الانتصار على بنى عمون
(1) اختيار يفتاح رئيسًا على جلعاد (ع1-11): 1وَكَانَ يَفْتَاحُ الْجِلْعَادِيُّ جَبَّارَ بَأْسٍ, وَهُوَ ابْنُ امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ. وَجِلْعَادُ وَلَدَ يَفْتَاحَ. 2ثُمَّ وَلَدَتِ امْرَأَةُ جِلْعَادَ لَهُ بَنِينَ. فَلَمَّا كَبِرَ بَنُو الْمَرْأَةِ طَرَدُوا يَفْتَاحَ, وَقَالُوا لَهُ: «لاَ تَرِثْ فِي بَيْتِ أَبِينَا لأَنَّكَ أَنْتَ ابْنُ امْرَأَةٍ أُخْرَى». 3فَهَرَبَ يَفْتَاحُ مِنْ وَجْهِ إِخْوَتِهِ وَأَقَامَ فِي أَرْضِ طُوبٍ. فَاجْتَمَعَ إِلَى يَفْتَاحَ رِجَالٌ بَطَّالُونَ وَكَانُوا يَخْرُجُونَ مَعَهُ. 4وَكَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ أَنَّ بَنِي عَمُّونَ حَارَبُوا إِسْرَائِيلَ. 5وَلَمَّا حَارَبَ بَنُو عَمُّونَ إِسْرَائِيلَ ذَهَبَ شُيُوخُ جِلْعَادَ لِيَأْتُوا بِيَفْتَاحَ مِنْ أَرْضِ طُوبٍ. 6وَقَالُوا لِيَفْتَاحَ: «تَعَالَ وَكُنْ لَنَا قَائِداً فَنُحَارِبَ بَنِي عَمُّونَ». 7فَقَالَ يَفْتَاحُ لِشُيُوخِ جِلْعَادَ: «أَمَا أَبْغَضْتُمُونِي أَنْتُمْ وَطَرَدْتُمُونِي مِنْ بَيْتِ أَبِي؟ فَلِمَاذَا أَتَيْتُمْ إِلَيَّ الآنَ إِذْ تَضَايَقْتُمْ؟» 8فَقَالَ شُيُوخُ جِلْعَادَ لِيَفْتَاحَ: «لِذَلِكَ قَدْ رَجَعْنَا الآنَ إِلَيْكَ لِتَذْهَبَ مَعَنَا وَتُحَارِبَ بَنِي عَمُّونَ, وَتَكُونَ لَنَا رَأْساً لِكُلِّ سُكَّانِ جِلْعَادَ». 9فَقَالَ يَفْتَاحُ لِشُيُوخِ جِلْعَادَ: «إِذَا أَرْجَعْتُمُونِي لِمُحَارَبَةِ بَنِي عَمُّونَ وَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ أَمَامِي فَأَنَا أَكُونُ لَكُمْ رَأْساً». 10فَقَالَ شُيُوخُ جِلْعَادَ لِيَفْتَاحَ: «الرَّبُّ يَكُونُ سَامِعاً بَيْنَنَا إِنْ كُنَّا لاَ نَفْعَلُ هَكَذَا حَسَبَ كَلاَمِكَ». 11فَذَهَبَ يَفْتَاحُ مَعَ شُيُوخِ جِلْعَادَ, وَجَعَلَهُ الشَّعْبُ عَلَيْهِمْ رَأْساً وَقَائِداً. فَتَكَلَّمَ يَفْتَاحُ بِجَمِيعِ كَلاَمِهِ أَمَامَ الرَّبِّ فِي الْمِصْفَاةِ.
ع1: يبدأ الوحى فى هذا الأصحاح بسرد تدخل الرب من جديد لانقاذ شعبه استجابة لصلواتهم وتوبتهم وتضرعاتهم. فيعرفنا بدءًا من هذا العدد بشخصية القاضى الجديد الذى اختاره الرب ليخلص بواسطته شعبه وهو “يفتاح” الملقب بالجلعادى نسبة إلى أبيه جلعاد وإلى موطنه أرض جلعاد.
كانت امرأة جلعاد لا تلد بنينًا، فأخطأ جلعاد مع امرأة زانية وولدت له يفتاح. وهنا تظهر رحمة الله الذى لا يعاقب إنسانًا بسبب شر أبيه ما دام يسلك مع الله ويتمسك بوصاياه بل يختاره قائدًا لشعبه.
