شمشون ينتقم من الفلسطينيين لتزويجهم امرأته لغيره
(1) غضب شمشون لزواج امرأته بآخر (ع1-8): 1وَكَانَ بَعْدَ مُدَّةٍ فِي أَيَّامِ حَصَادِ الْحِنْطَةِ أَنَّ شَمْشُونَ افْتَقَدَ امْرَأَتَهُ بِجَدْيِ مِعْزىً. 2وَقَالَ: «أَدْخُلُ إِلَى امْرَأَتِي إِلَى حُجْرَتِهَا». وَلَكِنَّ أَبَاهَا لَمْ يَدَعْهُ أَنْ يَدْخُلَ. وَقَالَ أَبُوهَا: «إِنِّي قُلْتُ إِنَّكَ قَدْ كَرِهْتَهَا فَأَعْطَيْتُهَا لِصَاحِبِكَ. أَلَيْسَتْ أُخْتُهَا الصَّغِيرَةُ أَحْسَنَ مِنْهَا؟ فَلِْتَكُنْ لَكَ عِوَضاً عَنْهَا». 3فَقَالَ لَهُمْ شَمْشُونُ: «إِنِّي بَرِيءٌ الآنَ مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ إِذَا عَمِلْتُ بِهِمْ شَرّاً». 4وَذَهَبَ شَمْشُونُ وَأَمْسَكَ ثَلاَثَ مِئَةِ ابْنِ آوَى, وَأَخَذَ مَشَاعِلَ وَجَعَلَ ذَنَباً إِلَى ذَنَبٍ, وَوَضَعَ مَشْعَلاً بَيْنَ كُلِّ ذَنَبَيْنِ فِي الْوَسَطِ, 5ثُمَّ أَضْرَمَ الْمَشَاعِلَ نَاراً وَأَطْلَقَهَا بَيْنَ زُرُوعِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ, فَأَحْرَقَ الأَكْدَاسَ وَالّزَرْعَ وَكُرُومَ الّزَيْتُونِ.
6فَقَالَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ: «مَنْ فَعَلَ هَذَا؟» فَقَالُوا: «شَمْشُونُ صِهْرُ التِّمْنِيِّ, لأَنَّهُ أَخَذَ امْرَأَتَهُ وَأَعْطَاهَا لِصَاحِبِهِ». فَصَعِدَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَأَحْرَقُوهَا وَأَبَاهَا بِالنَّارِ. 7فَقَالَ لَهُمْ شَمْشُونُ: «وَلَوْ فَعَلْتُمْ هَذَا فَإِنِّي أَنْتَقِمُ مِنْكُمْ, وَبَعْدُ أَكُفُّ». 8وَضَرَبَهُمْ سَاقاً عَلَى فَخِْذٍ ضَرْباً عَظِيماً. ثُمَّ نَزَلَ وَأَقَامَ فِي شَقِّ صَخْرَةِ عِيطَمَ.
ع1: افتقد امرأته : أراد أن يزور زوجته.
بعد فترة ما من تركه زوجته وعودته إلى بيت أبيه وكانت حدة غضبه من موضوع اللغز قد هدأت، قرّر أن يزور زوجته ربما ليصالحها وحمل معه جديًا كهدية شائعة فى تلك الأيام. وكان ذلك فى أيام حصاد القمح أى أيام الربيع.
ع2: أراد شمشون أن ينفرد بزوجته فى الحجرة المخصصة لها ولكن أباها منعه وأخبره أنها لم تعد زوجة له، إذ أنه حين تركها بعد غضبه ومضى ظنوا أنه لم يعد يريدها زوجة، وقد تقدم لطلب يدها أحد رفقائه وزوجوها له بالفعل. ورغبة فى استرضاء شمشون عرض عليه أبوها أن يتزوج أختها الصغرى ممتدحًا إياها بأنها أفضل منها.
ع3: أثار هذا الأمر غضب شمشون من جديد بشدة، وقال لهم أنه الآن لا لوم عليه إذا عاقب الفلسطينيين نظير ما أساءوا به إليه، فالخطأ لم يكن خطأ الأب وحده بل شاركه فيه شعبه الذى كان بإمكانهم أن يمنعوا والد الفتاة من هذا التصرف.
