مواصلة الانتصارات على المديانيين
(1) غضب أفرايم من جدعون (ع1-3) : 1وَقَالَ لَهُ رِجَالُ أَفْرَايِمَ: «مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي فَعَلْتَ بِنَا, إِذْ لَمْ تَدْعُنَا عِنْدَ ذِهَابِكَ لِمُحَارَبَةِ الْمِدْيَانِيِّينَ؟» وَخَاصَمُوهُ بِشِدَّةٍ. 2فَقَالَ لَهُمْ: «مَاذَا فَعَلْتُ الآنَ نَظِيرَكُمْ؟ أَلَيْسَ خُصَاصَةُ أَفْرَايِمَ خَيْراً مِنْ قَِطَافِ أَبِيعَزَرَ؟ 3لِيَدِكُمْ دَفَعَ اللَّهُ أَمِيرَيِ الْمِدْيَانِيِّينَ غُرَاباً وَذِئْباً. وَمَاذَا قَدِرْتُ أَنْ أَعْمَلَ نَظِيرَكُمْ؟». حِينَئِذٍ ارْتَخَتْ رُوحُهُمْ عَنْهُ عِنْدَمَا تَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلاَمِ.
ع1: كان طلب جدعون من سبط أفرايم هو السيطرة على تجمعات مياه الأردن لمنع الهاربين من المديانيين من العبور إلى بلادهم – كما جاء فى نهاية الأصحاح السابق – جاء هذا الطلب فى نهاية الحرب تقريبًا. على الرغم من تلبية أفرايم لنداء جدعون، إلا أنهم أخذوا عليه عدم استدعائهم من البداية للحرب ضد المديانيين، وغضبوا منه، إذ كانوا يعتبرون أنفسهم من أكبر وأهم الأسباط، فبعد قتل الأميرين غراب وذئب وقتل الكثيرين من جيش المديانيين، تكبروا خاصة وأن عندهم استعدادًا للكبرياء بسبب عددهم الكبير مع أنهم ليسوا فى شجاعة باقى الأسباط ولكنهم يعترضون كثيرًا بسبب كبريائهم.
ع2: أليس خصاصة أفرايم خيرًا من قطاف أبيعزر : الخصاصة هى الثمار التى تبقى على الشجرة بعد جنى الثمر، والقطاف هى الثمر الذى تم جنيه. فالخصاصة هى الفضلات بالنسبة للقطاف.
هنا ظهرت حكمة جدعون فى القيادة وواجه الأمر بلطف واتضاع، فأرجع إليهم الفضل الأكبر فى تحقيق الانتصار قائلاً لهم أن ما قام به هو فى الحرب لا يقارن بعملهم العظيم الذى عملوه. وزاد فى قوله بأن أقل فرد فيهم أعظم من أكبر فرد فى عشيرة أبيعزر، التى هو واحد منها، فأقل عمل قاموا به تجاه المديانيين أعظم قدرًا من أكبر عمل أنجزه هو وعشيرته. وبهذا تظهر طول أناته، فلم يوبخهم على استسلامهم سبع سنوات لذل المديانيين بل شجعهم وشكرهم ليعالج كبرياءهم أو صغر نفسهم ويكسب محبتهم باتضاعه.
ع3: ارتخت روحهم : هدأت نفوسهم.
لقد أعطاكم الرب أن تنتصروا على أميرى المديانيين “غراب وذئب” وتأسراهما وتقتلوهما، وكان هذا من أهم أسباب تحقيق الغلبة النهائية على جيش المديانيين. ثم تساءل : فماذا فعلت مثلكم، فمساهمتكم فى تحقيق النصر لا يمكن مقارنتها بعملى الصغير القيمة.
فقد اعتبر جدعون الضرب بالأبواق وكسر الجرار عملاً صغيرًا، أما مطاردة أفرايم للهاربين وقتل الأميرين فعملاً عظيمًا جدًا، وبهذا هدّأ نفوس سبط أفرايم وأزال غضبهم ضده.
