قصـة بلعـام
مقدمة : تتحدث الثلاثة أصحاحات القادمة عن قصة بلعام وملاقاته لبالاق ملك الموآبيين ونطقه بالبركة على الشعب بدلاً من اللعنة.
(1) رفض بلعام لعن الشعب كطلب بالاق (ع1-14): 1وَارْتَحَل بَنُو إِسْرَائِيل وَنَزَلُوا فِي عَرَبَاتِ مُوآبَ مِنْ عَبْرِ أُرْدُنِّ أَرِيحَا. 2وَلمَّا رَأَى بَالاقُ بْنُ صِفُّورَ جَمِيعَ مَا فَعَل إِسْرَائِيلُ بِالأَمُورِيِّينَ 3فَزَِعَ مُوآبُ مِنَ الشَّعْبِ جِدّاً لأَنَّهُ كَثِيرٌ وَضَجَِرَ مُوآبُ مِنْ قِبَل بَنِي إِسْرَائِيل. 4فَقَال مُوآبُ لِشُيُوخِ مِدْيَانَ: «الآنَ يَلحَسُ الجُمْهُورُ كُل مَا حَوْلنَا كَمَا يَلحَسُ الثَّوْرُ خُضْرَةَ الحَقْلِ». وَكَانَ بَالاقُ بْنُ صِفُّورَ مَلِكاً لِمُوآبَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ. 5فَأَرْسَل رُسُلاً إِلى بَلعَامَ بْنِ بَعُورَ إِلى فَتُورَ التِي عَلى النَّهْرِ فِي أَرْضِ بَنِي شَعْبِهِ لِيَدْعُوَهُ قَائِلاً: «هُوَذَا شَعْبٌ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِصْرَ. هُوَذَا قَدْ غَشَّى وَجْهَ الأَرْضِ وَهُوَ مُقِيمٌ مُقَابَِلِي. 6فَالآنَ تَعَال وَالعَنْ لِي هَذَا الشَّعْبَ لأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنِّي. لعَلهُ يُمْكِنُنَا أَنْ نَكْسِرَهُ فَأَطْرُدَهُ مِنَ الأَرْضِ. لأَنِّي عَرَفْتُ أَنَّ الذِي تُبَارِكُهُ مُبَارَكٌ وَالذِي تَلعَنُهُ مَلعُونٌ». 7فَانْطَلقَ شُيُوخُ مُوآبَ وَشُيُوخُ مِدْيَانَ وَحُلوَانُ العِرَافَةِ فِي أَيْدِيهِمْ وَأَتُوا إِلى بَلعَامَ وَكَلمُوهُ بِكَلامِ بَالاقَ. 8فَقَال لهُمْ: «بِيتُوا هُنَا الليْلةَ فَأَرُدَّ عَليْكُمْ جَوَاباً كَمَا يُكَلِّمُنِي الرَّبُّ». فَمَكَثَ رُؤَسَاءُ مُوآبَ عِنْدَ بَلعَامَ. 9فَأَتَى اللهُ إِلى بَلعَامَ وَقَال: «مَنْ هُمْ هَؤُلاءِ الرِّجَالُ الذِينَ عِنْدَكَ؟» 10فَقَال بَلعَامُ لِلهِ: «بَالاقُ بْنُ صِفُّورَ مَلِكُ مُوآبَ قَدْ أَرْسَل إِليَّ يَقُولُ: 11هُوَذَا الشَّعْبُ الخَارِجُ مِنْ مِصْرَ قَدْ غَشَّى وَجْهَ الأَرْضِ. تَعَال الآنَ العَنْ لِي إِيَّاهُ لعَلِّي أَقْدِرُ أَنْ أُحَارِبَهُ وَأَطْرُدَهُ». 12فَقَال اللهُ لِبَلعَامَ: «لا تَذْهَبْ مَعَهُمْ وَلا تَلعَنِ الشَّعْبَ لأَنَّهُ مُبَارَكٌ». 13فَقَامَ بَلعَامُ صَبَاحاً وَقَال لِرُؤَسَاءِ بَالاقَ: «انْطَلِقُوا إِلى أَرْضِكُمْ لأَنَّ الرَّبَّ أَبَى أَنْ يَسْمَحَ لِي بِالذَّهَابِ مَعَكُمْ». 14فَقَامَ رُؤَسَاءُ مُوآبَ وَأَتُوا إِلى بَالاقَ وَقَالُوا: «أَبَى بَلعَامُ أَنْ يَأْتِيَ مَعَنَا».