ع2: ولكن بعد مولد يفتاح ولدت امرأته الشرعية بنين، فلما كبروا طردوا يفتاح من بينهم قائلين له أنه ابن امرأة زانية لا يحق له أن يرث معهم.
ع3: بعد أن طُرِدَ يفتاح من إخوته، سكن فى أرض طوب على حدود جلعاد، والتف حوله رجال عاطلون لا مورد رزق لهم إلا نهب أموال المسافرين فى الطرق المسلوكة والعمل كمرتزقة لمن يدفع الثمن، وكان يفتاح يصطحبهم ويقودهم فى مغامراتهم.
ع4: بدأ بنو عمون بمحاربة بنى إسرائيل لاستعبادهم وإذلالهم.
ع5، 6: كان شيوخ جلعاد يتبادلون الرأى والمشورة فيمن يستطيع أن يقود جيوشهم لمواجهة العمونيين. واستقر الرأى على يفتاح لشجاعته وقوته، فذهبوا إليه وطلبوا منه أن يقودهم فى الحرب ضد بنى عمون.
ع7: ذكرهم يفتاح بسوء تصرفهم نحوه حينما وافقوا إخوته على طرده من وسطهم، وتعجب من تصرفهم الجديد نحوه، إذ كيف بعد أن طردوه من بيت أبيه يأتون ويسألونه أن يعينهم حين تعرضوا لمضايقة الأعداء.
ويفتاح الذى طرده إخوته ثم عادوا يطلبون قيادته ليخلصهم يرمز للمسيح الذى رفضه شعبه وصلبوه ثم عادوا يطلبون الخلاص على يديه عندما آمنوا به.
ع8: تكون لنا رأسًا : تكون رئيسًا علينا وقائدًا لنا.
حمل مضمون رد الشيوخ نبرة الاعتذار عما سلف منهم وأنهم آتون إليه الآن لإصلاح ما فات وها هم يطلبون منه أن يكون رئيسًا على جميع سكان جلعاد.
ع9: اشترط يفتاح على بنى إسرائيل أنه إن أعادوه لبلده لمحاربة بنى عمون، وإن نصره الله فى حربه ضدهم ودفعهم ليده، أن يصبح رئيسًا عليهم. وضع يفتاح هذا الشرط تأكيدًا للاتفاق حتى لا يعودوا لسابق عهدهم معه وينكرونه بعد الانتصار.
ع10: أكد له الشيوخ استعدادهم لإقامته رئيسًا، وأشهدوا الرب على تعاهده معهم.
ع11: تكلم يفتاح بجميع كلامه أمام الرب : صلى إلى الرب وتعهد أمامه بالعمل.
المصفاة : مدينة فى جلعاد شرق نهر الأردن وعندها قطع يعقوب عهدًا مع لابان. ويوجد خمس مدن أخرى باسم المصفاة فى أماكن أخرى.
ذهب يفتاح معهم ونصبه الشعب رئيسًا عليهم وقائدًا لجيوشهم. ثم توجه للحرب بصلاة عميقة فى المكان الذى اجتمعوا فيه لإقامته رئيسًا وهو “المصفاة”، وبصلاته هذه اعتراف بأن الله هو القادر على نصرته ويلتمس منه أن يكون معه.
? ما أجمل أن نبدأ كل عمل جديد بالصلاة إلى الرب طالبين معونته وتحقيق مشيئته الصالحة. فإن كان العمل متفقًا مع إرادته الصالحة فليرشدنا إلى الطريق الصحيح لإتمامه بكل إخلاص وأمانة، وإن كان ضارًا لنا يبعدنا عنه.