? بهذا القول اللين والتواضع الشديد استطاع جدعون أن يهدئ حدة غضب سبط أفرايم منه فهدأت نفوسهم وانطفأت نيران الغضب. فكن طويل الأناة عندما يغضب عليك الآخرون وباتضاعك ومحبتك تستطيع أن تهدئهم وتكسبهم فتحولهم بمديحك لهم من أعداء إلى أصدقاء.
(2) عصيان أهل سكوت وفنوئيل ومعاقبتهم (ع4-17) :
4وَجَاءَ جِدْعُونُ إِلَى الأُرْدُنِّ وَعَبَرَ هُوَ وَالثَّلاَثُ مِئَةِ الرَّجُلِ الَّذِينَ مَعَهُ مُعْيِينَ وَمُطَارِدِينَ. 5فَقَالَ لأَهْلِ سُكُّوتَ: «أَعْطُوا أَرْغِفَةَ خُبْزٍ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ مَعِي لأَنَّهُمْ مُعْيُونَ, وَأَنَا سَاعٍ وَرَاءَ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ مَلِكَيْ مِدْيَانَ». 6فَقَالَ رُؤَسَاءُ سُكُّوتَ: «هَلْ أَيْدِي زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ بِيَدِكَ الآنَ حَتَّى نُعْطِيَ جُنْدَكَ خُبْزاً؟» 7فَقَالَ جِدْعُونُ: «لِذَلِكَ عِنْدَمَا يَدْفَعُ الرَّبُّ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ بِيَدِي أَدْرُسُ لَحْمَكُمْ مَعَ أَشْوَاكِ الْبَرِّيَّةِ بِالنَّوَارِجِ». 8وَصَعِدَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى فَنُوئِيلَ وَكَلَّمَهُمْ هَكَذَا. فَأَجَابَهُ أَهْلُ فَنُوئِيلَ كَمَا أَجَابَ أَهْلُ سُكُّوتَ, 9فَقَالَ أَيْضاً لأَهْلِ فَنُوئِيلَ: «عِنْدَ رُجُوعِي بِسَلاَمٍ أَهْدِمُ هَذَا الْبُرْجَ». 10وَكَانَ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ فِي قَرْقَرَ وَجَيْشُهُمَا مَعَهُمَا نَحْوُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً, كُلُّ الْبَاقِينَ مِنْ جَمِيعِ جَيْشِ بَنِي الْمَشْرِقِ. وَالَّذِينَ سَقَطُوا مِئَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ رَجُلٍ مُخْتَرِطِي السَّيْفِ. 11وَصَعِدَ جِدْعُونُ فِي طَرِيقِ سَاكِنِي الْخِيَامِ شَرْقِيَّ نُوبَحَ وَيُجْبَهَةَ, وَضَرَبَ الْجَيْشَ وَكَانَ الْجَيْشُ مُطْمَئِنّاً. 12فَهَرَبَ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ, فَتَبِعَهُمَا وَأَمْسَكَ مَلِكَيْ مِدْيَانَ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ وَأَزْعَجَ كُلَّ الْجَيْشِ. 13وَرَجَعَ جِدْعُونُ بْنُ يُوآشَ مِنَ الْحَرْبِ مِنْ عِنْدِ عَقَبَةِ حَارَسَ. 14وَأَمْسَكَ غُلاَماً مِنْ أَهْلِ سُكُّوتَ وَسَأَلَهُ, فَكَتَبَ لَهُ رُؤَسَاءَ سُكُّوتَ وَشُيُوخَهَا, سَبْعَةً وَسَبْعِينَ رَجُلاً. 15وَدَخَلَ إِلَى أَهْلِ سُكُّوتَ وَقَالَ: «هُوَذَا زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ اللَّذَانِ عَيَّرْتُمُونِي بِهِمَا قَائِلِينَ: هَلْ أَيْدِي زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ بِيَدِكَ الآنَ حَتَّى نُعْطِي رِجَالَكَ الْمُعْيِينَ خُبْزاً؟» 16وَأَخَذَ شُيُوخَ الْمَدِينَةِ وَأَشْوَاكَ الْبَرِّيَّةِ وَالنَّوَارِجَ وَعَلَّمَ بِهَا أَهْلَ سُكُّوتَ. 17وَهَدَمَ بُرْجَ فَنُوئِيلَ وَقَتَلَ رِجَالَ الْمَدِينَةِ.
