يوسف فى السجن
(1) الساقى والخباز فى السجن (ع1-4):
1وَحَدَثَ بَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ أَنَّ سَاقِيَ مَلِكِ مِصْرَ وَالْخَبَّازَ أَذْنَبَا إِلَى سَيِّدِهِمَا مَلِكِ مِصْرَ 2فَسَخَطَ فِرْعَوْنُ عَلَى خَصِيَّيْهِ: رَئِيسِ السُّقَاةِ وَرَئِيسِ الْخَبَّازِينَ 3فَوَضَعَهُمَا فِي حَبْسِ بَيْتِ رَئِيسِ الشُّرَطِ فِي بَيْتِ السِّجْنِ الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يُوسُفُ مَحْبُوساً فِيهِ. 4فَأَقَامَ رَئِيسُ الشُّرَطِ يُوسُفَ عِنْدَهُمَا فَخَدَمَهُمَا. وَكَانَا أَيَّاماً فِي الْحَبْسِ.
ع1-3: وجهت تهمة إلى إثنين من كبار المسئولين فى قصر فرعون، أحدهما هو ساقى الملك أى المسئول عن جميع المشروبات المقدمة لفرعون وكل من فى قصره، والآخر هو الخباز وهو المسئول عن الأطعمة من الفطائر والعجائن المقدمة للملك وكل التابعين له. وكانا خصَّيين إما بالحقيقة لمسئوليتهما داخل القصر عن الملك وكل نسائه أو يكون ذلك مجرد لقب لهاتين الوظيفتين. ومن المحتمل أن تكون هذه التهمة هى الاشتراك فى المؤامرة لقتل الملك، فغضب عليهما وأمر بإلقائهما فى السجن فوضعوهما فى سجن الملك الملحق ببيت فوطيفار والمسجون فيه يوسف.
ع4: إهتم المسئول عن السجن بالساقى والخباز لمكانتهما الكبيرة عند فرعون والتى قد تعود فى أى وقت إذا سامحهما، فلم يجد أفضل من يوسف ليهتم برعايتهما. واستمرا مدة فى السجن مما أعطى فرصة لتكوين صداقة وعلاقة بين يوسف وبينهما.
? إن كنت ترضى الله فسيعطيك نعمة فى أعين الناس، وعلى قدر أمانتك ونشاطك يجعل الناس يثقون بك. فلا تتذمر من كثرة العمل والمسئوليات ولكن أطلب معونة الله فيعطيك قوة وحكمة ونجاحًا.
(2) حلما الساقى والخباز (ع5-19):
5وَحَلُمَا كِلاَهُمَا حُلْماً فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ حُلْمَهُ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ تَعْبِيرِ حُلْمِهِ: سَاقِي مَلِكِ مِصْرَ وَخَبَّازُهُ الْمَحْبُوسَانِ فِي بَيْتِ السِّجْنِ. 6فَدَخَلَ يُوسُفُ إِلَيْهِمَا فِي الصَّبَاحِ وَنَظَرَهُمَا وَإِذَا هُمَا مُغْتَمَّانِ. 7فَسَأَلَ خَصِيَّيْ فِرْعَوْنَ اللَّذَيْنِ مَعَهُ فِي حَبْسِ بَيْتِ سَيِّدِهِ: «لِمَاذَا وَجْهَاكُمَا مُكْمَدَّانِ الْيَوْمَ؟» 8فَقَالاَ لَهُ: «حَلُمْنَا حُلْماً وَلَيْسَ مَنْ يُعَبِّرُهُ». فَقَالَ لَهُمَا يُوسُفُ: «أَلَيْسَتْ لِلَّهِ التَّعَابِيرُ؟ قُصَّا عَلَيَّ». 9فَقَصَّ رَئِيسُ السُّقَاةِ حُلْمَهُ عَلَى يُوسُفَ وَقَالَ لَهُ: «كُنْتُ فِي حُلْمِي وَإِذَا كَرْمَةٌ أَمَامِي. 10وَفِي الْكَرْمَةِ ثَلاَثَةُ قُضْبَانٍ. وَهِيَ إِذْ أَفْرَخَتْ طَلَعَ زَهْرُهَا وَأَنْضَجَتْ عَنَاقِيدُهَا عِنَباً. 11وَكَانَتْ كَأْسُ فِرْعَوْنَ فِي يَدِي. فَأَخَذْتُ الْعِنَبَ وَعَصَرْتُهُ فِي كَأْسِ فِرْعَوْنَ وَأَعْطَيْتُ الْكَأْسَ فِي يَدِ فِرْعَوْنَ». 12فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ: «هَذَا تَعْبِيرُهُ: الثَّلاَثَةُ الْقُضْبَانِ هِيَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ. 13فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَيْضاً يَرْفَعُ فِرْعَوْنُ رَأْسَكَ وَيَرُدُّكَ إِلَى مَقَامِكَ فَتُعْطِي كَأْسَ فِرْعَوْنَ فِي يَدِهِ كَالْعَادَةِ الأُولَى حِينَ كُنْتَ سَاقِيَهُ. 14وَإِنَّمَا إِذَا ذَكَرْتَنِي عِنْدَكَ حِينَمَا يَصِيرُ لَكَ خَيْرٌ تَصْنَعُ إِلَيَّ إِحْسَاناً وَتَذْكُرُنِي لِفِرْعَوْنَ وَتُخْرِجُنِي مِنْ هَذَا الْبَيْتِ. 15لأَنِّي قَدْ سُرِقْتُ مِنْ أَرْضِ الْعِبْرَانِيِّينَ. وَهُنَا أَيْضاً لَمْ أَفْعَلْ شَيْئاً حَتَّى وَضَعُونِي فِي السِّجْنِ». 16فَلَمَّا رَأَى رَئِيسُ الْخَبَّازِينَ أَنَّهُ عَبَّرَ جَيِّداً قَالَ لِيُوسُفَ: «كُنْتُ أَنَا أَيْضاً فِي حُلْمِي وَإِذَا ثَلاَثَةُ سِلاَلِ حوارى عَلَى رَأْسِي. 17وَفِي السَّلِّ الأَعْلَى مِنْ جَمِيعِ طَعَامِ فِرْعَوْنَ مِنْ صَنْعَةِ الْخَبَّازِ. وَالطُّيُورُ تَأْكُلُهُ مِنَ السَّلِّ عَنْ رَأْسِي». 18فَأَجَابَ يُوسُفُ وَقَالَ: «هَذَا تَعْبِيرُهُ: الثَّلاَثَةُ السِّلاَلِ هِيَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ. 19فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَيْضاً يَرْفَعُ فِرْعَوْنُ رَأْسَكَ عَنْكَ وَيُعَلِّقُكَ عَلَى خَشَبَةٍ وَتَأْكُلُ الطُّيُورُ لَحْمَكَ عَنْكَ».
ع5-8: مكمَّدان : مغتمان وحزينان.
ليس من يعبِّره : أى ليس من يفسره.
سمح الله لخصيَّى فرعون أن يحلما حلمين وهما فى السجن ليفسرهما يوسف، فيكون هذا فيما بعد وسيلة لارتفاعه إلى عرش مصر، ولما استيقظا كانا فى حيرة لأنهما لم يفهما تفسير حلميهما. ولما دخل يوسف عليهما فى الصباح للإشراف على خدمتهما ومطالبهما لاحظ حزنهما وسألهما عن السبب فأعلماه أنه بسبب أحلام غريبة قد حلماها فى الليلة الماضية، فطمأنهما، وهذا يظهر لطف يوسف ومحبته إذ اهتم بالمسجونين ومشاعرهما ولم يكن عمله مجرد أداء وظيفة خاصة، وكان كل ما يعمله خدمة مجانية وليس ملزمًا بأدائها ولكن يتممها بأمانة كاملة من أجل الله.
ثم ظهر إتضاع يوسف فى نَسَبه الحكمة والقدرة لله القادر على تفسير الحلمين والذى سيعطيه هذا الفهم، لأنه فى هذا الوقت قد كثر فى مصر السحرة والعرافون الذين يفسرون الأحلام ولكن بمعونة الشيطان وليس بقوة الله. واتضاع يوسف يظهر أنه ابن الله العامل معه وبه.
? إعطِ المجد لله دائمًا فى كل ما تنجح فيه أو تعمله واشكره فى صلواتك وأمام الناس لأنه صاحب الفضل والقوة فى كل ما تنجزه فيباركك ويفيض عليك ببركات أوفر.
ع9-11: قضبان : فروع.
أفرخت : أنضجت.
قصَّ ساقى الملك حلمه على يوسف وهو أنه رأى شجرة عنب فيها ثلاثة فروع وقد نضجت ونظر أزهارها وعناقيد العنب تتدلى منها، فأخذ من العنب وعصر فى كأس فرعون التى كانت بيده وأعطى له.
ع12، 13: فسَّر يوسف الحلم بأن القضبان الثلاثة هى ثلاثة أيام بعدها يخرجه فرعون من السجن ويعيده إلى وظيفته ومركزه الأول ولعله قد اكتشف براءته فيقوم بالإشراف على مشروبات الملك.