ع4، 5: مشاعل : مواد يمكن إشعالها مثل القماش.
ابن آوى : حيوان يعيش فى فلسطين حجمه وسط بين الذئب والثعلب.
أحرق الأكداس : الأكداس هى أكوام الحبوب الموجودة فى الأجران وهى مساحات واسعة بجوار الحقول.
أخذ شمشون ثلاثمائة حيوان يسمى ابن آوى، وربط كل ذيلين معًا وربط فى الذيول مشاعل ثم أشعلها وأطلقها بين مزارع الفلسطينيين، فالحيوانات المشتعل ذيلها بالنار أخذت تجرى فى جنون بسرعة فأحرقت أكوام الحبوب وشجر العنب وبساتين الزيتون وكل المزروعات.
ع6: التمنى : حمو شمشون الذى من مدينة تمنة.
سأل الفلسطينيون بعضهم بعضًا عمن عساه أن يكون قد فعل هذا، فعرفوا أنه شمشون، وقد فعلها لأن نسيبه قد زوج امرأته لصاحبه. فاغتاظ الفلسطينيون من جهة شمشون غيظًا شديدًا لأنه تسبب فى خسائر جسيمة لهم، فأمسكوا حما شمشون وأحرقوه هو وابنته وكل بيته انتقامًا منهم وترضية لشمشون حتى يكف عن إيذائهم.
ع7: لم يخف غضب شمشون بعد حرق المرأة وأبيها، ولم يرضَ كما كان غرض الفلسطينيين بإحراقها، بل توعد الفلسطينيين بمزيد من أعمال الانتقام منهم بما يتلاءم مع ما ارتكبوه فى حقه من إساءة ثم بعد ذلك يكف عنهم.
ع8: ضربهم ساقًا على فخذ : أى حقق انتصارًا عظيمًا عليهم.
شق : كهف.
عيطم : كلمة عبرية معناها مأوى الوحوش وتقع شرق صرعة على بعد 4 كم.
أحرز شمشون انتصارًا عظيمًا عليهم وقتل عددًا كبير منهم، فكانت مذبحة عظيمة، ثم ذهب ليختبئ فى كهف.
- إعلم أن الله عادل وسيعاقبك على خطاياك، إن لم تتب عنها، وعقاب الخطية هو موت، فاسرع إلى التوبة لتنال غفران الله ومراحمه.
(2) الفلسطينيون يحاولون القبض على شمشون (ع9-13):
9وَصَعِدَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَنَزَلُوا فِي يَهُوذَا وَتَفَرَّقُوا فِي لَحْيٍ. 10فَسَأَلَهُمْ رِجَالُ يَهُوذَا: «لِمَاذَا صَعِدْتُمْ عَلَيْنَا؟» فَقَالُوا: «صَعِدْنَا لِنُوثِقَ شَمْشُونَ لِنَفْعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ بِنَا». 11فَنَزَلَ ثَلاَثَةُ آلاَفِ رَجُلٍ مِنْ يَهُوذَا إِلَى شَقِّ صَخْرَةِ عِيطَمَ، وَقَالُوا لِشَمْشُونَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفِلِسْطِينِيِّينَ مُتَسَلِّطُونَ عَلَيْنَا؟ فَمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا؟» فَقَالَ لَهُمْ: «كَمَا فَعَلُوا بِي هَكَذَا فَعَلْتُ بِهِمْ». 12فَقَالُوا لَهُ: «نَزَلْنَا لِنُوثِقَكَ وَنُسَلِّمَكَ إِلَى يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». فَقَالَ لَهُمْ شَمْشُونُ: «احْلِفُوا لِي أَنَّكُمْ أَنْتُمْ لاَ تَقَعُونَ عَلَيَّ».
13فَأَجَابُوهُ: «كَلاَّ. وَلَكِنَّنَا نُوثِقُكَ وَنُسَلِّمُكَ إِلَى يَدِهِمْ، وَقَتْلاً لاَ نَقْتُلُكَ». فَأَوْثَقُوهُ بِحَبْلَيْنِ جَدِيدَيْنِ وَأَصْعَدُوهُ مِنَ الصَّخْرَةِ.
