البركة والتأديب والرحمة
(1) الطاعة والبركة (ع1-13): 1«لاَ تَصْنَعُوا لَكُمْ أَوْثَاناً وَلاَ تُقِيمُوا لَكُمْ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً أَوْ نَصَباً وَلاَ تَجْعَلُوا فِي أَرْضِكُمْ حَجَراً مُصَّوَراً لِتَسْجُدُوا لَهُ. لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ. 2سُبُوتِي تَحْفَظُونَ وَمَقْدِسِي تَهَابُونَ. أَنَا الرَّبُّ. 3«إِذَا سَلَكْتُمْ فِي فَرَائِضِي وَحَفِظْتُمْ وَصَايَايَ وَعَمِلْتُمْ بِهَا 4أُعْطِي مَطَرَكُمْ فِي حِينِهِ وَتُعْطِي الأَرْضُ غَلَّتَهَا وَتُعْطِي أَشْجَارُ الْحَقْلِ أَثْمَارَهَا 5وَيَلْحَقُ دِرَاسُكُمْ بِالْقِطَافِ وَيَلْحَقُ الْقِطَافُ بِالزَّرْعِ فَتَأْكُلُونَ خُبْزَكُمْ لِلشَّبَعِ وَتَسْكُنُونَ فِي أَرْضِكُمْ آمِنِينَ. 6وَأَجْعَلُ سَلاَماً فِي الأَرْضِ فَتَنَامُونَ وَلَيْسَ مَنْ يُزْعِجُكُمْ. وَأُبِيدُ الْوُحُوشَ الرَّدِيئَةَ مِنَ الأَرْضِ وَلاَ يَعْبُرُ سَيْفٌ فِي أَرْضِكُمْ. 7وَتَطْرُدُونَ أَعْدَاءَكُمْ فَيَسْقُطُونَ أَمَامَكُمْ بِالسَّيْفِ. 8يَطْرُدُ خَمْسَةٌ مِنْكُمْ مِئَةً وَمِئَةٌ مِنْكُمْ يَطْرُدُونَ رَبْوَةً وَيَسْقُطُ أَعْدَاؤُكُمْ أَمَامَكُمْ بِالسَّيْفِ.
9وَأَلْتَفِتُ إِلَيْكُمْ وَأُثْمِرُكُمْ وَأُكَثِّرُكُمْ وَأَفِي مِيثَاقِي مَعَكُمْ 10فَتَأْكُلُونَ الْعَتِيقَ الْمُعَتَّقَ وَتُخْرِجُونَ الْعَتِيقَ مِنْ وَجْهِ الْجَدِيدِ. 11وَأَجْعَلُ مَسْكَنِي فِي وَسَطِكُمْ وَلاَ تَرْذُلُكُمْ نَفْسِي. 12وَأَسِيرُ بَيْنَكُمْ وَأَكُونُ لَكُمْ إِلَهاً وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي شَعْباً. 13أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ كَوْنِكُمْ لَهُمْ عَبِيداً وَقَطَّعَ قُيُودَ نِيرِكُمْ وَسَيَّرَكُمْ قِيَاماً.
ع1: يلخص فى هذا الأصحاح الأوامر الإلهية المذكورة فى سفر اللاويين، فينهاهم فى هذه الآية عن عبادة الأوثان التى عاشوا بينها فى مصر والتى ستحيط بهم فى أرض كنعان، ويعطى تفاصيل للأوثان أو الأصنام وهى :
- صنع التماثيل التى ينحتونها من أى مادة ليعبدوها.
- إقامة نصب وهى حوائط أو أعمدة تذكرهم بالآلهة الوثنية ليعبدوها.
- حجارة مصورة بشكل الآلهة الوثنية.
والمقصود النهى عن أى شكل من أشكال عبادة الأوثان بل عبادة الله الواحد خالق السماء والأرض كما نصت الوصية الثانية (خر20: 2، 3).