ع1-3: عربات موآب : كلمة عربة تعنى قفر أو مكان تغلب عليه الطبيعة الصحراوية وكلمة عربات تعنى منطقة ممتدة وقفراء، وقد أطلقت على كل المنطقة من خليج العقبة جنوباً إلى البحر الميت فى وسطها ثم نهر الأردن شمالاً، وتعبير عربات موآب أى المنطقة التى يسكن فيها قبائل الموآبيين (خريطة 4).
عبر أردن أريحا : كلمة عبر معناها “ضفة أو شاطئ النهر”، وعبر أردن أريحا معناها ضفة الأردن الشرقية المقابلة لمدينة أريحا.
بعد انتصارات بنى إسرائيل على الأموريين ارتحلوا شمالاً بمحازاة الضفة الشرقية، وعندما كانوا فى مقابلة أريحا التى تقع على الضفة الغربية لنهر الأردن؛ رآهم “بالاق” ملك موآب، والذى تمتد أراضيه بمحازاة البحر الميت جنوبًا ونهر الأردن شمالاً من الناحية الشرقية، فضاق وفزع جدًا من منظر الشعب وكثافته العددية من ناحية، ومما فعله الشعب “بسيحون” و”عوج” من ناحية أخرى.
ع4: تعبيرًا عن خوفه ورعبه، جمع “بالاق” رؤساء شعبه وحكماءه من الموآبيين وبعض شيوخ المديانيين الذين كانوا يرعون مواشيهم بأراضى الموآبيين؛ وقال لهم أن هذا الشعب كثير العدد جدًا وأن كل خيرات أراضينا ومزارعنا لا تكفيه طعامًا. واستخدام تعبير “يلحس” يعنى أنه سوف يأتى على كل شئ ولن يتبقى لنا خضرة أو محاصيل نأكلها من بعده لأنه سيترك لنا الأرض جرداء.
ع5: بلعام بن بعور : هو نفسه بلعام بن بصور (2بط2: 15) وقد اختلفت الآراء على شخصه، فمنهم من اعتبره عرَّافًا يتبع الشيطان لقول يشوع بن نون “بلعام بن بعور العراف” (يش13: 22)، أما أكثر المفسرين فاعتبروه نبيًا للرب استخدمه الله فى تبليغ بعض الرسائل لشعوب المنطقة ويؤكد ذلك الأحداث التالية فى هذا الأصحاح … ولكنه وإن كان نبيًا إلا أن الكتاب المقدس يصفه بعد ذلك بالخيانة والتحالف مع أعداء الشعب من أجل المال بالرغم أنه بارك الشعب بفمه كما أمره الله أولاً (ص23).
فتور : اسم القرية التى كان بلعام يسكنها وهى تقع على الشاطئ الغربى لنهر الفرات. فبلعام نبى ولكن ليس من بنى إسرائيل بل يعيش بين الأمم.
أرض بنى شعبه : أى العراق الحالية.
شعب قد خرج اليوم : أى شعب إسرائيل.
أرسل بالاق رسلاً إلى بلعام فى مكان إقامته وابلغوه مخاوفه من شعب بنى إسرائيل الكثيف العدد الذى خرج من مصر والآن هو واقف بكمال عدده أمام حدود الموآبيين.
