الحديث الثالث والرابع لبلعام
(1) حديث بلعام الثالث (ع1-14): 1فَلمَّا رَأَى بَلعَامُ أَنَّهُ يَحْسُنُ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ أَنْ يُبَارِكَ إِسْرَائِيل لمْ يَنْطَلِقْ كَالمَرَّةِ الأُولى وَالثَّانِيَةِ لِيُوافِيَ فَأْلاً بَل جَعَل نَحْوَ البَرِّيَّةِ وَجْهَهُ. 2وَرَفَعَ بَلعَامُ عَيْنَيْهِ وَرَأَى إِسْرَائِيل حَالاًّ حَسَبَ أَسْبَاطِهِ فَكَانَ عَليْهِ رُوحُ اللهِ 3فَنَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَال: «وَحْيُ بَلعَامَ بْنِ بَعُورَ. وَحْيُ الرَّجُلِ المَفْتُوحِ العَيْنَيْنِ. 4وَحْيُ الذِي يَسْمَعُ أَقْوَال اللهِ. الذِي يَرَى رُؤْيَا القَدِيرِ مَطْرُوحاً وَهُوَ مَكْشُوفُ العَيْنَيْنِ. 5مَا أَحْسَنَ خِيَامَكَ يَا يَعْقُوبُ مَسَاكِنَكَ يَا إِسْرَائِيلُ! 6كَأَوْدِيَةٍ مُمْتَدَّةٍ. كَجَنَّاتٍ عَلى نَهْرٍ. كَشَجَرَاتِ عُودٍ غَرَسَهَا الرَّبُّ. كَأَرْزَاتٍ عَلى مِيَاهٍ. 7يَجْرِي مَاءٌ مِنْ دِلائِهِ وَيَكُونُ زَرْعُهُ عَلى مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ وَيَتَسَامَى مَلِكُهُ عَلى أَجَاجَ وَتَرْتَفِعُ مَمْلكَتُهُ. 8اَللهُ أَخْرَجَهُ مِنْ مِصْرَ. لهُ مِثْلُ سُرْعَةِ الرِّئْمِ. يَأْكُلُ أُمَماً مُضَايِقِيهِ. وَيَقْضِمُ عِظَامَهُمْ وَيُحَطِّمُ سِهَامَهُ. 9جَثَمَ كَأَسَدٍ. رَبَضَ كَلبْوَةٍ. مَنْ يُقِيمُهُ! مُبَارِكُكَ مُبَارَكٌ وَلاعِنُكَ مَلعُونٌ». 10فَاشْتَعَل غَضَبُ بَالاقَ عَلى بَلعَامَ وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ وَقَال بَالاقُ لِبَلعَامَ: «لِتَشْتِمَ أَعْدَائِي دَعَوْتُكَ وَهُوَذَا أَنْتَ قَدْ بَارَكْتَهُمُ الآنَ ثَلاثَ دَفَعَاتٍ. 11فَالآنَ اهْرُبْ إِلى مَكَانِكَ. قُلتُ أُكْرِمُكَ إِكْرَاماً وَهُوَذَا الرَّبُّ قَدْ مَنَعَكَ عَنِ الكَرَامَةِ». 12فَقَال بَلعَامُ لِبَالاقَ: «أَلمْ أُكَلِّمْ أَيْضاً رُسُلكَ الذِينَ أَرْسَلتَ إِليَّ قَائِلاً: 13وَلوْ أَعْطَانِي بَالاقُ مِلءَ بَيْتِهِ فِضَّةً وَذَهَباً لا أَقْدِرُ أَنْ أَتَجَاوَزَ قَوْل الرَّبِّ لأَعْمَل خَيْراً أَوْ شَرّاً مِنْ نَفْسِي. الذِي يَتَكَلمُهُ الرَّبُّ إِيَّاهُ أَتَكَلمُ. 14وَالآنَ هُوَذَا أَنَا مُنْطَلِقٌ إِلى شَعْبِي. هَلُمَّ أُنْبِئْكَ بِمَا يَفْعَلُهُ هَذَا الشَّعْبُ بِشَعْبِكَ فِي آخِرِ الأَيَّامِ».
ع1: البرية : برية موآب المجاورة للبحر الميت والتى أقام فيها بنو إسرائيل خيامهم، أى أن بلعام نظر نحو شعب بنى إسرائيل.
