يعقوب يستعد لملاقاة عيسو
(1) لقاء مع الملائكة (ع1، 2):
1وَأَمَّا يَعْقُوبُ فَمَضَى فِي طَرِيقِهِ وَلاَقَاهُ مَلاَئِكَةُ اللهِ. 2وَقَالَ يَعْقُوبُ إِذْ رَآهُمْ: «هَذَا جَيْشُ اللهِ!» فَدَعَا اسْمَ ذَلِكَ الْمَكَانِ «مَحَنَايِمَ».
ع1: كان يعقوب يفكر فى لقاء أخيه عيسو وهل سيقبل ملاقاته أم سيرفض أو يحاول الإنتقام منه نتيجة ما فعله معه منذ 20 عامًا عندما سرق بركته. لذا طمأنه الله من خلال لقائه مع لابان إذ ظهر الله ومنع لابان من الإساءة إليه وعقد معاهدة صلح. والآن يطمئنه للمرة الثانية بعد تحركه نحو أخيه لملاقاته، فتظهر له مجموعة من الملائكة كما ظهر له قديمًا عند هروبه من عيسو فى حلم السلم ليؤكد له أنه لم ينسَ وعده بالمحافظة عليه مادام متمسكًا بإيمانه.
ع2: محنايم : تقع شرق نهر الأردن عند منتصفه تقريبًا بينه وبين نهر يبوق الذى يتفرع من منتصفه تقريبًا شرقًا ويتجه نحو الشمال.
عندما رأى يعقوب الملائكة فرح جدًا وقال هذا جيش الله واطمأن قلبه ودعا اسم المكان الذى ظهروا له فيه محنايم : أى معسكرين ويعنى معسكر أو جيش الملائكة فى السماء ومعسكر الله على الأرض الذى هو يعقوب وأسرته. فالكنيسة تتكون من شق فى السماء وشق مازال يجاهد على الأرض.
? الله يهتم بمشاعرك مادمت تطلبه وتريد أن تحيا معه، وهو يسعى نحوك ويظهر لك محبته بأشكال كثيرة ليطمئنك، فتمتع به واشكره وتحرك فى طريقك فى الحياة مستندًا على يده.
(2) إرسال رسل إلى عيسو (ع3-8):
3وَأَرْسَلَ يَعْقُوبُ رُسُلاً قُدَّامَهُ إِلَى عِيسُوَ أَخِيهِ إِلَى أَرْضِ سَعِيرَ بِلاَدِ أَدُومَ 4وَأَمَرَهُمْ: «هَكَذَا تَقُولُونَ لِسَيِّدِي عِيسُوَ: هَكَذَا قَالَ عَبْدُكَ يَعْقُوبُ: تَغَرَّبْتُ عِنْدَ لاَبَانَ وَلَبِثْتُ إِلَى الْآنَ. 5وَقَدْ صَارَ لِي بَقَرٌ وَحَمِيرٌ وَغَنَمٌ وَعَبِيدٌ وَإِمَاءٌ. وَأَرْسَلْتُ لِأُخْبِرَ سَيِّدِي لِكَيْ أَجِدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ». 6فَرَجَعَ الرُّسُلُ إِلَى يَعْقُوبَ قَائِلِينَ: «أَتَيْنَا إِلَى أَخِيكَ إِلَى عِيسُو وَهُوَ أَيْضاً قَادِمٌ لِلِقَائِكَ وَأَرْبَعُ مِئَةِ رَجُلٍ مَعَهُ». 7فَخَافَ يَعْقُوبُ جِدّاً وَضَاقَ بِهِ الأَمْرُ. فَقَسَمَ الْقَوْمَ الَّذِينَ مَعَهُ وَالْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَالْجِمَالَ إِلَى جَيْشَيْنِ. 8وَقَالَ: «إِنْ جَاءَ عِيسُو إِلَى الْجَيْشِ الْوَاحِدِ وَضَرَبَهُ يَكُونُ الْجَيْشُ الْبَاقِي نَاجِياً».
ع3: أرض سعير : سعير معناها مشعر وأرض سعير هى سلسلة جبال تمتد من خليج العقبة إلى البحر الميت.
أدوم : معناه أحمر والمقصود به نسل عيسو الذى يسكن فى أرض سعير التى كانت ملكًا للحويين وتملكها نسل عيسو منهم.
