مدن اللاويين والملجأ وخطية القتل
(1) تخصيص مدن اللاويين (ع1-8): 1ثُمَّ أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى فِي عَرَبَاتِ مُوآبَ عَلى أُرْدُنِّ أَرِيحَا: 2«أَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يُعْطُوا اللاوِيِّينَ مِنْ نَصِيبِ مُلكِهِمْ مُدُناً لِلسَّكَنِ وَمَرَاعِيَ لِلمُدُنِ حَوَاليْهَا تُعْطُونَ اللاوِيِّينَ. 3فَتَكُونُ المُدُنُ لهُمْ لِلسَّكَنِ وَمَرَاعِيَهَا لِبَهَائِمِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَلِسَائِرِ حَيَوَانَاتِهِمْ. 4وَمَرَاعِي المُدُنِ التِي تُعْطُونَ اللاوِيِّينَ تَكُونُ مِنْ سُورِ المَدِينَةِ إِلى جِهَةِ الخَارِجِ أَلفَ ذِرَاعٍ حَوَاليْهَا. 5فَتَقِيسُونَ مِنْ خَارِجِ المَدِينَةِ جَانِبَ الشَّرْقِ أَلفَيْ ذِرَاعٍ وَجَانِبَ الجَنُوبِ أَلفَيْ ذِرَاعٍ وَجَانِبَ الغَرْبِ أَلفَيْ ذِرَاعٍ وَجَانِبَ الشِّمَالِ أَلفَيْ ذِرَاعٍ وَتَكُونُ المَدِينَةُ فِي الوَسَطِ. هَذِهِ تَكُونُ لهُمْ مَرَاعِي المُدُنِ. 6وَالمُدُنُ التِي تُعْطُونَ اللاوِيِّينَ تَكُونُ سِتٌّ مِنْهَا مُدُناً لِلمَلجَإِ. تُعْطُونَهَا لِكَيْ يَهْرُبَ إِليْهَا القَاتِلُ. وَفَوْقَهَا تُعْطُونَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مَدِينَةً. 7جَمِيعُ المُدُنِ التِي تُعْطُونَ اللاوِيِّينَ ثَمَانِي وَأَرْبَعُونَ مَدِينَةً مَعَ مَرَاعِيَهَا. 8وَالمُدُنُ التِي تُعْطُونَ مِنْ مُلكِ بَنِي إِسْرَائِيل مِنَ الكَثِيرِ تُكَثِّرُونَ وَمِنَ القَلِيلِ تُقَلِّلُونَ. كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ نَصِيبِهِ الذِي مَلكَهُ يُعْطِي مِنْ مُدُنِهِ لِلاوِيِّينَ».
ع1: كان هذا الحديث من الأحاديث الأخيرة التى تكلم بها الله مع موسى، وكان ذلك فى “عربات موآب” شرق الأردن وقبل وفاة موسى بزمن قليل.
ع2، 3: أما موضوع هذا الحديث ومضمونه فكان متعلق باللاويين خدام بيت الله، إذ لم يكن لهم نصيب من الأرض للامتلاك كباقى الأسباط، فأوصى الله الشعب أن يقدموا من أراضيهم التى سوف يمتلكونها أنصبة “مدنًا” لسكنى اللاويين مع مساحات من الأرض المحيطة بهذه المدن حتى يتسنى لللاويين تربية ورعاية مواشيهم. وسميت هذه المساحات المحيطة بالمدن “بالمسارح”.
ع4، 5: حتى لا يترك الله للأسباط إختيار المساحات لمدن اللاويين فيقع عليهم ظلم، حدّد الله بنفسه هذه المساحة التى تحيط بكل مدينة منهم وهى مساحات ثابتة ولتوضيح فكرة التقسيم نرى أن الله حدّد مساحة أولى ملاصقة للمدينة عبارة عن ألف ذراع من الجهات الأربع، يليها مساحة ثانية عبارة عن ألفى ذراع من الأربع جهات أيضًا. وكانت المساحة الأولى والملاصقة للمدينة وهى المساحة الأصغر تستخدم كمساكن للعبيد وحظائر للمواشى، أما المساحة التالية وهى الأكبر (ألفى ذراع من كل ناحية) فكانت عبارة عن مراعى لرعى الماشية أو أرض قابلة للزراعة على ألا يعمل فيها اللاويون بأيديهم بل العبيد أو الأجراء، لأن اللاويين مُخصَّصون ومكرسون لخدمة خيمة الاجتماع.
