ تَخَافِي لأَنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ لِصَوْتِ الْغُلاَمِ حَيْثُ هُوَ. 18قُومِي احْمِلِي الْغُلاَمَ وَشُدِّي يَدَكِ بِهِ لأَنِّي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً». 19وَفَتَحَ اللهُ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ فَذَهَبَتْ وَمَلَأَتِ الْقِرْبَةَ مَاءً وَسَقَتِ الْغُلاَمَ. 20وَكَانَ اللهُ مَعَ الْغُلاَمِ فَكَبِرَ وَسَكَنَ فِي الْبَرِّيَّةِ وَكَانَ يَنْمُو رَامِيَ قَوْسٍ. 21وَسَكَنَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ. وَأَخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ أَرْضِ مِصْرَ.
ع14: برية بئر سبع : تقع على الحدود الجنوبية لأرض كنعان أى فلسطين.
أطاع إبراهيم الله كعادته مرتفعًا فوق عواطفه الأبوية، فأعطاها خبزًا أى أطعمة وقربة ماء فحملتها هاجر هى وابنها إسماعيل على أكتافهما واتجها جنوبًا نحو برية بئر سبع. وقد صرفهما باكرًا لعلهما يصلان إلى مكان مناسب للإقامة به قبل انتهاء النهار.
ع15، 16: فرغ الماء من القربة بعد مشيهما مدة طويلة فى الصحراء وبدأ إسماعيل يعطش حتى خارت قواه، فخافت عليه أمه أن يموت من العطش ولم تستطع أن تراه يموت أمام عينيها، فأجلسته وهو خائر القوى تحت شجرة أما هى فجلست بعيدًا عنه تنظره وتراقبه وتصلى وتبكى لله حتى ينقذها هى وابنها، أما إسماعيل فلم يستطع أن يرفع صوته بالبكاء لأجل ضعفه من العطش ولكن كان قلبه يطلب الله لينقذه دون أن يتكلم أو لعله كان يهمس بكلمات قليلة.
رمية قوس : هى متوسط المسافة التى يتخطاها السهم ممن يرميه إلى المكان الذى يصل إليه عند رميه من القوس وهى مسافة ليست قليلة ولكن على بعد مرمى البصر.
ع17، 18: شدى يدك به : إسنديه وتشجعا.
سمعت هاجر صوت ملاك يكلمها من السماء ولعلها رأته بمنظر جميل أو نور عظيم، وطمأنها بأن الله سمع صلوات إسماعيل التى كانت من قلبه أو بهمسات خافتة رفعها إلى السماء حين كان راقدًا تحت الشجرة، فقد تعلم إسماعيل الكثير عن الله من أبيه إبراهيم، وأعلمها أن الله سيحفظه ويباركه بل يعطيه نسلاً كثيرًا فيصير أمة عظيمة العدد.
ع19: أرشدها الله إلى بئر كانت قريبة منها، ولعلها كانت مختفية وراء بعض الأشجار، فرأتها وأسرعت إليها لتملأ القربة منها وتسقى ابنها العطشان فيسترد قوته وشربت هى أيضًا معه فتقويا وواصلا مسيرتهما.
ع20، 21: رامى قوس : صياد للحيوانات.
برية فاران : تقع شمال سيناء.
وصلت هاجر وابنها إسماعيل إلى برية فاران وسكنا هناك وتعلم ابنها صيد الحيوانات واختارت له زوجة مصرية من جنسها فتزوج واستقر فى شمال سيناء.
? الله يسمع صلاتك خاصة فى الضيقة عندما تخرج من قلبك فهو قريب منك وينقذك ويشددك مهما كنت ضعيفًا ويحل مشاكلك مهما بدت مستحيلة، فتعود أن تلتجئ إليه كل يوم فى احتياجاتك المختلفة.