رغم طمأنة الله ليعقوب لكنه مازال فى داخله خوف من انتقام عيسو منه، فأرسل رسلاً من عبيده إلى عيسو ليعرف مشاعره نحوه، فاتجه الرسل جنوبًا بجوار نهر الأردن والبحر الميت حتى وصلوا إلى جبال سعير وبهذا اعتمد على تفكيره البشرى ولم يستشر الله.
? إن كان فى داخلك قلق أو خوف فالتجئ إلى الله مرات كثيرة ولا تندفع فى قلقك لتأخذ قرارات تظن أنها تحميك ولكنها فى الحقيقة تزيدك قلقًا وقد تضرك. أطلب الله فهو قريب منك وسيرشدك إلى خيرك.
ع4، 5: أعطى يعقوب رسله رسالة إلى عيسو، مملوءة بالاتضاع والخوف وتحمل أيضًا معانى الحب، وأخبره فيها أنه تغرب 20 عامًا عند خاله لابان وباركه الله بعبيد ومواشى كثيرة وهو راجع إلى كنعان ويترجى أن يجد نعمة وقبول فى عينه. ويظهر اتضاعه من مناداته له سيدى مع أنهما أخوان بل أن يعقوب قد نال من الله السلطان على أخيه كبركة من إسحق.
ع6: أبلغ الرسل عيسو بهذه الرسالة، وقد وجدوه غنيًا جدًا، ولما سمع خرج ومعه 400 رجل من عبيده للقاء يعقوب. وهذا يعنى أحد أمرين :
- إما فرحًا وترحيبًا بلقاء أخيه.
- أو إستعدادًا للإنتقام من أجل حرمانه من بركة أبيه.
وكان عيسو قد قرَّر الانتقام من أخيه ولكن بعد موت أبيهما … فهل يا ترى مازال مصرًا على الإنتقام ؟ .. وهل سينتقم الآن أم يؤجل ذلك بعد موت إسحق ؟.. أم قد هدأ ونسى ما حدث بعدما باركه الله بنسل وعبيد كثيرين. لا نستطيع أن نعلم وقد تكون مشاعر الاشتياق لأخيه قد اختلطت مع مشاعر الإنتقام والضيق، وعلى أى حال فالأمل فى تدخل الله ليوفق بين الأخين.
ع7، 8: عندما سمع يعقوب من رسله خبر خروج عيسو برجاله الكثيرين للقائه، خاف جدًا إذ تذكر قرار الإنتقام الذى أعلنه عيسو منذ 20 عامًا .. وهكذا لم يستفد يعقوب من اعتماده على تفكيره وإرساله الرسل بل زاد خوفه، فقسم من معه إلى مجموعتين وفصل بينهما حتى إذا هجم عيسو على مجموعة تجد الأخرى فرصة للهرب.
(3) صلاة يعقوب (ع9-12):
9وَقَالَ يَعْقُوبُ: «يَا إِلَهَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهَ أَبِي إِسْحَاقَ الرَّبَّ الَّذِي قَالَ لِيَ: ارْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ وَإِلَى عَشِيرَتِكَ فَأُحْسِنَ إِلَيْكَ. 10صَغِيرٌ أَنَا عَنْ جَمِيعِ أَلْطَافِكَ وَجَمِيعِ الأَمَانَةِ الَّتِي صَنَعْتَ إِلَى عَبْدِكَ. فَإِنِّي بِعَصَايَ عَبَرْتُ هَذَا الأُرْدُنَّ وَالْآنَ قَدْ صِرْتُ جَيْشَيْنِ. 11نَجِّنِي مِنْ يَدِ أَخِي مِنْ يَدِ عِيسُوَ لأَنِّي خَائِفٌ مِنْهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَضْرِبَنِي الأُمَّ مَعَ الْبَنِينَ. 12وَأَنْتَ قَدْ قُلْتَ: إِنِّي أُحْسِنُ إِلَيْكَ وَأَجْعَلُ نَسْلَكَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ الَّذِي لاَ يُعَدُّ لِلْكَثْرَةِ».
