انحراف سليمان ومعاقبة الرب له
(1) زيـجات سليمان الكثيرة (ع1-8):
1- و احب الملك سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون موابيات و عمونيات و ادوميات و صيدونيات و حثيات. 2- من الامم الذين قال عنهم الرب لبني اسرائيل لا تدخلون اليهم و هم لا يدخلون اليكم لانهم يميلون قلوبكم وراء الهتهم فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة. 3- و كانت له سبع مئة من النساء السيدات و ثلاث مئة من السراري فامالت نساؤه قلبه. 4- و كان في زمان شيخوخة سليمان ان نساءه املن قلبه وراء الهة اخرى و لم يكن قلبه كاملا مع الرب الهه كقلب داود ابيه.
5- فذهب سليمان وراء عشتروث الاهة الصيدونيين و ملكوم رجس العمونيين. 6- و عمل سليمان الشر في عيني الرب و لم يتبع الرب تماما كداود ابيه. 7- حينئذ بنى سليمان مرتفعة لكموش رجس الموابيين على الجبل الذي تجاه اورشليم و لمولك رجس بني عمون. 8- و هكذا فعل لجميع نسائه الغريبات اللواتي كن يوقدن و يذبحن لالهتهن.
ع1، 2: موآبيات وعمونيات : من بنات شعبى موآب وبنى عمون، وهم أولاد لوط من ابنتيه وسكن الشعبان شرقى نهر الأردن.
أدوميات : بنات أدوم وأدوم هو عيسو، سكنت قبيلته شرقى خليج العقبة وجنوب بنى إسرائيل.
صيدونيات : بنات صيدون التى هى “صيدا” حاليًا. وهى مدينة لبنانية شهيرة على ساحل البحر الأبيض.
حثيات : بنات حث ويرجح أن بنى حث هم أصل الأرمن الحاليين وكانوا يسكنوا شمال بلاد اليهود بجوار حماه.
اشتعل قلب سليمان بمحبة النساء فقادته شهوته للارتباط بزوجات كثيرات، ليس فقط من بنى إسرائيل، بل أيضًا من الشعوب المحيطة ببلاده مثل الموآبيات والعمونيات والأدوميات والصيدونيات والحثيات، وشجعه على هذا أنه فى أيامه كانت عظمة ملوك الأمم تقدر بكثرة نسائهم، ولعله قصد أيضًا أهدافًا سياسية فى تعضيد ملكه، بأن يرتبط بملوك ورؤساء هذه الشعوب.
ولكن كان هذا مخالفًا لشريعة الله فيما يلى :
- نهت الشريعة عن إكثار الزيجات (تث17: 16، 17).
- منعت الشريعة أيضًا الزواج بالأجنبيات، حتى لا يبعدن شعب الله عن عبادته فيرتبطوا بآلهة الأمم الوثنية (خر34: 15، 16، تث7: 3) وهذا ما حدث فعلاً مع سليمان.
وبالطبع كثرة الزيجات جعلت نفقات الملك كثيرة جدًا، حتى أن غنى سليمان لم يكفِ نفقاته واحتاجت خزينة المملكة مما جعله يزيد الضرائب ويرهق شعبه، فقد أساء وظلم شعبه لأجل كثرة شهواته.
ونلاحظ أن الله عندما بارك سليمان وأعطاه خيرات وحكمة كثيرة أنه انشغل بشهواته وكان ينبغى أن يهتم بعبادة الله وتعليم أولاده وشعبه حتى ينهض بهم روحيًا ولكنه اكتفى ببناء بيت الله ثم انشغل بقصوره وشهواته، فبدأ يبتعد عن الله.
? فكن حريصًا مهما كان ذكاؤك ومعرفتك، حتى لا تنزلق فى شهوات العالم وذلك بأن تتمسك بوصايا الله وتخضع لأبيك الروحى وتراجع نفسك كل يوم وتتضع أمام الله، فينقذك من فخاخ إبليس.