(2) مراسلات يفتاح مع ملوك بنى عمون وأدوم وموآب وملك الأموريين (ع12-28):
12فَأَرْسَلَ يَفْتَاحُ رُسُلاً إِلَى مَلِكِ بَنِي عَمُّونَ يَقُولُ: «مَا لِي وَلَكَ أَنَّكَ أَتَيْتَ إِلَيَّ لِلْمُحَارَبَةِ فِي أَرْضِي؟» 13فَقَالَ مَلِكُ بَنِي عَمُّونَ لِرُسُلِ يَفْتَاحَ: «لأَنَّ إِسْرَائِيلَ قَدْ أَخَذَ أَرْضِي عِنْدَ صُعُودِهِ مِنْ مِصْرَ مِنْ أَرْنُونَ إِلَى الْيَبُّوقِ وَإِلَى الأُرْدُنِّ. فَالآنَ رُدَّهَا بِسَلاَمٍ». 14وَعَادَ أَيْضاً يَفْتَاحُ وَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى مَلِكِ بَنِي عَمُّونَ 15وَقَالَ لَهُ: «هَكَذَا يَقُولُ يَفْتَاحُ: لَمْ يَأْخُذْ إِسْرَائِيلُ أَرْضَ مُوآبَ وَلاَ أَرْضَ بَنِي عَمُّونَ, 16لأَنَّهُ عِنْدَ صُعُودِ إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ سَارَ فِي الْقَفْرِ إِلَى بَحْرِ سُوفٍ وَأَتَى إِلَى قَادِشَ. 17وَأَرْسَلَ إِسْرَائِيلُ رُسُلاً إِلَى مَلِكِ أَدُومَ قَائِلاً: دَعْنِي أَعْبُرْ فِي أَرْضِكَ. فَلَمْ يَسْمَعْ مَلِكُ أَدُومَ. فَأَرْسَلَ أَيْضاً إِلَى مَلِكِ مُوآبَ فَلَمْ يَرْضَ. فَأَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي قَادِشَ. 18وَسَارَ فِي الْقَفْرِ وَدَارَ بِأَرْضِ أَدُومَ وَأَرْضِ مُوآبَ وَأَتَى مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى أَرْضِ مُوآبَ وَنَزَلَ فِي عَبْرِ أَرْنُونَ, وَلَمْ يَأْتُوا إِلَى تُخُمِ مُوآبَ لأَنَّ أَرْنُونَ تُخُمُ مُوآبَ. 19ثُمَّ أَرْسَلَ إِسْرَائِيلُ رُسُلاً إِلَى سِيحُونَ مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ مَلِكِ حَشْبُونَ, وَقَالَ لَهُ إِسْرَائِيلُ: دَعْنِي أَعْبُرْ فِي أَرْضِكَ إِلَى مَكَانِي. 20وَلَمْ يَأْمَنْ سِيحُونُ لإِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْبُرَ فِي تُخُمِهِ, بَلْ جَمَعَ سِيحُونُ كُلَّ شَعْبِهِ وَنَزَلُوا فِي يَاهَصَ وَحَارَبُوا إِسْرَائِيلَ. 21فَدَفَعَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ سِيحُونَ وَكُلَّ شَعْبِهِ لِيَدِ إِسْرَائِيلَ فَضَرَبُوهُمْ, وَامْتَلَكَ إِسْرَائِيلُ كُلَّ أَرْضِ الأَمُورِيِّينَ سُكَّانِ تِلْكَ الأَرْضِ. 22فَامْتَلَكُوا كُلَّ تُخُمِ الأَمُورِيِّينَ مِنْ أَرْنُونَ إِلَى الْيَبُّوقِ وَمِنَ الْقَفْرِ إِلَى الأُرْدُنِّ. 23وَالآنَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ قَدْ طَرَدَ الأَمُورِيِّينَ مِنْ أَمَامِ شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ. أَفَأَنْتَ تَمْتَلِكُهُ؟ 24أَلَيْسَ مَا يُمَلِّكُكَ إِيَّاهُ كَمُوشُ إِلَهُكَ تَمْتَلِكُ؟ وَجَمِيعُ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ إِلَهُنَا مِنْ أَمَامِنَا فَإِيَّاهُمْ نَمْتَلِكُ. 25وَالآنَ فَهَلْ أَنْتَ خَيْرٌ مِنْ بَالاَقَ بْنِ صِفُّورَ مَلِكِ مُوآبَ, فَهَلْ خَاصَمَ إِسْرَائِيلَ أَوْ حَارَبَهُمْ مُحَارَبَةً؟ 26حِينَ أَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي حَشْبُونَ وَقُرَاهَا وَعَرُوعِيرَ وَقُرَاهَا وَكُلِّ الْمُدُنِ الَّتِي عَلَى جَانِبِ أَرْنُونَ ثَلاَثَ مِئَةِ سَنَةٍ, فَلِمَاذَا لَمْ تَسْتَرِدَّهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ؟ 27فَأَنَا لَمْ أُخْطِئْ إِلَيْكَ. وَأَمَّا أَنْتَ فَإِنَّكَ تَفْعَلُ بِي شَرّاً بِمُحَارَبَتِي. لِيَقْضِ الرَّبُّ الْقَاضِي الْيَوْمَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَنِي عَمُّونَ». 28فَلَمْ يَسْمَعْ مَلِكُ بَنِي عَمُّونَ لِكَلاَمِ يَفْتَاحَ الَّذِي أَرْسَلَ إِلَيْهِ.