ع9: بعد أن فشلت محاولات يعقوب البشرية، إلتجأ إلى الله. ويذكر هنا نص صلاته وهى أول صلاة تذكر بنصها فى الكتاب المقدس وتشمل معانى كثيرة أهمها :
- شعوره ببنوته لله وعلاقته الخاصة به إذ يدعوه إله آبائه، فهذا يجعله يتكلم بدالة وثقة.
- يعلن خضوعه لأوامر الله الذى أمره أن يرجع من حاران إلى كنعان، فهو بهذا يؤكد تبعيته لله واحتمائه به.
ع10: 3- يعلن باتضاع عدم استحقاقه للطف وبركات الله التى وهبها له .. وهكذا تمتزج الدالة والثقة بالله مع الإتضاع الشديد.
- يشكر الله ويعلن أنه صاحب كل الفضل والبركة عليه، لأنه عندما هرب من وجه عيسو وعبر نهر الأردن فى طريقه إلى حاران لم يكن يمتلك شيئًا على الإطلاق. وبعد عودته من حاران إلى كنعان باركه الله فصار جيشين أى مجموعتين تشمل نساءه وأولاده وعبيده وممتلكاته، فهو بنفسه لا شئ أما بركة الله فجعلته عظيمًا جدًا.
ع11: الأم مع البنين : يقصد زوجاته وأولاده.
- طلب من الله أن ينقذه من يد أخيه عيسو الآتى للإنتقام منه لأنه إن لم يتدخل الله فسيقتل كل من معه الكبار والصغار.
ع12: 6- ذكَّر الله بمواعيده له بالبركة والنسل الكثير. والله يفرح بأولاده المتمسكين بوعوده ويذكرونه بها أى يطالبونه أن يعتنى بهم.
? إظهر مشاعرك لله فى حب واتضاع واطلب منه ما تريد فهو أبوك السماوى الذى يحبك ويفرح بكلماتك ويسندك مهما كان ضعفك، بل إن كلماتك القليلة غالية جدًا عنده.
(4) إرسال هدايا لعيسو (ع13-23):
13وَبَاتَ هُنَاكَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَأَخَذَ مِمَّا أَتَى بِيَدِهِ هَدِيَّةً لِعِيسُو أَخِيهِ: 14مِئَتَيْ عَنْزٍ وَعِشْرِينَ تَيْساً مِئَتَيْ نَعْجَةٍ وَعِشْرِينَ كَبْشاً 15ثَلاَثِينَ نَاقَةً مُرْضِعَةً وَأَوْلاَدَهَا أَرْبَعِينَ بَقَرَةً وَعَشَرَةَ ثِيرَانٍ عِشْرِينَ أَتَاناً وَعَشَرَةَ حَمِيرٍ 16وَدَفَعَهَا إِلَى يَدِ عَبِيدِهِ قَطِيعاً قَطِيعاً عَلَى حِدَةٍ. وَقَالَ لِعَبِيدِهِ: «اجْتَازُوا قُدَّامِي وَاجْعَلُوا فُسْحَةً بَيْنَ قَطِيعٍ وَقَطِيعٍ». 17وَأَمَرَ الأَوَّلَ: «إِذَا صَادَفَكَ عِيسُو أَخِي وَسَأَلَك: لِمَنْ أَنْتَ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ وَلِمَنْ هَذَا الَّذِي قُدَّامَكَ؟ 18تَقُولُ: لِعَبْدِكَ يَعْقُوبَ. هُوَ هَدِيَّةٌ مُرْسَلَةٌ لِسَيِّدِي عِيسُوَ وَهَا هُوَ أَيْضاً وَرَاءَنَا». 19وَأَمَرَ أَيْضاً الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَجَمِيعَ السَّائِرِينَ وَرَاءَ الْقُطْعَانِ: «بِمِثْلِ هَذَا الْكَلاَمِ تُكَلِّمُونَ عِيسُوَ حِينَمَا تَجِدُونَهُ 20وَتَقُولُونَ: هُوَذَا عَبْدُكَ يَعْقُوبُ أَيْضاً وَرَاءَنَا». لأَنَّهُ قَالَ: «أَسْتَعْطِفُ وَجْهَهُ بِالْهَدِيَّةِ السَّائِرَةِ أَمَامِي وَبَعْدَ ذَلِكَ أَنْظُرُ وَجْهَهُ عَسَى أَنْ يَرْفَعَ وَجْهِي». 21فَاجْتَازَتِ الْهَدِيَّةُ قُدَّامَهُ وَأَمَّا هُوَ فَبَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الْمَحَلَّةِ. 22ثُمَّ قَامَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَأَخَذَ امْرَأَتَيْهِ وَجَارِيَتَيْهِ وَأَوْلاَدَهُ الأَحَدَ عَشَرَ وَعَبَرَ مَخَاضَةَ يَبُّوقَ. 23أَخَذَهُمْ وَأَجَازَهُمُ الْوَادِيَ وَأَجَازَ مَا كَانَ لَهُ.
