تملك أبيمالك ابن جدعون
(1) أبيمالك يقتل أخوته (ع1-6): 1وَذَهَبَ أَبِيمَالِكُ بْنُ يَرُبَّعْلَ إِلَى شَكِيمَ إِلَى أَخْوَالِهِ, وَقَالَ لِجَمِيعِ عَشِيرَةِ بَيْتِ أَبِي أُمِّهِ:
2«تَكَلَّمُوا الآنَ فِي آذَانِ جَمِيعِ أَهْلِ شَكِيمَ. أَيُّمَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ: أَأَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْكُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً, جَمِيعُ بَنِي يَرُبَّعْلَ, أَمْ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ؟ وَاذْكُرُوا أَنِّي أَنَا عَظْمُكُمْ وَلَحْمُكُمْ». 3فَتَكَلَّمَ أَخْوَالِهِ عَنْهُ فِي آذَانِ كُلِّ أَهْلِ شَكِيمَ بِجَمِيعِ هَذَا الْكَلاَمِ. فَمَالَ قَلْبُهُمْ وَرَاءَ أَبِيمَالِكَ, لأَنَّهُمْ قَالُوا: «أَخُونَا هُوَ». 4وَأَعْطُوهُ سَبْعِينَ شَاقِلَ فِضَّةٍ مِنْ بَيْتِ بَعْلِ بَرِيثَ, فَاسْتَأْجَرَ بِهَا أَبِيمَالِكُ رِجَالاً بَطَّالِينَ طَائِشِينَ, فَسَعُوا وَرَاءَهُ. 5ثُمَّ جَاءَ إِلَى بَيْتِ أَبِيهِ فِي عَفْرَةَ وَقَتَلَ إِخْوَتَهُ بَنِي يَرُبَّعْلَ, سَبْعِينَ رَجُلاً, عَلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ. وَبَقِيَ يُوثَامُ بْنُ يَرُبَّعْلَ الأَصْغَرُ لأَنَّهُ اخْتَبَأَ. 6فَاجْتَمَعَ جَمِيعُ أَهْلِ شَكِيمَ وَكُلُّ سُكَّانِ الْقَلْعَةِ وَذَهَبُوا وَجَعَلُوا أَبِيمَالِكَ مَلِكاً عِنْدَ بَلُّوطَةِ النَّصَبِ الَّذِي فِي شَكِيمَ.
ع1: فى هذا الأصحاح يأتى شرح كيف لم يحفظ الشعب الجميل لجدعون وأسرته. إذ بعد موت جدعون ذهب أبيمالك إلى عائلة أمه ليثير فتنة ضد إخوته السبعين، مرتكزًا على أنه من عظمهم ولحمهم لأن أمه، أى سرية جدعون، كانت عائلتها تنتمى إلى قبيلة كنعانية، ودفعه إلى ذلك شعوره بأنه لن يرث مع إخوته السبعين لأنه من أم سرية إذ أن أبناء الجوارى لا يرثون مع أبناء الزوجات الحرة.
ع2: شكيم : هى نابلس الحالية (خريطة 11).
طلب من بنى عشيرة أمه أن يخاطبوا أهل مدينة شكيم لكى يقبلوه رئيسًا عليهم، بدعوى أنه من الأفضل لهم أن يملك عليهم هو وحده بدلاً من أن يتسلط عليهم 70 رئيسًا هم أبناء جدعون السبعون. أضاف إلى ذلك أنه ينتسب إلى أهل شكيم من ناحية الأم وبالتالى هو أقرب لهم من إخوته الآخرين.
ع3: استجاب أخواله وأقارب أمه على طلبه واقتنعوا بحججه، وخاطبوا بقية أهل شكيم بما قاله أبيمالك ورحبوا بفكرته إحساسًا منهم بأنه يمت اليهم بصلة قرابة حيث أن أمه منهم.
ع4: الشاقل : 11-15 جم.
إظهارًا لولاء أهل شكيم وتأييدهم لأبيمالك، جمعوا سبعين شاقل فضة فى خزينة الهيكل الوثنى الذى يعبدونه ويسمى بعل بريث، وأعطوها له لكى تساعده فى سعيه نحو الرئاسة. استخدم أبيمالك هذا المبلغ فى استئجار بعض الرجال الأشرار لكى يكونوا جنودًا يعاونونه فى تحقيق غايته الشريرة.
ع5: فور حصوله على تأييد أهل شكيم له، ذهب إلى عفرة، بلد عشيرة أبيه، وقبض على إخوته السبعين وقتلهم جميعًا بأن جعل رأس كل واحد على نفس الحجر وضرب عنقه بالسيف واستطاع واحد فقط من الأخوة وهو أصغرهم واسمه يوثام، أن يهرب وينجو بنفسه من تلك المذبحة.
هكذا ظهر عدم وفاء بنى إسرائيل لجدعون ولبنيه لأن أحدًا لم يعارض أبيمالك أو يقف فى وجهه وهو يقتل أبناء جدعون السبعين. فساعدوا القاتل المحب للرئاسة على التسلط عليهم، فهم مخطئون فى حق الله وساعدوه على الشر.
ع6: القلعة : برج فى شكيم.
أجمع أهل شكيم والأراضى التى حولها على قبول أبيمالك رئيسًا لهم، وتوجهوا إليه لتنصيبه ملكًا عليهم، وتمت مبايعتهم هذه عند شجرة بلوط مشهورة تدعى “بلوطة النصب” وهى التى دفن عندها يعقوب تماثيل الآلهة الوثنية (تك35: 1-4)، وأقام يشوع عندها حجرًا تأكيدًا للعهد بين الشعب والله (يش24: 26، 27). وهذه هى المرة الأولى التى يذكر فيها اسم ملك فى بنى إسرائيل، ولكنه لم يكن ملكًا على كل الشعب مثل داود وسليمان ولكنه كان ملكًا على جزء صغير من الشعب الساكنين فى شكيم وما حولها.
