زنى إسرائيل وغيرة فينحاس
(1) زنى إسرائيل والسقوط فى عبادة الأوثان (ع1-5): 1وَأَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي شِطِّيمَ وَابْتَدَأَ الشَّعْبُ يَزْنُونَ مَعَ بَنَاتِ مُوآبَ. 2فَدَعَوْنَ الشَّعْبَ إِلى ذَبَائِحِ آلِهَتِهِنَّ فَأَكَل الشَّعْبُ وَسَجَدُوا لِآلِهَتِهِنَّ. 3وَتَعَلقَ إِسْرَائِيلُ بِبَعْلِ فَغُورَ. فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلى إِسْرَائِيل. 4فَقَال الرَّبُّ لِمُوسَى: «خُذْ جَمِيعَ رُؤُوسِ الشَّعْبِ وَعَلِّقْهُمْ لِلرَّبِّ مُقَابِل الشَّمْسِ فَيَرْتَدَّ حُمُوُّ غَضَبِ الرَّبِّ عَنْ إِسْرَائِيل». 5فَقَال مُوسَى لِقُضَاةِ إِسْرَائِيل: «اقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ قَوْمَهُ المُتَعَلِّقِينَ بِبَعْلِ فَغُورَ».
ع1: شطيم : كلمة شطيم تعنى شجر السنط، وأطلقت هذه الكلمة على المكان الذى نزل فيه الشعب لتوافر عدد كبير من شجر السنط فى هذا المكان (خريطة 5).
بالرغم من اقتراب الشعب جدًا من أرض الميعاد وكان لا يفصلهم عنها سوى نهر الأردن، إلا أنهم وقعوا فى شر عظيم، إذ قد سقطوا فى الزنا مع بنات موآب الوثنيات وخالفوا بذلك كل العهود والوصايا الإلهية. ويذكر سفر الرؤيا أن هذه العثرة الشنيعة والتى أسقطت الشعب كان وراءها بلعام، فهو الذى أوحى لبالاق بهذا طمعًا فى المال، إذ فشل فى الحصول على هدايا بالاق لأن الله أمره بمباركة الشعب وعدم لعنه، فالتجأ إلى هذه الحيلة لينال هدايا بالاق وأخبره أن شعب إسرائيل إذا زنى وعبد الأوثان يتخلى إلهه عنه (راجع رؤ2: 14) فيسهل على بالاق أن يحاربه ويهزمه. وهذا ما حدث بالفعل فأغوت نساء الموآبيين اللاتى أرسلهن بالاق رجال إسرائيل.
ع2: ولأن الخطية تجر وراءها خطية أخرى، والشهوة إذا تملكت الإنسان تفقده إرادته وبصيرته، سقط الشعب فى الخطية التالية وهى خطية عبادة الأوثان والسجود والتبخير لها، فى تحدٍ سافر لله مخلصه وفاديه ومخرجه من أرض مصر. فلقد استدرجت النساء الموآبيات رجال بنى إسرائيل كما حدث مع سليمان الملك تمامًا (1مل11)، وكنوع من المجاملة والمشاركة سجد الرجال وعبدوا الأوثان.
ع3: تطور الأمر من مجرد السجود إلى ما هو أكثر، فقد صار إيمانًا وحبًا فى إله الموآبيين واستبدل الشعب إلهه بصنم ووثن يذبحون له ويطلبون منه ويثقون فى قدراته وهو الإله فغور، فاشتد غضب الله على شعبه الناكر الجميل والذى أهانه وأهان اسمه القدوس ومجده وكرامته.
ع4، 5: تكلم الرب مع موسى وأمره أن يأخذ “رؤساء الشعب، وأن يعلقهم على خشبة بعد قتلهم وأن تترك جثثهم “مقابل الشمس” أى أمام أعين الشعب كله، حتى يكونوا عبرة لباقى الشعب وتتوقف الخطية ويتوقف أيضًا غضب الله عليهم فلا يتعرضوا للعقوبة الأكبر. فاجتمع موسى بقضاة الشعب وأمرهم بقتل كل “واحد قومه” أى كل واحد من سبطه الذين عبدوا بعل فغور وأغووا الآخرين على عبادته.
? الخطية خاطئة جدًا والإنسان يغرق فيها بالتدريج وعندما يستهن بلطف الله وصبره ولا يتوب بعد سقوطه تكون العقوبة كبيرة وقاسية. فالله لا يتهاون مع الشر، فاحذر يا أخى من الاستهتار ولا تقل أن هذه خطية صغيرة وتلك كبيرة، فالأولى تقود للثانية وأجرة كلتيهما الموت.
