بنات صلفحاد ويشوع خليفة لموسى
(1) بنات صلفحاد وشرائع الإرث (ع1-11) : 1فَتَقَدَّمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ بْنِ حَافَرَ بْنِ جِلعَادَ بْنِ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى مِنْ عَشَائِرِ مَنَسَّى بْنِ يُوسُفَ. وَهَذِهِ أَسْمَاءُ بَنَاتِهِ: مَحْلةُ وَنُوعَةُ وَحُجْلةُ وَمِلكَةُ وَتِرْصَةُ. 2وَوَقَفْنَ أَمَامَ مُوسَى وَأَلِعَازَارَ الكَاهِنِ وَأَمَامَ الرُّؤَسَاءِ وَكُلِّ الجَمَاعَةِ لدَى بَابِ خَيْمَةِ الاِجْتِمَاعِ قَائِلاتٍ: 3أَبُونَا مَاتَ فِي البَرِّيَّةِ وَلمْ يَكُنْ فِي القَوْمِ الذِينَ اجْتَمَعُوا عَلى الرَّبِّ فِي جَمَاعَةِ قُورَحَ بَل بِخَطِيَّتِهِ مَاتَ وَلمْ يَكُنْ لهُ بَنُونَ. 4لِمَاذَا يُحْذَفُ اسْمُ أَبِينَا مِنْ بَيْنِ عَشِيرَتِهِ لأَنَّهُ ليْسَ لهُ ابْنٌ؟ أَعْطِنَا مُلكاً بَيْنَ أَعْمَامِنَا». 5فَقَدَّمَ مُوسَى دَعْوَاهُنَّ أَمَامَ الرَّبِّ.
6فَقَال الرَّبُّ لِمُوسَى: 7«بِحَقٍّ تَكَلمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ فَتُعْطِيهِنَّ مُلكَ نَصِيبٍ بَيْنَ أَعْمَامِهِنَّ وَتَنْقُلُ نَصِيبَ أَبِيهِنَّ إِليْهِنَّ. 8وَتَقُول لِبَنِي إِسْرَائِيل: أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ وَليْسَ لهُ ابْنٌ تَنْقُلُونَ مُلكَهُ إِلى ابْنَتِهِ.
9وَإِنْ لمْ تَكُنْ لهُ ابْنَةٌ تُعْطُوا مُلكَهُ لِإِخْوَتِهِ. 10وَإِنْ لمْ يَكُنْ لهُ إِخْوَةٌ تُعْطُوا مُلكَهُ لأَعْمَامِهِ. 11وَإِنْ لمْ يَكُنْ لأَبِيهِ إِخْوَةٌ تُعْطُوا مُلكَهُ لِنَسِيبِهِ الأَقْرَبِ إِليْهِ مِنْ عَشِيرَتِهِ فَيَرِثُهُ». فَصَارَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيل فَرِيضَةَ قَضَاءٍ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى.
ع1، 2: إذ علم الشعب بعد الإحصاء أن أحد أغراض هذا الإحصاء كان من أجل تقسيم الأرض على عشائر الأسباط، تقدمت خمس بنات أخوات (ع33) إلى موسى وهن بنات لرجل اسمه حافر وهو من سبط “منسى” ولم يكن لهن أخ ذكر يحمل اسم أبيه، ورفعن شكواهن إلى موسى قائد الشعب وألعازار الكاهن وقادة الشعب وقضاته أمام خيمة الاجتماع.
ع3، 4: أما الشكوى فكان مضمونها أن أباهم مات وتركهن بلا إخوة بنين، فلماذا لا يكن لأبيهم ميراث كسائر رجال عشيرته، وفى دفاع عن أبيهم ذكرن أنه لم يكن من رجال فتنة قورح وجماعته التى أغضبت الرب وأهلكهم بل هو إنسان عادى مات كغيره من الشعب.
مات بخطيته : تعبير قصدن به أن أباهن كان مثل باقى الناس الذين ماتوا إما بالخطية الجدية التى ورثها الجميع عن آدم .. أو أنه مات مثل غيره الذين تذمروا على دخول الأرض فكانت تلك هى خطيته، أو من الذين ماتوا فى الوباء الأخير الذى أخذ من الشعب أربعة وعشرين ألفًا.
