اختيار جدعون
(1) المديانيون يذلون بنى إسرائيل (ع1-6): 1وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ, فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ لِيَدِ مِدْيَانَ سَبْعَ سِنِينَ. 2فَاعْتَّزَتْ يَدُ مِدْيَانَ عَلَى إِسْرَائِيلَ. بِسَبَبِ الْمِدْيَانِيِّينَ عَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنْفُسِهِمِ الْكُهُوفَ الَّتِي فِي الْجِبَالِ وَالْمَغَايِرَ وَالْحُصُونَ. 3وَإِذَا زَرَعَ إِسْرَائِيلُ كَانَ الْمِدْيَانِيُّونَ وَالْعَمَالِقَةُ وَبَنُو الْمَشْرِقِ يَصْعَدُونَ عَلَيْهِمْ 4وَيَنْزِلُونَ عَلَيْهِمْ وَيُتْلِفُونَ غَلَّةَ الأَرْضِ إِلَى مَجِيئِكَ إِلَى غَّزَةَ, وَلاَ يَتْرُكُونَ لإِسْرَائِيلَ قُوتَ الْحَيَاةِ, وَلاَ غَنَماً وَلاَ بَقَراً وَلاَ حَمِيراً. 5لأَنَّهُمْ كَانُوا يَصْعَدُونَ بِمَوَاشِيهِمْ وَخِيَامِهِمْ وَيَجِيئُونَ كَالْجَرَادِ فِي الْكَثْرَةِ وَلَيْسَ لَهُمْ وَلِجِمَالِهِمْ عَدَدٌ, وَدَخَلُوا الأَرْضَ لِيُخْرِبُوهَا. 6فَذَلَّ إِسْرَائِيلُ جِدّاً مِنْ قِبَلِ الْمِدْيَانِيِّينَ. وَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ.
ع1: فى هذا الأصحاح والأصحاحين التاليين تتكرر قصة ابتعاد شعب الله عنه ثم إذلال المديانيين لهم وصراخهم إلى الله فأرسل لهم جدعون قاضياً ومنقذاً. وهكذا الإنسان، عندما يعطيه الله راحة، من الطبيعى أن يشكره، ولكن إن تكاسل عن حياته مع الله، فإنه يتعرض للسقوط فى الخطية التى تذله.
مديان : هم نسل قطورة زوجة ابراهيم، وقد سكنوا شرق خليج العقبة وشماله حتى البحر الميت وشرق نهر الأردن، ومنهم حمو موسى. وقد تعاونوا مع الموآبيين ضد بنى إسرائيل أيام بلعام ابن بعور ولكن موسى انتصر عليهم وأهلكهم.
عمل بنو إسرائيل الشر بأن انصرفوا عن شريعة الرب وعن عبادته إلى عبادة الأوثان، فسمح الرب بأن يسلموا ليد مديان للتأديب مدة سبع سنوات.
ع2: ضايق المديانيون إسرائيل وأحكموا سطوتهم عليهم بقسوة. وبسبب هجمات المديانيين عليهم، حفروا لأنفسهم الكهوف فى الجبال يأوون إليها خلال غارات المديانيين عليهم، كما حفروا مغارات فى الجبال يخفون فيها محاصيلهم ومواشيهم لئلا يستولى عليها المديانيون وبنوا حصونًا ليحتموا فيها.
ع3، 4: العمالقة : الساكنون فى برية سيناء وحاربهم موسى (خر17).
بنو المشرق : الساكنون شرق الأردن وشرق البحر الأحمر ومنهم الموآبيون وبنو عمون.
اشترك العمالقة وبنو المشرق فى نهب بنى إسرائيل، فكانوا يهجمون عليهم ويصعدون إلى الجبال التى يخفى بنو إسرائيل فيها محاصيلهم الزراعية ويقيمون فيها كهوفهم ومغايرهم ليستولوا على تلك المحاصيل، بل وينزلون إليهم فى السهول والوديان يقلعون ويتلفون الزرع مخربين كل ما يكون فى طريقهم من نهر الأردن شرقاً إلى غزة فى أقصى غرب البلاد وينبهون حتى المواشى والغنم والحمير، فلا يتركون شيئاً صالحاً يقتات منه الشعب المقهور.