ع6: كان مضمون رسالة بالاق هو دعوة بلعام أن يأتى ليلعن هذا الشعب الكثيف، فليس لبالاق والأموريين قدرة على قتاله، ولكن إذا لعنه بلعام، يتمكن بالاق من الانتصار على بنى إسرائيل وطردهم من المنطقة كلها، ويضيف بالاق فى رسالته كنوع من المدح لبلعام أنه من المعروف عنه أنه إذا بارك إنسانًا تبارك وإذا لعنه فقد لُعِنَ من قِبَل الإله.
ع7، 8: حلوان العرافة : أى هدية ومكافأة نظير عرافته أو لعنته للشعب، ومعناها الدارج والذى لازال يستخدمه بعض الناس “الحلاوة” مقابل الخبر المفرح. أما كلمة العرافة فمعناها وحدها معرفة الغيب.
جاء مندوبو ورسل بالاق من شيوخ الموآبيين والمديانيين ومعهم هدية ذات قيمة إلى بلعام وأخبروه بكل ما سبق من كلام بالاق … أما رد بلعام عليهم فلم يكن متسرعًا بل طلب منهم المبيت حتى يتسنى له الصلاة إلى الله ومعرفة رأيه … ومن هذا يظهر أن بلعام كان يتأرجح بين طاعة الله ومحبة المال التى ستظهر بعد ذلك.
? ليتك لا تتسرع أو تعطى إجابة عن رأى أو مشورة قبل أن ترفع قلبك إلى الله بصلاة سريعة.
ع9: فأتى الله إلى بلعام : قد يكون ذلك فى رؤيا أو أرسل الله له ملاكًا.
بالرغم من معرفة الله بكل الأحداث إلا أنه فى رسالته إلى بلعام يسأله كمن يستفسر عن شئ “من هم هؤلاء الرجال” وذلك لتنبيه بلعام حتى يحترس من الأحداث القادمة.
ع10، 11: جاءت إجابة بلعام تلخيصًا أمينًا عما سبق وجاء فى الأعداد (5-7).
ع12: أما رد الله على كلام بلعام فكان حاسمًا وواضحًا، إذ أخبره بوضوح ألاّ يذهب معهم، وألا يلعن الشعب، وأوضح له الله أنه شعب مبارك وأن الله نفسه هو سبب وسر بركته.
ع13، 14: جاءت إجابة بلعام لرسل بالاق كما أمره الرب تمامًا، فرفض الذهاب إلى أرضيهم موضحًا أن الله منعه، فعاد الرؤساء إلى بالاق بدون بلعام وأخبروه برفضه الحضور معهم.
ويلاحظ أن بلعام أخبر رسل بالاق بكل كلام الله وهو قوله، أن شعب إسرائيل مبارك من قبل الله، ولعله تعلق بهدايا بالاق وكان يود أن يرسل إليه مرة أخرى بهدايا جديدة.
(2) الوفد الثانى من بالاق لبلعام (ع15-21):
15فَعَادَ بَالاقُ وَأَرْسَل أَيْضاً رُؤَسَاءَ أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ مِنْ أُولئِكَ. 16فَأَتُوا إِلى بَلعَامَ وَقَالُوا لهُ: «هَكَذَا قَال بَالاقُ بْنُ صِفُّورَ: لا تَمْتَنِعْ مِنَ الإِتْيَانِ إِليَّ 17لأَنِّي أُكْرِمُكَ إِكْرَاماً عَظِيماً وَكُل مَا تَقُولُ لِي أَفْعَلُهُ. فَتَعَال الآنَ العَنْ لِي هَذَا الشَّعْبَ». 18فَأَجَابَ بَلعَامُ عَبِيدَ بَالاقَ: «وَلوْ أَعْطَانِي بَالاقُ مِلءَ بَيْتِهِ فِضَّةً وَذَهَباً لا أَقْدِرُ أَنْ أَتَجَاوَزَ قَوْل الرَّبِّ إِلهِي لأَعْمَل صَغِيراً أَوْ كَبِيراً. 19فَالآنَ امْكُثُوا هُنَا أَنْتُمْ أَيْضاً هَذِهِ الليْلةَ لأَعْلمَ مَاذَا يَعُودُ الرَّبُّ يُكَلِّمُنِي بِهِ». 20فَأَتَى اللهُ إِلى بَلعَامَ ليْلاً وَقَال لهُ: «إِنْ أَتَى الرِّجَالُ لِيَدْعُوكَ فَقُمِ اذْهَبْ مَعَهُمْ. إِنَّمَا تَعْمَلُ الأَمْرَ الذِي أُكَلِّمُكَ بِهِ فَقَطْ». 21فَقَامَ بَلعَامُ صَبَاحاً وَشَدَّ عَلى أَتَانِهِ وَانْطَلقَ مَعَ رُؤَسَاءِ مُوآبَ.