ويمكننا إجمال مساحة المسارح حول المدن بأنها كانت 3000 ذراع تحيط بالمدينة من كل جهة … (شكل 2)
(شكل 2) رسم توضيحى لإحدى مدن اللاويين
? لاحظ معى أيها الحبيب اهتمام الله الأبوى بخدامه الذين يخدمونه، فلا يتركهم تحت رحمة الأسباط، بل كما سبق وحدّد لهم نصيبهم من عشور الأسباط يحدد لهم أيضًا نصيبهم من الأراضى؛ وهو تحديد سخى لم يشمل منازل فقط بل حدودًا داخلية وحدودًا خارجية لكل مدينة من مدنهم..!!! عظيم أنت يا الله فى عطائك واهتمامك بخدامك وتدبير شئون حياتهم.
ع6، 7: حدَّد الله عدد مدن اللاويين بثمانى وأربعين مدينة يقدمها الأسباط الإثنى عشر، ثم استثنى الله من هذه المدن عدد ست مدن أسماها مدن الملجأ والتى سوف يأتى الحديث عنها بالتفصيل فى (ع11، 12).
ع8: لم يلزم الله الأسباط بأن تكون نسب تقديم المدن متساوية وذلك لأن مساحات الأراضى نفسها لم تكن متساوية، بل وضع الله القاعدة العامة للتقسيم وترك التفصيل لرؤساء وشيوخ الأسباط. أما القاعدة فكانت “من الكثير تكثرون ومن القليل تقللون”، أى من كان له نصيب من الأرض أوسع يقدم عددًا أكبر من المدن، ومن له أرض صغيرة يقدم عددًا من المدن أقل، ولكن لا يستثنى سبط من التقديم لأن هذه المدن تقدم من “ملك بنى إسرائيل”، أى لابد أن يشترك كل الأسباط فى التقديم. وقد تمّم يشوع بالفعل هذا وأعطى اللاويين الثمانى والأربعين مدينة “راجع يش21”.
وإعطاء مدن اللاويين وسط بنى إسرائيل له أسباب هى :
- حتى يشعر سبط لاوى وباقى الاسباط أنهم يقدمون سبطًا منهم لخدمة الله فينالوا بركة الله فى حياتهم.
- سكن اللاويين وسط الأسباط يتيح لهم فرصة أن يعلموهم شرائع الله.
- إتمام لنبوة يعقوب لابنه لاوى أن يقسمه بين الأسباط (تك49: 7).
(2) مدن الملجأ (ع9-15):
9وَأَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى: 10«قُل لِبَنِي إِسْرَائِيل: إِنَّكُمْ عَابِرُونَ الأُرْدُنَّ إِلى أَرْضِ كَنْعَانَ. 11فَتُعَيِّنُونَ لأَنْفُسِكُمْ مُدُناً تَكُونُ مُدُنَ مَلجَأٍ لكُمْ لِيَهْرُبَ إِليْهَا القَاتِلُ الذِي قَتَل نَفْساً سَهْواً. 12فَتَكُونُ لكُمُ المُدُنُ مَلجَأً مِنَ الوَلِيِّ لِكَيْلا يَمُوتَ القَاتِلُ حَتَّى يَقِفَ أَمَامَ الجَمَاعَةِ لِلقَضَاءِ. 13وَالمُدُنُ التِي تُعْطُونَ تَكُونُ سِتَّ مُدُنِ مَلجَأٍ لكُمْ. 14ثَلاثاً مِنَ المُدُنِ تُعْطُونَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ وَثَلاثاً مِنَ المُدُنِ تُعْطُونَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. مُدُنَ مَلجَأٍ تَكُونُ 15لِبَنِي إِسْرَائِيل وَلِلغَرِيبِ وَلِلمُسْتَوْطِنِ فِي وَسَطِهِمْ تَكُونُ هَذِهِ السِّتُّ المُدُنِ لِلمَلجَإِ لِكَيْ يَهْرُبَ إِليْهَا كُلُّ مَنْ قَتَل نَفْساً سَهْواً.
ع9، 10: هذان العددان هما مقدمة لحديث الله التالى عن مدن الملجأ، وبدأ الله كلامه بالتهيئة إذ أنهم عابرون، أى سوف يعبرون، نهر الأردن ويتملكوا الأرض الموعود بها وبالتالى عليهم العمل بما سوف يوصى به (خريطة 11).