ع2: يدعوهم هنا إلى أمرين إيجابيين فى عبادته وهما :
- تخصيص يوم السبت لعبادة الله كما نصت الوصية الرابعة (خر20: 8-11) ويشمل هذا أيضًا تقديس السنة السابعة وسنة اليوبيل (ص25: 1-22). فتقديس السبت يميزهم عن باقى الشعوب ويعطيهم بركة الله فى باقى أيام الأسبوع.
- إحترام بيت الرب وتقديم الذبائح والصلوات فيه لأنه مسكن الله وسطهم فيتمتعون برعايته وحمايته.
ع3: يضع الله شرطًا لنوال بركاته، ليس فقط معرفة وصاياه بل تطبيقها والعمل بها، وهذا يوضح اهتمام الله بحرية الإنسان وطاعته لوصاياه فهى مدخل كل البركات التى يذكر أهمها فى الآيات التالية.
ع4: البركة الأولى هى نزول الأمطار من السماء فى أوقات احتياج الزرع إليها، وهذا أمر أساسى فى زراعة أرض كنعان التى تعتمد على الأمطار بالإضافة إلى الأنهار. وبهذا يحصلون على محاصيل الحقل وثمار الأشجار أى يجدون طعامهم. والأمطار ترمز لبركات الروح القدس النازلة إلينا من السماء وننالها بالكنيسة.
ع5: البركة الثانية هى وفرة المحاصيل، فمن كثرة المحاصيل الشتوية مثل القمح والشعير يستمر دراس حبوبها أى فصل الحبوب عن القش من أبريل حتى يونية فيلتحم بميعاد قطاف أى جمع ثمار الأشجار مثل العنب والزيتون الذى يبدأ فى يونية ويستمر حتى سبتمبر، فيلتحم هذا أيضًا بميعاد الزراعة الشتوية الذى يبدأ فى شهر أكتوبر. وهكذا تكون المحاصيل وفيرة فيشبعون ويشكرون الله على سخائه.
ويعدهم أيضًا بالأمان من جهة الشبع من الطعام وكذا الحماية من الأعداء الذى يذكره بالتفصيل فى الآية التالية.
ع6: البركة الثالثة هى السلام والأمان الذى يعبر عنه بنومهم نومًا هادئًا دون أى انزعاج من أمرين وهما :
- الأعداء بأن يجعل مهابة شعبة فى قلوبهم فلا يفكرون فى مهاجمتهم أو الاستيلاء على محاصيلهم وغنائمهم.
- الوحوش التى كانت تكثر فى أرض كنعان، فيبيدها ويبعدها عنهم.
? إن كنت تطيع وصايا الله وتنشغل بمحبته، فثق أنه يكفى احتياجاتك ويمتعك بالسلام الداخلى ويعطيك مهابة فى أعين من حولك لتظل فى تمتع بعشرته، فاطلب أولاً ملكوت الله وبره واعلم أن الباقى سيزاد لك.
ع7: البركة الرابعة هى القوة والنصرة على الأعداء إن تجاسر أحدهم وحاول مهاجمتهم، فينتصرون عليهم ويهربون من أمامهم ويطردونهم بعيدًا عن بلادهم. وقد حدثت أمثلة كثيرة لهذا مثل انتصار موسى على العمالقة ويشوع على الكنعانيين.
ع8: ربوة : عشرة آلاف.
تتجلى قوة الله مع أولاده، فيستطيع عدد قليل منهم أن ينتصر على عدد كبير من الأعداء. ويعطى أمثلة وهى انتصار خمسة من شعب الله على مائة من الأعداء ومائة من شعب الله على عشرة آلاف من الأعداء. وقد حدث هذا كثيرًا مثل انتصار ثلثمائة رجل مع جدعون على آلاف المديانيين وانتصار شمشون وحده على أعداد كبيرة من الفلسطينيين وانتصار يهوذا المكابى بعدد قليل على جيوش الإمبراطورية اليونانية.
ع9: البركة الخامسة هى كثرة النسل التى تعطى قوة لشعب الله، وبهذا يتمم وعده وميثاقه مع الآباء إبراهيم واسحق ويعقوب، وهذا يعنى رعايته لهم التى تحفظهم وتكثرهم.
ع10: العتيق : القديم.
المعتق : الكثير القدم.
