عصا هارون وعصى الأسباط
مقدمة : بعد أحداث الفتنة السابقة وعقوبة الله للمتذمرين، أراد الله أن يعطى علامة لشعبه يثبت بها تميز هارون وكهنوته عن باقى الأسباط.
(1) اختيار العصا ووضعها فى قدس الأقداس (ع1-7): 1وَقَال الرَّبُّ لِمُوسَى: 2«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيل وَخُذْ مِنْهُمْ عَصاً عَصاً لِكُلِّ بَيْتِ أَبٍ مِنْ جَمِيعِ رُؤَسَائِهِمْ حَسَبَ بُيُوتِ آبَائِهِمِ. اثْنَتَيْ عَشَرَةَ عَصاً. وَاسْمُ كُلِّ وَاحِدٍ تَكْتُبُهُ عَلى عَصَاهُ. 3وَاسْمُ هَارُونَ تَكْتُبُهُ عَلى عَصَا لاوِي لأَنَّ لِرَأْسِ بَيْتِ آبَائِهِمْ عَصاً وَاحِدَةً. 4وَضَعْهَا فِي خَيْمَةِ الاِجْتِمَاعِ أَمَامَ الشَّهَادَةِ حَيْثُ أَجْتَمِعُ بِكُمْ. 5فَالرَّجُلُ الذِي أَخْتَارُهُ تُفْرِخُ عَصَاهُ فَأُسَكِّنُ عَنِّي تَذَمُّرَاتِ بَنِي إِسْرَائِيل التِي يَتَذَمَّرُونَهَا عَليْكُمَا». 6فَكَلمَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيل فَأَعْطَاهُ جَمِيعُ رُؤَسَائِهِمْ عَصاً عَصاً لِكُلِّ رَئِيسٍ حَسَبَ بُيُوتِ آبَائِهِمِ. اثْنَتَيْ عَشَرَةَ عَصاً. وَعَصَا هَارُونَ بَيْنَ عِصِيِّهِمْ. 7فَوَضَعَ مُوسَى العِصِيَّ أَمَامَ الرَّبِّ فِي خَيْمَةِ الشَّهَادَةِ.
ع1، 2: أمـر الرب موسى من خلال حديثه معه أمرًا جديدًا لسبب سوف يشرحه لنا فى (ع5)، وكان هذا الأمر هو اختيار عصا من كل سبط فكان مجموع عصى الأسباط هو اثنى عشر عصا، وأمر الله أيضًا أن يحفر اسم رئيس كل جماعة ممثلاً لسبطه على عصاه. وقد كان معلومًا أن كل سبط له رئيس كهؤلاء الرؤساء الذين ساعدوا فى عد وحصر الشعب كما ذكر فى الأصحاحات الأولى من السفر.
وقد كان كل واحد من الرؤساء يحمل عصا دليلاً على رئاسته للسبط بالإضافة لاستخدامها للتوكؤ عليها. وفى الغالب كانت عصا هارون فرع من شجرة اللوز كما كانت العادة.
ملاحظة : كانت الأسباط اثنى عشر سبطًا خلاف سبط لاوى ولهذا صار هناك رأيان فى هذا الموقف، رأينا من الأمانة أن نعرضهما :
الرأى الأول : أنه تم جمع الاثنى عشر عصا من الأسباط وكانت عصا هارون هى الثالثة عشر لهم.
الرأى الثانى : أن الاثنى عشر عصا شملت أيضًا عصا هارون وأن سبطى منسى وأفرايم اشتركا فى عصا واحدة كتب عليها اسم أبيهما يوسف.
ع3: يؤكد الله أن هارون، من خلال كهنوته، صار هو الرأس والرئيس لسبط لاوى ولذلك يكتب اسمه على العصا التى تمثل سبطه.
ع4: أمر الله بعد ذلك أن توضع العصىّ جميعها فى قدس الأقداس أمام تابوت العهد الذى يحتوى على لوحى الشهادة المكتوب عليها الوصايا العشر.
حيث اجتمع بكم : أى فى المكان الذى يقف أمامه موسى عندما يتحدث إليه الله كمندوب عن الشعب كله.