ع12: يحكى هذا العدد والأعداد التالية مضمون رسالتى يفتاح التى أرسلهما إلى ملك عمون يطلب السلام ويشرح حقه فى الأرض التى ينازعه عليها ملك بنى عمون. فرد ملك بنى عمون على رسالته الأولى ولكنه لم يرد على رسالته الثانية. وكان محتوى رسالته الأولى هو تساؤله عما جرى حتى يأتى ملك بنى عمون عازمًا الحرب ضد بنى إسرائيل.
ع13: وكان رد ملك بنى عمون لرسل يفتاح متضمنًا مغالطة تاريخية، حيث اتهم إسرائيل بالاستيلاء على ما أدعى أنها كانت أرضه هو، وهى المنطقة الواقعة بين فرعى نهر الأردن الواقعين شرق النهر وهما أرنون ويبوق (عد21: 13، 21-30). وهذه الأراضى كان بنو إسرائيل قد أخذوها من ملك الأموريين وليس من ملك بنى عمون كما ادعى. وكان ملك الأموريين قد أخذها قبلاً من بنى عمون وموآب فإذًا لم يأخذ إسرائيل شيئًا من هذه البلاد من يد بنى عمون.
ع14: بناءً على رد ملك بنى عمون، أرسل له يفتاح ما يبطل ادعاءه هذا فى شرح مطول للتاريخ الصحيح لتملك هذه الأراضى.
ع15: بين له من الحقائق التاريخية ما يثبت أن بنى إسرائيل لم يستولوا على أى من أراضى بنى عمون ولا حتى من بنى موآب أولاد عمومة بنى عمون.
ع16: صعدوا : لأن أرض فلسطين أعلى من أرض مصر.
يحكى يفتاح أن بنى إسرائيل عند خروجهم من مصر، ساروا فى الصحراء الواقعة شرق الدلتا المقفرة وعبروا البحر الأحمر ومنه إلى قادش (عد20: 1).
ع17: لم يسمع ملك أدوم : لم يستجب لطلبهم.
لم يرضَ : لم يوافق.
من قادش أرسل إسرائيل رسلاً إلى ملك أدوم طالبًا السماح له بمجرد المرور من أرضه، ولكن ملك أدوم رفض وهدّد بشن الحرب على إسرائيل إن تجرأ ودخل أرضه، وحدثت نفس القصة مع ملك موآب. هكذا اضطروا للبقاء مدة قصيرة فى قادش لإعادة تخطيط مسيرتهم نحو أرض الميعاد بعد أن سدت لهم الطرق من خلال أرض أدوم وأرض موآب (عد20: 14-18).
ع18: دار بأرض أدوم وأرض موآب : دار بنو إسرائيل حول أرض أدوم وأرض موآب فى صحراء قاحلة لتجنب المرور من خلال أرض أدوم وموآب حين رفضا ذلك.
أرنون تخم موآب : حدود أرض موآب هى أحد روافد نهر الأردن المسمى أرنون الذى يفصل بين موآب والأموريين.
تجنب الشعب فى مسيرته أرض موآب وبنى عمون حتى لا يثيروا حربًا ضدهم، وقاموا برحلة شاقة بالالتفاف حول أرض أدوم وأرض موآب، ثم أتوا من جهة الشرق ليصلوا من خارج حدود أرض موآب إلى الشاطئ الآخر لنهر أرنون، وكانوا حريصين فى هذا على ألا يمسوا أراضى موآب.
ع19: حشبون : تقع بين نهرى يبوق وأرنون (خريطة 11).
من هناك أرسل بنو إسرائيل رسلاً إلى ملك الأموريين طالبًا منه السماح بالمرور فى أرضه حتى يصل إلى الأرض التى وعد الرب بها بنى إسرائيل، ولكن ملك الأموريين لم يأذن له أيضًا (عد21: 21-30).
ع20: ياهص : مدينة موآبية (خريطة 11).
كان ملك الأموريين متخوفًا من طلب بنى إسرائيل ومتوجسًا الخديعة من جانبهم، إذ ربما كان غرضهم ليس المرور فقط وإنما احتلال أرضه، فسارع وكون جيشًا واندفع إلى محاربة بنى إسرائيل فى بلدة “ياهص” (عد21: 23).