ع4: عبر جدعون ورجاله الأردن إلى الضفة الشرقية لكى يطارد الهاربين من الأعداء الذين نجحوا فى عبور النهر. وكان رجاله وهم يطاردون الأعداء الهاربين قد تعبوا تعبًا شديدًا من جراء ما بذلوه من جهد فى الحرب ضد المديانيين.
ع5: سكوت : مدينة تبعد حوالى 6 كم شرق نهر الأردن فى نصيب سبط جاد، وتقع شمال نهر يبـوق. ومعنـى اسمها مظلات لأن يعقوب عمل مظلات بنفسه عندما أقام فيها (تك33: 17) (خريطة 12).
وصل جدعون ورجاله إلى بلدة تسمى سكوت، وكانوا متعبين وجياع. فطلب جدعون من أهل سكوت أن يقدموا طعامًا للرجال الذين معه حتى يشبعوا جوعهم ويتمكنوا من مواصلة السير سعيًا وراء ملكى الميدانيين “زبح وصلمناع” لكى يقبضوا عليهما ويقتلاهما جزاء الشرور التى ارتكبوها فى حق شعب إسرائيل.
ع6: رد عليه أهل سكوت بجفاء قائلين له هل قبضت بالفعل على زبح وصلمناع وأصبحوا تحت سيطرتك. كان هذا تهكمًا منهم عليه، إذ رأوا ضآلة جيشه فاستخفوا به وبمن معه من الرجال، معتقدين أنه لن يمكنه هو ورجاله القليلو العدد أن يفعلوا شيئًا. ولعل رفض أهل سـكوت مساعدة جدعون ورجاله يرجع إلى :
- البخل الشديد والأنانية.
- وجود مصالح بينهم وبين جيرانهم المديانيين، أو خوفهم من المديانيين، وعدم خوفهم من الله وابتعادهم عن عبادته.
ع7: نوارج : جمع نورج وهو عربة تسير على عجل عبارة عن سكاكين تقطع أعواد القمح بعد حصاده تمهيدًا لفصل الحبوب عن القش وتسمى هذه عملية الدراس. فكما تختلط الحبوب مع القش، سيخلط جدعون لحم أهل سكوت مع أشواك الصحراء عندما يدرسها بالنورج، أى سيقتلهم ويقطع لحومهم.
كان جدعون واثقًا أن الرب سيسلم أعداءه زبح وصلمناع ليده، وأنذر أهل سكوت بالعقاب الذى يتوعدهم به حينما يتم ذلك، بأنه سيدرس لحومهم مع أشواك البرية بالنوارج، لأنه اعتبر كلامهم ليس مجرد إهانة لشخصه بل للرب لأنهم شكوا فى نصرة الرب له.
ع8: فنوئيل : معنى اسمها وجه الله وتقع شرق مدينة سكوت التى فى شرق الأردن وفيها رأى يعقوب الله وصارعه (تك32: 30).
استمر جدعون وجيشه الصغير فى السير حتى وصل إلى المدينة التالية بعد سكوت بمسافة قصيرة وهى “فنوئيل”، وطلب من أهلها نفس الطلب الذى سبق وطلبه من أهل سكوت وهو أن يعطوا طعامًا لرجاله فرفضوا هم أيضًا.
ع9: كان رد جدعون على جواب أهل فنوئيل يحمل معنى الثقة التامة فى نصرة الرب وفى رجوعه بسلام بعد أداء مهمته. عندئذ توعدهم بهدم البرج الذى كان أهل فنوئيل يحتمون فيه وقت الخطر.