ع5: لم يكونوا يهجمون على أرض إسرائيل بالرجال فقط بل يصحبون معهم مواشيهم لكى ترعى فى حقول بنى إسرائيل، ويأتون كذلك بخيامهم ليستقروا فى أراضيهم. وكانوا يأتون بأعداد كبيرة جدًا هم وجمالهم التى تلتهم من النباتات كيفما شاءت، فكان الخراب يلحق بالأرض بعدما يستنفذون منها كل خيراتها.
ع6: بذلك لحقت المهانة والذل بشعب إسرائيل بسبب مضايقة تلك الشعوب الوثنية لهم، وعندما ضاق الأمر بهم جدًا، استغاثوا بالرب، نادمين على تركهم إياه ومعبرين عن شدة احتياجهم لرحمته ومعونته.
? إفحص نفسك لئلا تكون ضيقاتك بسبب ابتعادك عن الله وتخليه عنك فتسلط إبليس عليك وضايقك. وإن اكتشفت ذلك فعد سريعاً بالتوبة إليه فهو أب حنون لن يتركك.
(2) نبى يوبخ شعب الله (ع7-10):
7وَكَانَ لَمَّا صَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمِدْيَانِيِّينَ 8أَنَّ الرَّبَّ أَرْسَلَ نَبِيّاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ, فَقَالَ لَهُمْ: «هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: إِنِّي قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَخْرَجْتُكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ 9وَأَنْقَذْتُكُمْ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّينَ وَمِنْ يَدِ جَمِيعِ مُضَايِقِيكُمْ, وَطَرَدْتُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ وَأَعْطَيْتُكُمْ أَرْضَهُمْ. 10وَقُلْتُ لَكُمْ: أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ. لاَ تَخَافُوا آلِهَةَ الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ أَنْتُمْ سَاكِنُونَ أَرْضَهُمْ. وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي».
ع7-9: الرب الذى ينتظر دائماً عودة أبنائه إليه بالتوبة وطلب الخلاص، يستجيب لهم ولا يتركهم فى حيرتهم، بل أرسل نبيًا يكشف لهم سبب ذلهم، ذاكرًا لهم أعماله الرحيمة معهم والتى قابلوها بالجحود والعصيان لذلك يسلمهم للضيق والتأديب لكى يرجعوا إلى ذواتهم ويعلموا قدر تمردهم وعصيانهم وجرمهم فى حق الرب فيقرروا التوبة والرجوع إليه.
يبدأ النبى حديثه بالتأكيد على أن الكلام الذى سيقوله لهم هو رسالة من الله. يذكرهم بأنه هو الرب الذى خلصهم من العبودية فى مصر وأخرجهم من هناك، وأنقذهم من المصريين ومن كل مضايقاتهم، وقادهم إلى الأرض الجديدة التى منحها لهم، وما صاحب ذلك من معجزات شق البحر الأحمر على يد موسى وانتصاراتهم التى حققوها بمعونة الرب على سكان الأرض الأصليين وطردهم من أمامهم. وربما كان هذا النبى هو فينحاس بن ألعازار بن هارون الكاهن.
ع10: ذكرَّهم النبى بأن الله طمأنهم حتى لا يخافوا من الوثنيين وآلهتهم مهما بدوا أقوياء بعدما رأوا انتصارات الله على أيديهم، وللأسف اختلطوا بالوثنيين وعبدوا آلهتهم فأذلوهم.
? تذكر أعمال الله السابقة معك لتطمئن وتثق فى الله وتبتعد عن كل شئ. أشكره كل يوم فتزداد ثقتك فى نفسك وثباتك فيه.