يبارك الله غلاتهم التى يجمعونها فتكون وفيرة جدًا حتى أن محصول السنة الماضية يأكلون منه حتى يأتى محصول السنة الجديدة، وقد يبقى عندهم من المحاصيل القديمة الكثير لعدة سنوات وعند جمع المحاصيل الجديدة يضطرون إلى تفريغ المخازن من المحاصيل القديمة كما يقول تخرجون العتيق من وجه الجديد ليضعوا الجديدة أى يكون الخير والشبع بوفرة كبيرة.
ع11: البركة السادسة هى رضا الله عنهم بدليل سكناه فى وسطهم بخيمة الاجتماع أو هيكل سليمان، وعندما عصوا الله رفض أن يسكن فى وسطهم كما حدث فى نهاية حياة عالى الكاهن بذهاب تابوت العهد إلى الفلسطينيين وكما حدث أثناء السبى البابلى عندما دمروا هيكل الله وأورشليم.
ع12: إذ يرضى الله عنهم يصحبهم فى كل تنقلاتهم ويرعاهم ويدعى اسمه عليهم ويكونون شعبًا خاصًا له ويتميزون بهذا عن باقى الشعوب.
ع13: قيود نيركم : النير خشبة مستعرضة توضع على رقبتى حيوانين وتربط بكل رقبة بواسطة حبل يسمى قيد، والمقصود بقطع قيود النير هو التحرر من العبودية.
سيركم قيامًا : اى منتصبين رافعين الرأس فى عزة بدلاً من انحناء الذل والاستعباد فى مصر والمقصود العزة والرفعة التى للأحرار.
يذكرهم الله بتحريره لهم من عبودية مصر ونصرتهم عليها وبالتالى فهو قادر أن يجعلهم منتصرين دائمًا على أعدائهم فى كل مكان إن حفظوا وصاياه.
(2) المخالفة والتأديب (ع14-39):
14«لَكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي وَلَمْ تَعْمَلُوا كُلَّ هَذِهِ الْوَصَايَا 15وَإِنْ رَفَضْتُمْ فَرَائِضِي وَكَرِهَتْ أَنْفُسُكُمْ أَحْكَامِي فَمَا عَمِلْتُمْ كُلَّ وَصَايَايَ بَلْ نَكَثْتُمْ مِيثَاقِي 16فَإِنِّي أَعْمَلُ هَذِهِ بِكُمْ: أُسَلِّطُ عَلَيْكُمْ رُعْباً وَسِلاًّ وَحُمَّى تُفْنِي الْعَيْنَيْنِ وَتُتْلِفُ النَّفْسَ. وَتَزْرَعُونَ بَاطِلاً زَرْعَكُمْ فَيَأْكُلُهُ أَعْدَاؤُكُمْ. 17وَأَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّكُمْ فَتَنْهَزِمُونَ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ وَيَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمْ مُبْغِضُوكُمْ وَتَهْرُبُونَ وَلَيْسَ مَنْ يَطْرُدُكُمْ.