وتملُّك أبيمالك ليس معناه أنه القاضى التالى لجدعون أبيه، إذ لم يدعه الله لذلك، بالإضافة إلى أن غرضه كان حب الرئاسة وليس تعليم الشعب وصايا الله والقضاء لهم. وذكرت هذه الحادثة إظهارًا لخطورة محبة الرئاسة. وعلى العكس يظهر هذا مدى اتضاع جدعون أبيه وابتعاده حب الرئاسة.
? لا يتعلق قلبك بالمراكز فهى زائلة، بالإضافة إلى أن تعلقك قد يدفعك إلى استخدام وسائل ضد وصايا الله، ولكن ليكن هدفك هو محبة الله وهو سيبارك حياتك وأعمالك ويضمن لك سلامك وسعادتك فى الأرض ثم فى السماء.
(2) توبيخ يوثام لأهل شكيم (ع7-21):
7وَأَخْبَرُوا يُوثَامَ فَذَهَبَ وَوَقَفَ عَلَى رَأْسِ جَبَلِ جِرِّزِيمَ, وَنَادَى: «اِسْمَعُوا لِي يَا أَهْلَ شَكِيمَ يَسْمَعْ لَكُمُ اللَّهُ. 8مَرَّةً ذَهَبَتِ الأَشْجَارُ لِتَمْسَحَ عَلَيْهَا مَلِكاً. فَقَالَتْ لِلّزَيْتُونَةِ: امْلِكِي عَلَيْنَا. 9فَقَالَتْ لَهَا الّزَيْتُونَةُ: أَأَتْرُكُ دُهْنِي الَّذِي بِهِ يُكَرِّمُونَ بِيَ اللَّهَ وَالنَّاسَ, وَأَذْهَبُ لأَمْلِكَ عَلَى الأَشْجَارِ؟ 10ثُمَّ قَالَتِ الأَشْجَارُ لِلتِّينَةِ: تَعَالَيْ أَنْتِ وَامْلِكِي عَلَيْنَا. 11فَقَالَتْ لَهَا التِّينَةُ: أَأَتْرُكُ حَلاَوَتِي وَثَمَرِي الطَّيِّبَ وَأَذْهَبُ لأَمْلِكَ عَلَى الأَشْجَارِ؟ 12فَقَالَتِ الأَشْجَارُ لِلْكَرْمَةِ: تَعَالَيْ أَنْتِ وَامْلِكِي عَلَيْنَا. 13فَقَالَتْ لَهَا الْكَرْمَةُ: أَأَتْرُكُ مِسْطَارِي الَّذِي يُفَرِّحُ اللَّهَ وَالنَّاسَ وَأَذْهَبُ لأَمْلِكَ عَلَى الأَشْجَارِ؟ 14ثُمَّ قَالَتْ جَمِيعُ الأَشْجَارِ لِلْعَوْسَجِ: تَعَالَ أَنْتَ وَامْلِكْ عَلَيْنَا. 15فَقَالَ الْعَوْسَجُ لِلأَشْجَارِ: إِنْ كُنْتُمْ بِالْحَقِّ تَمْسَحُونَنِي عَلَيْكُمْ مَلِكاً فَتَعَالُوا وَاحْتَمُوا تَحْتَ ظِلِّي. وَإِلاَّ فَتَخْرُجَ نَارٌ مِنَ الْعَوْسَجِ وَتَأْكُلَ أَرْزَ لُبْنَانَ! 16فَالآنَ إِنْ كُنْتُمْ قَدْ عَمِلْتُمْ بِالْحَقِّ وَالصِّحَّةِ إِذْ جَعَلْتُمْ أَبِيمَالِكَ مَلِكاً, وَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ فَعَلْتُمْ خَيْراً مَعَ يَرُبَّعْلَ وَمَعَ بَيْتِهِ. وَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ فَعَلْتُمْ لَهُ حَسَبَ عَمَلِ يَدَيْهِ – 17لأَنَّ أَبِي قَدْ حَارَبَ عَنْكُمْ وَخَاطَرَ بِنَفْسِهِ وَأَنْقَذَكُمْ مِنْ يَدِ مِدْيَانَ – 18وَأَنْتُمْ قَدْ قُمْتُمُ الْيَوْمَ عَلَى بَيْتِ أَبِي وَقَتَلْتُمْ بَنِيهِ, سَبْعِينَ رَجُلاً عَلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ وَمَلَّكْتُمْ أَبِيمَالِكَ ابْنَ أَمَتِهِ عَلَى أَهْلِ شَكِيمَ لأَنَّهُ أَخُوكُمْ! 19فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ عَمِلْتُمْ بِالْحَقِّ وَالصِّحَّةِ مَعَ يَرُبَّعْلَ وَمَعَ بَيْتِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ, فَافْرَحُوا أَنْتُمْ بِأَبِيمَالِكَ, وَلِْيَفْرَحْ هُوَ أَيْضاً بِكُمْ. 20وَإِلاَّ فَتَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَبِيمَالِكَ وَتَأْكُلَ أَهْلَ شَكِيمَ وَسُكَّانَ الْقَلْعَةِ, وَتَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَهْلِ شَكِيمَ وَمِنْ سُكَّانِ الْقَلْعَةِ وَتَأْكُلَ أَبِيمَالِكَ». 21ثُمَّ هَرَبَ يُوثَامُ وَفَرَّ وَذَهَبَ إِلَى بِئْرَ, وَأَقَامَ هُنَاكَ مِنْ وَجْهِ أَبِيمَالِكَ أَخِيهِ.
ع7: جرزيم: الجبل الذى تُلِيَت عنده البركات لمن يطيع الله (يش8: 30-33) (خريطة11).