(2) غيرة فينحاس بن ألعازار (ع6-18):
6وَإِذَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل جَاءَ وَقَدَّمَ إِلى إِخْوَتِهِ المِدْيَانِيَّةَ أَمَامَ عَيْنَيْ مُوسَى وَأَعْيُنِ كُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيل وَهُمْ بَاكُونَ لدَى بَابِ خَيْمَةِ الاِجْتِمَاعِ. 7فَلمَّا رَأَى ذَلِكَ فِينَحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الكَاهِنُِ قَامَ مِنْ وَسَطِ الجَمَاعَةِ وَأَخَذَ رُمْحاً بِيَدِهِ 8وَدَخَل وَرَاءَ الرَّجُلِ الإِسْرَائِيلِيِّ إِلى القُبَّةِ وَطَعَنَ كِليْهِمَا الرَّجُل الإِسْرَائِيلِيَّ وَالمَرْأَةَ فِي بَطْنِهَا. فَامْتَنَعَ الوَبَأُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل. 9وَكَانَ الذِينَ مَاتُوا بِالوَبَإِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلفاً. 10فَقَال الرَّبُّ لِمُوسَى: 11«فِينَحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الكَاهِنُِ قَدْ رَدَّ سَخَطِي عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل بِكَوْنِهِ غَارَ غَيْرَتِي فِي وَسَطِهِمْ حَتَّى لمْ أُفْنِ بَنِي إِسْرَائِيل بِغَيْرَتِي. 12لِذَلِكَ قُل هَئَنَذَا أُعْطِيهِ مِيثَاقِي مِيثَاقَ السَّلامِ 13فَيَكُونُ لهُ وَلِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِيثَاقَ كَهَنُوتٍ أَبَدِيٍّ لأَجْلِ أَنَّهُ غَارَ لِلهِ وَكَفَّرَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل». 14وَكَانَ اسْمُ الرَّجُلِ الإِسْرَائِيلِيِّ الذِي قُتِل مَعَ المِدْيَانِيَّةِ زِمْرِيَ بْنَ سَالُو رَئِيسَ بَيْتِ أَبٍ مِنَ الشَّمْعُونِيِّينَ. 15وَاسْمُ المَرْأَةِ المِدْيَانِيَّةِ المَقْتُولةِ كُزْبِيَ بِنْتَ صُورٍ. هُوَ رَئِيسُ قَبَائِلِ بَيْتِ أَبٍ فِي مِدْيَانَ. 16ثُمَّ قَال الرَّبُّ لِمُوسَى: 17«ضَايِقُوا المِدْيَانِيِّينَ وَاضْرِبُوهُمْ 18لأَنَّهُمْ ضَايَقُوكُمْ بِمَكَايِدِهِمِ التِي كَادُوكُمْ بِهَا فِي أَمْرِ فَغُورَ وَأَمْرِ كُزْبِي أُخْتِهِمْ بِنْتِ رَئِيسٍ لِمِدْيَانَ التِي قُتِلتْ يَوْمَ الوَبَإِ بِسَبَبِ فَغُورَ».
ع6: التجأ الشعب لخيمة الاجتماع، إذ تأثر تأثرًا بالغًا بغضب الله وقتل وتعليق بعض رجاله، كذلك التماسًا لمراحمه إذ أن الله بخلاف قتل هؤلاء الزناة وعابدى البعل ضرب الشعب بالوباء الذى أخذ منهم آلافًا (ع9). وبينما الشعب يبكى خطيته ويطلب العفو، ظهر رجل من سبط شمعون ومعه امرأة مديانية فى تحدٍ سافر لموسى وكل مشاعر الشعب، وليضيف إغاظة جديدة لله باستهتاره وتبجحه على قداسة بيت الله، إذ مرَّ أمامه فى غرور وزهو.
ع7، 8: كان فينحاس بن ألعازار بن هارون كاهنًا، وكان أبوه ألعازار رئيس الكهنة بعد وفاة هارون، وعندما رأى فينحاس منظر هذا الرجل الإسرائيلى مصاحبًا للمرأة غار غيرة عظيمة على بيت الرب ومجد اسم إله إسرائيل وأخذ رمحًا، فى الغالب من أحد الرجال المحيطين به، ودخل وراء الرجل إلى الخيمة “القبة” وطعن كل من الرجل والمرأة بالرمح فى بطنهما وقتلهما، وإذ رأى الله ما فعله فينحاس رفع الوباء عن إسرائيل.
ع9: كان عدد الذين ماتوا بالوباء أربعة وعشرين ألفًا، ونلاحظ أن القديس بولس ذكر هذه الحادثة عينها فى (1كو10: 8) مع اختلاف فى العدد إذ قال أنهم ثلاثة وعشرون ألفًا … فهل هناك فرق …؟!، وللإجابة على هذا الاختلاف نقول :
أ ) الرأى الأول : أن عدد الذين قتلوا إجماليًا هو أربعة وعشرون ألفًا منهم ثلاثة وعشرون ألفًا فى يوم واحد كما ذكر القديس بولس فى نص الآية وبالتالى من الممكن أن تكون الألف التالية فى يوم آخر.