(3) الملاك وجدعون (ع11-16):
11وَأَتَى مَلاَكُ الرَّبِّ وَجَلَسَ تَحْتَ الْبُطْمَةِ الَّتِي فِي عَفْرَةَ الَّتِي لِيُوآشَ الأَبِيعَزَرِيِّ. وَابْنُهُ جِدْعُونُ كَانَ يَخْبِطُ حِنْطَةً فِي الْمِعْصَرَةِ لِيُهَرِّبَهَا مِنَ الْمِدْيَانِيِّينَ. 12فَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَالَ لَهُ: «الرَّبُّ مَعَكَ يَا جَبَّارَ الْبَأْسِ!» 13فَقَالَ لَهُ جِدْعُونُ: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي, إِذَا كَانَ الرَّبُّ مَعَنَا فَلِمَاذَا أَصَابَتْنَا كُلُّ هَذِهِ, وَأَيْنَ كُلُّ عَجَائِبِهِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا آبَاؤُنَا قَائِلِينَ: أَلَمْ يُصْعِدْنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ؟ وَالآنَ قَدْ رَفَضَنَا الرَّبُّ وَجَعَلَنَا فِي كَفِّ مِدْيَانَ». 14فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الرَّبُّ وَقَالَ: «اذْهَبْ بِقُّوَتِكَ هَذِهِ وَخَلِّصْ إِسْرَائِيلَ مِنْ كَفِّ مِدْيَانَ. أَمَا أَرْسَلْتُكَ؟» 15فَقَالَ لَهُ: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي, بِمَاذَا أُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ؟ هَا عَشِيرَتِي هِيَ الذُّلَّى فِي مَنَسَّى, وَأَنَا الأَصْغَرُ فِي بَيْتِ أَبِي». 16فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ, وَسَتَضْرِبُ الْمِدْيَانِيِّينَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ».
ع11: عفرة : تقع بجوار بيت إيل فى نصب سبط منسى الغربى.
كان جدعون جالساً تحت شجرة فى بلدته عفرة التى كانت تسكنها عشيرته، وهى عشيرة الأبيعزريين إحدى عشائر سبط منسى. فأرسل الرب ملاكاً إليه ليكلفه بالعمل على تخليص بنى إسرائيل من عبودية المديانيين. وجدعون هذا هو ابن يوآش الذى سمى الأبيعزرى لأنه من عشيرة أبيعزر. وكان جدعون يضرب القمح بعصا لإخراج الحبوب من السنابل، وكان يفعل ذلك داخل معصرة العنب حتى لا يلفت نظر المديانيين الذين كانوا يراقبون اليهود لسلب خيراتهم.
ع12: ظهر الملاك لجدعون وبدأ بالتحية داعيًا له أن يعينه الرب فى العمل الكبير الذى سيكلفه به، مادحاً إياه بأنه الرجل القوى صاحب العزيمة، تشجيعاً له للقيام بالمهمة التى ستوكل إليه.
ع13: يرد جدعون ويسأل الملاك بدالة المحبة، مستفسرًا إن كان الله مع بنى إسرائيل فلماذا لا ينعم شعبه بحماية الرب، ولماذا لا يحيطهم الرب بعنايته كما فعل مع الأجيال السابقة وأخرجهم من أرض مصر وأنقذهم من العبودية. أما الآن فقد غضب عليهم الرب وسلمهم لأعدائهم المديانيين الذين تسلطوا عليهم.
ع14: هنا يظهر من الوحى ومن الكلمة الأصلية التى ترجمت هنا بالرب، وهى فى النص العبرى “يهوة”، أن ظهور الرب فى صورة رجل كان أحد تجليات أقنوم الابن.
وقال له الرب أنه بغيرته المقدسة هذه سيعمل معه ويخلص إسرائيل على يده. فلا يتوانى لأن الله أرسله وبالتالى فهو الذى سيحقق له النصر.
ع15: يذكر جدعون أنه شخص بسيط ينتمى لعشيرة متواضعة من عشائر منسى وهو الأصغر بين إخوته، فكيف وهو إنسان عادى ليس رئيسًا ولا قائدًا فى شعبه، سيتسنى له أن يجمع محاربين من الشعب حوله ويقودهم فى حرب تحرير. فرغم أنه يتميز بالشجاعة، لكنه متضع، والاتضاع شرط أساسى ليعمل الله بقوة فى الإنسان.