ع5: أما الأمر الذى أراده الله من وراء كل هذا أنه سيعلن اختياره عن طريق عمل إعجازى وعلامة يتعجب لها الجميع، وهى أن هناك عصاة واحدة من كل العصى المقدمة أمام الله تزهر وتعطى أوراقًا خضراء أو ثمرًا كمثل أى غصن حى لم يقطع من شجرة، وهذا يستحيل حدوثه من عصا يابسة.
أما العصا التى أنبتت ودبت فيها الحياة بعد الموت، فتكون للرجل الذى يختاره الله دون غيره ليكون له الكهنوت هو ونسله وحده.
أسكن عنى : أوقف وأمنع وأبطل تذمرات بنى إسرائيل.
اعتبر الله أن تذمرات الشعب على موسى وهارون هى تذمرات على شخصه المبارك نفسه، فقال مرة “أسكن عنى” وقال أيضًا “عليكما”، والله يوضح هنا أنه شريك لخادمه الأمين فى كل شئ، وفى اتضاع إلهى يعتبر الله أن كل إهانة موجهة لخدامه وكهنته هى موجهة لذاته الإلهية.
ع6، 7: استجاب رؤساء الأسباط لطلب الله وقدموا عصيهم لموسى بعد حفر أسمائهم عليها، وانضمت لهم أيضًا عصا هارون، وقدم موسى العصى جميعًا أمام الرب كما أمر وفى انتظار ما سوف يعلنه الرب من اختيار الرجل المفرز لخدمة الكهنوت.
? يتدخل الله ليسند أولاده فى المواقف الصعبة بمساندات كثيرة، فهو يعلن مسئوليته عن خدمة أولاده حتى يشجعهم فيخدموه بأمانة وهو يكمل نقصهم. فتحمس يا أخى لخدمة الله لتختبر عمله فيك وتفرح بعشرته.
(2) إفراخ عصا هارون (ع8-13):
8وَفِي الغَدِ دَخَل مُوسَى إِلى خَيْمَةِ الشَّهَادَةِ وَإِذَا عَصَا هَارُونَ لِبَيْتِ لاوِي قَدْ أَفْرَخَتْ. أَخْرَجَتْ فُرُوخاً وَأَزْهَرَتْ زَهْراً وَأَنْضَجَتْ لوْزاً. 9فَأَخْرَجَ مُوسَى جَمِيعَ العِصِيِّ مِنْ أَمَامِ الرَّبِّ إِلى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيل فَنَظَرُوا وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ عَصَاهُ. 10وَقَال الرَّبُّ لِمُوسَى: «رُدَّ عَصَا هَارُونَ إِلى أَمَامِ الشَّهَادَةِ لأَجْلِ الحِفْظِ عَلامَةً لِبَنِي التَّمَرُّدِ فَتَكُفَّ تَذَمُّرَاتُهُمْ عَنِّي لِكَيْ لا يَمُوتُوا». 11فَفَعَل مُوسَى كَمَا أَمَرَهُ الرَّبُّ. كَذَلِكَ فَعَل. 12فَقَال بَنُو إِسْرَائِيل لِمُوسَى: «إِنَّنَا فَنِينَا وَهَلكْنَا. قَدْ هَلكْنَا جَمِيعاً. 13كُلُّ مَنِ اقْتَرَبَ إِلى مَسْكَنِ الرَّبِّ يَمُوتُ! أَمَا فَنِيْنَا تَمَاماً؟».
ع8، 9: فروخًا : فروع صغيرة نبتت من البراعم.
فى اليوم التالى مباشرة دخل موسى أمام الرب ليجد نفسه أمام معجزة عجيبة، إذ أخرجت عصا هارون فروخًا وأزهارًا كاملة وأنضجت ثمرًا من ثمر اللوز، وأخذ موسى جميع العصى، وخرج إلى رؤساء الأسباط المجتمعين عند باب الخيمة وأخذ كل واحد منهم عصاه التى يعرفها وقد نقش عليها اسمه.
وإفراخ عصا هارون تظهر فيها معجزات كثيرة هى :
- العصا اليابسة لا يمكن أن تعطى أزهارًا وثمارًا فهى ميتة ولا تستطيع أن تعطى حياة بعد موتها.
- أعطت العصا فروعًا وبراعم وأزهارًا وثمارًا، وهى أطوار النبات المختلفة التى لا تجتمع معًا فى وقت واحد بل على مراحل.