ع10: قرقر : مدينة للمديانيين تقع شرق الأردن.
كان ملكا المديانيين “زبح وصلمناع” فى “قرقر” ومعهما ما تبقى من الجيش، 15 ألفًا، الجيش الذى كان مكونًا من المديانيين والعمالقة والمتحالفين معهم من الشعوب القاطنة شرقى الأردن وشرقى البحر الأحمر.
كان عدد رجال هذا الجيش عند اندلاع القتال 135 ألفًا قتل منهم على يد جدعون ورجاله 120 ألفًا ولم يتبقى سوى 15 ألفًا من حاملى السلاح.
ع11: نوبح : من مدن سبط جاد شرق جلعاد.
يجبهة : تقع شمال غرب عمان بنحو 9.5كم.
لم يسلك جدعون الطريق المعتاد لكى يصل إلى قرقر ولكنه اختار طريقًا آخر يسكن على جانبيه جماعات بدوية. فكان وصوله إلى قرقر مفاجئًا للملكين “زبح وصلمناع” إذ كانا مطمئنين ولم يتوقعا أبدًا وصوله من هذا الطريق. أحدثت المفاجأة اضطرابًا فى صفوف جيش الملكين، فتشتت شمله بعد أن قتل معظمه ولم يجد الملكان حيلة سوى الفرار.
? إقرارنا بأن الله هو العامل والمدبر فى حياتنا لا يصح أن يثنينا عن أن نبذل جهدنا فى التخطيط لحياتنا وتدبير أمورنا. فها هو جدعون وقد تيقن من إرادة الرب فى نصرته، لم يركن إلى التواكل والكسل بل أخذ يضع الخطط التى تكفل له تحقيق هذا النصر فكانت هناك فكرة الجرار الفارغة والمشاعل وضرب الأبواق – كما جاء فى الأصحاح السابق – كما كانت خطته للوصول إلى قرقر عن طريق ساكنى الخيام. فلابد أن نشترك فى العمل مع الرب ولو بجهدنا الضئيل والرب يكمل.
ع12: هرب الملكان ولكن جدعون لحق بهما وأسرهما بعد أن سبب اضطرابًا عظيمًا فى صفوف جيشهما وأهلك معظم مقاتليه.
ع13: عقبة حارس : مدينة مرتفعة بجوار جبل يسمى حارس يقع شرق الأردن.
رجع جدعون ورجاله منتصرًا وفى قبضته “زبح وصلمناع” أسيران، ووصلوا إلى سكوت مارين بمنطقة تسمى عقبة حارس.
ع14: قبض جدعون على غلام من أهل سكوت وطلب منه أن يكتب كشفًا بأسماء رؤساء المدينة وشيوخها فكان عددهم سبعة وسبعين رجلاً.
ع15: دخل جدعون إلى مدينة سكوت وتحدث إلى أهلها وأراهم زبح وصلمناع وقد سلمهم الرب ليده وأصبحا أسيرين لديه، وذكرهم بعدم تجاوبهم مع طلبه حين سألهم خبزًا لرجاله وهو فى طريقه لمحاربة الملكين، بل ذكرهم بردهم المهين والملئ بالتهكم والتشكيك فى قدرته على مجابهة العدو بل الشك فى قدرة الله.
ع16: علم بها أهل سكوت : أعطاهم بذلك درسًا حتى لا يكرروا خطأهم مرة أخرى.
نفذ جدعون ما سبق وهدد به أهل المدينة، فأخذ أكابر أهلها وجعلهم يتمددون على الشوك الذى فرشه تحتهم ثم جعل النوارج تدوسهم فقتلهم شر قتلة، وجعلهم عبرة للذين يخذلون أخوتهم، فأدب أهل تلك المدينة بما فعله بشيوخهم الذين كانوا السبب فى رفض مساعدة جدعون وتهييج أهل المدينة ضده.