خريطة (11) مدن الملجأ
ع11: سبق الله فى (ع6) وحدد أن عدد مدن الملجأ هى ست مدن، أما هنا فيشرح الله للشعب الغرض من هذه المدن، وهى أن تكون مدن مأوى وحماية يلجأ لها القاتل سهوًا، وهو من قتل أحدًا بالخطأ أو بدون قصد أو نية شريرة.
ع12: الولى : هو أقرب قريب للمقتول وله حق المطالبة بدمه للإنتقام من القاتل.
يتمتع القاتل بالحماية داخل مدن الملجأ ولا يستطيع “الولى” أن يصنع معه شيئًا أو ينتقم منه. وإقامة القاتل فى مدن الملجأ ليست إقامة دائمة بل هى لفترة زمنية تسبق محاكمته أمام الجماعة؛ أى كما أن نقول الآن أنه سجن تحفظى يسبق المحاكمة، أما الجماعة التى كانت تحاكمه فكانت تتكون فى العادة من رؤساء الشعب والكهنة حافظى الشريعة وأحكامها.
ع13، 14: يعود الله ويذكر للشعب أنها ست مدن للملجأ (ع6) ولكنه يضيف هنا أن يكون ثلاث منها شرق نهر الأردن أى عبر الأردن وثلاثة أخرى غرب الأردن موزعة على أرض كنعان، وذكرت أسماء هذه المدن فى (يش20: 7، 8). والغرض من ذلك هو توزيع مدن الملجأ وعدم تمركزها فى منطقة واحدة، فتكون منتشرة ويتسنى للقاتل الهرب إلى أقرب مدينة ملجأ متاحة. وقد كانت أقصى مسافة فى أى سبط إلى إحدى مدن الملجأ هى ثلاثون ميلاً والتى يستطيع القاتل أن يقطعها فى نصف يوم، وكانت توجد لافتات فى مفترق الطرق للإرشاد عن هذه المدن.
ع15: يوضح الله أن حق حماية القاتل سهوًا ليس قاصرًا على اليهود ولكن على الغريب أيضًا الذى ليس من الشعب وكان مثلاً مارًا بالأرض وبالخطأ قتل يهوديًا. وكذلك شمل هذا الحق المستوطنين وهم من يعيشون وسط الشعب كالعبيد أو الغرباء الأحرار ولكن سمح لهم بالسكن وسط الأسباط.
نلاحظ أيضًا هنا :
- اختيار الله مدن الملجأ فى وسط مدن الكهنة واللاويين حتى يتسنى للقاتل التواجد فى مناخ روحى يطمئنه ويهدئ من قلقه ومخاوفه وتكون هناك فرصة للإرشاد والعمل الروحى مع هذه النفس.
- إتاحة الفرصة للجميع، فالله يحمى الغريب والمستوطن أيضًا من رغبة انتقام الولى حتى تتم العدالة والحكم عن طريق رؤساء الجماعة وكهنتها، فمحبته للكل وعدله شامل ولهذا من الألقاب المحببة للكنيسة فى وصف الله هى كلمة “محب البشر”، إذ شملت محبته وفداؤه كل العالم بحسب قصده وإرادته.
- تظهر قيمة النفس البشرية فى نظر الله واهتمامه بالمحافظة عليها فى مدن الملجأ.
- اعطاءه الفرصة للخاطئ حتى يتوب وهو القاتل السهو.
- ترمز مدن الملجأ للكنيسة التى يلتجئ إليها الخاطئ ليعترف ويتناول من جسد الرب ودمه فيجد حياته وينقذ نفسه من الموت.
- الولىّ الذى يطالب بدم المقتول يرمز للمسيح الذى يدافع عنا ضد الشيطان وأنقذنا من يده بالفداء الذى تم على الصليب.
- هرب القاتل السهو إلى مدن الملجأ لينقذ حياته من الموت، يرمز لهروب الإنسان من الخطية وكل مصادرها التى تسبب موته.
? عندما تخطئ التجئ سريعًا إلى الله بالصلاة والتوبة أمام أب اعترافك فتجد حياتك ولا يستطيع إبليس أن يمسك بل تحيا مطمئنًا وتفرح بوجودك بين يدى الله.