18«وَإِنْ كُنْتُمْ مَعَ ذَلِكَ لاَ تَسْمَعُونَ لِي أَزِيدُ عَلَى تَأْدِيبِكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ 19فَأُحَطِّمُ فَخَارَ عِزِّكُمْ وَأُصَيِّرُ سَمَاءَكُمْ كَالْحَدِيدِ وَأَرْضَكُمْ كَالنُّحَاسِ 20فَتُفْرَغُ بَاطِلاً قُوَّتُكُمْ وَأَرْضُكُمْ لاَ تُعْطِي غَلَّتَهَا وَأَشْجَارُ الأَرْضِ لاَ تُعْطِي أَثْمَارَهَا. 21«وَإِنْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِالْخِلاَفِ وَلَمْ تَشَاءُوا أَنْ تَسْمَعُوا لِي أَزِيدُ عَلَيْكُمْ ضَرْبَاتٍ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ. 22أُطْلِقُ عَلَيْكُمْ وُحُوشَ الْبَرِّيَّةِ فَتُعْدِمُكُمُ الأَوْلاَدَ وَتَقْرِضُ بَهَائِمَكُمْ وَتُقَلِّلُكُمْ فَتُوحَشُ طُرُقُكُمْ. 23«وَإِنْ لَمْ تَتَأَدَّبُوا مِنِّي بِذَلِكَ بَلْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِالْخِلاَفِ 24فَإِنِّي أَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِالْخِلاَفِ وَأَضْرِبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ. 25أَجْلِبُ عَلَيْكُمْ سَيْفاً يَنْتَقِمُ نَقْمَةَ الْمِيثَاقِ فَتَجْتَمِعُونَ إِلَى مُدُنِكُمْ وَأُرْسِلُ فِي وَسَطِكُمُ الْوَبَأَ فَتُدْفَعُونَ بِيَدِ الْعَدُوِّ. 26بِكَسْرِي لَكُمْ عَصَا الْخُبْزِ. تَخْبِزُ عَشَرُ نِسَاءٍ خُبْزَكُمْ فِي تَنُّورٍ وَاحِدٍ وَيَرْدُدْنَ خُبْزَكُمْ بِالْوَزْنِ فَتَأْكُلُونَ وَلاَ تَشْبَعُونَ. 27«وَإِنْ كُنْتُمْ بِذَلِكَ لاَ تَسْمَعُونَ لِي بَلْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِالْخِلاَفِ 28فَأَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِالْخِلاَفِ سَاخِطاً وَأُؤَدِّبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ 29فَتَأْكُلُونَ لَحْمَ بَنِيكُمْ وَلَحْمَ بَنَاتِكُمْ تَأْكُلُونَ. 30وَأُخْرِبُ مُرْتَفَعَاتِكُمْ وَأَقْطَعُ شَمْسَاتِكُمْ وَأُلْقِي جُثَثَكُمْ عَلَى جُثَثِ أَصْنَامِكُمْ وَتَرْذُلُكُمْ نَفْسِي. 31وَأُصَيِّرُ مُدُنَكُمْ خَرِبَةً وَمَقَادِسَكُمْ مُوحِشَةً وَلاَ أَشْتَمُّ رَائِحَةَ سُرُورِكُمْ. 32وَأُوحِشُ الأَرْضَ فَيَسْتَوْحِشُ مِنْهَا أَعْدَاؤُكُمُ السَّاكِنُونَ فِيهَا. 33وَأُذَرِّيكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ وَأُجَرِّدُ وَرَاءَكُمُ السَّيْفَ فَتَصِيرُ أَرْضُكُمْ مُوحِشَةً وَمُدُنُكُمْ تَصِيرُ خَرِبَةً. 34حِينَئِذٍ تَسْتَوْفِي الأَرْضُ سُبُوتَهَا كُلَّ أَيَّامِ وَحْشَتِهَا وَأَنْتُمْ فِي أَرْضِ أَعْدَائِكُمْ. حِينَئِذٍ تَسْبِتُ الأَرْضُ وَتَسْتَوْفِي سُبُوتَهَا. 35كُلَّ أَيَّامِ وَحْشَتِهَا تَسْبِتُ مَا لَمْ تَسْبِتْهُ مِنْ سُبُوتِكُمْ فِي سَكَنِكُمْ عَلَيْهَا. 36وَالْبَاقُونَ مِنْكُمْ أُلْقِي الْجَبَانَةَ فِي قُلُوبِهِمْ فِي أَرَاضِي أَعْدَائِهِمْ فَيَهْزِمُهُمْ صَوْتُ وَرَقَةٍ مُنْدَفِعَةٍ فَيَهْرُبُونَ كَالْهَرَبِ مِنَ السَّيْفِ وَيَسْقُطُونَ وَلَيْسَ طَارِدٌ. 37وَيَعْثُرُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ كَمَا مِنْ أَمَامِ السَّيْفِ وَلَيْسَ طَارِدٌ وَلاَ يَكُونُ لَكُمْ قِيَامٌ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ 38فَتَهْلِكُونَ بَيْنَ الشُّعُوبِ وَتَأْكُلُكُمْ أَرْضُ أَعْدَائِكُمْ. 39وَالْبَاقُونَ مِنْكُمْ يَفْنُونَ بِذُنُوبِهِمْ فِي أَرَاضِي أَعْدَائِكُمْ. وَأَيْضاً بِذُنُوبِ آبَائِهِمْ مَعَهُمْ يَفْنُونَ.