ع17: نفذ جدعون أيضًا ما سبق وتوعد به أهل مدينة فنوئيل فهدم البرج الذى كانوا يتحصنون به وقتل رجال المدينة.
? حاول أهل سكوت وفنوئيل إضعاف عزيمة جدعون ورجاله فكان عقابهم هو الموت. فلا تشكك فى عمل غيرك، بل شجع الجميع لاحتمال الضيقات وتخطى الفشل بقوة الله فيباركك وينصرك فى كل خطواتك.
(3) جدعون يقتل ملكى مديان (ع18-21) :
18وَقَالَ لِزَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ: «كَيْفَ الرِّجَالُ الَّذِينَ قَتَلْتُمَاهُمْ فِي تَابُورَ؟» فَقَالاَ: «مَثَلُهُمْ مَثَلُكَ. كُلُّ وَاحِدٍ كَصُورَةِ أَوْلاَدِ مَلِكٍ». 19فَقَالَ: «هُمْ إِخْوَتِي بَنُو أُمِّي. حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ لَوِ اسْتَحْيَيْتُمَاهُمْ لَمَا قَتَلْتُكُمَا!». 20وَقَالَ لِيَثَرَ بِكْرِهِ: «قُمِ اقْتُلْهُمَا». فَلَمْ يَخْتَرِطِ الْغُلاَمُ سَيْفَهُ, لأَنَّهُ خَافَ, بِمَا أَنَّهُ فَتىً بَعْدُ. 21فَقَالَ زَبَحُ وَصَلْمُنَّاعُ: «قُمْ أَنْتَ وَقَعْ عَلَيْنَا, لأَنَّهُ مِثْلُ الرَّجُلِ بَطْشُهُ». فَقَامَ جِدْعُونُ وَقَتَلَ زَبَحَ وَصَلْمُنَّاعَ, وَأَخَذَ الأَهِلَّةَ الَّتِي فِي أَعْنَاقِ جِمَالِهِمَا.
ع18: لم تكن مضايقة المديانيين لبنى إسرائيل تقتصر على اغتصاب محاصيلهم الزراعية ومواشيهم وأموالهم، بل تعدت ذلك إلى قتل صفوة رجالهم وشبابهم رغبة فى تصفية شباب شعب الله وحرمان شعبهم منهم. وهنا يذكرهم جدعون بقتلهم إخوته فى “تابور” أيام تسلطهم على بنى إسرائيل. واعترف الملكان بقتلهم الشباب الممتاز حيث وصفوهم بأنهم كانوا فى جمال وقوة أولاد الملوك.
ع19: عرفهم بشخصية هؤلاء الشباب وأنهم كانوا أشقائه من أبيه وأمه، وبين لهم أنهم لو كانوا قد أبقوا على حياة إخوته لعفا عنهم الآن.
ع20: لم يخترط سيفه : يستل أو يخرج سيفه من غمده ليقتل.
أمر جدعون ابنه البكر “يثر” أن يقتلهما، ولكن الولد لم يجرؤ لحداثة سنه. وقد أراد جدعون أن يقتلهما فتى تحقيرًا لهما.
ع21: قع علينا : قف أنت واقتلنا بنفسك.
مثل الرجل بطشه : أنت رجل قوى وتستطيع أن تقتلنا بضربة سيف واحدة قوية.
الأهلة : جمع هلال وكانت مصنوعة من الذهب أو الفضة.
طلب ملكا المديانيين من جدعون أن يقتلهما بنفسه، لأنه لو قتلهما الفتى لما كان له القوة ليقطع رأسهما من أول ضربة بالسيف مما سيطيل ويزيد ألم الملكين، أما جدعون فكانت ضربة واحدة من سيفه كافية، وبذلك تكون آلامهما أقل. بالإضافة إلى أنه شرف لهما أن يقتلهما القائد عن أن يقتلهما أى جندى أو فتى. وبعد أن قتلهما أخذ الأهلة الذهبية والفضية التى كانوا يعلقونها فى أعناق جمالهم لأجل الزينة.