ع13: استراح يعقوب جزءًا من الليل وفكر أثناءه فى إرسال هدايا لأخيه عيسو حتى يحنِّن قلبه عليه ويصنع معه علاقات ودية تنسيه مشاعر الضيق والإنتقام.
? لا تنزعج من مشاعر الشر إن أحاطت بك واعلم أن المحبة أقوى من الكراهية، فصلى من أجل من يعادونك وقدّم لهم محبة فى كلمات طيبة أو هدايا أو خدمات حتى لو لم يرحبوا بها فى البداية ولكنهم يتأثرون بها تدريجيًا فتزيل الشر من قلوبهم وتحتفظ بسلامك وتكسب قلوب الكثيرين. وهذا ليس ضعفًا بل هى القوة الحقيقية أن تغير قلوب الناس من الشر إلى الخير، ولا تهتم بما يقولونه عنك فى البداية، أى أنك ضعيف أو يفكرون فى استغلالك، فأنت الأقوى بحبك وترضى الله الذى يسندك ويخضعهم لك ويبارك حياتك.
ع14، 15: الناقة : انثى الجمل.
تيس : ذكر الماعز.
الأتان : أنثى الحمار.
نعجة : أنثى الضأن أو الخروف.
عنزة : أنثى الماعز.
كبش : ذكر الضأن أو الخروف.
يذكر تفاصيل الهدية المرسلة إلى عيسو وهى مجموعة من قطعان المواشى يبلغ عددها 580 رأس، وهى هدية عظيمة وتعنى أمرين :
- غنى يعقوب الكبير.
- محبته الكبيرة وخوفه من عيسو ومحاولة استرضاءه.
ع16: فسحة : مسافة كافية.
قسم الهدية إلى مجموعة هدايا، كل قطيع أعطاه لبعض عبيده وغالبًا قسمت إلى خمسة قطعان، وجعل مسافة كافية بين كل قطيع والآخر لتظهر بوضوح أنها خمسة هدايا فتؤثر تدريجيًا على قلب عيسو وتمتص كل غضب داخله.
ع17-20: أوصى عبيده الذين يقودون القطعان أنه عندما يلتقى كل منهم بعيسو ويسأله عن شخصيته وما معه يقول له هو هدية من عبدك يعقوب. وقال فى نفسه بهذا أسترضيه وأنال عطفه قبل أن أقابله.
ع21: بعث يعقوب بهديته أمامه إلى عيسو، أما هو فبات أو استراح جزءًا من الليل فى المكان الذى نصب فيه خيمته.
ع22، 23: مخاضة : جزء من النهر قليل العمق يمكن اجتيازه مشيًا على الأقدام وعرض النهر صغير فى هذه المنطقة.
يبوق : هو أحد روافد نهر الأردن يتفرع من منتصفه تقريبًا كما ذكرنا، على بعد 23 ميلاً شمال البحر الميت ومعنى اسمه المتدفق ويسمى حاليًا الزرقاء.
عبرت الهدية مع عبيده إلى عيسو ثم عبر باقى عبيده مع كل ممتلكاته نهر يبوق متجهين جنوبًا نحو البحر الميت وبقى فقط مع يعقوب زوجاته وأولاده، فعبر بهم نهر يبوق مشيًا على الأقدام متجهين نحو الجنوب كقافلة أمامه أما هو فبقى وحده باقى الليلة.