ع14، 15: نكثتم : نقضتم العهد والميثاق.
على الجانب الآخر يوضح الله العقوبات واللعنات التى تأتى على شعبه إن رفضوا حفظ وصاياه والسلوك بها وكرهوها ونقضوا العهد معه بالحياة كشعب خاص له. ويوضح هذه التأديبات فى الأعداد التالية.
ع16: التأديب الأول : هو الرعب والمرض، فبدلاً من السلام الداخلى يملأ قلوبهم الخوف وتنتشر بينهم الأمراض مثل مرض السل ومرض الحمى بأنواعها المختلفة وتؤثر هذه الأمراض على أعضاء الجسم المختلفة ومن أهمها العينان فتضعف حتى يفقد الإنسان البصر، وتؤثر أيضًا على نفوسهم وليس فقط أجسادهم، فيعانون من متاعب واضطرابات نفسية كثيرة.
والتأديب الثانى : هو نهب الأعداء لخيراتهم، فبعدما يتعبون فى زراعة محاصيلهم يهجم الأعداء فى وقت الحصاد أو الجمع ويأخذون غلاتهم فيفتقر شعب الله ويجوع.
ع17: التأديب الثالث : هو الهزيمة أمام الأعداء إذ أنهم إذا عصوا الله وتحدوه يصير الله خصمًا لهم فينهزمون أمام أعدائهم مهما كان ضعفهم ومن خوفهم يهربون من الأعداء حتى لو لم يطاردوهم، لأن الرعب سيملأ قلوبهم إذ تخلى عنهم الله بل وصار ضدهم بسبب خطاياهم التى رفضوا بها الله.
? لا ترفض الله وتصرّ على الخطية وتتهاون فيها ثم تعود بعد ذلك تتذمر لأن الله تخلى عنك، واعلم أن البادئ بالخطأ هو أنت وليس الله، فراجع نفسك ولا تضيع أثمن شئ وهو الملكوت من أجل أمور زهيدة وهى لذات هذا العالم الزائل وشهواته الشريرة.
ع18: إن قبلوا التأديب ورجعوا إلى الله بالتوبة يسامحهم ولكن إن تمادوا فى خطاياهم يزيد الله عليهم التأديبات سبعة أضعاف أى كمال التأديب حتى يتوبوا ويرجعوا.
ع19: التأديب الرابع : هو الذل فيبعد عنهم فخرهم وعزهم الذى وهبه لهم عند إخراجهم من أرض مصر وبرعايتهم فى البرية وعند تمليكهم أرض كنعان، فيقوم عليهم الأعداء ليحتلوهم ويذلوهم.
التأديب الخامس : هو وقوف الطبيعة ضدهم فتصير السماء كالحديد، أى لا تعطيهم مطرًا، فتبطل الزراعة ويعانون من الجوع، وكذلك تصير الأرض كالنحاس أى تفقد خصوبتها وقدرتها على إنماء الزرع فيتعرضوا أيضًا للجوع.
ع20: يشرح ويستكمل ما قاله فى العدد السابق من جهة فقدانهم لمحاصيل الأرض بسبب تحدى الطبيعة لهم، فمهما تعبوا فى زراعة الأرض لا يحصدون شيئًا بسبب تحدى الأرض لهم أو بسبب الآفات، فلا يحصدون ولا يجمعون شيئًا من المحاصيل أو ثمار الأشجار أو يأخذون القليل جدًا والتالف الذى لا يكفيهم.
ع21: يكرر هنا أنهم إن لم يخضعوا للتأديب الإلهى ويتوبوا عن خطاياهم سيزيد الله عليهم التأديب والبركات لعلهم ينتبهوا ويتوبوا.