ع16: يعطيه الرب الإجابة الحاسمة على تساؤله وهو أنه يكفيه أنه يكون معه، فان كان الرب مع إنسان فلن تقدر أية قوة أن تقف أمامه. وأكد له أنه سينتصر على المديانيين ولا يخشى كثرة عددهم، فسيقضى عليهم كما لو كان يقضى على رجل واحد فقط.
? لا تتضايق من ضعفك ولا تقارن نفسك بمن هم أقوى منك فى أى إمكانيات، لأن الله معك ومادام الله معك فستستطيع أن تنتصر على حروب الشيطان وتحقق كل نجاح.
(4) قبول تقدمة جدعون (ع17-24):
17فَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَاصْنَعْ لِي عَلاَمَةً أَنَّكَ أَنْتَ تُكَلِّمُنِي. 18لاَ تَبْرَحْ مِنْ هَهُنَا حَتَّى آتِيَ إِلَيْكَ وَأُخْرِجَ تَقْدِمَتِي وَأَضَعَهَا أَمَامَكَ». فَقَالَ: «إِنِّي أَبْقَى حَتَّى تَرْجِعَ».
19فَدَخَلَ جِدْعُونُ وَعَمِلَ جَدْيَ مِعْزىً وَإِيفَةَ دَقِيقٍ فَطِيراً. أَمَّا اللَّحْمُ فَوَضَعَهُ فِي سَلٍّ, وَأَمَّا الْمَرَقُ فَوَضَعَهُ فِي قِدْرٍ وَخَرَجَ بِهَا إِلَيْهِ إِلَى تَحْتِ الْبُطْمَةِ وَقَدَّمَهَا. 20فَقَالَ لَهُ مَلاَكُ اللَّهِ: «خُذِ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ وَضَعْهُمَا عَلَى تِلْكَ الصَّخْرَةِ وَاسْكُبِ الْمَرَقَ». فَفَعَلَ كَذَلِكَ. 21فَمَدَّ مَلاَكُ الرَّبِّ طَرَفَ الْعُكَّازِ الَّذِي بِيَدِهِ وَمَسَّ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ, فَصَعِدَتْ نَارٌ مِنَ الصَّخْرَةِ وَأَكَلَتِ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ. وَذَهَبَ مَلاَكُ الرَّبِّ عَنْ عَيْنَيْهِ. 22فَرَأَى جِدْعُونُ أَنَّهُ مَلاَكُ الرَّبِّ, فَقَالَ جِدْعُونُ: «آهِ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ! لأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَلاَكَ الرَّبِّ وَجْهاً لِوَجْهٍ!» 23فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «السَّلاَمُ لَكَ. لاَ تَخَفْ. لاَ تَمُوتُ». 24فَبَنَى جِدْعُونُ هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ وَدَعَاهُ «يَهْوَهَ شَلُومَ». إِلَى هَذَا الْيَوْمِ لَمْ يَزَلْ فِي عَفْرَةِ الأَبِيعَزَرِيِّينَ.
ع17: كان الموقف محيرًا بالنسبة لجدعون، فهو يدرك تمامًا أنه لا يملك شيئًا من مقومات القوة فى الحروب، كالمعدات الحربية وتنظيمات المحاربين وحكمة القادة الحربيين، بينما يحثه الرب على القيام بالعمل. لذلك طلب علامة من الرب تزيل شكوكه وحيرته. وهذا يبين أنه إلى جانب شجاعته واتضاعه له إيمان بقوة الله القادرة أن تعمل فيه ولكنه احتاج إلى علامات تزيد وتثبت إيمانه.
ع18: طلب جدعون من الرب ألا يبرح من مكانه حتى يأتيه بتقدمة من الطعام. وكان فكر جدعون هو أنه إذا أكل منها عرف أنه إنسان عادى وإن حدثت معجزة إلهية ما فإنه يدرك أنه الرب. وهنا يطيل الله أناته على الضعف البشرى فوعده بأنه يبقى حتى يعود بتقدمته.
وهنا تظهر بساطة جدعون التى أعطته دالة أمام الله فتكلم معه كما يتكلم الرجل مع صاحبه، مثلما كان يتكلم موسى النبى مع الله، واتضاع الله وأبوته جعلته يقبل كلام جدعون وطلبه وينتظره حتى يأتى بتقدمة ليثبت إيمانه برؤية الله.