ع5: كان هذا أمرًا جديدًا على موسى رجل الله، فلم يأخذ من نفسه قرارًا، بل رجع إلى الله “أمام قدس الأقداس” لكى يسأله فى هذا الأمر.
ع6، 7: جاء رد الرب لموسى ناصفًا للخمس بنات، فأمره بأن يكون لأبيهن نصيب مثل باقى إخوته وأن يرثن هذا النصيب عن أبيهن.
? نتعلم هنا شيئين مهمين، أولهما هو رجوع موسى الخادم إلى الله عندما قابل أمرًا جديدًا عليه ولم يعتمد على نفسه أو رأيه فى هذا الأمر … فليتك تفعل هكذا وترجع إلى الله فى كل أمورك.
أما الأمر الثانى فهو شكوى البنات نفسها، فلقد أتوا إلى رجل الله ليسألن عن أحقيتهن فى الأرض، فليتنا نتعلم منهن ذلك السلوك ونذهب للكنيسة كوصية المسيح طالبين الإرشاد أو الاحتكام عند الاختلاف بدلاً من الذهاب إلى المحاكم أو غيرها.
ع8-11: استخدم الله هذا الموقف، وهو سؤال بنات صلفحاد، حتى يضع بعض الشرائع التى تستخدم فى الإرث وكانت كالآتى :
- فى حالة موت الرجل الذى لا يكون له بنين ينتقل إرثه بالكامل إلى ابنته.
- فى حالة موت الرجل الذى لم يكن له نسل نهائيًا، يرث إخوته أرضه وممتلكاته.
- وفى حالة عدم وجود إخوة أو أبناء فإن الأرض تعود إلى الأعمام وتوزع عليهم.
- وفى حالة عدم وجود أحد مما سبق كله توزع الأرض والميراث على أنسبائه (أولاد العمومة) والذين يحملون اسم الجد للرجل.
وصارت هذه الشرائع يعمل بها كل شعب إسرائيل كل أيام حياتهم.
(2) موت موسى وخلافة يشوع له (ع12-23):
12وَقَال الرَّبُّ لِمُوسَى: «اصْعَدْ إِلى جَبَلِ عَبَارِيمَ هَذَا وَانْظُرِ الأَرْضَ التِي أَعْطَيْتُ بَنِي إِسْرَائِيل. 13وَمَتَى نَظَرْتَهَا تُضَمُّ إِلى قَوْمِكَ أَنْتَ أَيْضاً كَمَا ضُمَّ هَارُونُ أَخُوكَ. 14لأَنَّكُمَا فِي بَرِّيَّةِ صِينَ عِنْدَ مُخَاصَمَةِ الجَمَاعَةِ عَصَيْتُمَا قَوْلِي أَنْ تُقَدِّسَانِي بِالمَاءِ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ». (ذَلِكَ مَاءُ مَرِيبَةِ قَادِشَ فِي بَرِّيَّةِ صِينَ). 15فَقَال مُوسَى لِلرَّبِّ: 16«لِيُوَكِّلِ الرَّبُّ إِلهُ أَرْوَاحِ جَمِيعِ البَشَرِ رَجُلاً عَلى الجَمَاعَةِ
17يَخْرُجُ أَمَامَهُمْ وَيَدْخُلُ أَمَامَهُمْ وَيُخْرِجُهُمْ وَيُدْخِلُهُمْ لِكَيْلا تَكُونَ جَمَاعَةُ الرَّبِّ كَالغَنَمِ التِي لا رَاعِيَ لهَا». 18فَقَال الرَّبُّ لِمُوسَى: «خُذْ يَشُوعَ بْنَ نُونَ رَجُلاً فِيهِ رُوحٌ وَضَعْ يَدَكَ عَليْهِ 19وَأَوْقِفْهُ قُدَّامَ أَلِعَازَارَ الكَاهِنِ وَقُدَّامَ كُلِّ الجَمَاعَةِ وَأَوْصِهِ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ. 20وَاجْعَل مِنْ هَيْبَتِكَ عَليْهِ لِيَسْمَعَ لهُ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيل 21فَيَقِفَ أَمَامَ أَلِعَازَارَ الكَاهِنِ فَيَسْأَلُ لهُ بِقَضَاءِ الأُورِيمِ أَمَامَ الرَّبِّ. حَسَبَ قَوْلِهِ يَخْرُجُونَ وَحَسَبَ قَوْلِهِ يَدْخُلُونَ هُوَ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيل مَعَهُ كُلُّ الجَمَاعَةِ 22فَفَعَل مُوسَى كَمَا أَمَرَهُ الرَّبُّ. أَخَذَ يَشُوعَ وَأَوْقَفَهُ قُدَّامَ أَلِعَازَارَ الكَاهِنِ وَقُدَّامَ كُلِّ الجَمَاعَةِ 23وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَليْهِ وَأَوْصَاهُ كَمَا تَكَلمَ الرَّبُّ عَنْ يَدِ مُوسَى.