ع3: إذ ارتبط سليمان بألف زوجة بدأت محبته لله تضعف وابتعد عن مخافة الله. لقد ظن أن سعادته تكمن فى هؤلاء النساء فصار مغرمًا بهن ووقع تحت تأثيرهن.
? عجيب هو هذا العدد من النساء فإن دلنا على شئ فهو أنه إذا تهاوننا فى التمسك بأقوال الله وانفتح الباب لانحدار الإنسان يصعب عليه أن يتوقف عند حد معين. فلنحذر البداية التى قد تكون بسيطة ولكنها تجر وراءها سيل من الانحرافات.
ع4: تأثر سليمان بالزيجات الكثيرة الأجنبية، فبدأ يجامل نساءه بإقامة أصنام لآلهتهن وهكذا فى شيخوخته عبد الأوثان إلى جانب عبادة الله ولم تستطع حكمته أن تحميه؛ لأنه ابتعد عن الله ولم يحيا باستقامة قلب، مثل داود أبيه، الذى رفض عبادة الأوثان تمامًا طوال حياته.
ويرى الكثير من الآباء أن سليمان تاب فى نهاية حياته وكتب سفر الجامعة الذى يظهر زهده فى كل الشهوات وعودته إلى عبادة الله فقط.
وإن قلنا سليمان قد مات وعمره حوالى ستون عامًا فيكون زمان شيخوخته حوالى الخمسين، فهذا عمر مبكر ولكنه اعتبر شيخوخة له لكثرة انهماكه فى اللذات الجسدية وما نتج عنها من هموم وأتعاب جعلته يصل للشيخوخة مبكرًا.
ع5: عشتاروت إلهة الصيدونيين : الإلهة الرئيسية فى كل من بابل وأشور وفى مدن الفينيقيين الساحلية، كانت تعبد دائمًا مع إله ذكر هو البعل، رمزت هى والبعل إلى القمر والشمس.
ملكوم رجس العمونيين : مولك إله العمونيين. كان يقدم له ذبائح بشرية خاصة من الأطفال، وصنع صنمه من نحاس مجوف تشعل نارًا حامية فى تجويفه ويوضح الطفل على ذراعى التمثال الساخنتان جدًا وأثناء ذلك يدقون الطبول؛ لمنع سماع صراخه.
سمح سليمان لزوجاته الصيدونيات بعبادة إلهتهن عشتاروت، كما سمح للعمونيات بعبادة آلهتهن ملكوم وذلك تحت تأثير إلحاحهن عليه بقبول آلهتهن. وإن كان من المحتمل أنه لم يشارك بنفسه فى هذه العبادة، بل سمح بها وقد يكون أحبها.
ع6: عصى بذلك سليمان الرب إلهه وسار مع آلهة أخرى، فعبدها مع عبادة الإله الحقيقى الواحد، فكان هذا شرًا فى عينى الرب، الذى سبق وحذره مرتين فى رؤيتين؛ حتى لا يقع فيه.
ع7: كموش رجس الموآبيين : إله الموآبيين. كانت طريقة عبادته تشبه عبادة “مولك” بتقديم الأولاد ذبائح له وهو إله الشمس.
إرضاءً لزوجاته أقام مرتفعة خُصِّصَت لعبادة الإله الوثنى “كموش” إله الموآبيين، وكان موقعها هو جبل الزيتون، كما أقام مرتفعة أخرى خُصِّصَت للإله “مولك” إله بنى عمون. فبذلك كان مرتفع كموش فى شمال أورشليم ومرتفع مولك جنوبها. وبهذه المرتفعات سقط سليمان فى خطايا كثيرة :
- تحدى الله وأغاظه بإقامة عبادات وثنية فى مواجهة هيكل الله.
- أعثر شعبه وأضله؛ لأنه شجعه على عبادة الأوثان بالإضافة إلى عبادة الله.