? الله يحبك ويفرح بصداقتك له، فتكلم معه كابن مع ابيه وكعروس مع عريسها.. عبر عن مشاعرك له، فهو يفرح بأشواقك ويسندك ويمنحك فرحًا لا يعبر عنه.
ع19: إيفة : 23 لترًا.
دخل جدعون بيته وذبح جدى ماعز وطبخه، كما عمل فطير من دقيق بكمية كبيرة تكفى عشرة أشخاص. وقد أعد هذا المقدار الوفير إكرامًا للضيف. ووضع اللحم فى سل والمرق فى إناء وخرج ليقدمها للضيف العجيب.
ع20: طلب منه الرب أن يضع اللحم والفطير على الصخرة وأن يصب المرق عليهما تأكيدًا للمعجزة التى سوف تتم. أطاع جدعون وفعل كما أمره الرب وبهذا تصبح الصخرة كمذبح تقدم عليه هذه التقدمة لله.
ع21: مد الرب العكاز، الذى يحمله المسافرون عادة، ولمس التقدمة بطرفه فخرجت نار من الصخرة وأكلت التقدمة رغم السوائل التى سكبت من قبل على التقدمة وغمرتها والتى من شأنها أن تعمل على إطفاء النار. ثم اختفى الرب فجأة من أمام عينيه.
ع22: لما رأى جدعون النار تخرج من الصخرة واختفاء الشخص الذى كلمه، تحقق أنه ملاك الرب أو الله نفسه، فخاف وأخذ يصلى طالبًا الرحمة من الرب لأنه كان يعتقد أن الإنسان يموت إذا رأى الرب، كما أعلن الرب ذلك من قبل لموسى، أن الإنسان لا يراه ويعيش (خر33: 20).
ع23: كلم الله جدعون مرة ثانية، إما بصوت أو بظهور ملاك له أو بأى طريقة أخرى، وطمأنه معطيًا له السلام الذى يحمل معنى الأمان والراحة، نازعًا عنه كل خوف لأنه هو الذى يؤهله أن يراه دون أن يموت.
ع24: يهوه : اسم الله ومعناه الله كائن.
شلوم : سلام.
اطمأن جدعون وعبر عن شكره لله، فبنى مذبحًا فى نفس المكان الذى حدث فيه الحديث بينه وبين الرب، أى بجوار البطمة، ودعا المذبح “سلام الرب” تذكاراً للسلام الذى منحه الرب إياه. ومازال المذبح قائماً إلى اليوم، أى إلى يوم كتابة هذا السفر، فى مدينة الأبيعزريين وهى عفرة.
ويلاحظ أن جدعون ليس من سبط لاوى فليس من حقه تقديم الذبائح بحسب الشريعة، ولم يقدمها فى خيمة الاجتماع فى شيلوه. ولكن تقديم الذبيحة هنا أمر استثنائى المقصود به إعلان التبعية لله وعبادته وليس للبعل بل تحقير عبادة الأوثان باستخدام خشب السارية فى إيقاد النار لتقديم الذبيحة (ع25، 26).
(5) هدم مذبح البعل (ع25-32):
25وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ: «خُذْ ثَوْرَ الْبَقَرِ الَّذِي لأَبِيكَ, وَثَوْراً ثَانِياً ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ, وَاهْدِمْ مَذْبَحَ الْبَعْلِ الَّذِي لأَبِيكَ وَاقْطَعِ السَّارِيَةَ الَّتِي عِنْدَهُ, 26وَابْنِ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ إِلَهِكَ عَلَى رَأْسِ هَذَا الْحِصْنِ بِتَرْتِيبٍ, وَخُذِ الثَّوْرَ الثَّانِيَ وَأَصْعِدْ مُحْرَقَةً عَلَى حَطَبِ السَّارِيَةِ الَّتِي تَقْطَعُهَا.