كان بلعام فى المرتين السابقتين يترك المذابح ويذهب بعيدًا فى خلوة ليستقبل الوحى الإلهى، ولكن فى هذه المرة إذ تأكد أن الرب يريد أن يبارك الشعب ولا يلعنه، استحسن أن يبقى مكانه ناظرًا إلى البرية نحو الشعب ومنتظرًا لوحى الله عليه.
ليوافى فألاً : أى يستقبل وحيًا أو رسالة إلهية.
ع2، 3: نظر بلعام إلى الشعب الحال فى المحلة حول خيمة الاجتماع بكل أسباطه الاثنى عشر وحل عليه روح الله، فتنبأ ونطق أمام بالاق، أن ما ينطق به ليس كلامه بل وحيًا من الله وهو وحى لرجل مفتوح العينين، أى أنه أُعطِىَ من الله أن يرى ويسمع ما يريد الله إبلاغه لبالاق.
ع4: يعلن ويؤكد مرة أخرى أنه يتكلم بما يسمع من الله، وأنه يرى رؤيا سمائية مهيبة ومرهوبة تجعله مطروحًا على الأرض خوفًا وتعظيمًا لها. وتعبير “وهو مكشوف العينين” يعنى أنها رؤيا حقيقية وليست حلمًا قد يختلف عليه الناس.
ع5، 6: نطق بلعام بكلام حلو عن شعب إسرائيل، فيصف جمال خيامه حول خيمة الاجتماع بنظامها ورايات أسباطها، ويصفها أيضًا بوفرة العدد الممتد كبساتين وحدائق وكشجر العود الزكى الرائحة والتى باركها وغرسها وتعهدها الله، وتشبه خيامه أيضًا شجر الأرز العالى والمشهور بارتفاع ثمن أخشابه وخضرته الدائمة طوال العام … وكل هذه التشبيهات تشير إلى مكانة هذا الشعب فى قلب الله.
ع7: دلائه : جمع دلو أى وعاء يملأون الماء به.
أجاج : لقب كان يطلق على ملوك شعب عماليق كما كان يطلق لقب فرعون على ملوك مصر.
استمر بلعام فى وصف الشعب ومدحه، فيستخدم الشعر والرمز ويقول أن هذا الشعب فى نسله وتكاثره سيكون كالمياه الفائضة من الدلو المملوء عند حمله، ويعيد المعنى ثانية فى صورة جديدة مستخدمًا تعبير “مياه غزيرة”، أما مملكته فستكون مملكة عظيمة ومرتفعة ويسمو ملوكه على ملوك العمالقة والملقبين بلقب أجاج.
ع8: يقضم عظامهم : يكسر ويطحن العظام بأسنانه.
سهامه : أى سهام أجاج أقوى الملوك فى المنطقة.
شمله الله بحبه ورعايته فأخرجه بذراع قوية من مصر، وصار الشعب كالظبى فى سرعته (ص23: 22)، وأعطاه الله قوة أن ينتصر على كل الأمم التى تضايقه ويبيدها، ويحطم سهام “أجاج” أى يسلب أعداءه قوتهم وعزتهم.
ع9: جثم : جلس.
ربض : جلس واستقر على الأرض.
جلس هذا الشعب فى مكانه فى حالة تيقظ واستعداد للوثب واقتناص أعدائه كالأسد واللبؤة التى لا يستطيع أحد تحريكها، وكل من يبارك هذا الشعب ويحسن إليه يباركه الله وكل من يلعن هذا الشعب أو يقف أمامه يلعنه الله.
وترمز هذه الآية أيضًا للمسيح الذى استقر على الصليب وبموته قيد الشيطان وكل جنوده، فهو الأسد الخارج من سبط يهوذا ليخلِّص المؤمنين به.
ع10: أنهى بلعام حديثه ومثله الثالث وكانت النتيجة ورد فعل بالاق هو الغيظ والغضب من بلعام، فصفّق بيديه متعجبًا ومعلنًا عن ضيقه قائلاً أتيت بك وأكرمت ضيافتك لتلعن وتشتم أعدائى أى شعب إسرائيل وها أنت بدلاً من ذلك باركتهم ثلاث مرات.
ع11: بغضب أيضًا أمر بالاق بلعام بالخروج الفورى من أرضه “إهرب”، وأضاف أنه كان يريد إكرامه إذا لعن هذا الشعب ولكنه بأقواله هذه لن يكون له أى إكرام فالرب إله بلعام منع عنه هذا الإكرام.