? كان يفتاح طويل البال فى تعامله مع ملك بنى عمون رغم ادعاءات الأخير الباطلة ونيته السيئة تجاه بنى إسرائيل. وهذا مثال طيب لنا أن نحاول سلوك كل السبل الممكنة بتحقيق السلام بيننا وبين الآخرين، عاملين بقول الإنجيل “على قدر طاقتكم سالموا جميع الناس”.
ع21: دفع الرب الأموريين إلى يد بنى إسرائيل وامتلكوا الأراضى التى يطالب بها ملك العمونيين الآن دون وجه حق.
ع22: بانتصارهم على الأموريين استولى بنو إسرائيل على كل أراضى الأموريين الواقعة بين نهر أرنون جنوبًا ونهر اليبوق شمالاً، ومن الصحراء شرقًا إلى نهر الأردن غربًا.
ع23: يقول يفتاح فى رسالته هذه إلى ملك بنى عمون أن الرب قد ساند بنى إسرائيل وحقق لهم النصر على الأموريين، وبذلك يكون الله هو الذى منحهم تلك الأراضى ليسكنوها فكيف تفكر أنت فى أخذها منهم بادعاءاتك الباطلة ؟
ع24: استمر يفتاح فى أقواله لملك بنى عمون قائلاً له أن من حقه أن يستولى فقط على الأراضى التى يمكنه منها إلهه “كموش”، أما هم فمن حقهم أن يستولوا على الأراضى التى يمكنهم منها الله يهوه. بهذا يستهزئ يفتاح بالإله الوثنى كموش الذى يعبده بنو عمون والعاجز عن مساندة عابديه.
ع25: يسترسل يفتاح قائلاً له : هل أنت أقوى من بالاق ملك موآب الذى خاف من الانتصارات التى حققها شعبنا على شعوب المنطقة ولم يجرؤ على مواجهة بنى إسرائيل، فاستدعى بلعام بن باعور لكى يلعن إسرائيل فلا يتمكنوا من غزو أرضه (عد22-24). ولم يفكر مطلقًا فى محاربتهم.
ع26: حشبون : عاصمة مملكة سيحون.
عروعير : تقع شمال نهر أرنون (خريطة 10).
ثلاثمائة سنة : استولى بنو إسرائيل على أراضى الأموريين عام 1452 ق.م، وانتصار يفتاح على بنى عمون كان عام 1143 ق.م، أى أن الفترة التى مضت كانت حوالى 300 عام.
لقد مر الآن ثلاثمائة سنة على إقامتنا فى هذه الأراضى، أى حشبون وعروعير ومدن أرنون، وذلك منذ انتصارنا على الأموريين الذين كانوا يسكنوها قبلنا، فأين كان شعبك طوال هذه المدة ولم يفكر أى من ملوكهم فى استردادها كما تحاول أنت الآن.
ع27: بذلك أظهر يفتاح حق شعبه فى الأرض التى ينازعه عليها ملك بنى عمون، وأنه لم يعتدِ على أيّة أراضى له ولم يخطئ إليه مطلقًا. أما ملك بنى عمون، فانه بتفكيره فى الحرب ضده، يكون قد أخطأ خطًأ كبيرًا، وأن الله العادل والعالم بنيات البشر هو الذى سيقضى للجميع.
ع28: رغم كل تلك الدلائل والبراهين التى أتى بها يفتاح، لم يشأ ملك بنى عمون الاقتناع بها، بل تشبث بفكره الخاطئ ورفض مبادرات السلام من قبل يفتاح وقرر المضى فى قرار الحرب.
? موقف ملك بنى عمون بعد الدفاع الطويل الذى قدمه يفتاح يدل على التشبث المقيت بالرأى حتى ولو كان خطأ، وهى رزيلة قد تؤدى بصاحبها إلى التهلكة تمامًا كما حدث لملك بنى عمون. والإنسان الذى ليس فيه روح الرب لا يقبل الدعوة للحق، ولا يستمع لمشورة الغير، ولا يحب أن يصغى لمن ينبهه إلى خطورة موقفه. فنهاية هذا الإنسان تكون وبالاً عليه. فليهبنا الرب الحواس الروحية حتى ندرك ما قد يقدمه لنا الآخرون من نصائح ونسمع ونتضع أمام مرشدينا الروحيين.