ع15-17: لم ييأس بالاق من رفض بلعام الأول، فعاد وأرسل له وفدًا أكثر عددًا وأعلى شأنًا ومقامًا، وكانت رسالة هذا الوفد لبلعام بأن ينزل معهم لمقابلة بالاق ولعن شعب بنى إسرائيل، وقد أغراه الوفد بأن بالاق سوف يكرمه إكرامًا جزيلاً، والمقصود بالطبع هدايا وتقدمات مالية؛ وكذلك سوف ينفذ له أى رغبة أو مطلب.
ع18: جاءت إجابة بلعام غير متوقعة للوفد المرسل إليه، فظهر حاسمًا وواضحًا ورفض العرض والإغراء، مهما كان المُقَدَّم إليه من مال أو ذهب أو فضة، فهو يعلن عدم استعداده لمخالفة رأى الله ليلبى رأى بالاق. وهذا يبين الجانب الحسن فيه أى تمسكه بطاعة الله ولو ظاهريًا وإن كان سيتحايل لمخالفتها فيما بعد.
ع19: بالرغم من موقف بلعام السليم فى العدد السابق، إلا أنه كان يحمل افتعالاً أكثر منه صدقًا وهنا بدأ قلبه يفضحه، فهو يعلم سابقًا أن الله هو الذى منعه من لعن الشعب وعدم الذهاب معهم. ولكن هذا العرض الأخير من بالاق أمال قلبه، ولهذا عرض على الرسل المبيت عنده لعل الله يأتيه بجديد غير ما سبق وكلمه به، أى لم يكن حاسمًا فى رفض دعوتهم الجديدة وهداياهم.
? أحيانًا كثيرة يحدث هذا معنا … إذ تكون مشيئة الله واضحة كل الوضوح فى أمر ما، ولكن بسبب إرادتنا نحن الشريرة أو المغرضة نحاور أنفسنا لعل الله له رأى آخر، وربما نسأل كثيرين بطرق ملتوية حتى نحصل على إجابة تتمشى مع ما نريده نحن وليس ما يريده الله… أرفض الإغراء والضعف وانصت إلى صوت الله بداخلك.
ع20: تكلم الله مع بلعام ليلاً وصرَّح له بالذهاب مع الرجال ولكنه وضع له شرطًا بألا يتحدث إلاّ بما يأمره به الله.
أتان : أنثى الحمار.
ولعلنا نسأل لماذا سمح الله لبلعام بالذهاب بعد رفضه أولاً ؟!!
أولاً : لأن الله كان يعلم جيدًا أن ما نطق به بلعام لم يكن هو ما بداخله، إذ تحركت فيه شهوة المال.
ثانياً: كان لدى الله خطة يريد من خلالها أن يلقنه درسًا وسنرى ذلك فى الأعداد المقبلة.