غضب يوثام جدًا من أهل شكيم لقتلهم إخوته، فصعد على جبل جرزيم الذى يطل على مدينة شكيم الكائنة فى الوادى أمامه بين جبل جرزيم وجبل عيبال ونادى على سكانها ليسمعوه فيقبلهم الله ويسمع طلباتهم. وهذه بداية حكيمة منه يجذبهم فيها لسماع كلامه لأنه تكلم من على جبل البركات بالإضافة إلى بدء كلامه بمثل ليشوقهم حتى يسمعوا كلامه، ومن على الجبل فى البرية يمكن أن يدوى الصوت فيسمع فى كل الوادى بل وعلى الجبل المقابل أيضًا.
ع8: تمسح عليها ملكًا : تقيم عليها ملكًا، وقيل “تمسح” لأن من طقوس إقامة ملوك بنى إسرائيل مسحهم بالمسحة المقدسة (الزيت المقدس).
ضرب لهم مثالاً من الطبيعة، قائلاً أن الأشجار قررت أن تقيم عليها ملكًا، فعرضوا المُلك على شجرة الزيتون.
ع9: رفضت شجرة الزيتون الملك قائلة أنها لن تضحى بدهنها الطيب ذى المنافع العديدة من إضاءة السرج وصنع دهن المسحة المقدس وإضافته لأطعمة شهية، فهى لن تترك كل هذا لكى تستعيض عنه بعظمة زائلة لا ينتفع بها أحد. فيعلن بهذا المثل أن عمل الإنسان وخدمته لمن حوله أهم من حبه للرئاسة الذى وراءه الكبرياء والتسلط كما فعل أبيمالك.
ع10، 11: توجهت الاشجار إلى شجرة أخرى نافعة هى شجرة التين وعرضت عليها أن تملك على بقية الأشجار، فرفضت أيضًا لأنها ليست على استعداد لأن تترك خدماتها للناس بمنحهم الثمر الطيب لذيذ الطعم لكى تتباهى بعظمة المُلك الزائفة.
ع12، 13: المسطار : عصير العنب الطازج قبل أن يختمر.
نفس العرض تقدمت به الأشجار للكرمة وأجابت بنفس الرد المشابه للأشجار النافعة الأخرى وهو أنها لن تترك عصير العنب الذى يفرح قلوب الناس ويسكب على الذبائح فيسر به الله ويرضى على مقدميها.
ع14: عندما لم تجد الأشجار استجابة من الأشجار البهية النافعة، اضطرت لعرض الملك على شجرة لا تعطى ثمرًا ولا ظلالاً وكلها شوك وهى شجرة العوسج والتى كانوا يستخدمون شوكها فى الوقود لأنه سريع الاشتعال.
ع15: كان العوسج يعلم برفض الأشجار الأخرى للمُلك ويعلم أن اللجوء إليه لم يكن لجدارته، لذلك تحدى الأشجار الأخرى بأنهم لو كانوا فعلاً يريدونه ملكًا عليهم فليأتوا ويحتموا بظله. قال هذا وهو يعلم أنه ليس له ظل لتتظلل به الأشجار وبالتالى فهو لا يستطيع حمايتها ولا يصلح ملكًا عليها. وأضاف أنه لو لم يقدروا أن يحتموا بظله – وهو بالتأكيد الأمر الواقعى – فسيحدث الخلاف بينهما لأن الأشجار ستدرك عدم نفع العوسج لها فتنقلب عليه وهو سيقابل انقلابها هذا بالعنف، إذ ستخرج نار منه لتحرق الأشجار حتى العظيمة فيها مثل شجر الأرز المعروف بضخامة جزعه وعلو ساقه.
كان يوثام بهذا المثال يشير لأهل شكيم بالأشجار، والأشجار النافعة وأشجار الأرز بأولاد جدعون الذين اغتالهم أبيمالك، ويشير بالعوسج إلى أبيمالك الشرير، مبينًا حماقة أهل شكيم فى الالتفاف حوله وتنصيبه ملكًا عليهم. ويشير أيضًا إلى أبناء جدعون الذين قتلوا بأنهم مثل أشجار الزيتون والكرمة والتينة الذين لا يطلبون حب الرئاسة بل يخدمون من حولهم فى هدوء. أما أبيمالك فيشير إليه بالعوسج العاجز عن خدمة غيره لأن ليس له ظل بل على العكس يؤذى من حوله بأشواكه ويحترق بسهولة، فيحرق من حوله الذين هم أهل شكيم المؤيدون له. ونرى هنا أن الاختيار السئ للقائد يؤذى كل من الشعب والقائد أيضًا.
ع16: ارتكب أهل شكيم خطأين كبيرين، الأول تمليكهم لأبيمالك والثانى عدم الوفاء وحفظ الجميل لجدعون وأبنائه. فوبخهم يوثام فى صيغة تساؤل أجاب عليه فى نهاية خطابه (ع20). فهو يسألهم إن كان تمليكهم لأبيمالك هو عدل وتم بناء على كفاءة وجدوها فيه، ويسألهم إن كانوا بتصرفهم هذا قد حفظوا الجميل الذى فعله لهم جدعون.
ع17: يذكرهم بما قام به جدعون من حروب بغرض إنقاذ بنى إسرائيل من بطش أعدائهم المديانيين، وما تحمله من مخاطر ليحقق لهم الحرية والأمان.
ع18: لم يعترض أهل شكيم على أفعال أبيمالك بقتله الأخوة السبعين أبناء جدعون، ولم يوبخوه على عمله الشرير، بل جاملوه وبايعوه ملكًا، وهو ليس ابنًا من زوجة حرة ولكنه ابن جارية، وبذلك لا يكون له حق فى أن يرث أبيه لا فى المال ولا فى السلطة.