(3) نذر يفتاح (ع29-40) :
29فَكَانَ رُوحُ الرَّبِّ عَلَى يَفْتَاحَ, فَعَبَرَ جِلْعَادَ وَمَنَسَّى وَعَبَرَ مِصْفَاةَ جِلْعَادَ, وَمِنْ مِصْفَاةِ جِلْعَادَ عَبَرَ إِلَى بَنِي عَمُّونَ. 30وَنَذَرَ يَفْتَاحُ نَذْراً لِلرَّبِّ قَائِلاً: «إِنْ دَفَعْتَ بَنِي عَمُّونَ لِيَدِي 31فَالْخَارِجُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَبْوَابِ بَيْتِي لِلِقَائِي عِنْدَ رُجُوعِي بِالسَّلاَمَةِ مِنْ عِنْدِ بَنِي عَمُّونَ يَكُونُ لِلرَّبِّ, وَأُصْعِدُهُ مُحْرَقَةً». 32ثُمَّ عَبَرَ يَفْتَاحُ إِلَى بَنِي عَمُّونَ لِمُحَارَبَتِهِمْ. فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ لِيَدِهِ. 33فَضَرَبَهُمْ مِنْ عَرُوعِيرَ إِلَى مَجِيئِكَ إِلَى مِنِّيتَ (عِشْرِينَ مَدِينَةً) وَإِلَى آبَلِ الْكُرُومِ ضَرْبَةً عَظِيمَةً جِدّاً. فَذَلَّ بَنُو عَمُّونَ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 34ثُمَّ أَتَى يَفْتَاحُ إِلَى الْمِصْفَاةِ إِلَى بَيْتِهِ, وَإِذَا بِابْنَتِهِ خَارِجَةً لِلِقَائِهِ بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ. وَهِيَ وَحِيدَةٌ. لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ وَلاَ ابْنَةٌ غَيْرَهَا. 35وَكَانَ لَمَّا رَآهَا أَنَّهُ مَّزَقَ ثِيَابَهُ وَقَالَ: «آهِ يَا ابْنَتِي! قَدْ أَحْزَنْتِنِي حُزْناً وَصِرْتِ بَيْنَ مُكَدِّرِيَّ, لأَنِّي قَدْ فَتَحْتُ فَمِي إِلَى الرَّبِّ وَلاَ يُمْكِنُنِي الرُّجُوعُ». 36فَقَالَتْ لَهُ: «يَا أَبِي, هَلْ فَتَحْتَ فَاكَ إِلَى الرَّبِّ؟ فَافْعَلْ بِي كَمَا خَرَجَ مِنْ فِيكَ, بِمَا أَنَّ الرَّبَّ قَدِ انْتَقَمَ لَكَ مِنْ أَعْدَائِكَ بَنِي عَمُّونَ». 37ثُمَّ قَالَتْ لأَبِيهَا: «فَلْيُفْعَلْ لِي هَذَا الأَمْرُ: اتْرُكْنِي شَهْرَيْنِ فَأَذْهَبَ وَأَنْزِلَ عَلَى الْجِبَالِ وَأَبْكِيَ عَذْرَاوِيَّتِي أَنَا وَصَاحِبَاتِي». 38فَقَالَ: «اذْهَبِي». وَأَرْسَلَهَا إِلَى شَهْرَيْنِ. فَذَهَبَتْ هِيَ وَصَاحِبَاتُهَا وَبَكَتْ عَذْرَاوِيَّتَهَا عَلَى الْجِبَالِ. 39وَكَانَ عِنْدَ نِهَايَةِ الشَّهْرَيْنِ أَنَّهَا رَجَعَتْ إِلَى أَبِيهَا, فَفَعَلَ بِهَا نَذْرَهُ الَّذِي نَذَرَ. وَهِيَ لَمْ تَعْرِفْ رَجُلاً. فَصَارَتْ عَادَةً فِي إِسْرَائِيلَ 40أَنَّ بَنَاتِ إِسْرَائِيلَ يَذْهَبْنَ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ لِيَنُحْنَ عَلَى بِنْتِ يَفْتَاحَ الْجِلْعَادِيِّ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فِي السَّنَةِ.
ع29: حل الروح القدس على يفتاح مانحًا إياه الشجاعة والثقة للقيام بما كُلِّف به، وأرشده أن يمر بالمدن لتحفيز الشعب وتحميسهم للدفاع عن مدنهم ولجمع الجنود الذين سيكونون جيشه. وكانت المدن التى مر بها هى جلعاد ومصفاة جلعاد.