ثالثاً : كانت خطة الله أيضًا تتضمن أن يبارك بلعام الشعب بدلاً من أن يلعنه أمام بالاق، فيتأكد بالاق من أن هذا الشعب هو شعب الله المتمتع بحمايته.
ع21: قام بلعام صباحًا وجهَّز حماره وانطلق مع الرسل لمقابلة بالاق.
(3) بلعام وملاقاة ملاك الرب فى الطريق (ع22-35):
22فَحَمِيَ غَضَبُ اللهِ لأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ وَوَقَفَ مَلاكُ الرَّبِّ فِي الطَّرِيقِ لِيُقَاوِمَهُ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلى أَتَانِهِ وَغُلامَاهُ مَعَهُ. 23فَأَبْصَرَتِ الأَتَانُ مَلاكَ الرَّبِّ وَاقِفاً فِي الطَّرِيقِ وَسَيْفُهُ مَسْلُولٌ فِي يَدِهِ فَمَالتِ الأَتَانُ عَنِ الطَّرِيقِ وَمَشَتْ فِي الحَقْلِ. فَضَرَبَ بَلعَامُ الأَتَانَ لِيَرُدَّهَا إِلى الطَّرِيقِ. 24ثُمَّ وَقَفَ مَلاكُ الرَّبِّ فِي خَنْدَقٍ لِلكُرُومِ لهُ حَائِطٌ مِنْ هُنَا وَحَائِطٌ مِنْ هُنَاكَ. 25فَلمَّا أَبْصَرَتِ الأَتَانُ مَلاكَ الرَّبِّ زَحَمَتِ الحَائِطَ وَضَغَطَتْ رِجْل بَلعَامَ بِالحَائِطِ فَضَرَبَهَا أَيْضاً. 26ثُمَّ اجْتَازَ مَلاكُ الرَّبِّ أَيْضاً وَوَقَفَ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ حَيْثُ ليْسَ سَبِيلٌ لِلنُّكُوبِ يَمِيناً أَوْ شِمَالاً. 27فَلمَّا أَبْصَرَتِ الأَتَانُ مَلاكَ الرَّبِّ رَبَضَتْ تَحْتَ بَلعَامَ. فَحَمِيَ غَضَبُ بَلعَامَ وَضَرَبَ الأَتَانَ بِالقَضِيبِ. 28فَفَتَحَ الرَّبُّ فَمَ الأَتَانِ فَقَالتْ لِبَلعَامَ: «مَاذَا صَنَعْتُ بِكَ حَتَّى ضَرَبْتَنِي الآنَ ثَلاثَ دَفَعَاتٍ؟» 29فَقَال بَلعَامُ لِلأَتَانِ: «لأَنَّكِ ازْدَرَيْتِ بِي. لوْ كَانَ فِي يَدِي سَيْفٌ لكُنْتُ الآنَ قَدْ قَتَلتُكِ». 30فَقَالتِ الأَتَانُ لِبَلعَامَ: «أَلسْتُ أَنَا أَتَانَكَ التِي رَكِبْتَ عَليْهَا مُنْذُ وُجُودِكَ إِلى هَذَا اليَوْمِ؟ هَل تَعَوَّدْتُ أَنْ أَفْعَل بِكَ هَكَذَا؟» فَقَال: «لا». 31ثُمَّ كَشَفَ الرَّبُّ عَنْ عَيْنَيْ بَلعَامَ فَأَبْصَرَ مَلاكَ الرَّبِّ وَاقِفاً فِي الطَّرِيقِ وَسَيْفُهُ مَسْلُولٌ فِي يَدِهِ فَخَرَّ سَاجِداً عَلى وَجْهِهِ. 32فَقَال لهُ مَلاكُ الرَّبِّ: «لِمَاذَا ضَرَبْتَ أَتَانَكَ الآنَ ثَلاثَ دَفَعَاتٍ؟ هَئَنَذَا قَدْ خَرَجْتُ لِلمُقَاوَمَةِ لأَنَّ الطَّرِيقَ وَرْطَةٌ أَمَامِي 33فَأَبْصَرَتْنِي الأَتَانُ وَمَالتْ مِنْ قُدَّامِي الآنَ ثَلاثَ دَفَعَاتٍ. وَلوْ لمْ تَمِل مِنْ قُدَّامِي لكُنْتُ الآنَ قَدْ قَتَلتُكَ وَاسْتَبْقَيْتُهَا». 