تمثــال ميخــا
(1) ميخا يعمل تمثالين (ع1-6): 1وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ اسْمُهُ مِيْخَا. 2فَقَالَ لأُمِّهِ إِنَّ الأَلْفَ وَالْمِئَةَ شَاقِلِ الْفِضَّةِ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْكِ وَأَنْتِ لَعَنْتِ وَقُلْتِ أَيْضَاً فِي أُذُنَيَّ. هُوَذَا الْفِضَّةُ مَعِي أَنَا أَخَذْتُهَا. فَقالَتْ أُمُّهُ مُبَارَكٌ أَنْتَ مِنَ الرَّبِّ يا ابْنِي. 3 فَرَدَّ الأَلْفَ والْمِئَةَ شَاقِلِ الْفِضَّةِ لأُمِّهِ فَقالَتْ أُمُّهُ تَقْديْسَاً قَدَّسْتُ الْفِضَّةَ لِلرَّبِّ مِنْ يَدِي لابْنِي لِعَمَلِ تِمْثَالٍ مّنْحُوتٍ وَتِمْثَالٍ مَسْبُوكٍ. فَالآنَ أَرُدُّهَا لَكَ. 4 فَرَدَّ الْفِضَّةَ لأُمِّهِ فَأَخَذَتْ أُمُّهُ مِئَتَيْ شَاقِلِ فِضَّةٍ وَأَعْطَتْهَا لِلصَّائِغِ فَعَمِلَهَا تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَتِمْثَالاً مَسْبُوكاً وَكَانَا في بَيْتِ مِيخَا. 5 وَكَانَ لِلرَّجُلِ مِيخَا بَيْتٌ لِلآلِهَةِ فَعَمِلَ أَفُوداً وَتَرَافِيمَ وَمَلأَ يَدَ وَاحِدٍ مِنْ بَنِيهِ فَصَارَ لَهُ كَاهِناً. 6 وفي تِلْكَ اْلأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائيلَ. كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ.
ع1: يحكى لنا هذا الأصحاح والأصحاح التالى قصة تمثال ميخا التى تكشف مدى العمى الروحى الذى وقع فيه الشعب وكذلك اللاويون والذى تمثل فى العبادة الوثنية الممزوجة بشكلية العبادة لله. حدثت هذه القصة خلال عهد القضاة، وهى تحكى لنا عن شخص اسمه ميخا، كان يسكن فى الأراضى الجبلية التى من نصيب سبط أفرايم، وقد سرق من والدته مبلغًا ماليًا قدره ألف ومئة شاقل من الفضة (ع2).
ع2: شاقل الفضة : يساوى حوالى 11-15 جم فضة.
أنا لعنت وقلت أيضًا فى أذنى : لعنتينى يا أمى وسمعت اللعنة بأذنى.
عندما اكتشفت والدته السرقة ولم تعلم من هو السارق، أخذت تلعن السارق، ولم يطق الابن أن يسمع اللعنة بأذنيه وخاف أن تحل عليه لعنة أمه، فاعترف لها أنه هو الذى سرق الفضة وأنها فى حوزته. امتدحت الأم اعتراف ابنها وباركته عوضًا عن اللعنة التى سبق ونطقت بها.
ع3: رد ميخا الفضة التى كان قد سرقها لأمه، وقد رفضت أن تعيدها إلى خزينتها، بل تعهدت بتخصيصها للرب وذلك بعمل تمثال منحوت، أى مشكل بأدوات النحت، وآخر بصهر المعادن وصبه فى قالب بشكل تمثال ويضعهما ميخا فى بيته ليؤدى العبادة لهما، وأعطت الفضة لابنها ميخا ليعمل التماثيل.
ع4: أعاد ميخا الفضة لأمه، فخصصت منها مئتى شاقل لصنع التمثالين وأعطتها للصانع، فصنع التمثالين المطلوبين، أحدهما منحوت والآخر مسبوك، ووضعهما ميخا فى بيته. وأعطت الأم باقى المبلغ لابنها للإنفاق على خدمة وعبادة التمثالين.
ع5: أفود : رداء من الكتان يلبسه الكاهن.