27فَأَخَذَ جِدْعُونُ عَشَرَةَ رِجَالٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَعَمِلَ كَمَا كَلَّمَهُ الرَّبُّ. وَإِذْ كَانَ يَخَافُ مِنْ بَيْتِ أَبِيهِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَعْمَلَ ذَلِكَ نَهَاراً فَعَمِلَهُ لَيْلاً. 28فَبَكَّرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الْغَدِ وَإِذَا بِمَذْبَحِ الْبَعْلِ قَدْ هُدِمَ وَالسَّارِيَةُ الَّتِي عِنْدَهُ قَدْ قُطِعَتْ, وَالثَّوْرُ الثَّانِي قَدْ أُصْعِدَ عَلَى الْمَذْبَحِ الَّذِي بُنِيَ. 29فَقَالُوا الْوَاحِدُ لِصَاحِبِهِ: «مَنْ عَمِلَ هَذَا الأَمْرَ؟» فَسَأَلُوا وَبَحَثُوا فَقَالُوا: «إِنَّ جِدْعُونَ بْنَ يُوآشَ قَدْ فَعَلَ هَذَا الأَمْرَ». 30فَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِيُوآشَ: «أَخْرِجِ ابْنَكَ لِنَقْتُلَهُ, لأَنَّهُ هَدَمَ مَذْبَحَ الْبَعْلِ وَقَطَعَ السَّارِيَةَ الَّتِي عِنْدَهُ». 31فَقَالَ يُوآشُ لِجَمِيعِ الْقَائِمِينَ عَلَيْهِ: «أَنْتُمْ تُقَاتِلُونَ لِلْبَعْلِ, أَمْ أَنْتُمْ تُخَلِّصُونَهُ؟ مَنْ يُقَاتِلْ لَهُ يُقْتَلْ فِي هَذَا الصَّبَاحِ. إِنْ كَانَ إِلَهاً فَلْيُقَاتِلْ لِنَفْسِهِ لأَنَّ مَذْبَحَهُ قَدْ هُدِمَ». 32فَدَعَاهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ «يَرُبَّعْلَ» قَائِلاً: «لِيُقَاتِلْهُ الْبَعْلُ لأَنَّهُ قَدْ هَدَمَ مَذْبَحَهُ».
ع25: البعل : إله وثنى مشهور عند الموآبيين.
سارية : عمود خشبى يقام للآلهة الوثنية.
أمر الله جدعون أن يأخذ الثور الذى يمتلكه أبوه وثورًا آخر عمره سبع سنوات ويهدم بهما مذبح البعل وساريته المقامة بجواره، أى يزيل عبادة الأوثان التى سقط فيها أبوه وعشيرته فأغاظوا الله وسمح للمديانيين أن يذلوهم. والثور الثانى عمره سبع سنوات تذكيرًا لهم بأن الله يشعر بمعاناتهم فى هذه السنوات السبع التى أذلوهم فيها المديانيون.
ع26: كذلك طلب منه الرب أن يبنى مذبحًا للرب الإله الحقيقى فى مكانٍ عالٍ وظاهر إعلانًا لمجد الرب، وأن يكون البناء بنظام ليليق بكرامة الرب. ثم أمره أن يصعد الثور الثانى محرقة للرب، متخذًا خشب السارية التى سبق وقطعها (ع25) كوقود على مذبح الرب.
ع27: إذ كان خائفًا من إخوته وأقاربه ومن أهل المدينة، قرّر أن ينفذ ما طلبه منه الرب خفية فى الليل حتى لا يعترض طريقه أحد. وأخذ عشرة رجال من عبيده للمساعدة فى هدم مذبح البعل وقطع السارية وبناء المذبح الجديد للرب وإصعاد المحرقة.
وإتمام جدعون للعمل ليلاً هو نوع من الحكمة، حتى لا يتعطل العمل ولكنه ليس خوفًا على حياته، لأنهم سيعرفون ذلك فى الصباح ويمكنهم حينئذ أن يقتلوه لو سمح الله لهم بذلك.
يظهر من هذا أن جدعون كان يعيش وسط أهله الذين يعبدون الأوثان ولكنه لم يكن متحمسًا لعبادة الأوثان، بدليل طاعته الفورية لله واستنتاج عشيرته عند رؤيتهم المذبح المهدم أنه لابد أن يكون ذلك بيد جدعون لمعرفتهم إهماله لعبادتهم الوثنية (ع29).