- اختيار عصا واحدة هى عصا هارون دونًا عن باقى العصّى.
ع10: ولأن عصا هارون صارت رمزًا لعمل الله الإعجازى وعلامة واضحة لاختياره لهارون، لم يستلم هارون عصاه بل أمر الله موسى بحفظها فى قدس الأقداس، فوضعها داخل تابوت العهد (عب9: 4) حتى تكون علامة وشهادة دائمة أمام أعين الشعب المتمرد فلا يعودوا مرة أخرى لتذمراتهم أو تعدياتهم السابقة وتكون هذه التذمرات سببًا جديدًا فى هلاكهم.
? الله فى أبوته لشعبه وحرصه عليه، بالرغم من كثرة تذمراتهم، أراد أن يعطيهم تذكارًا حتى لا يعودوا لشرهم ويضطر لعقابهم .. فهل تحتفظ أنت أيضًا بتذكارات أعمال الله فى حياتك فلا تنسى إحساناته وتشكره عليها؟؟… ما أسوأ أن ينسى الإنسان ويتذمر فتكون عقوبته كبيرة، وتذكر يا أخى أن كبرياء الإنسان وعدم رضاه دائمًا هما وراء خطية التذمر وما تجلبه عليه.
ع11: نفذ موسى أمر الرب وترك عصا هارون بقدس الأقداس.
ع12، 13: تداخلت مشاعر الخوف مع الحزن والندم عند الشعب، وتكلم الشعب منكسرًا أمام الموت والهلاك الذى حل بقورح وداثان وأبيرام ومن تبعوهم فى الفتنة ومن أهلكهم الوباء بعد ذلك، وقدموا توبة أمام الله، وقالوا أننا تعلمنا درسًا قاسيًا كان ثمنه هو تعرضنا جميعًا للفناء، وهذا الدرس هو ألا نقف ثانية أمام بيت الرب لأن كل من اقترب بجسارة وتمرد من هذا المسكن مثل قورح والمائتين والخمسين رجلاً يفنى فناءً.. قال الشعب فى حزن وانكسار ولكن ما نطقوا به كان أيضًا بعيدًا عن الواقع، لأن الفناء لم يأتِ لمن يريد أن يقف أمام بيت الرب بل للقلة التى تذمرت على الله وكهنوته وأرادت أن يكون الكهنوت للكل، كاسرة بذلك ما رسمه الله نفسه.
ومع نهاية هذا الأصحاح نريد أن نقف قليلاً أمام معجزة عصا هارون لما تحمله من معانى ورموز :
- التجسد : ترمز عصا هارون أولاً للمسيح فهو الحياة التى خرجت من الأرض اليابسة (الشعب اليهودى) كما تنبأ أشعياء وقال “نبت قدامه كفرخ وكعرق من أرض يابسة” (أش53: 2) أى تجسد المسيح وظهور الله من وسط البشرية المحكوم عليها بالموت.
- الصليب : لأن الصليب هو الخشبة اليابسة التى تعطى الحياة لكل من يتمسك به إذ فيه قوة الفادى المصلوب.
- قيامة المسيح : حيث قام المسيح حيًا من بين الأموات مثل إفراخ العصا الميتة.
- خروج الحياة من العود اليابس هو إشارة لقبول الأمم الإيمان إذ خرج الإيمان الحى من الوثنية الميتة.
- ترمز أيضًا عصا هارون للسيدة العذراء، التى بدون غرس أو زرع أو سقى إنسانى، حبلت وولدت ابن الله الكلمة المتجسد، ولهذا نصلى فى التسبحة ونقول “ما هى العصا إلا مريم لأنها مثال بتوليتها ..
- خروج الحياة من الموت يملأ قلوبنا رجاءً أمام النفوس الصعبة والبعيدة، فكم من النفوس كانت يابسة ورافضة وصارت مؤمنة بل خادمة مثمرة فى كنيسة الله https://copticorthodox.church/testament/%d8%b3%d9%90%d9%81%d9%92%d8%b1%d9%8f-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%8e%d8%af%d9%8e%d8%af%d9%90/ https://en.wikipedia.org/wiki/Pope_Tawadros_II_of_Alexandria