ع9: صعد : يسكن الفلسطينيون جنوب سبط يهوذا فصعودهم معناه تحركهم نحو الشمال.
لحى : مكان مرتفع سمى هكذا بعد انتصار شمشون على الفلسطينيين بلحى حمار أى فك حمار.
دخلت أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى أرض يهوذا وتفرقوا فى مكان قريب من صرعة – موطن شمشون – لكى يقبضوا عليه وينتقموا منه.
ع10: لماذا صعدتم إلينا : لماذا دخلتم أراضينا.
سأل بنو يهوذا الفلسطينيين عن سبب مجيئهم إلى أراضيهم فلا يوجد حاليًا سبب لمحاربتهم، فهم خاضعون للعبودية ولم يعلنوا عصيانًا ولم يثوروا عليهم أو يحاربوهم. فأجاب الفلسطينيون أنهم جاءوا للبحث عن شمشون لكى ينتقموا منه لأنه أحرق مزارعهم ومحاصيلهم وقتل أعدادًا كبيرة منهم.
ع11: كان بنو يهوذا يعرفون مكان اختفاء شمشون، فذهب إليه فى صخرة عيطم ثلاثة آلاف رجل منهم وعاتبوه على استفزازه للفلسطينيين الذين يسيطرون عليهم ولا يستطيعون مجابهتهم. فكان رده عليهم أنه لم يبدأ بالشر تجاههم ولكنهم هم الذين بدأوا بالإساءة إليه فكان ما فعله بهم ردًا للإساءة التى أساءوا بها إليه.
ع12: أراد بنو يهوذا أن يتقوا شر الفلسطينيين المتحفزين ضدهم بأن يسلموا لهم شمشون، وأخبروه بما نووا أن يفعلوه وهو أن يقبضوا عليه ويسلموه للفلسطينيين مقيدًا. فوافقهم شمشون بشرط ألا يؤذونه هم أو يقتلوه، وطلب منهم أن يقسموا بذلك.
ولعل بنى إسرائيل قد شعروا أن يموت واحد، وهو شمشون، عن الشعب كله المعرض لهجمات الفلسطينيين. وبهذا يرمزون للأمة اليهودية التى سلمت المسيح للرومان ليموت ليس عن الأمة بل عن العالم كله كما تنبأ قيافا رئيس الكهنة (يو11: 50).
ع13: حبلين جديدين : أى فى كمال المتانة والقوة.
وعدوه بأنهم لن يقتلوه ولكنهم سيقيدوه بالحبال ويسلموه للفلسطينيين، ثم ربطوه بحبلين جديدين وأخرجوه من الكهف ليسلموه ليد الأعداء.
- لا تجعل الخوف يحركك لخيانة الله والإساءة إلى خدامه، مثلما فعل سبط يهوذا بتسليم شمشون، بل عندما يحاربك الخوف أطلب معونة الله فيحميك أنت وخدام الله.
(3) شمشون يقتل ألف رجل فلسطينى بلحى حمار (ع14-20):
14وَلَمَّا جَاءَ إِلَى لَحْيٍ صَاحَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ لِلِقَائِهِ. فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، فَكَانَ الْحَبْلاَنِ اللَّذَانِ عَلَى ذِرَاعَيْهِ كَكَتَّانٍ أُحْرِقَ بِالنَّارِ، فَانْحَلَّ الْوِثَاقُ عَنْ يَدَيْهِ. 15وَوَجَدَ فَكَّ حِمَارٍ طَرِيّاً، فَأَخَذَهُ وَضَرَبَ بِهِ أَلْفَ رَجُلٍ. 16فَقَالَ شَمْشُونُ: «بفَكِّ حِمَارٍ كُومَةً كُومَتَيْنِ. بِفَكِّ حِمَارٍ قَتَلْتُ أَلْفَ رَجُلٍ».
17وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ رَمَى الْفَكَّ مِنْ يَدِهِ، وَدَعَا ذَلِكَ الْمَكَانَ «رَمَتَ لَحْيٍ». 18ثُمَّ عَطِشَ جِدّاً فَدَعَا الرَّبَّ: «إِنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ بِيَدِ عَبْدِكَ هَذَا الْخَلاَصَ الْعَظِيمَ، وَالآنَ أَمُوتُ مِنَ الْعَطَشِ وَأَسْقُطُ بِيَدِ الْغُلْفِ». 19فَشَقَّ اللَّهُ الجَوْفَ الَّذِي فِي لَحْيٍ، فَخَرَجَ مِنْهَا مَاءٌ، فَشَرِبَ وَرَجَعَتْ رُوحُهُ فَانْتَعَشَ. لِذَلِكَ دَعَا اسْمَهُ «عَيْنَ هَقُّورِي» الَّتِي فِي لَحْيٍ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. 20وَقَضَى لإِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ عِشْرِينَ سَنَةً.
ع14: جاءوا به وهو مربوط بالحبال إلى بلدة لحى حيث كان الفلسطينيون منتظرين، فما أن رأوه حتى رفعوا أصواتهم ابتهاجًا وهم يتقدمون نحوه للنيل منه. ومرة أخرى يهبه الله قوة جبارة، فقطع الحبال المتينة المربوط بها والتى صارت أمام قوته شيئًا واهيًا ضعيفًا مثل الكتان المحروق.
ع15: لحى حمار : فك حمار.
لم يكن بيد شمشون سلاح من أى نوع، ولكنه نظر حوله فوجد فك حمار مات حديثًا فكان فكًا طريًا مرنًا لا ينكسر بسهولة كالجاف، فأمسك به وضرب به الفلسطينيين فقتل منهم ألف رجل وهرب الباقون.
ع16: بلحى حمار كومة كومتين : كومت جثثهم أكوامًا بلحى حمار.
نظر شمشون إلى الجثث المتراكمة على بعضها وأخذ يقول أنه بفك حمار حول العدو إلى أكوام من القتلى فقد قتل ألف رجل وكومهم كومتين.
ع17: كان الكلام الذى قاله شمشون بمثابة تسبحة نصرة، وما أن فرغ من ترديدها حتى ألقى فك الحمار من يده ودعا المكان الذى رماه فيه “رمت لحى” وهو باللغة العبرية يعنى مرمى الفك بالعربية.
ع18: تعب شمشون من ضرب الفلسطينيين وأرهق من مصارعتهم فعطش عطشًا شديدًا حتى شعر أنه كاد يموت من عطشه. فلجأ إلى الرب وصلى إليه قائلاً : أنت صنعت بيدى هذا الانتصار العظيم، وهذا اعتراف من شمشون أن القوة من الله وليس منه، فهل ترضى أن أموت من العطش الآن وأسقط فى يد الغلف أى الفلسطينيين غير المختونين.
ع19: شق الله الكفة التى فى لحى : الكفة هى بقعة مقعرة فى الأرض أى حفرة أخرج الله منها مياهًا كثيرة بمعجزة إلهية.
عين هقورى : كلمة عبرية تعنى “ينبوع الداعى” حيث أن شمشون دعا الرب فى هذا المكان عندما عطش (خريطة 12).
إذ اعترف شمشون بأن النصر الذى تحقق هو من الله، استجاب الله لصلاته وأخرج له ماء من عين جافة وهى ينبوع ماء يجف فى فصل الصيف، أوجد الله فيه الماء فى وقت لا يوجد فيه. شرب شمشون وانتعشت روحه بعد أن كاد يموت عطشًا. وتذكارًا لاستجابة الله لصلاته سمى المكان “عين هقورى” وصارت العين عينًا دائمة الجريان إلى عصر كتابة السفر.
ع20: قضى شمشون لإسرائيل فى الأيام التى كان فيها الفلسطينيون متسلطين على بنى إسرائيل، وكانت مدة قضائه عشرين سنة، وإن كان لم يخلص شعبه خلاصًا قاطعًا إلا أنه كان مصدر خشية وقلق لأعدائهم فكسر من حدة استبدادهم بشعبه.
- ما دام الله معك لا تنزعج من قوة الشياطين أو أعدائك مهما كثروا، ولا تخشاهم مهما ضعفت إمكانياتك فالله هو قوتك ونصرتك.