ع22: التأديب السادس : هو مهاجمة الوحوش لهم فتفترس أولادهم وبهائمهم فيقل عددهم وتضعف قوتهم ؟ وقد حدث هذا فعلاً عند لدغ الحيّات للشعب أيام موسى (عد21: 5، 6) وعند افتراس دبتين اثنين وأربعين من الغلمان الذين استهزأوا بأليشع (2مك2: 23، 24).
ع23، 24: يؤكد هنا مرة ثالثة على شعبه أنهم إن أصروا على خطاياهم يستمر فى تأديبهم بل يضاعفه سبعة أضعاف أى كمال التأديب ليخضعوا ويرجعوا عن خطاياهم.
ع25: يؤكد هنا انهزامهم أمام الأعداء الذين يضربونهم بالسيف ويقتلونهم بالإضافة إلى انتشار الأوبئة بأمراض مختلفة تقضى عليهم، فينقض الله بهذا ميثاقه معهم بالبركة والحماية لأنهم خالفوا وصاياه فتخلى عنهم وهاجمتهم الأعداء والأوبئة.
ع26: التأديب السابع : هو المجاعة التى أشير إليها ونتجت عن التأديبات السابقة. ولأن الخبز هو أساس الطعام فيقول عنه عصا الخبز لأن الإنسان يتوكأ ويعتمد على العصا، فيكسر الله عصا الخبز أى تحدث مجاعة. ويعبر عن تفاصيل هذه المجاعة بأن التنور أى الفرن الذى يكفى لخبز امرأة واحدة أو بيت واحد، ولكن نظرًا لقلة المحاصيل وعدم وجود دقيق إلا قليل فى كل بيت، سيكفى التنور الواحد لخبز عشرة بيوت أو عشر نساء. ويؤكد المجاعة بأن الخبز يُعطَى للناس بالميزان لقلته فيرددونه أى يحركونه على أيديهم بتدقيق ويزنون مقدارًا يسيرًا لكل فرد فلا يأكل أكثر منه بسبب الجوع.
ع27، 28: يكر الله هنا لشعبه أنه إن عصوه وخالفوا وصاياه سيتخلى عنهم ويسلك هو أيضًا معهم بالغضب الشديد، فيسمح بتأديبات سبعة أضعاف لهم لأجل تحديهم وتمردهم لعلهم يتوبون.
ع29: من شدة الجوع الذى يسـمح به الله يفقد الإنسان مشاعره الطبيعية فيصير كالوحش المفترس فيذبح بنيه ويأكلهم حتى يعيش. وقد حدث هذا فعلاً فى حصار بابل لأورشليم (مرا 4: 9، 10) وفى حصار الرومان لأورشليم عام 70م.
ع30: التأديب الثامن : هو تخريب مذابح الأوثان التى أقيمت على التلال وأشكال الشمس التى علقوها على أعمدة خشبية هى السوارى أو وضعوها فى بيوت لعبادة الشمس. ويسمح الله أيضًا أن يقتلوا بالسيف وتلقى جثثهم فوق جثث الحيوانات التى قدموها فوق مذابح الأوثان، أى يموتون فى شرهم بتركهم الله وعبادتهم للآلهة الغريبة.
ع31: يستكمل الله تأديبه بتخريبه المدن وكذلك الأماكن المقدسة التى هى هيكله فى أورشليم، كما حدث أثناء هجوم بابل وتخريبها للهيكل ولأورشليم، وكما حدث أيضًا عندما خرَّب الرومان الهيكل. ويضيف الله بأنه لن يقبل ذبائحهم التى يقدمونها له أى يرفض عبادتهم لأجل إصرارهم على الشر.
ع32: استكمالاً لضربة الخراب، تصير الأرض موحشة أى خربة وتسكنها الوحوش حتى أن أعداءهم الذين يحتلونهم لا يطيقون الإقامة فى أراضيهم الموحشة ويتعجبون لهذا الخراب الذى صارت إليه مدن شعب الله.
ع33: أجرد السيف : أخرجه من جرابه لأقتل به الكثيرين والمقصود أنه يسمح للأعداء بقتلهم والذين يعتبرهم الله سيفه.