34فَقَال بَلعَامُ لِمَلاكِ الرَّبِّ: «أَخْطَأْتُ. إِنِّي لمْ أَعْلمْ أَنَّكَ وَاقِفٌ تِلقَائِي فِي الطَّرِيقِ. وَالآنَ إِنْ قَبُحَ فِي عَيْنَيْكَ فَإِنِّي أَرْجِعُ». 35فَقَال مَلاكُ الرَّبِّ لِبَلعَامَ: «اذْهَبْ مَعَ الرِّجَالِ وَإِنَّمَا تَتَكَلمُ بِالكَلامِ الذِي أُكَلِّمُكَ بِهِ فَقَطْ». فَانْطَلقَ بَلعَامُ مَعَ رُؤَسَاءِ بَالاقَ.
ع22: غلاماه : اثنان من عبيده.
اصطحب بلعام اثنين من عبيده فى الطريق لمقابلة بالاق، وبينما كان راكبًا على أتانه اعترضه ووقف أمامه ملاك الرب، ويشير الوحى أن الله كان غاضبًا من تصرف بلعام لأن قلبه كان متعلقًا بمحبة المال وقد وافق الله على ذهابه ليمتحن قلبه. فظهور الملاك وتوبيخه له كان فرصة لتوبته كما سبق وأوضحنا وجاء هنا وقت الدرس، وإظهار الله لعدم رضاه.
ع23: ظهر الملاك فى منظر مخيف إذ كان حاملاً سيفًا حادًا فى يده، والعجيب أن الذى رآه هو الحمار وليس بلعام النبى، وبالطبع كان هذا بترتيب إلهى أن يظهر الملاك للحمار دون أن يراه بلعام وذلك ليظهر لنا الله عمى الإنسان الذى يغلق المال والذهب عينيه فلا يرى الله ولا يسمع صوته، واضطربت الأتان من المنظر المخيف وتركت الطريق وانحرفت جانبًا إلى الحقل فضربها بلعام حتى تعود إلى الطريق.
ع24، 25: خندق للكروم : طريق ضيق أو ممر بين حائطين وسقفه تكعيبة عنب.
فى أثناء الرحلة مرت الأتان فى ممر ضيق، وإذ رأت الملاك وسيفه مرة أخرى ارتعبت الأتان ومالت إلى أحد الحائطين وعند ميلها ضغطت على ساق ورجل بلعام الذى اغتاظ بالطبع من تصرف الأتان فضربها ثانية.
ع26، 27: للنكوب : التراجع.
ربضت : رقدت.
فى مكان آخر من الطريق، وكان أشد ضيقًا، وقف الملاك مرة أخرى أمام الأتان، وفى مكان لا تستطيع معه الأتان أن تتجه يمينًا أو يسارًا، فتوقفت عن السير تمامًا ولهذا غضب بلعام جدًا وضربها مرة ثالثة وكانت أكثر عنفًا.
ع28، 29: ازدريت : احتقرت.
نقف الآن أمام معجزة إلهية كبيرة إذ جعل الله بقدرته الحيوان يتكلم مع بلعام، وجاء الحديث فى صورة عتاب إذ سأل الحيوان الإنسان لماذا ضربتنى ثلاث مرات، ولا نعلم رد فعل بلعام عندما سمع الحيوان يتكلم، ولكننا نعتقد أنه كان مزيجًا من الدهشة والخوف، إلا أن هذا لم يمنع بلعام من أن يتحدث مع الأتان ويجيبها بأنه ضربها، لأنها عصته ثلاث مرات فى السير وأضاف أنه غاضب جدًا عليها وأنها تستحق القتل وليس فقط مجرد الضرب.