? كان الملكان قاسيين فى قتلهما شباب العظماء فى تابور فكان ذلك سببًا فى قتلهما. فلا تتسرع فى تصرفات قاسية أو ظالمة لئلا تأتى عليك ويعاقبك الله بنفس أعمالك، بل كن رحيمًا فتنال رحمة من الله.
(4) رفض جدعون أن يملك على الشعب ولكنه صنع أفودًا (ع22-28) :
22وَقَالَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ لِجِدْعُونَ: «تَسَلَّطْ عَلَيْنَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنُ ابْنِكَ, لأَنَّكَ قَدْ خَلَّصْتَنَا مِنْ يَدِ مِدْيَانَ». 23فَقَالَ لَهُمْ جِدْعُونُ: «لاَ أَتَسَلَّطُ أَنَا عَلَيْكُمْ وَلاَ يَتَسَلَّطُ ابْنِي عَلَيْكُمُ. الرَّبُّ يَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمْ». 24ثُمَّ قَالَ لَهُمْ جِدْعُونُ: «أَطْلُبُ مِنْكُمْ طِلْبَةً: أَنْ تُعْطُونِي كُلُّ وَاحِدٍ أَقْرَاطَ غَنِيمَتِهِ». لأَنَّهُ كَانَ لَهُمْ أَقْرَاطُ ذَهَبٍ لأَنَّهُمْ إِسْمَاعِيلِيُّونَ. 25فَقَالُوا: «إِنَّنَا نُعْطِي». وَفَرَشُوا رِدَاءً وَطَرَحُوا عَلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ أَقْرَاطَ غَنِيمَتِهِ. 26وَكَانَ وَزْنُ أَقْرَاطِ الذَّهَبِ الَّتِي طَلَبَ أَلْفاً وَسَبْعَ مِئَةِ شَاقِلٍ ذَهَباً, مَا عَدَا الأَهِلَّةَ وَالْحَلَقَ وَأَثْوَابَ الأُرْجُوانِ الَّتِي عَلَى مُلُوكِ مِدْيَانَ, وَمَا عَدَا الْقَلاَئِدَ الَّتِي فِي أَعْنَاقِ جِمَالِهِمْ. 27فَصَنَعَ جِدْعُونُ مِنْهَا أَفُوداً وَجَعَلَهُ فِي مَدِينَتِهِ فِي عَفْرَةَ. وَزَنَى كُلُّ إِسْرَائِيلَ وَرَاءَهُ هُنَاكَ, فَكَانَ ذَلِكَ لِجِدْعُونَ وَبَيْتِهِ فَخّاً. 28وَذَلَّ مِدْيَانُ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ يَعُودُوا يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ. وَاسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي أَيَّامِ جِدْعُونَ.
ع22: اعترافًا بفضل جدعون على بنى إسرائيل، ووفاءً منهم لمن خلصهم من العبودية للمديانيين، عرضوا عليه أن يملك عليهم هو ونسله من بعده. وكان هذا تشبهًا بالأمم المحيطة بهم، لأن بنى إسرائيل كان الله هو الذى يملك عليهم ولم يقيموا ملوكًا إلا فيما بعد أيام صموئيل عندما أقام شاول ملكًا (1صم8: 5، 10: 24).
ع23: كان جدعون متواضعًا فى طلبه ولم يكن مغترًا بما حققه من انتصار، فاكتفى بأن حقق لهم الخلاص ولم يكن طامعًا فى ملك أو سلطة، بل ذكر الشعب بأنه لم يكن سوى وسيطًا فى تحقيق هذا الخلاص الذى كان من قبل الرب وحده، فهو الجدير بأن يملك عليهم. وهذا يظهر تقوى واتضاع جدعون، فهو يؤمن أن الله هو القائد والملك على شعبه ولم يستغل خضوع الشعب له ليسرق مجد الله.