ع19: يظهر يوثام تحقيره الشديد لفعل أهل شكيم مع جدعون وأهل بيته بأسلوب فيه استخفاف بتصرفهم، إذ يقول لهم أن ما قاموا به من عمل نحو بيت جدعون، ان كان عملاً عادلاً فهنيئًا لهم بأبيمالك ملكًا.
ع20: وإن لم يكن عملاً عادلاً بل عملاً ظالمًا – كما هو الحال فعلاً – فسينقلب عملهم عليهم وستشتعل نار النزاع والحروب بينهم وبين أبيمالك، فيموت منهم الكثيرون ويموت فيها أبيمالك أيضًا.
وقد تحقق بالفعل ما قاله يوثام كما سيأتى فى الأعداد التالية.
ع21: بعد إلقاء يوثام خطابه الذى يشع مرارة وجرأة فى نفس الوقت، هرب حتى لا يعثر عليه أبيمالك ويبطش به كما سبق وفعل بأخوته السبعين. وهرب إلى مكان يسمى “بئر” يقع بين شكيم وأورشليم.
V كن شجاعًا واعلن الحق حتى ينتبه الأشرار ويرجعوا عن خطاياهم، مع مراعاة ألا تخرج عن آداب الكلام ويكون قصدك خلاص الآخرين وليس مجرد غضب منك أو لأى غرض أو مصلحة شخصية، واسبق كلامك بالصلاة ليكون الكلام من الله وبقوته.
(3) غدر أهل شكيم بأبيمالك (ع22-33):
22فَتَرَأَّسَ أَبِيمَالِكُ عَلَى إِسْرَائِيلَ ثَلاَثَ سِنِينَ. 23وَأَرْسَلَ الرَّبُّ رُوحاً رَدِيئَاً بَيْنَ أَبِيمَالِكَ وَأَهْلِ شَكِيمَ، فَغَدَرَ أَهْلُ شَكِيمَ بِأَبِيمَالِكَ. 24لِيَأْتِيَ ظُلْمُ بَنِي يَرُبَّعْلَ السَّبْعِينَ وَيُجْلَبَ دَمُهُمْ عَلَى أَبِيمَالِكَ أَخِيهِمِ الَّذِي قَتَلَهُمْ، وَعَلَى أَهْلِ شَكِيمَ الَّذِينَ شَدَّدُوا يَدَيْهِ لِقَتْلِ إِخْوَتِهِ. 25فَوَضَعَ لَهُ أَهْلُ شَكِيمَ كَمِيناً عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ، وَكَانُوا يَسْتَلِبُونَ كُلَّ مَنْ عَبَرَ بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ. فَأُخْبِرَ أَبِيمَالِكُ. 26وَجَاءَ جَعَلُ بْنُ عَابِدٍ مَعَ إِخْوَتِهِ وَعَبَرُوا إِلَى شَكِيمَ فَوَثِقَ بِهِ أَهْلُ شَكِيمَ. 27وَخَرَجُوا إِلَى الْحَقْلِ وَقَطَفُوا كُرُومَهُمْ وَدَاسُوا وَصَنَعُوا تَمْجِيداً، وَدَخَلُوا بَيْتَ إِلَهِهِمْ وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا وَلَعَنُوا أَبِيمَالِكَ. 28فَقَالَ جَعَلُ بْنُ عَابِدٍ: «مَنْ هُوَ أَبِيمَالِكُ وَمَنْ هُوَ شَكِيمُ حَتَّى نَخْدِمَهُ؟ أَمَا هُوَ ابْنُ يَرُبَّعْلَ، وَزَبُولُ وَكِيلُهُ؟ اخْدِمُوا رِجَالَ حَمُورَ أَبِي شَكِيمَ. فَلِمَاذَا نَخْدِمُهُ نَحْنُ؟ 29مَنْ يَجْعَلُ هَذَا الشَّعْبَ بِيَدِي فَأَعْزِلَ أَبِيمَالِكَ». وَقَالَ لأَبِيمَالِكَ: «كَثِّرْ جُنْدَكَ وَاخْرُجْ!» 30وَلَمَّا سَمِعَ زَبُولُ رَئِيسُ الْمَدِينَةِ كَلاَمَ جَعَلَ بْنِ عَابِدٍ حَمِيَ غَضَبُهُ،
31وَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى أَبِيمَالِكَ فِي تُرْمَةَ يَقُولُ: «هُوَذَا جَعَلُ بْنُ عَابِدٍ وَإِخْوَتُهُ قَدْ أَتُوا إِلَى شَكِيمَ، وَهَا هُمْ يُهَيِّجُونَ الْمَدِينَةَ ضِدَّكَ. 32فَالآنَ قُمْ لَيْلاً أَنْتَ وَالشَّعْبُ الَّذِي مَعَكَ وَاكْمِنْ فِي الْحَقْلِ.
33وَيَكُونُ فِي الصَّبَاحِ عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ أَنَّكَ تُبَكِّرُ وَتَقْتَحِمُ الْمَدِينَةَ. وَهَا هُوَ وَالشَّعْبُ الَّذِي مَعَهُ يَخْرُجُونَ إِلَيْكَ فَتَفْعَلُ بِهِ حَسَبَمَا تَجِدُهُ يَدُكَ».
ع22: مع كل الشر الذى عمله أبيمالك وتآمره على إخوته وقتلهم طمعًا فى الانفراد بالرئاسة على إسرائيل، لم يهنأ بالملك سوى ثلاث سنوات وقعت بعدها أحداث وفتن أطاحت بملكه بل وبحياته أيضًا جزاء طرقه الشريرة غير المشروعة وسفكه للدماء البريئة.
وعندما يذكر أنه ترأس على إسرائيل فليس المقصود كل الأسباط ولكن على جزء منها وهو سبط منسى وبعض الأسباط المحيطة به.