إمتدادًا لخراب مدنهم يتشتتون فى بلاد العالم حيث ينقلهم الأعداء إليها بعدما يقتلون الكثير منهم وهكذا تظل أراضيهم ومدنهم خربة.
ع34، 35: سبوتها : المقصود بالسبت هو السنة السابعة والتى أمرت الوصية بعدم زراعة الأرض فيها.
أهمل شعب الله تنفيذ وصاياه بعدم زراعة الأرض فى السنة السابعة وفى سنة اليوبيل أى السنة الخمسين مدة طويلة، فسمح الله بتخريب الأرض وعدم زراعتها بدلاً من السنة السابعة التى كان ينبغى ألا يزرعوا فيها، ويظل السبى مدة كافية والأرض خربة بلا زراعة حتى تستوفى السنوات التى كان ينبغى ألا يزرعوها ولكنهم خالفوا وصايا الله وزرعوها.
وبهذا خسروا بركة الله التى كان يعطيها لهم فى السنة السادسة ثم خربت أراضيهم سنينًا كثيرة وتدمرت أيضًا مدنهم وأصبحوا تحت الغضب الإلهى.
ع36: الجبانة : الجبن والخوف.
يؤكد هنا التأديب الأول وهو إلقاء الخوف فى قلوب شعب الله وهم مسبيون، فيخافون دون أن يخيفهم أحد حتى أن تحرك ورقة شجر مع الهواء يزعج قلوبهم فيهربون دون أن يطاردهم أعداؤهم لأن الخوف قد ملأ قلوبهم.
ع37: يستكمل تأديب الخوف الذى يحلّ بهم، فيهربون دون أن يطردهم أحد من شدة قلقهم وفيما هم يهربون يصطدم الواحد بالآخر ويسقطون على الأرض وهم يجرون وهكذا يستمرون فى انهزامهم أمام الأعداء مع أن الأعداد تركوهم ولكن الخوف يستمر فى إزعاجهم ويطردهم.
ع38: وهكذا يضعف شعب الله ويهلك الكثيرون منهم على أرض الأعداء ويفقدوا أنسابهم وقوميتهم وعبادتهم فيصيروا بلا قيمة.
ع39: يهلك الباقون المسبيون من شعب الله فى أراضى الأعداء بسبب خطاياهم وخطايا آبائهم التى استمروا فيها سواء بعبادة الأوثان أو الشهوات النجسة الكثيرة.
(3) التوبة والرحمة (ع40-46):
40لَكِنْ إِنْ أَقَرُّوا بِذُنُوبِهِمْ وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ فِي خِيَانَتِهِمِ الَّتِي خَانُونِي بِهَا وَسُلُوكِهِمْ مَعِيَ الَّذِي سَلَكُوا بِالْخِلاَفِ 41وَإِنِّي أَيْضاً سَلَكْتُ مَعَهُمْ بِالْخِلاَفِ وَأَتَيْتُ بِهِمْ إِلَى أَرْضِ أَعْدَائِهِمْ. إِلَّا أَنْ تَخْضَعَ حِينَئِذٍ قُلُوبُهُمُ الْغُلْفُ وَيَسْتَوْفُوا حِينَئِذٍ عَنْ ذُنُوبِهِمْ 42أَذْكُرُ مِيثَاقِي مَعَ يَعْقُوبَ وَأَذْكُرُ أَيْضاً مِيثَاقِي مَعَ إِسْحَاقَ وَمِيثَاقِي مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَأَذْكُرُ الأَرْضَ. 43وَالأَرْضُ تُتْرَكُ مِنْهُمْ وَتَسْتَوْفِي سُبُوتَهَا فِي وَحْشَتِهَا مِنْهُمْ وَهُمْ يَسْتَوْفُونَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ لأَنَّهُمْ قَدْ أَبُوا أَحْكَامِي وَكَرِهَتْ أَنْفُسُهُمْ فَرَائِضِي. 44وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ أَيْضاً مَتَى كَانُوا فِي أَرْضِ أَعْدَائِهِمْ مَا أَبَيْتُهُمْ وَلاَ كَرِهْتُهُمْ حَتَّى أُبِيدَهُمْ وَأَنْكُثَ مِيثَاقِي مَعَهُمْ لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلَهُهُمْ. 45بَلْ أَذْكُرُ لَهُمْ الْمِيثَاقَ مَعَ الأَوَّلِينَ الَّذِينَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ أَمَامَ أَعْيُنِ الشُّعُوبِ لأَكُونَ لَهُمْ إِلَهاً. أَنَا الرَّبُّ». 46هَذِهِ هِيَ الْفَرَائِضُ وَالأَحْكَامُ وَالشَّرَائِعُ الَّتِي وَضَعَهَا الرَّبُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي جَبَلِ سِينَاءَ بِيَدِ مُوسَى.