ع14، 15: تعلق يوسف بأمل الخروج من السجن، فاستأذن ساقى الملك أن يشفع له عند فرعون ليخرجه خاصة وأنه يستحق ذلك لما يأتى :
- أنه من الأحرار وقد سُرِقَ، من بلاد العبرانيين وبيع عبدًا حتى يعود إلى حريته وكرامته الأولى.
- لم يفعل جرمًا فى مصر يستحق الإلقاء فى السجن.
ويظهر من كلام يوسف عدة أمور هى :
- خطأه فى اعتماده على البشر وليس الله ولذا سمح الله للساقى أن ينساه ليتعلم الاتكال على الله وحده.
- لطف يوسف فى عدم اتهامه لإخوته بالخيانة وبيعه للتجار وستر عليهم إذ قال أنه، سُرِق من أرض العبرانيين، وكذلك لم يتهم امرأة فوطيفار بالشهوة الشريرة والكذب بل قال أنه لم يفعل ذنبًا.
? كن رقيقًا فى كلامك عن الآخرين أو معهم فلا تسرع إلى اللوم بل استر على أخطائهم عندما تشرح أى موضوع وراعى مشاعر الكل بمحبة.
ع16، 17: حوارى : بيضاء أى الدقيق الفاخر الذى يٌعمَل منه الفطائر لفرعون ويقال عنه أيضا “سميذاً”.
تشجع رئيس الخبازين عندما رأى قدرة يوسف على تفسير الأحلام وقصَّ عليه هو أيضًا حلمه الذى رأى فيه نفسه يحمل على رأسه ثلاثة سلال وفى السل الأعلى فطائر ومخبوزات مختلفة مما يقدمها لفرعون ثم هجمت طيور السماء لتأكل منها.
ع18، 19: فسر يوسف الحلم بأن الثلاثة سلال هى ثلاثة أيام بعدها يأمر فرعون بقتله، ولعله اكتشف مسئوليته فى التهمة الموجهة إليه، وسوف يعلق جسده بعد قتله على خشبة فتأكله طيور السماء.
(3) تحقق الحلمين (ع20-23):
20فَحَدَثَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَوْمِ مِيلاَدِ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ صَنَعَ وَلِيمَةً لِجَمِيعِ عَبِيدِهِ وَرَفَعَ رَأْسَ رَئِيسِ السُّقَاةِ وَرَأْسَ رَئِيسِ الْخَبَّازِينَ بَيْنَ عَبِيدِهِ. 21وَرَدَّ رَئِيسَ السُّقَاةِ إِلَى سَقْيِهِ. فَأَعْطَى الْكَأْسَ فِي يَدِ فِرْعَوْنَ. 22وَأَمَّا رَئِيسُ الْخَبَّازِينَ فَعَلَّقَهُ كَمَا عَبَّرَ لَهُمَا يُوسُفُ. 23وَلَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ رَئِيسُ السُّقَاةِ يُوسُفَ بَلْ نَسِيَهُ.
ع20: رفع رأس : أعلن حكمه وقراره.
صنع فرعون وليمة عظيمة جمعت كل عبيده بمناسبة عيد ميلاده وانتهز هذه الفرصة لإعلان حكمه فى أمر اثنين من كبار العاملين معه وهما رئيس السقاة ورئيس الخبازين اللذين ألقاهما فى السجن منذ مدة حتى يفحص التهم الموجهة إليهما.
ع21، 22: قرَّر فرعون إعادة رئيس السقاة إلى وظيفته، أما رئيس الخبازين فأمر بقتله وتعليق جسده على خشبة كما فسَّر يوسف الحلمين.
ع23: سمح الله أن ينسى رئيس السقاة موضوع يوسف إذ انشغل بالاحتفالات والفرح برجوعه إلى منصبه. وهذا بالطبع كان انكارًا لجميل يوسف عليه فى رعايته طوال مدة بقائه فى السجن وكذلك تفسير الحلم المزعج له وطمأنته، ولكن سمح الله بهذا ليتعلم يوسف الإتكال عليه فقط.
? لا تتضايق من أنانية الناس وانشغالهم بمصالحهم الخاصة على حساب مصلحتك وثق أن الله الذى سمح بذلك يحوِّل هذا لخيرك ويقودك للإعتماد عليه واختباره فى حياتك، واعلم أن عمل الله ومعونته أفضل بكثير جدًا من خدمة البشر ومساعدتهم لك.