ع23: سمح الله للشيطان أن يبث روح البغض والانقسام بين أبيمالك وأهل شكيم، فكان جزاؤه من نفس فعله، فكما غدر هو بإخوته غدر به أهل شكيم.
? من يؤسس حياته على الظلم فمصيره السقوط، والصداقة المبنية على المصلحة والأهداف الفاسدة مصيرها التحول إلى عداوة وبغض، وكل كسب أو مركز يناله صاحبه بطرق غير مشروعة مصيره إلى الزوال ومصير صاحبه الهلاك.
ع24: استخدم الله الشيطان ليعاقب من خلاله أبيمالك وأهل شكيم على ظلمهم لأبناء جدعون الذين قتلهم أبيمالك، فعدل الله لابد أن يتم فيجازى كل واحد حسب عمله.
ع25: كان من نتيجة روح الكراهية التى دبت فى نفوس أهل شكيم من جهة أبيمالك أن فكروا فى طريقة تخلصهم منه، فوضعوا أناسًا منهم رقباء على الطرق وسط الجبال المحيطة بمدينة شكيم ليقوموا بدور قطاع طرق ويسرقوا المسافرين، فيختل الأمن ويثور الناس على أبيمالك لعجزه عن حفظ الأمن، ووصلت أبيمالك أخبار تلك الأكمنة. وربما كانوا يهدفون إلى استفزازه فيخرج للتحقيق فى الأمر وضبط الأمن فيقتلوه.
ع26: ظهر خلال تلك الأحداث خصم جديد لأبيمالك هو “جعل بن عابد”، الذى كان يطمع فى اغتصاب الملك، فرأى أن القلاقل الحادثة ربما تجعل الناس يجتمعون حوله لنفورهم من حكم أبيمالك، وأن الوقت مناسب للثورة عليه. فجاء “جعل” إلى شكيم وتم ما توقعه إذ أن أهل شكيم التفوا حوله ووثقوا به وأيدوه فى مسعاه.
ع27: كان الوقت يوافق جمع الثمار، فقام أهل شكيم بطقس دينى وثنى كبداية لتحقيق خطتهم ضد أبيمالك، فخرجوا إلى الحقل وقطفوا كرومهم وعصروا العنب فى المعاصر ثم صنعوا تمجيدًا لآلهتهم وسبحوا لها داخل معبد “بعل بريث” إلههم، وأكلوا وشربوا فى الهيكل (هيكل البعل)، وصلوا لآلهتهم ليكون أبيمالك ملعونًا من تلك الآلهة فيتيسر لهم تحقيق الغلبة فى حربهم ضده.
? لا يزال طقس تمجيد القديسين قائمًا فى طقوس الكنيسة حتى الآن. ولكن شتان بين من يمجدون القديسين بغرض تتبع سيرتهم وجهادهم وتمسكهم بإيمانهم فى أصعب المواقف، وطلب بركاتهم وصلواتهم التشفعية، وما أعظم الفارق بين تمجيداتهم المقدسة وبين تمجيدات الوثنيين التى كان هدفها الفرح الدنيوى والتى يمارسون خلالها السكر والمجون تعبدًا لآلهتهم.
ع28: من هو أبيمالك ومن هم شكيم حتى تخدمه : المقصود هنا هو تكبير مقام أهل شكيم والتذكير برفعة مكانتهم إذا ما قورنوا بأبيمالك الوضيع الذى لا يستحق أن يخدم من شعب عريق مثل شعب شكيم.
أخذ “جعل” يحرض على كراهية أبيمالك والثورة ضده ونعته بأنه شخص وضيع غير جدير بالرئاسة عليهم، فأهل شكيم أرفع من أن يخضعوا لأبيمالك، فهو ابن جدعون الذى هدم مذبح البعل الذى يعبدونه، فكيف يملكون شخصًا حارب عبادتهم ؟ كذلك نعت “زبول” وكيل أبيمالك بأنه غير كفء ولا يستحق منصب نائب ملك. وزاد على ذلك بأن الأولى بالمُلك هم نسل حمور مؤسس المدينة وليس هذا الغريب ابن السُرِّية. فكيف يسوغ لنا أن نطيع أبيمالك ونخضع لحكمه وهو شخص عديم النزاهة وقاتل شرير.
ع29: إذا تجاوب معى الشعب وأطاعونى فسأكون قادرًا على إسقاط حكم أبيمالك. ثم أرسل “جعل” رسالة إلى أبيمالك يستهزئ به ويتحداه، وداعيًا إياه أن يزيد كما يشاء أعداد جنوده ويحضر لمواجهته.
ع30: كان أبيمالك قد أقام “زبول” رئيسًا لمدينة شكيم ووكيلاً له هناك بينما كان هو يقيم فى بلدة “أرومة” (ع41)، فوصل إلى سمع “زبول” ما قاله “جعل”، فتظاهر بموافقته على تصرفاته بينما كان يخفى داخل نفسه شيئًا آخر، إذ كان غاضبًا مما قاله وفعله “جعل”، وكان فى حقيقة الأمر يعمل لصالح سيده أبيمالك.
ع31: ترمة : هى أرومة (ع41) التى تقع على بعد 16.5كم شمال شرق شكيم (نابلس) (خريطة 10).
أرسل “زبول” فى الخفاء رسلاً إلى أبيمالك فى “ترمة” ليخبره بما جرى من وصول “جعل” إلى مدينة شكيم وإثارته لأهلها ضد أبيمالك.
ع32، 33: كان “زبول” وكيلاً مخلصًا لأبيمالك، فرسم له خطة ناجحة لمواجهة “جعل”، طالبًا منه ألا يدخل المدينة وإنما يكمن ليلاً فى الحقول حيث يختفى حتى الصباح حين يخرج “جعل” ورجاله عند أبواب المدينة فيكون مكشوفًا ليس له حصون يحتمى بها، فيفاجئ “جعل” وأعوانه ويهزمهم شر هزيمة ويفعل بهم ما يشاء.