- أفقد شعب الله مكانته، كقدوة صالحة للأمم المحيطة وأصبح الله مجرد إله بين آلهة كثيرة.
ولم نسمع أن سليمان عندما تزوج ابنة فرعون أنه أقام معابد لآلهتها الوثنية ولعل هذا معناه أنه استطاع أن يقنعها بعبادة الله فانضمت إلى شعبه، ولكن انغماسه فى الشهوات وكثرة النساء أضعف إرادته وحرارته الروحية فخضع لضغوط زوجاته الأخريات وأدخل عبادتهن الوثنية فى بلاده.
ع8: لم يكتفِ سليمان بهاتين المرتفعتين للآلهة الوثنية، بل أقام مثلهما لآلهة زوجاته الوثنيات اللواتى كن يقدمن البخور والذبائح لآلهتهن وبهذا أدخل سليمان عبادة الأوثان والذبح على المرتفعات التى ظلت فى حياة نسله مئات السنين حتى يوشيا الملك الصالح، الذى ظهر قرب نهاية المملكة أى قبل السبى بقليل وأزال هذه العبادات تمامًا.
(2) عقاب الله لسليمان (ع9-13):
9- فغضب الرب على سليمان لان قلبه مال عن الرب اله اسرائيل الذي تراءى له مرتين.
10- و اوصاه في هذا الامر ان لا يتبع الهة اخرى فلم يحفظ ما اوصى به الرب. 11- فقال الرب لسليمان من اجل ان ذلك عندك و لم تحفظ عهدي و فرائضي التي اوصيتك بها فاني امزق المملكة عنك تمزيقا و اعطيها لعبدك. 12- الا اني لا افعل ذلك في ايامك من اجل داود ابيك بل من يد ابنك امزقها. 13- على اني لا امزق منك المملكة كلها بل اعطي سبطا واحدا لابنك لاجل داود عبدي و لاجل اورشليم التي اخترتها.
ع9، 10: بالطبع انحراف سليمان فى عبادته الأوثان أثار غضب الله عليه وذلك لما يلى:
- لأن الله ظهر له مرتين فى رؤيا وحذره من عبادة الأوثان (ص3: 5-14، ص9: 1-9).
- وهب الله له حكمة فاقت كل من قبله ومن بعده.
- منحه غنى أكثر من جميع ملوك الأرض أيامه.
ع11: أعلن الله عقابه لسليمان بسبب كسره للعهد مع الله ورفضه وصاياه. وقال له أنى سأمزق مملكتك وأعطيها لعبدك. ويقصد أن الله سيسمح أن تنقسم إلى قسمين ويأخذ الجزء الأكبر منها يربعام بن ناباط عبد سليمان.
وقد أعلن الله عقابه هذا إما على يد نبى مثل أخيا، أو على فم رئيس الكهنة أو بأى طريقة مثل سماعه صوت من السماء.
ع12، 13: وتظهر كرامة القديسين، فمن أجل داود ومن أجل اسم الله المدعو على هيكله فى أورشليم المدينة المقدسة وعد الله سليمان بتأجيل العقاب إلى عهد ابنه وإبقاء سبط تحت حكمه. والسبط الواحد المذكور هو سبط بنيامين الذى كان سبطًا صغيرًا مجاورًا لسبط يهوذا فانضم الاثنان وصارا مملكة واحدة باسم مملكة يهوذا.
وقد قصد الله بهذا العقاب ليس الانتقام من سليمان، بل دعوته للتوبة. ويرى الكثير من الآباء أنه تاب فعلاً بعد سماعه عقاب الله وكتب سفر الجامعة الذى يظهر فيه بطلان العالم واهتمامه بحفظ وصايا الله.
وإبقاء سبط بنيامين مع يهوذا تحت حكم نسل داود له غرضين :
- استمرار عبادة الله بهيكله فى أورشليم.
- استمرار نسل داود حتى يأتى منه المسيح مخلص العالم.