ع12: جبل عباريم : سلسلة جبال شرق الأردن، وكلمة عباريم معناها “عبر الأردن” أو مقابل النهر وهى الجبال التى صعد عليها بلعام وبالاق ملك موآب (ص23، 24) (خريطة 6).
فى هذا العدد يدعو الله موسى للصعود إلى رأس جبل أو تل عالٍ من أحد تلال الجبل الواقع شرق نهر الأردن، وطلب منه أن ينظر جيدًا إلى الأرض التى وعد بها الله شعبه. ونعرف أيضًا أن اسم هذا التل كان “نبو” وهو قمة رأس الفسجة التى تقع شمال البحر الميت. ويلاحظ أن الله قد قال لموسى “أنظر الأرض التى أعطيت” مع أنه لم يعطها بعد، ولكن مادام الله قد وعد فكلامه مضمون ويعتبر الشعب قد تملكها.
ع13: إن كان الله قد عاقب موسى بعدم دخول الأرض (ع14)، إلا أنه يترفق بحنانه عليه ويجعله يصعد ويتطلع الأرض ميراث شعبه، فتفرح نفسه بعمل الله وإتمامه لوعوده، ويخبره الله أيضًا أن هذا الأمر سيكون آخر الأمور التى يفعلها فى حياته قبل انتقاله وموته.
ع14: يذكِّر الله موسى بسبب العقوبة وعدم دخوله للأرض، وهى الأحداث التى ذكرت بالتفصيل فى (ص20)، وملخصها أن الشعب تذمر بسبب قلة الماء، فأمره الله بالحديث مع الصخرة ولكن إذ وقع فى الغضب ضرب الصخرة، بل وعيَّر الشعب أيضًا، مما اعتبره الله خطية عصيان وكانت عقوبتها عدم دخول موسى للأرض.
ع15، 16: لم يطلب موسى شيئًا لنفسه بل قبل ما أعلنه له الرب فى خضوع وتسليم واكتفى بمشاهدة الأرض من جميع الجهات (تث3: 27)، ولكن بقلب الأب الذى لا تهمه حياته بقدر ما يهتم بمستقبل أولاده، طلب من الله خالق كل البشر أن يختار رجلاً من بعده يتولى قيادة كل الشعب.
ع17: تكون مهمة هذا القائد الجديد هى القيادة والإرشاد لجموع هذا الشعب، فيخرجهم من المكان الحالى ويدخل بهم إلى الأرض الجديدة ويقسمها على الأسباط والعشائر. ويوضح الكلام خوف موسى على شعبه حتى اللحظات الأخيرة فى حياته، فهو لا يريد أن يتبدد الشعب كما يتبدد قطيع الخراف الذى لا راعٍ له.
ع18: فيه روح : أى رجل له قلب وحماسة وغيرة.
اختار الله “يشوع” تلميذ موسى الألصق، ويذكر الرب علة اختياره وهى أنه يملك روح القيادة وحب الشعب. ويأمر موسى بوضع يده عليه فى إشارة واضحة أمام الشعب بتسلم “يشوع” القيادة.
ملاحظة : وضع اليد هو تقليد قديم كان معروفًا عند الشعوب، وقد وضع يعقوب يديه على “إفرايم ومنسى” من أجل البركة، ووضع اليد هنا معناه :
- إقامة يشوع وتنصيبه أمام الشعب.
- إشارة للشعب بقرب انتهاء أيام موسى حتى يتهيأ لذلك نفسيًا.