(5) مصارعة الله (ع24-32):
24فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ. وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27فَسَأَلَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». 28فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدِرْتَ». 29وَسَأَلَهُ يَعْقُوبُ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ. 30فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلاً: «لأَنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهاً لِوَجْهٍ وَنُجِّيَتْ نَفْسِي». 31وَأَشْرَقَتْ لَهُ الشَّمْسُ إِذْ عَبَرَ فَنُوئِيلَ وَهُوَ يَخْمَعُ عَلَى فَخْذِهِ – 32لِذَلِكَ لاَ يَأْكُلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِرْقَ النَّسَا الَّذِي عَلَى حُقِّ الْفَخِْذِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ لأَنَّهُ ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِ يَعْقُوبَ عَلَى عِرْقِ النَّسَا.
ع24-26: حق فخذه : مكان اتصال الفخذ بالبدن.
بعد أن سارت قافلة زوجاته وأولاده مسافة فى طريقهم إلى مقابلة عيسو، وكان ذلك أثناء الليل، بقى يعقوب وحده ووقف يصلى طالبًا معونة الله فى مقابلته لعيسو ليصرف غضبه ولا ينتقم منه. وفيما هو يصلى أراد الله أن يطمئنه، فظهر له بشكل ملاك أو أرسل إليه ملاكًا له صورة إنسان فشعر يعقوب أنه كائن سماوى فأسرع ليمسك به ويطلب معونته، فتظاهر الملاك كأنه يريد أن ينصرف عنه أما هو فتشبث به طالبًا بركته لأنه شعر أنه مرسل من الله. وظل يعقوب يتضرع إليه متشبثًا به طوال الجزء الباقى من الليل حتى طلع الفجر، وتظاهر الملاك بالضعف أمام يعقوب كأنه غير قادر على التخلص من التشبث به وذلك ليشجعه وهو مستمر فى طلب بركته ومعونته بل يقول له. “لا أطلقك إن لم تباركنى” لأنى محتاج جدًا أمام قوة عيسو المقبل علىّ. وفى النهاية لم يباركه الملاك فقط بل ضربه أى لمسه على حق فخذه فانخلع الفخذ جزئيًا من البدن، فتألم يعقوب ولكنه ظل ممسكًا بالملاك طالبًا معونته. وهذا يظهر مدى تمسك يعقوب بالله وإحساسه بضعفه واحتياجه.
? جاهد فى صلواتك مع الله واطلب منه كل ما تريد. ألحّ عليه معلنًا احتياجك بدالة البنين فهو يفرح بإيمانك وتمسكك به، وإذ يظهر مدى جهادك يعطيك حتمًا بركات كثيرة. لا تتشكك أو تيأس وتمسك بالله.
ع27، 28: غيّر الملاك اسم يعقوب إلى إسرائيل ومعناه يصارع الله، وذلك تكريمًا ليعقوب بسبب جهاده الروحى فى الصلاة وإيمانه واتكاله عليه ومن جهة أخرى بسبب احتماله للآخرين مثل لابان حتى باركه الله وأغناه وصرفه بسلام من عنده. وهو بهذا قدوة لكل نسله فى التمسك بالله والمعاملة الحسنة مع الآخرين لأن نسله تسمى بهذا الاسم أى بنى إسرائيل.
ع29: سأل يعقوب الملاك أو الشخص الروحانى الذى ظهر له عن اسمه فلم يجبه، لأنه كان قد فهم أنه كائن روحانى من السماء، وأعطاه احتياجه وهو البركة ثم صعد عنه.
ع30: فنيئيل أو فنوئيل : معناها وجه الله.
فرح يعقوب فرحًا لا يُعبَّر عنه لأنه رأى الله وشعر بحضرته من خلال لقائه مع الملاك فدعا اسم المكان فنيئيل.
ع31، 32: فى الصباح إذ أشرقت الشمس، إطمأن يعقوب وتحرك نحو الجنوب ليلحق بزوجاته وأولاده وكان متألمًا من ضربة الملاك فكان يعرج فى مشيه. وقد سمح الله له بهذا الألم طوال حياته حتى لا يتكبر بسبب رؤيته وصراعه مع الله بل يشعر دائمًا بضعفه واحتياجه فيظل يتمتع بعمل الله معه. وعظَّم نسل يعقوب هذا الحدث العظيم فى حياة أبيهم فصاروا لا يأكلون عرق النسا، وهو العصب الممتد بالرجل، تقديرًا وإجلالاً لهذه الحادثة العظيمة أى لقاء يعقوب مع الله الذى نتج عنه الألم الظاهر فى مشيه.