ترافيم : تماثيل صغيرة يحتفظون بها فى البيوت للعبادة ولجلب الخير.
ملأ يد واحد من بنيه : كلّف واحد من بنيه وخصصه للخدمة.
كان ميخا قد خصص مكانًا فى بيته للعبادة، فوضع فيه التمثالين وعمل أفودًا، وكرس أحد أبنائه ليكون كاهنًا للأسرة يقوم بأعمال الخدمة الكهنوتية.
وما فعله ميخا يفعله كثيرون الآن، إذ يختارون آلهة لأنفسهم مثل المال أو الكرامة ويختارون كهنة حسب هواهم ليسمعوهم ما يناسب أهواءهم وليس صوت الله.
ع6: تكشف لنا هذه القصة عن مدى الجهل الذى انحطت إليه تلك الأسرة، وهى لم تكن حالة خاصة بل مثالاً للفساد العام الذى ساد بين الشعوب. ومن الأخطاء العديدة التى تكشف عنها هذه القصة والتى وقع فيها ميخا وأمه هى إقامة معبد خاص فى بيته، مع أن البيت الواحد الذى كان يجب أن تقدم فيه العبادة للرب هو بيت الله فى “شيلوه”. كما عمل ميخا لنفسه تمثالين وترافيم وهو ما نهت عنه الشريعة تمامًا؛ وأقام ابنه كاهنًا وهو ليس من نسل هرون.
وتحدّد هذه الآية زمن ما عمله ميخا وهو عصر القضاة قبل إقامة ملوك لبنى إسرائيل، وفى هذه الفترة كان شعب الله أحيانًا يتمسك بوصايا الله وشريعته على يد موسى وكما كان يعلمها القضاة، وأحيانًا أخرى يبتعدون عنها فيذلهم الأعداء المحيطون بهم، وهذه صورة من صور الجهل الروحى.
? كل هذه الأخطاء التى ارتكبها ميخا وأمه تعلمنا أن شعب بدون معلم يرشده يتعرض للأخطار الروحية وربما الهلاك الروحى الأبدى أيضًا إذ يقول الكتاب : “قد هلك شعبى من عدم المعرفة” (هو4: 6). لذلك نصلى إلى الله أن يحفظ رعاة كنيستنا “ليفصلوا لنا كلمة الحق باستقامة” ونخضع لتعاليمهم وإرشاداتهم حتى لا تضل.
(2) اللاوى فى بيت ميخا (ع7-13):
7 وَكَانَ غُلَامٌ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا مِنْ عَشِيرَةِ يَهُوذَا وَهُوَ لَاوِيٌّ مُتَغَرِّبٌ هُنَاكَ. 8فَذَهَبَ اْلْرَّجُلُ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا لِكَيْ يَتَغَرَّبَ حَيْثُمَا اتّفَقَ. فَأَتَى إِلَى جَبَلِ أَفْرَايِمَ إلى بَيْتِ مِيخَا وَهُوَ آخِذٌ فِي طَرِيقِهِ. 9فَقَالَ لَهُ مِيخَا مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ. فَقَالَ لَهُ أَنَا لَاوِيٌّ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا وَأَنَا ذَاهِبٌ لِكَيْ أَتَغَرَّبَ حَيْثُمَا اتَّفَقَ. 10فَقَالَ لَهُ مِيخَا أَقِمْ عِنْدِي وَكُنْ لِي أَبَاً وكّاهِنَاً وَأَنَا أُعْطِيكَ عَشَرَةَ شَوَاقِلِ فِضَّةٍ فِي السَّنَةِ وَحُلَّةَ ثِيَابٍ وَقُوتَكَ. فَذَهَبَ مَعَْهُ الْلاَّوِيُّ. 11 فَرَضِيَ الْلَّاوِيُّ بِاْلإِقامَةِ مَعَ الْرَّجُلِ وكَانَ الْغُلامُ لَهُ كَأَحَدِ بَنِيهِ. 12 فَمَلأَ مِيخَا يَدَ الْلَّاوِيَّ وَكَانَ الْغُلَامُ لَهُ كَاهِنَاً وَكَانَ فِي بَيْتِ مِيخَا. 13 فَقَالَ مِيخَا الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّ الْرَّبَّ يُحْسِنُ إِلَيَّ لِأَنَّهُ صَارَ لِيَ الْلاَّويّ كَاهِنَاً.