ع30، 31: نذر يفتاح نذرًا يقدمه للرب عند انتصاره فى حربه ضد بنى عمون، وهو أن أول من سيقابله من بيته عند عودته منتصرًا سيصعده محرقة للرب. وكان يفتاح فى نذره هذا متأثرًا بعادات الشعوب الوثنية التى كانت تقدم ذبائح من البشر وهو ما كان الله يحرمه تحريمًا قاطعًا. فهذا خطأ كبير من يفتاح. أما طلب الله من إبراهيم بتقديم إسحق ذبيحة فقد كان لامتحانه ولم يقدمه فعلاً (تك22).
ع32، 33: منيت : أرض عمونية (خريطة 10).
هاجم يفتاح بنى عمون وحقق له الرب الانتصار عليهم وهزم جيوشهم هزيمة ساحقة فى منطقة واسعة شملت عشرين مدينة من عروعير حتى إلى منيت وامتدت إلى “آبل الكروم”، فاستسلم بنو عمون وخضعوا لسيطرة بنى إسرائيل وذاقوا مذلة الهزيمة التى كانوا يريدون إلحاقها بشعب الرب.
ع34: عند عودته من الحرب منتصرًا، رجع إلى بيته فى “المصفاة” وكانت المأساة، إذ فوجئ بأن أول من خرج لاستقباله كانت ابنته الوحيدة. خرجت لتستقبله مع رفيقاتها بالدفوف والرقص كما كانت العادة قديمًا.
ع35: مزق ثيابه : كعادة أهل الشرق حين يحدث ما يحزنهم جدًا.
فتحت فمى إلى الرب : نذرت نذرًا ولا يمكننى الرجوع عنه.
عندما رآها أبوها أدرك المأساة التى وقع فيها، فمزق ثيابه حزنًا وصاح آه يا ابنتى، واغتم بسبب النذر الذى نذره ولا يمكنه الرجوع فيه.
ع36: كما خرج من فيك : كما نطقت بنذرك.
قالت الفتاة لأبيها أنه بما أن الرب نصرك على أعدائك وقد نذرت نذرًا، فأوفِ بنذرك الذى تعهدت به.
ع37: أفهمت الفتاة أباها أنها مستعدة لتنفيذ النذر على أن يعطيها مهلة شهرين قبل تنفيذه تقضيها على الجبال مع صاحباتها فتبكى معهن على بتوليتها.
ع38: وافقها أبوها على طلبها وأذن لها أن تذهب مع صاحباتها كما طلبت، فذهبت إلى الجبال مع صاحباتها.
ع39، 40: فعل بها نذره الذى نذر : قدمها ذبيحة.
وفت ابنة يفتاح بوعدها وعادت بعد انقضاء الشهرين وسلمت نفسها لأبيها. نفّذ أبوها نذره فماتت وهى عذراء لم تتزوج. وصارت عادة لنساء بنى إسرائيل أن يذهبن إلى الجبال ويمكثن أربعة أيام هناك يبكين خلالها على ابنة يفتاح.
ويلاحظ أن يفتاح قد أخطأ ثلاثة أخطاء …
الأول هو أنه نذر ابنته، أى إنسانًا، والله لا يقبل هذا أبدًا، والخطأ الثانى أنه أتم النذر الخاطئ ونفذه وكان بالحرى ينبغى أن يتراجع فيه ولا يكمل الخطأ الأول بخطأ ثانى .. أما خطأه الثالث فهو إنه لم يستشر أحد من الكهنة المسئولين عن الشريعة الذين كانوا سيثنوه عن إتمام نذره الخاطئ. وفى العهد الجديد أيضًا يستطيع الكاهن من خلال سلطان سر الكهنوت أن يحل الإنسان من نذره الخاطئ.
وقد سمح الله ليفتاح أن يقتل ابنته لينبه كل أولاده أن يبتعدوا عن التسرع فى القرارات لئلا يفقدوا أعز ما عندهم أى أولادهم.
? كن مدققًا عندما تنذر فتنذر ما تستطيع الإيفاء به وفى نفس الوقت لا يخالف وصايا الله، ويفضل استشارة أب اعترافك؛ فالنذر شئ عظيم يثبت إيمانك ولكن لا تفسده باندفاعك ونذرك لأمورًا فوق طاقتك.