ويلاحظ أن تقديم المحرقة هنا لم يكن على المذبح الموجود بخيمة الاجتماع، وذلك الاستثناء كان لظهور الله فى هـذا المكـان كما حدث مع داود فى حقـل أرونـة اليبوسـى (2صم24: 16، 25).
ع28: لما استيقظ أهل المدينة مبكرًا كعادتهم، فوجئوا بهدم مذبح البعل وقطع السارية التى عنده، كما دُهشِوا من إقامة مذبح جديد مكانه قدم عليه ذبيحة الثور الثانى.
ع29: أخذ أهل المدينة يتساءلون بدهشة وغضب عمن يكون قد ارتكب هذا الفعل الأثيم فى نظرهم، فبحثوا وتقصوا وعرفوا أخيرًا أن جدعون هو الذى قام بهذا.
ع30: على الفور أصدروا حكمًا سريعًا على جدعون بالموت، وطلبوا من يوآش أبيه أن يسلمهم إياه فورًا لكى ينفذوا فيه حكم الموت، جزاء ما اقترفه من جرم فى نظرهم بهدمه مذبح البعل وقطعه السارية، ذلك الذى اعتبروه إهانة لإلههم وتحدى لمعتقداتهم.
ع31: هب يوآش للدفاع عما فعله ابنه، إذ أدرك عجز تلك الآلهة الكاذبة فى الدفاع عن نفسها، فقال لكل المجتمعين حوله : هل أنتم البشر تقاتلون عن البعل الذى تعتبرونه إلهًا أم تخلصونه من يد ابنى الذى هدم مذبحه، فان كان البعل إلهًا حقًا فليدافع عن نفسه. ثم هددهم بأن من سيحاول قتل ابنه دفاعًا عن البعل فانه وأهل بيته سيقاتلونه فورًا.
ع32: يربعل : أى حارب البعل.
من ذلك اليوم أطلق يوآش على ابنه لقب “محارب البعل” قائلاً إن كان جدعون قد اعتدى على كرامة البعل بأن هدم مذبحه فلينتقم البعل لنفسه. وقد قال ذلك تهكمًا واستخفافًا به لأنه أيقن عجز البعل عن الانتقام لنفسه من ابنه جدعون.
? كن مطيعًا لله مهما بدت وصاياه صعبة وعكس أفكار المحيطين بك، وثق أن الله سيعطيك الشجاعة ويساندك أمام غضب الآخرين عليك.
(6) جمع الجنود وعلامتى الجزة (ع33-40):
33وَاجْتَمَعَ جَمِيعُ الْمِدْيَانِيِّينَ وَالْعَمَالِقَةِ وَبَنِي الْمَشْرِقِ مَعاً وَعَبَرُوا وَنَزَلُوا فِي وَادِي يَزْرَعِيلَ. 34وَلَبِسَ رُوحُ الرَّبِّ جِدْعُونَ فَضَرَبَ بِالْبُوقِ, فَاجْتَمَعَ أَبِيعَزَرُ وَرَاءَهُ. 35وَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى جَمِيعِ مَنَسَّى, فَاجْتَمَعَ هُوَ أَيْضاً وَرَاءَهُ, وَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى أَشِيرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي فَصَعِدُوا لِلِقَائِهِمْ. 36وَقَالَ جِدْعُونُ لِلَّهِ: «إِنْ كُنْتَ تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْتَ, 37فَهَا إِنِّي وَاضِعٌ جَّزَةَ الصُّوفِ فِي الْبَيْدَرِ. فَإِنْ كَانَ طَلٌّ عَلَى الْجَّزَةِ وَحْدَهَا, وَجَفَافٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا, عَلِمْتُ أَنَّكَ تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْتَ». 38وَكَانَ كَذَلِكَ. فَبَكَّرَ فِي الْغَدِ وَضَغَطَ الْجَّزَةَ وَعَصَرَ طَلاًّ مِنَ الْجَّزَةِ, مِلْءَ قَصْعَةٍ مَاءً. 39فَقَالَ جِدْعُونُ لِلَّهِ: «لاَ يَحْمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ فَأَتَكَلَّمَ هَذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ. أَمْتَحِنُ هَذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ بِالْجَّزَةِ. فَلْيَكُنْ جَفَافٌ فِي الْجَّزَةِ وَحْدَهَا وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ لِيَكُنْ طَلٌّ». 40فَفَعَلَ اللَّهُ كَذَلِكَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. فَكَانَ جَفَافٌ فِي الْجَّزَةِ وَحْدَهَا وَعَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا كَانَ طَلٌّ.