ع7: بيت لحم يهوذا : تقع جنوب أورشليم بتسعة كيلو مترات وهى التى ولد فيها المسيح (خريطة 10).
كان هناك شابًا حديث السن مقيم فى بيت لحم التى فى أرض يهوذا، وهو وأن قيل أنه من عشيرة يهوذا، إلا أنه فى حقيقة الأمر من سبط اللاويين من عشيرة الجرشوميين كما جاء فى (ص18: 30) ولكنه يقيم وسط عشيرة يهوذا. وقد كان اللاويون لهم مدن يعيشون فيها وسط الأسباط. ويذكر (ص18: 30) أن اسم هذا اللاوى هو يهوناثان.
ع8: حيثما اتفق : إلى أى مكان بحثًا عن الرزق.
أخذ فى طريقه : سائر فى طريقه.
دفع الفقر هذا الشاب إلى ترك بيت لحم إلى مكان آخر بحثًا عن الرزق، فأتى إلى جبل أفرايم وصادف فى طريقه بيت ميخا فعرج إليه يسأل عن عمل. وبهذا ترك اللاوى عمله كمعلم للشعب وخادم لبيت الله وبدأ يبحث عن المال والكرامة. وهذا صورة لانحطاط اللاويين فى عصر القضاة.
ع9: سأله ميخا عن موطنه فأجابه بأنه من سبط لاوى وأنه كان مقيمًا فى بيت لحم قبل أن يأتى إلى هنا، وأنه قرر أن يترك بلدته ويذهب باحثًا عن الرزق فى أى مكان آخر فيقيم فيه.
ع10: فرح ميخا بالشاب اللاوى وطلب منه أن يبقى عنده ليكون له كاهنًا بدلاً من ابنه، ظنًا منه أنه بهذا يستكمل الصورة المثلى للعبادة، فعنده الأفود والترافيم وها هو كاهن حقيقى من سبط لاوى يقود العبادة فى بيته فيكون ذلك أفضل من ابنه. وعرض عليه أجرًا سنويًا بالإضافة إلى كسوته وقوته، ودعاه أبًا، أى يكون مسئولاً عن ميخا وأسرته فى الصلاة لأجلهم. وجد اللاوى أن هذا العرض يعتبر عرضًا سخيًا بالنسبة له بالمقارنة بالظروف التى كان يعيشها من قبل، فوافق على عرض ميخا.
ع11: قبل اللاوى الإقامة مع ميخا، وكانت معاملة ميخا له معاملة حسنة جدًا إذ أحبه وأكرمه، بينما كان اللاوى له بمثابة أب روحى من جهة الكهنوت إلا أن ميخا كان يعامله كأحد أبنائه.
ع12: كرّس ميخا اللاوى كاهنًا له وأعطاه كل حقوقه ككاهن، فأقام اللاوى فى بيته إقامة مستديمة مع أسرة ميخا وخدم فى البيت الذى سبق أن خصصه ميخا للعبادة (ع5).
ع13: كان ميخا فرحًا جدًا باللاوى فقد كان يعلم أن الشريعة تنص على أن هذا السبط هو المخصّص للكهنوت، وبالرغم من ذلك كان محصورًا فى نسل هرون، إلا أنه رأى أن اللاوى على آية حال ينتمى لهذا السبط المقدس لخدمة الله وأحق من ابنه فى القيام بهذا العمل الروحى، معتقدًا أن الله هو الذى أوقع فى طريقه هذا اللاوى، وهو بذلك يريد أن يحسن إليه ويباركه. وهذا يظهر مدى الجهل الروحى السائد فى هذا الوقت.
? إكرام الكهنة والخدام الذين يتعبون فى خدمة الله بأمانة يفرح قلب الله ولكن مع الحكمة فى هذا الإكرام مع مَن تعرفهم لتشجعهم وتساعدهم فى الاهتمام بكل النفوس ليكملوا خدمتهم.