- تعبير وضع اليد أخذته الكنيسة فى عهدها الجديد فى إشارة لمنح الروح القدس للمؤمنين عن طريق الرسل الأطهار، ومن بعدهم الآباء الأساقفة (أع19: 6)، والذى صار أيضًا بمسحة الميرون المقدسة للآباء الكهنة.
- وأيضًا تعبير وضع اليد يطلق على من يقبل سر الكهنوت فى كنيسة الله المقدسة إذ يضع الأسقف يده على رأس المتقدم ويعلن رسامته ودرجته أيضًا سواء كان شماسًا مكرسًا أو كاهنًا.
وقد اختار الله يشوع لقيادة الشعب لتميزه فى مواقف روحية كثيرة هى :
- كان خادم موسى الملتصق به فتتلمذ على يديه، وعندما كان موسى يكلم الله فى خيمة خارج محلة إسرائيل ويظهر مجد الله له ثم يترك هذه الخيمة، يظل يشوع واقفًا أمام الخيمة حتى يعود موسى (خر33: 11).
- قاد الشعب فى حربه مع عماليق وانتصر عليهم، وهى أول حرب تواجه بنى إسرائيل بعد خروجهم من مصر (خر17).
- هو الوحيد الذى رافق موسى عند صعوده إلى الجبل واستمر منتظرًا له على الجبل أربعين يومًا حتى استلم الوصايا والشريعة ورسم خيمة الاجتماع.
- تجسّس أرض الميعاد مع رفقائه وعاد مع كالب يمجد الله ويشجع الشعب على دخول أرض الميعاد رغم تذمر العشرة جواسيس الرفقاء مما جعل الشعب يتمرد على الله (ص14).
ع19، 20: استكمالاً لاختيار يشوع وتنصيبه، يطلب أيضًا الله من موسى أن يأخذ يشوع أمام كل الشعب وأمام ألعازار الكاهن ويقوم بتوصيته أمامهم فيكون الكاهن والشعب هم الشهود، وأيضًا يحيطه موسى بالمهابة والاحترام ويوصى الشعب بالطاعة والخضوع للقائد الجديد فتكون ليشوع مكانة موسى فى قلوب الناس.
ع21: الأوريم : كان الأوريم والتميم حجرين يضعهما رئيس الكهنة على صدره، ومن خلال هذين الحجرين تأتى إجابة الرب على أسئلة وطلبات الشعب بأن يضيئا أو لا، فيعرف رئيس الكهنة رأى الله إذا كان بالإيجاب أو النفى.
مع كون يشوع قائدًا لشعبه إلا أن الله يأمره بألا يأتى بشئ من عنده، بل كما كان موسى يرجع لله فى كل أمر، هكذا أيضًا يجب أن يرجع يشوع فى كل أمر إلى رئيس الكهنة (ألعازار أو من بعده) حتى يتبين رأى الله فى كل شئ. وكانت الوسيلة التى يعلن بها الله إرادته هى حجرا الأوريم والتميم. وبالتالى فإن يشوع نفسه يكون خاضعًا لكل الأوامر الإلهية.
ع22، 23: وكما تكلم الله، فعل موسى بالضبط ما أمره به الله فى الأعداد السابقة وتم تنصيب يشوع خليفة لموسى بوضع اليد وقبوله لكل الوصايا.
ويلاحظ أن موسى له أبناء ولكنه لم يفكر أن يقيم منهم قائدًا على الشعب بل من اختاره الله وهو الأفضل روحيًا وشخصيًا.
? فى آخر لحظات حياة موسى ومع آخر حديث له مع الله لم يفكر موسى فى شئ سوى خليفة لشعبه من أجل صالح هذا الشعب …
فإذا كنت مسئولاً أو قائدًا أو حتى أبًا على مستوى أسرتك، إهتم أن تعلم القيادة لغيرك واشرك الآخرين معك حتى يستمر العمل ويستمر الخير، فكثيرًا من الناس انتهت مشاريعهم بنهاية حياتهم لأنهم لم يهتموا بإشراك آخرين وتصدروا لكل شئ بأنفسهم.
https://en.wikipedia.org/wiki/Pope_Tawadros_II_of_Alexandria