? إياك أن تسرق مجد الله عندما يمدحك الآخرون، بل انسب المجد له، ولا تستغل احتياج الآخرين أو ضعفهم لتتسلط عليهم، واعلم أنك أنت وهم عبيد لله أى كن متضعًا مهما زين الشيطان لك فرصة للتفاخر والكبرياء.
ع24: أقراط : جمع قرط وهو ما يلبس فى الأذن للزينة.
غنيمته : ما غنمه بنو إسرائيل من المديانيين.
كان لهم : أى كان للمديانيين.
طلب جدعون من الشعب أن يعطوه أقراط الذهب التى غنموها من المديانيين. فقد كان من عادة المديانيين أن يلبس نساؤهم وأحيانًا رجالهم أيضًا أقراطًا من الذهب تشبهًا بالاسماعيليين الذين كانوا قد اختلطوا بهم بالمصارهة والتجارة، فالمديانيون هم نسل قطورة زوجة إبراهيم وليسوا نسل اسماعيل.
ع25: إذ رأى بنو إسرائيل تواضع جدعون وزهده فى الملك، لم يترددوا لحظة فى تلبية طلبه بجمع الأقراط، ففرشوا ثوبًا على الأرض وألقى كل منهم أقراط الذهب التى غنموها من المديانيين.
ع26: القلائد : جمع قلادة وهو ما يلبسه الإنسان حول رقبته.
شاقل : 11-15 جم.
كان وزن أقراط الذهب التى تم جمعها حوالى 25 كجم، مما يدل على غنى المديانيين، هذا بخلاف الأهلة الذهبية التى كانت تعلق على الجمال والخيل والحلى المصنوعة على شكل حلقات (الخلاخيل والكردانات)، والأثواب الفاخرة من القماش الأرجوانى الملون الخاص بالملوك والرؤساء المديانيين، وكذلك القلائد الذهبية التى كانوا يضعونها حول أعناق الجمال كنوع من الزينة والتفاخر بالغنى.
ع27: زنى كل إسرائيل وراءه : تركوا عبادة الرب وعبدوا الأفود التى صنعها جدعون.
كان ذلك لجدعون ولبيته فخًا : كان موضوع الأفود سببًا أوقع جدعون وأهل بيته فى مشاكل.
الأفود : هو رداء قصير يغطى الصدر، وكان جزءًا من ثياب رئيس الكهنة لكى يلبسه عندما يقضى للشعب) ليعطيه هيبة ووقارًا. وقد كان صموئيل وداود يفعلون نفس الشئ فى مناسبات معينة (1أى15: 27).
صنع جدعون أفودًا من القماش الفاخر وزينه بالذهب الذى جمعه من الشعب.
ووضع الأفود فى مدينته عفرة وكانت نيته من صنع الأفود حسنة، ولكن جاءت الأمور بصورة عكسية، فقد كانت عثرة للشعب إذ تركوا عبادة الرب وبهرهم الأفود ببريقه الذهبى فعبدوه مثلما فعلوا سابقًا مع العجل الذهبى أثناء خروجهم من مصر إلى سيناء.
ووقوع الشعب فى عبادة الأفود أحزن جدعون وأهل بيته وربما انحرف بعضهم إلى الغرور والتكبر والبحث عن الرئاسة والسلطة مما أدى بأبيمالك – أحد أبناء جدعون – إلى القيام بحركته التى راح ضحيتها سبعون ابنًا لجدعون (ص9، 10).
ع28: انتصار بنى إسرائيل على المديانيين أذلهم، أما بنو إسرائيل فقد ارتفعت رؤوسهم طوال المدة التى قضاها جدعون قاضيًا لشعبه وهى مدة 40 سنة، فاستراح الشعب من مضايقات المديانيين ومن أعمال السلب والنهب والقتل التى كانوا يقترفونها.