ع40، 41: قلوبهم الغلف : أى الغير مختونة ويقصد الغير مؤمنة ومتجددة بالإيمان لتحيا فى نقاوة مع الله.
بعد أن أظهر بركاته لمن يطيعوا وصاياه وتأديباته لمن يخالفها، يعطى رجاءً للذين خالفوه وفهموا وقبلوا تأديباته فتابوا ورجعوا إليه فيشملهم بمراحمه. وهذه التوبة معناها الإعتراف بخطاياهم وخطايا آبائهم التى استمروا فيها. وبهذا خالفوا الله فسلك الله معهم بالخلاف أى تخلى عنهم وسمح بتأديبهم وتشتيتهم فى بلاد أعدائهم الذين نقلوهم من أرضهم. وبهذا الإعتراف يعلنوا رجوع قلوبهم للإيمان وقبولهم التأديب الذى يستحقونه بسبب عصيانهم.
ع42: أذكر ميثاقى : ليس معناه أن الله كان ناسيًا بل إعلان إلهى بأنه سيتمم عهده ووعده.
وتظهر مراحم الله لأولاده التائبين بأن يتمم لهم وعوده برعايتهم وحمايتهم كما وعد أباهم يعقوب أبا الأسباط وجدودهم إسحق وإبراهيـم (تك22: 16-18)، (تك26: 1-6)، (تك35: 9-15). ويعيدهم إلى أرض الميعاد بعد سبيهم.
ع43: تستوفى سبوتها : سبق شرحها فى (ع35)، أى لا تزرع بدلاً من السنة السابعة التى لم يقدسوا الأرض فيها لله بعدم زراعتها.
وحشتها : تظل الأرض موحشة أى غير مزروعة.
أبوا أحكامى : عصوا ورفضوا طاعة أحكامى.
يرحم الله أولاده التائبين بعد أن أدَّبهم بنقلهم من أراضيهم على يد الأعداء، فتركوا الأرض بلا زراعة نتيجة مخالفتهم قديمًا وبعدم طاعة وصية السنة السابعة التى أمرهم فيها ألا يزرعوا الأرض فعقابًا لهم يتركون أرضهم رغمًا عنهم بلا زراعة وموحشة سنينًا طويلة.
ع44: ما أبيتهم : لم أتخلَ عنهم وأمنع أبوتى لهم.
أنكث ميثاقى : أنقض عهدى.
تظهر مراحم الله أيضًا فى عدم كراهيته لشعبه عندما عصوه، فشتّتهم فى بلاد الأعداء ولكنه لم يبيدهم وظل منتظرًا حتى يتوبوا فيتمم عهده وأبوته ورعايته لهم ويعيدهم إلى أرضهم بمجد وكرامة.
? حنان الله مستمر من نحوك حتى وأنت فى الخطية وينتظر عودتك ليشملك بمراحمه. إنك لن تجد حنانًا فى العالم مثله، فلا تتوانَ عن التوبة والرجوع إليه.
ع45: يؤكد الله أنه سيتمم وعوده للآباء الأولين، إبراهيم وإسحق ويعقوب، فيرحم شعبه التائب الذى أخرجه من أرض مصر ويعيد رعايته وحمايته لهم.
ع46: يختم الله هنا كلامه بأن ما سبق هو شرائع الله لأولاده ليحيوا بها
.https://en.wikipedia.org/wiki/Pope_Tawadros_II_of_Alexandria