(3) التفريق بين القتل العمد والقتل الخطأ (ع16-28):
16«إِنْ ضَرَبَهُ بِأَدَاةِ حَدِيدٍ فَمَاتَ فَهُوَ قَاتِلٌ. إِنَّ القَاتِل يُقْتَلُ. 17وَإِنْ ضَرَبَهُ بِحَجَرِ يَدٍ مِمَّا يُقْتَلُ بِهِ فَمَاتَ فَهُوَ قَاتِلٌ. إِنَّ القَاتِل يُقْتَلُ. 18أَوْ ضَرَبَهُ بِأَدَاةِ يَدٍ مِنْ خَشَبٍ مِمَّا يُقْتَلُ بِهِ فَهُوَ قَاتِلٌ. إِنَّ القَاتِل يُقْتَلُ. 19وَلِيُّ الدَّمِ يَقْتُلُ القَاتِل. حِينَ يُصَادِفُهُ يَقْتُلُهُ. 20وَإِنْ دَفَعَهُ بِبُغْضَةٍ أَوْ أَلقَى عَليْهِ شَيْئاً بِتَعَمُّدٍ فَمَاتَ 21أَوْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ بِعَدَاوَةٍ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الضَّارِبُ لأَنَّهُ قَاتِلٌ. وَلِيُّ الدَّمِ يَقْتُلُ القَاتِل حِينَ يُصَادِفُهُ. 22وَلكِنْ إِنْ دَفَعَهُ بَغْتَةً بِلا عَدَاوَةٍ أَوْ أَلقَى عَليْهِ أَدَاةً مَا بِلا تَعَمُّدٍ 23أَوْ حَجَراً مَا مِمَّا يُقْتَلُ بِهِ بِلا رُؤْيَةٍ. أَسْقَطَهُ عَليْهِ فَمَاتَ وَهُوَ ليْسَ عَدُوّاً لهُ وَلا طَالِباً أَذِيَّتَهُ 24تَقْضِي الجَمَاعَةُ بَيْنَ القَاتِلِ وَبَيْنَ وَلِيِّ الدَّمِ حَسَبَ هَذِهِ الأَحْكَامِ. 25وَتُنْقِذُ الجَمَاعَةُ القَاتِل مِنْ يَدِ وَلِيِّ الدَّمِ وَتَرُدُّهُ الجَمَاعَةُ إِلى مَدِينَةِ مَلجَئِهِ التِي هَرَبَ إِليْهَا فَيُقِيمُ هُنَاكَ إِلى مَوْتِ الكَاهِنِ العَظِيمِ الذِي مُسِحَ بِالدُّهْنِ المُقَدَّسِ. 26وَلكِنْ إِنْ خَرَجَ القَاتِلُ مِنْ حُدُودِ مَدِينَةِ مَلجَئِهِ التِي هَرَبَ إِليْهَا 27وَوَجَدَهُ وَلِيُّ الدَّمِ خَارِجَ حُدُودِ مَدِينَةِ مَلجَئِهِ وَقَتَل وَلِيُّ الدَّمِ القَاتِل فَليْسَ لهُ دَمٌ 28لأَنَّهُ فِي مَدِينَةِ مَلجَئِهِ يُقِيمُ إِلى مَوْتِ الكَاهِنِ العَظِيمِ. وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِ الكَاهِنِ العَظِيمِ فَيَرْجِعُ القَاتِلُ إِلى أَرْضِ مُلكِهِ.
ميزت الأعداد من (16-28) بين نوعين من القتل، الأول وهو القتل العمد (ع16-21) والثانى هو القتل الخطأ (ع22-28).
ع16-18: اشتملت هذه الأعداد الثلاثة على كلمة واحدة متكررة وهى “ضربه” وتعنى الإرادة الحاضرة للضرب بصرف النظر إن كانت الأداة حديدًا أو حجرًا أو خشبًا ثقيلاً … ولكن طالما كان القتل بإرادة ووعى كانت التهمة واضحة أنه “قاتل” والعقوبة أكثر وضوحًا وصرامة “يقتل”.
ع19: يوضح هذا العدد من يقوم بتنفيذ حكم القتل على القاتل وهو الولى المطالب بدم قريبه المقتول، ويلاحظ أن الولى لا يمكن أن يقتل إلا بعد التأكد، سواء بشهادة الشهود أو بحكم الجماعة بتأكيد جريمة القاتل، وقد جرى العرف على أنه إذا تمت محاكمة القاتل وثبت عمده، فإما أن تقتله الجماعة بالرجم أو يقتله الولى بنفسه إذ سمح الله له بهذا الحق.