(5) موت جدعون (ع29-35) :
29وَذَهَبَ يَرُبَّعْلُ بْنُ يُوآشَ وَأَقَامَ فِي بَيْتِهِ. 30وَكَانَ لِجِدْعُونَ سَبْعُونَ وَلَداً خَارِجُونَ مِنْ صُلْبِهِ, لأَنَّهُ كَانَتْ لَهُ نِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ. 31وَسُرِّيَّتُهُ الَّتِي فِي شَكِيمَ وَلَدَتْ لَهُ هِيَ أَيْضاً ابْناً فَسَمَّاهُ أَبِيمَالِكَ.
32وَمَاتَ جِدْعُونُ بْنُ يُوآشَ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ, وَدُفِنَ فِي قَبْرِ يُوآشَ أَبِيهِ فِي عَفْرَةِ أَبِيعَزَرَ. 33وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ جِدْعُونَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجَعُوا وَزَنُوا وَرَاءَ الْبَعْلِيمِ, وَجَعَلُوا لَهُمْ بَعَلَ بَرِيثَ إِلَهاً. 34وَلَمْ يَذْكُرْ بَنُو إِسْرَائِيلَ الرَّبَّ إِلَهَهُمُ الَّذِي أَنْقَذَهُمْ مِنْ يَدِ جَمِيعِ أَعْدَائِهِمْ مِنْ حَوْلِهِمْ. 35وَلَمْ يَعْمَلُوا مَعْرُوفاً مَعَ بَيْتِ يَرُبَّعْلَ (جِدْعُونَ) نَظِيرَ كُلِّ الْخَيْرِ الَّذِي عَمِلَ مَعَ إِسْرَائِيلَ.
ع29: بعد كفاحه الذى كُلِّل بالنصر، عاد يربعل – وهو الاسم الآخر لجدعون – عاد ليقيم فى عفرة مدينته ليمارس مهمة القاضى لشعبه.
ع30: خارجون من صلبه : أى من نسله وليس بالتبنى.
كان لجدعون زوجات كثيرات مثلما كان شأن الكثيرين فى تلك العصور، وأنجب منهم سبعين ابنًا.
ع31: كان لجدعون جارية اتخذها كزوجة بالإضافة إلى زوجاته الأخريات الأصليات، والتى كانت تعتبر طبقًا لتقاليد ذلك العصر فى مقام أقل من الزوجة الأصلية، ولدت له جاريته ابنًا دعاه “أبيمالك”.
ع32: بعد جهاد طويل وخدمة صالحة، مات جدعون ودفن فى قبر أبيه يوآش فى مدينة عفرة التى يسكنها عشيرة أبيعزر التى كان جدعون ينتمى إليها.
ع33: من جديد يعود شعب الله وينسى ما صنعه لهم الرب وإنقاذهم من يد المديانيين. فبمجرد موت جدعون، خانوا الرب وعبدوا الآلهة الكاذبة، مقلدين الشعوب الوثنية باعطائهم أسماء لهذه الآلهة، فسموا الإله الذى كان يعبده أهل شكيم “بعل بريث” أى “رب العهد” أو “سيد العهد” وكأنهم أقاموا عهدًا معه.
ع34: نسوا الرب إلههم ولم يذكروا أعماله العظيمة المتكررة معهم حين أنقذهم من أعدائهم مثل المديانيين.
ع35: تنكر الشعب للرب وتنكروا أيضًا لجدعون الذى أدى لهم معروفًا كبيرًا وخلصهم من المديانيين ولم يحفظوا الجميل له ولأسرته، إذ لم يتدخلوا فيما بعد – كما سنرى فى الأصحاحات التالية – لمنع قتل أبنائه السبعين، بل شاركوا فى هذا العمل الردئ والقاسى إرضاء لابنه أبيمالك.
? كن متمسكًا بتعاليم آبائك ومعلميك حتى لو ماتوا، إذ هم قدوة لك وعلموك وصايا الله. فلا تتهاون بها واعلم أنهم ينظرون إليك من السماء ويصلون من أجلك لتحيا مستقيمًا أمام الله.