(4) أبيمالك يهزم “جعل” (ع34-41):
34فَقَامَ أَبِيمَالِكُ وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ لَيْلاً وَكَمَنُوا لِشَكِيمَ أَرْبَعَ فِرَقٍ. 35فَخَرَجَ جَعَلُ بْنُ عَابِدٍ وَوَقَفَ فِي مَدْخَلِ بَابِ الْمَدِينَةِ. فَقَامَ أَبِيمَالِكُ وَالشَّعْبُ الَّذِي مَعَهُ مِنَ الْمَكْمَنِ. 36وَرَأَى جَعَلُ الشَّعْبَ فَقَالَ لِزَبُولَ: «هُوَذَا شَعْبٌ نَازِلٌ عَنْ رُؤُوسِ الْجِبَالِ». فَقَالَ لَهُ زَبُولُ: «إِنَّكَ تَرَى ظِلَّ الْجِبَالِ كَأَنَّهُ أُنَاسٌ». 37فَعَادَ جَعَلُ وَقَالَ أَيْضاً: «هُوَذَا شَعْبٌ نَازِلٌ مِنْ عِنْدِ أَعَالِي الأَرْضِ, وَفِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ آتِيَةٌ عَنْ طَرِيقِ بَلُّوطَةِ الْعَائِفِينَ». 38فَقَالَ لَهُ زَبُولُ: «أَيْنَ الآنَ فَمُكَ الَّذِي قُلْتَ بِهِ: مَنْ هُوَ أَبِيمَالِكُ حَتَّى نَخْدِمَهُ؟ أَلَيْسَ هَذَا هُوَ الشَّعْبُ الَّذِي رَذَلْتَهُ. فَاخْرُجِ الآنَ وَحَارِبْهُ». 39فَخَرَجَ جَعَلُ أَمَامَ أَهْلِ شَكِيمَ وَحَارَبَ أَبِيمَالِكَ. 40فَهَزَمَهُ أَبِيمَالِكُ, فَهَرَبَ مِنْ قُدَّامِهِ وَسَقَطَ قَتْلَى كَثِيرُونَ حَتَّى عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَابِ. 41فَأَقَامَ أَبِيمَالِكُ فِي أَرُومَةَ. وَطَرَدَ زَبُولُ جَعَلاً وَإِخْوَتَهُ عَنِ الْإِقَامَةِ فِي شَكِيمَ.
ع34: كمن أبيمالك فى الحقول ليلاً كما نصحه “زبول” وكيله بعد أن قسم جيشه أربع مجموعات استعدادًا لمحاربة “جعل” والذين تبعوه من أهل شكيم.
ع35: خرج “جعل” – كما توقع زبول – فى الصباح ليتخذ موقعًا له عند مدخل المدينة ليدافع عنها وليمنع جيش أبيمالك من دخولها. عندئذ خرج أبيمالك من مكمنه ليبدأ الحرب طبقًا لخطة رسمها مسبقًا كما سيأتى فى الأعداد التالية.
ع36: بدأ رجال أبيمالك ينزلون من أعالى الجبال المحيطة بالمدينة، فرآهم جعل وأراد أن يتحقق من صحة ما رآه فسأل “زبول” إن كان يرى ما يراه هو (وكان “زبول” كما سبق أن أوضحنا يتظاهر بمناصرة جعل بينما كان فى الحقيقة يعوق خطته لصالح سيده أبيمالك).
فخدع “زبول” جعل بقوله أن ما يراه ليس رجالاً إنما هى ظل الجبال كما تظهر فى الوقت المبكر من الصباح فيظنها الناظر وكأنها أشخاص.
ع37: العائفين : الذين يمارسون العيافة، وهى فى الأصل هش الطير لكى يطير فيرى الناس الاتجاه الذى يطير فيه فيتشاءمون أو يتفاءلون.
عاد جعل فرأى الرجال النازلين من الجبال يزدادون أكثر فأكثر، ورأى إحدى الفرق قادمة من اتجاه آخر هو طريق بلوطة المشتغلين بمعرفة الغيب. ويظهر من ذلك أن ما قام به أبيمالك من تقسيم جيشه إلى أربع فرق كان بهدف مهاجمة أعداءه من أكثر من جهة بغرض إرباكهم. عاد جعل ليؤكد لزبول أنهم فرق قادمة للحرب.
ع38: فوك : فمك.
اذ اقتربت الفرق لمواجهة أبيمالك وجيشه، أدرك “زبول” أن “جعل” قد تورط، فأنهى تظاهره بمساندة “جعل” وظهرت حقيقة تحالفه مع أبيمالك، فقال أنك تتكلم كلامًا فارغًا وليس لك قوة لمواجهة أبيمالك، أليس الجنود الذين تراهم قادمين عليك من كل اتجاه هم جنود أبيمالك الذين ازدريت بهم وهونت من أمرهم مهما كان عددهم. فالآن أرنا شجاعتك وقدراتك وتقدم لمحاربته إن استطعت.
ع39: لم يجد جعل مفرًا من المواجهة، فخرج متقدمًا أنصاره الذين تبعوه من أهل شكيم ليحاربوا أبيمالك.
ع40: دارت المعركة فانهزم جعل وهرب بعد أن سقط كثيرون من رجاله وغطت جثثهم أرض المعركة حتى وصلت إلى باب مدينة شكيم.
ع41: خرج “أبيمالك” من الحرب منتصرًا وعاد إلى المدينة التى كان قد اختارها مقرًا لإقامته وهى أرومة القريبة من شكيم. وكان “جعل” وفلول جيشه قد هربوا من أمام جيش أبيمالك إلى داخل مدينة شكيم، ولكن قام زبول وكيل أبيمالك بطردهم منها حتى يأمن عدم قيامهم بفتنة جديدة مستقبلاً.