ع20، 21: هذان العددان يعرضان لصور أخرى من القتل العمد دون استخدام أدوات للقتل وهى إما أن يكون القتل بالدفع ببغضة وشراسة من مكان عالٍ فوقع ومات، أو ضربه بيده المجردة ولكن ضربًا شديدًا يميت الآخر، فتكون تهمته أيضًا القتل العمد ويكون القصاص منه كسابقه (ع19) لأنه قتل بحقد وعداوة وغضب.
ع22، 23: أما فى حالة القتل الخطأ أى عن غير تعمد وبلا مشاعر عداوة أو حقد أو إنتقام، وإن اختلفت صوره فكان بالدفع الخطأ وبدون نية الإيذاء أو بإلقاء شيئ بلا قصد أو أسقط حجرًا ثقيلاً بلا رؤية فوقع عليه ومات، يكون للقاتل فى هذه الحالة حكمًا آخر بخلاف القاتل المتعمد الذى سبق وأباح الله للولى حق الانتقام من القاتل وقتله، فهو قتل خطأ وله أحكام أخرى.
ع24، 25: أعطى الله أولاً الحكم للجماعة – الرؤساء – وليس للولى الذى قد يغيب عقله عنه وتحكمه مشاعر الانتقام ولكن الجماعة بالطبع محايدة وتحكم بحسب الشريعة؛ وكان المتعارف عليه أن الذى قتل إنسانًا بالخطأ وبدون قصد يهرب إلى أقرب مدينة ملجأ فى طريقه ويخبر اللاويين والكهنة بما صنعه، فكانوا يقبلونه بالمدينة ويوفروا له الحماية من ولىّ الدم. وكانت هذه الإقامة مؤقتة يعقبها محاكمته أمام رؤساء الجماعة، فإذا تأكدت الجماعة من أن القتل كان خطأً ولم تتكرر منه إساءة لنفس الإنسان، أى تأكدوا من عدم بغضته للمقتول، يُعطَى حق اللجوء والإقامة فى المدينة. وحدد الله أيضًا مدة إقامته فى المدينة حتى موت رئيس الكهنة الممسوح، وفى حال موت رئيس الكهنة يسمح للقاتل بالعودة إلى مدينته.
وبقاء القاتل الغير متعمد حتى موت رئيس الكهنة له أسباب هى :
- عقوبة للقاتل لإهماله وعدم تدقيقه.
- فرصة لتهدئة مشاعر أسرة المقتول.
- رئيس الكهنة يصلى ويرفع ذبائح عن القاتل، فموته إشارة إلى استكمال الصلاة من أجله فيسمح له بالحرية.
وهذا يرمز لموت المسيح رئيس كهنتنا وبموته ننال الحرية من الخطية.
ع26، 27: يستكمل الله الحديث عن هذه الشريعة ويؤكد أنه طالما كان القاتل داخل مدينة الملجأ، يتمتع بالحماية، ولكن إذا خرج منها قبل وفاة رئيس الكهنة، وعثر عليه الولىّ وقتله، فلا يكون على الولىّ شئ إذ أن القاتل الذى توافرت له الحماية بمدينة الملجأ هو الذى ترك هذه الحماية وهذا الحق الذى منحه الله إياه.
ع28: هذا العدد تكرار وتأكيد لما جاء بالعدد (25) أن مدة الإقامة فى مدينة الملجأ تكون لنهاية عمر الكاهن العظيم أى رئيس الكهنة والذى بموته يسمح للقاتل بالعودة إلى دياره وأرضه.
? رحمة الله واضحة فى إنقاذ القاتل سهوًا. فالله فى محبته يلتمس لك الأعذار ليقودك إلى التوبة وإصلاح أخطائك والتدقيق فى كل تصرفاتك.