ب ) الرأى الثانى : أن العدد الحقيقى الذى مات فى الوباء هو رقم يتراوح بين الثلاثة والعشرين ألفًا والأربعة والعشرين ألفًا، وأن سفر العدد استخدم التقريب للأعلى والقديس بولس استخدم التقريب للعدد الصحيح الأقل.
ع10-12: ربما شعر البعض أن تصرف فينحاس هذا كان تصرفًا مبالغًا فيه، ولكن يُعَدّ الموقف استهانة من الرجل الإسرائيلى صاحب المرأة المديانية سيثير التهاون وسط الشعب، لذا أعلن الله رضاه وسروره بما فعل كاهنه فينحاس، وأعلن هذا لموسى. ويوضح أن تصرف فينحاس هذا يمثل ما أراده الله، إذ أنه غار غيرة مماثلة لغيرة قلب الله وصنع بحسب مسرته، ويعلن الله لموسى أنه بسبب هذا التصرف لم يبد باقى الشعب، ولهذا أمر موسى أن يبلغ فينحاس أن الله يعطيه بركة خاصة وميثاق سلام. وكلمة “ميثاق السلام”. تعنى عهدًا ثابتًا لسلامه.
ع13: كمكافأة لفينحاس، يعطى الله وعده وبركته له ولنسله من بعده بأن يكون كهنوته كهنوتًا أبديًا نظير ما صنعه وكيف رفع غضب الله عن شعبه بالقصاص من الخاطئ.
وتعبير “كهنوت أبدى” معناه وطالما بقى الكهنوت اللاوى والذى سينتهى بالطبع بمجئ المسيح وبطلان الذبائح الحيوانية. وكل عهد أطلق الوحى عليه صفة أبدى يعنى أنه عهد يظل قائمًا ما دام الإنسان حريصًا على إبقائه، أما إذا أخطأ الإنسان وأهمل حياته، فهو بتصرفاته هذه يبطل هذا العهد بل ويستحق العقوبة أيضًا. والآية فى معناها الروحى أيضًا توضح لنا أن الله لا ينسى أبدًا تعب أو شهادة حق أو غيرة إنسان قدمت من أجل مجد اسمه، فالله حافظ عهده وإحساناته لمحبى اسمه القدوس.
ع14، 15: فى هذين العددين تم ذكر اسم الرجل العبرانى والمرأة المديانية، فكما تم تكريم فينحاس وذكر اسمه وعمله، هكذا أيضًا يذكر الله اسم من أخطأ وقتل، والعجيب أن الرجل الخاطئ كان رئيسًا لأحد عشائر الشمعونيين وله مقام رفيع بين سبطه ولكن الله وكاهنه المسئول عن تنفيذ وصاياه يريد أن يعلمنا أنه لا محاباة فى تنفيذ قضائه. ويلاحظ أن المرأة كانت أيضًا ابنة لرئيس من رؤساء عشائر المديانيين وهو بمثابة حاكم أو عمدة مثلاً. وهذا يظهر شجاعة فينحاس فى طاعته لأمر الله غير خائف من مركز الرجل أو المرأة.
? احترس من التهاون أو الخطية حتى لو كنت خادمًا أو شماسًا أو رئيسًا، لأنه ليس إنسان فوق الخطأ، ومع أن الله يغفر لكل الخطاة فى حال توبتهم، إلا أنه يعاقب المتهاون والمستبيح.
ع16-18: بعد نهاية الوباء، يأمر الله موسى بأن يحارب المديانيين، ويوضح الله سبب الحرب عليهم فهم أصحاب المكيدة والفخ الذى نصبوه لشعب بنى إسرائيل وإسقاطهم فى الزنى والسجود لبعل فغور ومنهم الزانية “كزبى” ابنة أحد رؤساء عشائرهم والتى قتلها فينحاس الكاهن عندما غار غيرة للرب. وبالفعل حارب إسرائيل مديان وانتصر عليهم وتفاصيل ذلك فى (ص31).
ويلاحظ هنا تحالف المديانيين الذين منهم “كزبى” مع الموآبيين الذين أرسلوا بنات لإعثار وإسقاط بنى إسرائيل فى الزنا، فقد كانت بعض قبائل المديانيين تسكن بجوار الموآبيين، ولذا أمر الله موسى بمقاتلة المديانيين بالإضافة إلى أنه حارب الموآبيين أيضًا
.https://en.wikipedia.org/wiki/Pope_Tawadros_II_of_Alexandria