? لا تندفع بتهديدات غير محسوبة ولا تقدر عليها، وتريث فى كلامك ليكن له قيمة ويحترمك الآخرون وتكون كل قراراتك عملية فيحبك الناس ويثقوا بك.
(5) أبيمالك يهدم شكيم ويحرق الحصن (ع42-49):
42وَكَانَ فِي الْغَدِ أَنَّ الشَّعْبَ خَرَجَ إِلَى الْحَقْلِ وَأَخْبَرُوا أَبِيمَالِكَ. 43فَأَخَذَ الْقَوْمَ وَقَسَمَهُمْ إِلَى ثَلاَثِ فِرَقٍ, وَكَمَنَ فِي الْحَقْلِ وَنَظَرَ وَإِذَا الشَّعْبُ يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ, فَقَامَ عَلَيْهِمْ وَضَرَبَهُمْ.
44وَأَبِيمَالِكُ وَالْفِرْقَةُ الَّتِي مَعَهُ اقْتَحَمُوا وَوَقَفُوا فِي مَدْخَلِ بَابِ الْمَدِينَةِ. وَأَمَّا الْفِرْقَتَانِ فَهَجَمَتَا عَلَى كُلِّ مَنْ فِي الْحَقْلِ وَضَرَبَتَاهُ. 45وَحَارَبَ أَبِيمَالِكُ الْمَدِينَةَ كُلَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ, وَأَخَذَ الْمَدِينَةَ وَقَتَلَ الشَّعْبَ الَّذِي بِهَا, وَهَدَمَ الْمَدِينَةَ وَزَرَعَهَا مِلْحاً. 46وَسَمِعَ كُلُّ أَهْلِ بُرْجِ شَكِيمَ فَدَخَلُوا إِلَى صَرْحِ بَيْتِ إِيلِ بَرِيثَ. 47فَأُخْبِرَ أَبِيمَالِكُ أَنَّ كُلَّ أَهْلِ بُرْجِ شَكِيمَ قَدِ اجْتَمَعُوا. 48فَصَعِدَ أَبِيمَالِكُ إِلَى جَبَلِ صَلْمُونَ هُوَ وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ. وَأَخَذَ أَبِيمَالِكُ الْفُؤُوسَ بِيَدِهِ, وَقَطَعَ غُصْنَ شَجَرٍ وَرَفَعَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهِ, وَقَالَ لِلشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ: «مَا رَأَيْتُمُونِي أَفْعَلُهُ فَأَسْرِعُوا افْعَلُوا مِثْلِي». 49فَقَطَعَ الشَّعْبُ أَيْضاً كُلُّ وَاحِدٍ غُصْناً وَسَارُوا وَرَاءَ أَبِيمَالِكَ, وَوَضَعُوهَا عَلَى الصَّرْحِ وَأَحْرَقُوا عَلَيْهِمِ الصَّرْحَ بِالنَّارِ. فَمَاتَ أَيْضاً جَمِيعُ أَهْلِ بُرْجِ شَكِيمَ, نَحْوُ أَلْفِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ.
ع42: بعد إخماد ثورة “جعل” على “أبيمالك” ظن أهل شكيم أن الأمور قد استقرت، فخرجوا إلى حقولهم يمارسون أعمالهم اليومية المعتادة، ولكن أبيمالك لم يكن ينظر للأمر بنفس النظرة، فبالرغم من عودته لمقر إقامته فى أرومة، لم يكن قلبه قد صفى من نحو أهل شكيم الذين غدروا به وأيدوا “جعل” ضده، فما أن علم بخروج أهل شكيم إلى أعمالهم المعتادة حتى أخذ يدبر كيف يهلكهم.
ع43: جمع أبيمالك جيشه ثانية وقسمه إلى ثلاث مجموعات، وذهب إلى المنطقة المحيطة بمدينة شكيم وكمن فى خارجها حتى خرج أهل المدينة إلى أعمالهم، فهجم عليهم وضربهم طبقًا لخطة كان قد رسمها سيأتى تفاصيلها فى العددين التاليين.
ع44: كانت تفاصيل الخطة التى رسمها هى أن يقود بنفسه إحدى المجموعات الثلاث التى قسم إليها جيشه، وتكون مهمتها قتل كل من يحاول الخروج إلى عمله وكل من يعود من عمله إلى المدينة. أما الفرقتان الأخرتان فكانت مهمتهما أن يقتلا كل من يجدونه خارج المدينة فى الحقول.
ع45: زرعها ملحًا : رش على أرضها الزراعية ملحًا حتى تظل بورًا فلا تزرع فيما بعد. وقد يكون هذا التعبير يعنى خراب المدينة والأراضى التى حولها.
وكانت المرحلة التالية فى الخطة التى رسمها ونفذها هى أنه بعد قضائه على الخارج والداخل من المدينة ومن هم خارجها، أنه يقتحم المدينة ويحاربها طوال اليوم ويستولى عليها ويقتل من فيها ويخرب أرضها حتى لا تزرع فيما بعد.
ع46: صرح بيت إيل بريث : حصن عالٍ ألحق بهيكل بعل بريث الذى يعبده أهل شكيم وهو حصن مجاور لبرج شكيم.
كان رد فعل ساكنى برج شكيم إزاء ما جرى فى مدينتهم هو لجوئهم إلى حصن “بيت إيل بريث” الملحق بالقلعة، وهو أكثر تحصينًا من برج شكيم، ليتحصنوا فيه ويقاوموا منه هجوم أبيمالك على مدينتهم.
ع47-49: جبل صلمون : جزء من جبل جرزيم قرب شكيم وهو مملوء بالأشجار.