(4) عقوبة جريمة القتل العمد (ع29-34):
29«فَتَكُونُ هَذِهِ لكُمْ فَرِيضَةَ حُكْمٍ إِلى أَجْيَالِكُمْ فِي جَمِيعِ مَسَاكِنِكُمْ. 30كُلُّ مَنْ قَتَل نَفْساً فَعَلى فَمِ شُهُودٍ يُقْتَلُ القَاتِلُ. وَشَاهِدٌ وَاحِدٌ لا يَشْهَدْ عَلى نَفْسٍ لِلمَوْتِ. 31وَلا تَأْخُذُوا فِدْيَةً عَنْ نَفْسِ القَاتِلِ المُذْنِبِ لِلمَوْتِ بَل إِنَّهُ يُقْتَلُ. 32وَلا تَأْخُذُوا فِدْيَةً لِيَهْرُبَ إِلى مَدِينَةِ مَلجَئِهِ فَيَرْجِعَ وَيَسْكُنَ فِي الأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِ الكَاهِنِ. 33لا تُدَنِّسُوا الأَرْضَ التِي أَنْتُمْ فِيهَا لأَنَّ الدَّمَ يُدَنِّسُ الأَرْضَ. وَعَنِ الأَرْضِ لا يُكَفَّرُ لأَجْلِ الدَّمِ الذِي سُفِكَ فِيهَا إِلا بِدَمِ سَافِكِهِ. 34وَلا تُنَجِّسُوا الأَرْضَ التِي أَنْتُمْ مُقِيمُونَ فِيهَا التِي أَنَا سَاكِنٌ فِي وَسَطِهَا. إِنِّي أَنَا الرَّبُّ سَاكِنٌ فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيل».
ع29: فى الأعداد المقبلة وحتى نهاية الأصحاح، يتحدث الله عن الأحكام الواجب اتباعها مع من قتل قتلاً عمدًا، وبدأ الله حديثه بأن ما يتحدث به للشعب هنا هو وصايا واجبة التنفيذ لجميع الأجيال القادمة مع اختلاف أماكن إقامة الشعب أى كل أسباطه وكل أراضيه.
ع30: يحدد الله هنا أمرين : الأول هو وجوب قتل القاتل المتعمد، والأمر الثانى هو وجوب وجود شاهدين على الأقل لإدانة القاتل، وذلك لخطورة الحكم بقتل إنسان فلا يمكن الاكتفاء بشاهد واحد قد تحركه كراهيته لشهادة زور.
ع31: يمنع الله أيضًا جواز أخذ الفدية المادية عوضًا عن النفس التى قتلت، فالنفس البشرية هى أغلى ما فى خليقة الله ولا يمكن فداؤها بشئ آخر سوى الدم.
وهذا يذكرنا أيها الحبيب بفداء الرب يسوع لنا، إذ بذل ذاته وأهرق دمه الطاهر من أجل رفع إثمنا عنا ونحن المستوجبون لحكم الموت عن خطايانا.
ع32: يمنع الله قبول الرشوة التى قد يقدمها القاتل المتعمد حتى يعتبره اللاويون والكهنة من أصحاب الانتفاع بحق اللجوء لمدن الملجأ وليقضى فترة من الزمن يعود بعدها لبيته وأرضه، فالله أعطى هذا الحق فى حالة القتل الخطأ فقط. فلا يجوز استخدام مراحم الله فى غير مكانها.
ع33: الدم يدنس الأرض : يمنع حلول ووجود الله بين شعبه.
يحذر الله الشعب من التهاون فى تنفيذ ما أمر به من شرائع بكل دقة، مؤكدًا أن السكوت على دم ميت هو شئ قبيح يدنس الشعب كله أمام عينه ويمنع البركة والمعونة الإلهية عنهم، ولا يسمح الله بشئ سوى الدم للتعويض والتكفير عن الدم المسفوك.
ع34: يعود الله ويؤكد بأنه لا يقبل أن تدنس الأرض وتصير نجسة أمامه بأن يتهاون الشعب فى المطالبة بدم القاتل عوضًا عن دم القتيل، ويذكرهم أنه الإله الساكن فى وسطهم وعلى هذا ينبغى أن يطاع وأن يعمل الشعب بوصيته وأوامره ولا يتهاونوا فيها.
? كن مدققًا فى معاملاتك مع الآخرين فلا تؤذى مشاعر إنسان بكلمات جارحة أو تصرفات سيئة يسمونها القتل الأدبى، بل كن شفوقًا على الآخرين حتى من يسيئون إليك فتصلى لأجلهم وتلتمس لهم الأعذار.
https://en.wikipedia.org/wiki/Pope_Tawadros_II_of_Alexandria