ع12، 13: يدافع بلعام عن نفسه بقوله أنه لم يخدع أحدًا، بل وضّح موقفه السابق بأنه لم يعد بشئ ويذكر بالاق بما قاله لرسله منذ أول الأمر أنه لن ينطق بشئ بخلاف ما يعلنه له الله حتى لو كان الإغراء كل أموال بالاق. (ص23: 18).
ع14: يعلن بلعام عن نهاية رحلته ومهمته وعودته إلى شعبه ولكنه يضيف مخاطبًا بالاق بأنه قبل ذهابه سوف يعلن نبوة أخيرة عن ما سوف يفعله شعب بنى إسرائيل بشعبه، وبالطبع لم يعلن بلعام شيئًا من عنده بل ما أعلنه له الرب أيضًا وكانت هذه النبوة هى حديث بلعام الرابع كما سنرى.
? إن كان الله معك يباركك ولا يستطيع العالم كله أن يقف أمامك. فلا تهتز مهما ازداد من يسيئون إليك، فالله يحميك من غيظهم وتهديداتهم ويثبت سلامك.
(2) حديث ومثل بلعام الرابع (ع15-25):
15ثُمَّ نَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَال: «وَحْيُ بَلعَامَ بْنِ بَعُورَ. وَحْيُ الرَّجُلِ المَفْتُوحِ العَيْنَيْنِ. 16وَحْيُ الذِي يَسْمَعُ أَقْوَال اللهِ وَيَعْرِفُ مَعْرِفَةَ العَلِيِّ. الذِي يَرَى رُؤْيَا القَدِيرِ سَاقِطاً وَهُوَ مَكْشُوفُ العَيْنَيْنِ. 17أَرَاهُ وَلكِنْ ليْسَ الآنَ. أُبْصِرُهُ وَلكِنْ ليْسَ قَرِيباً. يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيل فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ وَيُهْلِكُ كُل بَنِي الوَغَى. 18وَيَكُونُ أَدُومُ مِيرَاثاً وَيَكُونُ سَعِيرُ أَعْدَاؤُهُ مِيرَاثاً. وَيَصْنَعُ إِسْرَائِيلُ بِبَأْسٍ. 19وَيَتَسَلطُ الذِي مِنْ يَعْقُوبَ وَيَهْلِكُ الشَّارِدُ مِنْ مَدِينَةٍ». 20ثُمَّ رَأَى عَمَالِيقَ فَنَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَال: «عَمَالِيقُ أَوَّلُ الشُّعُوبِ وَأَمَّا آخِرَتُهُ فَإِلى الهَلاكِ». 21ثُمَّ رَأَى القِينِيَّ فَنَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَال: «لِيَكُنْ مَسْكَنُكَ مَتِيناً وَعُشُّكَ مَوْضُوعاً فِي صَخْرَةٍ. 22لكِنْ يَكُونُ قَايِنُ لِلدَّمَارِ. حَتَّى مَتَى يَسْتَأْسِرُكَ أَشُّورُ؟» 23ثُمَّ نَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَال: «آهِْ! مَنْ يَعِيشُ حِينَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. 24وَتَأْتِي سُفُنٌ مِنْ نَاحِيَةِ كِتِّيمَ وَتُخْضِعُ أَشُّورَ وَتُخْضِعُ عَابِرَ فَهُوَ أَيْضاً إِلى الهَلاكِ». 25ثُمَّ قَامَ بَلعَامُ وَانْطَلقَ وَرَجَعَ إِلى مَكَانِهِ. وَبَالاقُ أَيْضاً ذَهَبَ فِي طَرِيقِهِ.
ع15، 16: بدأ بلعام حديثه الرابع بما سبق وقاله عند بداية حديثه الثالث فى (ع3، 4).
ع17: طرفى موآب : أى قوته لأن الشعب يحصن حدوده بقوته العسكرية والمقصود تحطيم قوته.
الوغى : الحرب والمقصود إهلاك كل من يحاربه.
بدأ بلعام حديثه الرابع بحديث قد يبدو مبهمًا إذ يتكلم عن شخص ما وليس شعب إسرائيل ويصف هذا الشخص بالآتى :
- إنه إنسان ولكن زمن مجيئه ليس فى الزمن الحالى ولكنه سوف يأتى فى المستقبل البعيد.
- يكون كوكبًا فى ضيائه ولمعانه فى إشارة واضحة لنقائه وبره.