ع30: استكمالاً للحوار، ترد الأتان على بلعام مرة أخرى محاولة لفت نظره إلى طاعتها المستمرة له منذ اقتناها قبل اليوم وسألته هل تمردت عليه قبلاً فأجاب بالنفى.
? الرسالة واضحة لنا جميعًا من خلال هذه الأحداث التى يريد بها الله توبيخ بلعام، وكأنه يقول له أن الحيوان الأعجم أطاع مشيئتى، ولكنك أنت أيها الإنسان إذ ملأ الشر قلبك لم تفهم ولم ترَ ما رآه الحيوان !!!!!!
فليتنا عندما نتعرض لضيقات نراجع أنفسنا لنتوب عن خطايانا ونتعلم من أحداث الحياة وحتى من الحيوانات أيضًا.
ع31: كشف الله عن عينى بلعام فرأى الملاك وسيفه الحاد وحينئذ خاف جدًا حتى أنه نزل عن حماره وسجد أمام الملاك.
ع32، 33: الطريق ورطة أمامى : الطريق شائك ويؤدى إلى الهلاك.
للمقاومة : منعه وتعطيله وتحذيره.
تحدث الملاك إلى بلعام موضحًا له أن ظهوره له كان من أجل منعه من الذهاب ولعن الشعب ويوضح أن خبايا قلبه أى محبته للمال مكشوفة أمام الله، ويوبخه أيضًا على ضرب أتانه ثلاث مرات بلا سبب، وأن الأتان أفضل منه روحيًا إذ أنها رأت الملاك الذى لم يره هو بسبب شره، ويضيف الملاك فى دفاعه عن الأتان المضروبة أنها إن لم تكن قد فعلت ذلك لقتله ملاك الرب واستبقى الأتان.
ع34، 35: قدم بلعام اعتذارًا فوريًا لملاك الرب موضحًا له عدم رؤياه له وإلا ما كان ضرب الأتان ثلاث مرات، واستكمالاً لاعتذاره أعلن استعداده الفورى لعدم استكمال رحلته لبالاق والرجوع إلى بيته؛ إلاّ أن الملاك أمره بأن يستكمل رحلته ولكن عليه ألا يقل شيئًا من عنده بل يتكلم بما سوف يخبره به روح الله عن طريق الملاك، ولهذا أكمل بلعام رحلته مع رسل بالاق.
? حمل بلعام الكثير من المتناقضات فى شخصيته إلا أنه لا يفوتنا هنا أن نبرز استجابته السريعة للتوبة والاعتذار. فكلمة “أخطأت” التى قالها كانت سبب نجاته من العقوبة بينما لم ينطق بها آدم عندما سقط !!! ليتنا جميعًا نتعلم سرعة الاعتذار عن الخطأ ولا نبرّر ذواتنا، فكلمة أخطأت تصرف غضب من أخطأنا فى حقه وتجعل الله يشفق على ضعفنا.