علم أبيمالك بتحصن أهل شكيم فى البرج فبدأ يرسم خطة للاستيلاء عليه، فأخذ جيشه وصعد إلى جبل صلمون وقطع بفأسه غصنًا من أغصان الشجر الذى يكسو الجبل وأمر رجاله بأن يفعلوا مثله، ففعلوا كذلك وحمل كل جندى غصنًا على كتفه ووضعوها حول الحصن وأشعلوا فيها النار، فمات كل من كان فى الحصن وفى برجه محترقًا أو مختنقًا بالدخان، وكان عدد القتلى ألف شخص.
? لا تؤيد الأشرار لئلا يصيبك أذى ويعاقبك الله من أجل تشجيعك الشر. كن قويًا وإن لم توبخ الشر فعلى الأقل لا تشجعه لعل الأشرار يتوبون وحتى تنجى نفسك من عقاب الله.
(6) موت أبيمالك (ع50-57):
50ثُمَّ ذَهَبَ أَبِيمَالِكُ إِلَى تَابَاصَ وَنَزَلَ فِي تَابَاصَ وَأَخَذَهَا. 51وَكَانَ بُرْجٌ قَوِيٌّ فِي وَسَطِ الْمَدِينَةِ فَهَرَبَ إِلَيْهِ جَمِيعُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكُلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَغْلَقُوا وَرَاءَهُمْ وَصَعِدُوا إِلَى سَطْحِ الْبُرْجِ. 52فَجَاءَ أَبِيمَالِكُ إِلَى الْبُرْجِ وَحَارَبَهُ, وَاقْتَرَبَ إِلَى بَابِ الْبُرْجِ لِيُحْرِقَهُ بِالنَّارِ. 53فَطَرَحَتِ امْرَأَةٌ قِطْعَةَ رَحىً عَلَى رَأْسِ أَبِيمَالِكَ فَشَجَّتْ جُمْجُمَتَهُ. 54فَدَعَا حَالاً الْغُلاَمَ حَامِلَ عُدَّتِهِ وَقَالَ لَهُ: «اخْتَرِطْ سَيْفَكَ وَاقْتُلْنِي, لِئَلاَّ يَقُولُوا عَنِّي: قَتَلَتْهُ امْرَأَةٌ». فَطَعَنَهُ الْغُلاَمُ فَمَاتَ. 55وَلَمَّا رَأَى رِجَالُ إِسْرَائِيلَ أَنَّ أَبِيمَالِكَ قَدْ مَاتَ, ذَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَكَانِهِ. 56فَرَدَّ اللَّهُ شَرَّ أَبِيمَالِكَ الَّذِي فَعَلَهُ بِأَبِيهِ لِقَتْلِهِ إِخْوَتَهُ السَّبْعِينَ, 57وَكُلَّ شَرِّ أَهْلِ شَكِيمَ رَدَّهُ اللَّهُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ, وَأَتَتْ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ يُوثَامَ بْنِ يَرُبَّعْلَ.
ع50: بعد استيلاء أبيمالك على شكيم وإخضاعه لأهلها، واصل حملته ضد مدينة أخرى كانت قد انضمت إلى شكيم فى ثورتها ضد حكمه وهى مدينة “تاباص” التى تقع 10 أميال شمال شرق شكيم، فدخلها هو وجنوده واستولى عليها.
ع51: وكالعادة للاحتماء من جنود الأعداء، لجأ كل أهل المدينة من رجال ونساء وأطفال إلى الحصن فى برج قوى البنيان مشيد فى وسط المدينة، وصعدوا إلى المكان الأكثر أمانًا فى البرج وهو أعلاه، ومنه يستطيعون أيضًا أن يراقبوا تحركات جيش الأعداء.
ع52: حاول أبيمالك أن يهاجم البرج ويستولى عليه بنفس الطريقة التى فعلها فى هجومه على حصن بعل بريث، فاقترب من باب البرج لكى يحرقه بالنار.
ع53: شجت : كسرت.
واذ اقترب من الباب ليحرقه بالنار، ألقت امرأة قطعة من حجر الرحى الذى يطحن به الغلال على رأسه، فشجت جمجمته.
ع54: أحس أبيمالك أنه اقترب من الموت فأمر غلامه حامل سيفه وعدة حربه أن يخرج السيف ويقتله حتى لا يلحقه عار موته على يد امرأة، فأطاع الغلام ونفذ أمر سيده.
ع55: بالقضاء على أبيمالك تبدد أفراد الجيش الذى كان ملتفًا حوله وكذلك كل من ناصروه فى حروبه وذهب كل واحد فى طريقه.
ع56: كان هذا هو حكم السماء العادل على ما فعله أبيمالك من شر عظيم، بقتله إخوته أبناء جدعون السبعين دون وجه حق، كما كان هذا تحقيقًا لقول رب المجد فى الإنجيل “من قتل بالسيف بالسيف يقتل”.
? قد يتمهل الرب على الأشرار وينذرهم مرة ومرتين، ولكن طول أناته إن استغلها الأشرار فى التمادى فى شرهم، فإن الله لن يتركهم يفسدون فى الأرض بل يوقع عليهم العقاب المناسب. أما إن استجابوا لنداء الحكمة وتراجعوا عن ظلمهم فإن الله يصفح عنهم. ولنا فى الكتاب المقدس الكثير من الأحداث التى تؤكد هذا المعنى مثل قصة يونان وأهل نينوى.
ع57: كان لأبيمالك شركاء فى الشر الذى فعله وعاقبه الرب عليه، هم أهل شكيم الذين ناصروه فى البداية ووافقوه على فعله، فكان عقابهم هم أيضًا بمثابة رد شرورهم عليهم. فتحققت بذلك اللعنة التى أنبأهم بها يوثام فى حديثه وخرجت نار البغضة والحروب بين أبيمالك وشعب شكيم، فأحرقت قلاعهم بمن فيها وفى النهاية أحرقت أبيمالك نفسه.