- يحمل قضيبًا فى يديه إذ هو ملك وصاحب سلطان وسيادة مطلقة.
- يحطم طرفى موآب، أى بمجيئه يعلن نهاية العبادات الوثنية والتى ترمز إليها موآب.
- يهلك بنى الوغى : أى يتسلط ويبيد الأشرار بسلطان ملكه الدائم.
من الواضح أن الكلام كله هنا لا علاقة له ببالاق وشعب إسرائيل، بل أن الوحى الإلهى استخدم بلعام لينطق بنبوة لا تنطبق على أحد من البشر سوى السيد المسيح، الإله المتجسد صاحب السلطان والملك والعزة وحده. والمسيح هو الذى سيأتى من شعب بنى إسرائيل ويحطم قوة الأشرار التى يرمز إليها موآب.
ع18: أدوم : هم نسل عيسو.
سعير : جبال سعير هى المناطق التى كان يسكنها الأدوميون.
ومن صفات المسيح أيضًا أنه يملك على الشعوب المجاورة ويخضعها له، فتؤمن به الأمم ويملك على قلوبهم الذين يرمز إليهم بشعب أدوم، أى تنتشر المسيحية بين الأمم.
ع19: ويكون سلطان المسيح على كل مدينة أى العالم كله، أما الذين لم يقبلوه ملكًا عليهم أى الشاردين فمصيرهم الهلاك.
ع20: عماليق : هم نسل أليفاز بكر عيسو (تك36: 13، 14) وكانت أرضهم جنوب كنعان.
رأى بلعام منظرًا آخر فى رؤياه وأعلنه عن شعب عماليق، الذى كان يمثل دائمًا الشعوب الشريرة والمقاومة لشعب الله (خر17: 8)، فيقول أن عماليق كان أول الشعوب التى حاربت شعب الله وقاومته وهو أيضًا أقوى الشعوب فى هذا الوقت، ولكن أنظروا إلى نهايته فقد أهلكه الله، فالله قد يسمح للأشرار بالوجود حينًا أو بعض الوقت ولكن نهايتهم دائمًا الهلاك.
ع21، 22: القينى: هم نسل رجل يسمى “قاين” سكنوا فى المناطق التى سكنها الأدوميون.
مسكنك … وعشك : مكان إقامتك.
هذان العددان يشيران إلى بعض القبائل التى كانت تعيش فى الجبال والمغائر من نسل قايين وكانت تعتقد أنها فى حصانة من الشر والدمار، ولكن سوف يأتى زمن الدولة الأشورية وتستأثر أى تسبى هذه القبائل.
ع23: يكمل بلعام كلامه ويقول ولكن من يعيش ويحيا حتى تحدث كل هذه الأحداث المستقبلية، لا أحد من الجيل الحالى، والمقصود أن هذه النبوة تتعلق بالمستقبل البعيد نسبيًا.
ع24: كتيم : اسم أطلق على جزيرة قبرص وأطلق أيضًا على الممالك الأوربية والتى تشمل المملكتين اليونانية والرومانية.
تأتى سفن من وراء البحر سواء كانت تحمل اليونانيين بقيادة الإسكندر الأكبر أولاً ثم يتلوها الرومانيون ثانية، وهذه الأمم الجديدة سوف تخضع الممالك السابقة لها مثل بابل وأشور وكذلك عابر أى المملكة اليهودية وهم العبرانيون نسل عابر وكل منطقة الشرق وحوض البحر الأبيض.
فهو أيضًا إلى الهلاك : المقصود هنا هو الغازى الجديد أى اليونانيين والرومان، فحتى الممالك القوية الجديدة لن تقف بكل فلسفتها أو قوتها أمام الكوكب العظيم الخارج من يعقوب أى المسيح (ع17).
بهذه النبوات المسيانية المتعلقة بالمسيح أنهى بلعام حديثه الرابع والأخير.
ع25: وكانت نهاية اللقاء بالافتراق، فذهب كل من بلعام وبالاق إلى طريق عودته ومكانه الذى أتى منه.
? إن ممالك العالم تتقلب وكل قواه تتغير، فلا تنزعج منها أو تتعلق بها بل اثبت فى إيمانك بالمسيح الذى يحميك فى هذا العالم ويمتعك بالنعيم إلى الأبد.
https://en.wikipedia.org/wiki/Pope_Tawadros_II_of_Alexandria