(4) بالاق وبلعام (ع36-41):
36فَلمَّا سَمِعَ بَالاقُ أَنَّ بَلعَامَ جَاءَ خَرَجَ لاِسْتِقْبَالِهِ إِلى مَدِينَةِ مُوآبَ التِي عَلى تُخُمِ أَرْنُونَ الذِي فِي أَقْصَى التُّخُومِ. 37فَقَال بَالاقُ لِبَلعَامَ: «أَلمْ أُرْسِل إِليْكَ لأَدْعُوَكَ؟ لِمَاذَا لمْ تَأْتِ إِليَّ؟ أَحَقّاً لا أَقْدِرُ أَنْ أُكْرِمَكَ؟» 38فَقَال بَلعَامُ لِبَالاقَ: «هَئَنَذَا قَدْ جِئْتُ إِليْكَ. أَلعَلِّي الآنَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَكَلمَ بِشَيْءٍ؟ الكَلامُ الذِي يَضَعُهُ اللهُ فِي فَمِي بِهِ أَتَكَلمُ». 39فَانْطَلقَ بَلعَامُ مَعَ بَالاقَ وَأَتَيَا إِلى قَرْيَةِ حَصُوتَ. 40فَذَبَحَ بَالاقُ بَقَراً وَغَنَماً وَأَرْسَل إِلى بَلعَامَ وَإِلى الرُّؤَسَاءِ الذِينَ مَعَهُ. 41وَفِي الصَّبَاحِ أَخَذَ بَالاقُ بَلعَامَ وَأَصْعَدَهُ إِلى مُرْتَفَعَاتِ بَعْلٍ فَرَأَى مِنْ هُنَاكَ أَقْصَى الشَّعْبِ.
ع36: سبق أحد رسل بالاق المسيرة وأبلغه بقدوم بلعام هذه المرة، ومن شدة فرح بالاق بهذا الخبر خرج مسرعًا لاستقبال بلعام عند أقصى حدود بلاده، كما يُفعَل عند استقبال العظماء، فلم ينتظر دخوله بلاد الموآبيين بل خرج هو إلى الحدود وعند أول مدينة للموآبيين وتسمى “مدينة موآب” والتى تقع على حدود النهر الصغير أرنون استقبل بلعام.
ع37: بادر بالاق بلعام بالتحية والكلام، وفى عتاب لطيف سأله ألم أرسل فى طلبك سابقًا فلماذا إذا لم تأتِ، وهل إن كنت قد أتيت ألم أكن أكرمك وأجزل لك العطاء.
ع38: أجاب بلعام بأنه هو هنا الآن وهذا هو المهم، وبتأثير خوفه من منظر الملاك الذى رآه منذ قليل، أضاف لبالاق بأنه لن يستطيع التكلم إلا بما يقوله الله له.
ع39، 40: ذهب بلعام مع بالاق إلى قرية اسمها “حصوت” وهى إحدى مدن موآب وأول مدينة لائقة لاستقبال وإكرام بلعام ومن معه وهى تقع شمال نهر أرنون، وكان بالاق كريمًا جدًا إذ ذبح من أجل وليمة تكريم بلعام الكثير من البقر والغنم بالرغم من قلة عدد الرجال ولكنه أراد أن يوضح لبلعام مدى كرمه فى إشارة إلى ما سوف يحصل عليه بلعام من هدايا وذهب إذا لعن الشعب، ويوضح أيضًا حفاوة الاستقبال لهذا الضيف العظيم.
ع41: مرتفعات بعل : هى اسم لمكان عالٍ ومرتفع مثال الهضبة وأطلق عليه “بعل” لأنهم كانوا يذبحون للبعل عليه، أى يقدمون العبادة للبعل كأحد العبادات الوثنية (خريطة 6).
خريطة (6)
بعد قضاء ليلة من الإكرام والراحة اصطحب بالاق بلعام فى الصباح الباكر إلى مكان عالٍ وهو “مرتفعات بعل” وأراه الشعب من هناك ولأن المكان كان عاليًا استطاع بلعام أن يرى كل الشعب إلى أقصى نقطة فى مكان إقامته.
? إن إغراءات العالم كثيرة لتشغلك عن وصايا الله، ولكن من ناحية أخرى ينبهك الله حتى لا تهلك مع هذا العالم الشرير كما نبه الملاك بلعام فتمسك بوصايا الله، فلا تجرى وراء مغريات العالم المبهرة فكلها زائلة وإن كنت قد انشغلت بها فاسرع للعودة إلى الله وضع حدودًا لارتباطك بالعالم.
https://en.wikipedia.org/wiki/Pope_Tawadros_II_of_Alexandria