(4) معاهدة إبراهيم وأبيمالك (ع22-34):
22وَحَدَثَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَنَّ أَبِيمَالِكَ وَفِيكُولَ رَئِيسَ جَيْشِهِ قَالاَ لإِبْرَاهِيمَ: «اللهُ مَعَكَ فِي كُلِّ مَا أَنْتَ صَانِعٌ. 23فَالْآنَ احْلِفْ لِي بِاللهِ هَهُنَا أَنَّكَ لاَ تَغْدُرُ بِي وَلاَ بِنَسْلِي وَذُرِّيَّتِي. كَالْمَعْرُوفِ الَّذِي صَنَعْتُ إِلَيْكَ تَصْنَعُ إِلَيَّ وَإِلَى الأَرْضِ الَّتِي تَغَرَّبْتَ فِيهَا». 24فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «أَنَا أَحْلِفُ». 25وَعَاتَبَ إِبْرَاهِيمُ أَبِيمَالِكَ لِسَبَبِ بِئْرِ الْمَاءِ الَّتِي اغْتَصَبَهَا عَبِيدُ أَبِيمَالِكَ. 26فَقَالَ أَبِيمَالِكُ: «لَمْ أَعْلَمْ مَنْ فَعَلَ هَذَا الأَمْرَ. أَنْتَ لَمْ تُخْبِرْنِي وَلاَ أَنَا سَمِعْتُ سِوَى الْيَوْمِ». 27فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ غَنَماً وَبَقَراً وَأَعْطَى أَبِيمَالِكَ فَقَطَعَا كِلاَهُمَا مِيثَاقاً. 28وَأَقَامَ إِبْرَاهِيمُ سَبْعَ نِعَاجٍ مِنَ الْغَنَمِ وَحْدَهَا. 29فَقَالَ أَبِيمَالِكُ لإِبْرَاهِيمَ: «مَا هِيَ هَذِهِ السَّبْعُ النِّعَاجِ الَّتِي أَقَمْتَهَا وَحْدَهَا؟» 30فَقَالَ: «إِنَّكَ سَبْعَ نِعَاجٍ تَأْخُذُ مِنْ يَدِي لِكَيْ تَكُونَ لِي شَهَادَةً بِأَنِّي حَفَرْتُ هَذِهِ الْبِئْرَ». 31لِذَلِكَ دَعَا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِئْرَ سَبْعٍ. لأَنَّهُمَا هُنَاكَ حَلَفَا كِلاَهُمَا. 32فَقَطَعَا مِيثَاقاً فِي بِئْرِ سَبْعٍ. ثُمَّ قَامَ أَبِيمَالِكُ وَفِيكُولُ رَئِيسُ جَيْشِهِ وَرَجَعَا إِلَى أَرْضِ الْفَلَسْطِينِيِّينَ. 33وَغَرَسَ إِبْرَاهِيمُ أَثْلاً فِي بِئْرِ سَبْعٍ وَدَعَا هُنَاكَ بِاسْمِ الرَّبِّ «الإِلَهِ السَّرْمَدِيِّ». 34وَتَغَرَّبَ إِبْرَاهِيمُ فِي أَرْضِ الْفَلَسْطِينِيِّينَ أَيَّاماً كَثِيرَةً.
ع22-24: فيكول : أى فم الكل وغالبًا كان هذا لقب لرئيس الجيش الذى كان يعتبر بمثابة رئيس الوزراء ويلى الملك مباشرة.
شعر أبيمالك بنجاح إبراهيم وبركة الله التى معه أثناء إقامته بجرار، فخاف من قوته والتمس أن يقيم معاهدة أمان بينه وبين إبراهيم حتى لا يسئ إليه؛ وذكره بمعروفه معه إذ رحب به فى أرضه وأقام سالمًا طوال الفترة السابقة، فوافق إبراهيم على إقامة المعاهدة والقسم بعدم التعرض أو الإساءة إليه.
? الله يعطى مهابة ونعمة لأولاده فى أعين من حولهم، فلا تخشى من المحيطين بك بل تمسك بوصايا الله وعش فى حياة التوبة فيباركك ويحفظك ويجعل من حولك يهابونك إذ يشعرون بقوة الله التى فيك حتى لو كنت هادئًا وصامتًا.
ع25، 26: عاتب إبراهيم أبيمالك من أجل بئر كان قد حفرها واغتصبها عبيد أبيمالك، فاعتذر لإبراهيم لأنه لم يعرف بهذا الخطأ وترجى لو كان إبراهيم قد أخبره حتى يمنعه. ومن هنا تظهر قوة إبراهيم ولطف أبيمالك واحترامه وخوفه من إبراهيم، كما يظهر أيضًا أنه من حق الإنسان الروحى أن يطالب بحقوقه ما دام هذا لا يحدث مشاكل وصدامات تفقده سلامه.
ع27: رحب إبراهيم بزيارة أبيمالك وطلبه المعاهدة وقدم له هدايا من الغنم والبقر وحلفا بعدم الإساءة بعضهما لبعض وأقاما المعاهدة.
ع28-32: وضع إبراهيم سبع نعاج على جانب ولاحظ أبيمالك ذلك فسأله عنها فقال له إبراهيم هذه هدية أخرى أقدمها لك لإثبات ملكيتى لهذه البئر، التى أمامهم، وهى بئر كان إبراهيم قد حفرها، فقبلها أبيمالك وكان ذلك حكمة من إبراهيم إذ أثبت ملكيته بشكل لطيف ولـذا دعيت هذه البئر “بئر سبع” إشارة للسبع نعاج، ثم انصرف أبيمالك وعاد إلى بلده (خريطة 6).
ع33، 34: أثلاً : أشجار عالية خشبها متين وأوراقها خيطية تعتبر كمصدات رياح تزرع كإحاطة للمكان وحمايته من الرمال.
السرمدى : أزلى أبدى أى دائم بلا بداية ولا نهاية.
زرع إبراهيم أشجار أثل وهذا إعلان عن استقراره فى هذا المكان وبنى مذبحًا لله وقدم ذبائح وصلوات، فبارك المكان وعاش فيه بجنوب أرض كنعان فترة طويلة.