ع33: وادى يزرعيل : وادى فى منتصف أرض فلسطين يمتد من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط عند جبل الكرمل، ولتوسطه أرض كنعان كانت تحدث فيه معارك كثيرة.
انضم العمالقة وبنو المشرق إلى المديانيين وتجمعوا فى وادى يزرعيل لمهاجمة اليهود.
ع34: لبس روح الرب : حل روح الله عليه.
امتلأ جدعون بالقوة والحماس لمحاربة المديانيين عند حلول روح الله عليه، فضرب بالبوق لجمع الجنود وتجمع أولاً حوله عشيرته التى هى الأبيعزريون.
ع35: تشجع جدعون من سرعة تحول عشيرته بعد أن كانت تطالب بدمه، فأصبحت أول من لبى دعوته للتجمع للقتال، فأرسل رسلاً لأسباط أخرى هى أشير وزبولون ونفتالى، بالإضافة إلى سبطه وهو سبط منسى. وقد دعا هذه الأسباط لقرب سكنها منه.
ويلاحظ أن سبط أشير قد تخاذل عن المشاركة فى الحـرب أيـام دبـورة وبـاراق (ص5: 17)، ولكنه الآن يتحمس ويشترك مع جدعون فى الحرب. فيمكن أن يتعلم الإنسان من فشله ويصلح أحواله مع الله بالتوبة ويشارك فى الجهاد الروحى فيكون له النصرة على الشيطان.
ع36، 37: البيدر : الجرن، وهو المكان الذى تجمع فيه الحبوب بعد حصادها.
طلب جدعون علامة من الرب ليتأكد أنه سيكون معه فى حربه ضد المديانيين.
كانت العلامة التى طلبها جدعون هى أنه سيضع قطعة من الصوف فى البيدر، فإن تساقط الندى فى الصباح على قطعة الصوف وحدها وبللها بينما أرض البيدر كلها جافة، فانه سيتأكد بهذا من أن خلاص إسرائيل سيكون على يديه وهذه علامة ثانية طلبها جدعون لأنه كان قد طلب من الملاك أولاً قبول تقدمته كعلامة (ع17-21).
ع38: القصعة : إناء من الفخار.
فى باكر اليوم التالى ذهب إلى البيدر ليرى النتيجة، فإذا به يجد قطعة الصوف مبتلة بالماء، فعصرها وملأ من الماء إناء متوسط الحجم.
ع39: لم يكتف جدعون بالعلامة الأولى، فطلب من الرب علامة ثانية عكس العلامة الأولى بحيث يجد قطعة الصوف جافة تمامًا بينما الندى يغمر كل الأرض من حولها؛ وتضرع إلى الرب ألا يغضب منه لتكرار مطالبه.
ع40: استجاب الرب لجدعون وحقق له ما أراد بمعجزة عظيمة، ففى صباح اليوم التالى وجد قطعة الصوف جافة تمامًا بينما الأرض حولها مغمورة بالماء.
هنا يظهر طول أناة الله على أولاده الضعفاء فى الإيمان، فقد طلب جدعون علامتين فى الجزة بالإضافة إلى قبول الملاك تقدمته، فالله لا يكره الضعفاء بل يشجعهم ويساندهم بل ويعطى علامات وتشجيعات إضافية كما سنرى فى الأصحاح التالى.
? لا تتشكك من أجل ضعفك فالله مستعد أن يساندك .. أطلب كل احتياجاتك منه وألحّ عليه لأنه أب حنون. ولكن كن مطيعًا لوصاياه فتجد راحتك.