V ثق أن الله يحبك حتى وأنت فى خطيتك، فيرسل لك بركات كثيرة أو عقابًا فى شكل ضيقات مختلفة لتتوب. فارجع إليه بسرعة لتستعيد بنوتك وتتمتع برعايته وحبه.
(3) خصوم سليمان (ع14-25):
14- و اقام الرب خصما لسليمان هدد الادومي كان من نسل الملك في ادوم. 15- و حدث لما كان داود في ادوم عند صعود يواب رئيس الجيش لدفن القتلى و ضرب كل ذكر في ادوم. 16- لان يواب و كل اسرائيل اقاموا هناك ستة اشهر حتى افنوا كل ذكر في ادوم. 17- ان هدد هرب هو و رجال ادوميون من عبيد ابيه معه لياتوا مصر و كان هدد غلاما صغيرا. 18- و قاموا من مديان و اتوا الى فاران و اخذوا معهم رجالا من فاران و اتوا الى مصر الى فرعون ملك مصر فاعطاه بيتا و عين له طعاما و اعطاه ارضا. 19- فوجد هدد نعمة في عيني فرعون جدا و زوجه اخت امراته اخت تحفنيس الملكة. 20- فولدت له اخت تحفنيس جنوبث ابنه و فطمته تحفنيس في وسط بيت فرعون و كان جنوبث في بيت فرعون بين بني فرعون. 21- فسمع هدد في مصر بان داود قد اضطجع مع ابائه و بان يواب رئيس الجيش قد مات فقال هدد لفرعون اطلقني الى ارضي. 22- فقال له فرعون ماذا اعوزك عندي حتى انك تطلب الذهاب الى ارضك فقال لا شيء و انما اطلقني. 23- و اقام الله له خصما اخر رزون بن اليداع الذي هرب من عند سيده هدد عزر ملك صوبة. 24- فجمع اليه رجالا فصار رئيس غزاة عند قتل داود اياهم فانطلقوا الى دمشق و اقاموا بها و ملكوا في دمشق.
25- و كان خصما لاسرائيل كل ايام سليمان مع شر هدد فكره اسرائيل و ملك على ارام.
ع14: كان السلام الذى أحاط بسليمان فى فترة حكمه حتى الآن هو من تدبير الرب الذى جعل كل من حوله يسالمونه كما يقول الكتاب : “إن أرضت طرق إنسان الرب جعل أعداءه يسالمونه” (أم16: 7). لكن حين أخطأ تخلت عنه النعمة الإلهية فبدأ يظهر له أعداء يقاومونه، وربما كانوا موجودين ولكن كانوا ضعفاء أمام قوة الله التى تسانده ومن هؤلاء الأعداء هدد الأدومى الذى كان أميرًا أدوميًا.
ونلاحظ أن غنى سليمان واهتمامه بكثرة الخيل والمركبات لم يحِمِه ويسنده لأن الله هو الذى يحمى أولاده إذا حفظوا وصاياه وابتعدوا عن الشهوات.
ع15، 16: لدفن القتلى : المقصود القتلى من بنى إسرائيل.
هجم جيش داود على أدوم وانتصر عليهم واستولى على بلادهم ووضع جنوداً تابعين له فيها ولكن بعد ذلك عصت آدوم على داود وقتلت بعض جنوده فهجم عليها جيش داود برئاسة يوآب ودفنوا الجنود اليهود القتلى وأبادوا كل ذكر فى آدوم؛ لأجل عصيانها وذلك خلال ستة شهور.
ع17: استطاع بعض رجال من الحرس الملكى الأدومى أن يهربوا إلى مصر وأخذوا معهم الأمراء وهو هدد وكان غلامًا صغيرًا. ولم تكن مصر على علاقة طيبة ببنى إسرائيل أيام داود كما أصبحت فيما بعد أيام سليمان؛ لأجل زواجه بإبنة فرعون.
ع18: مديان : جزء من شبه جزيرة سيناء وتمتد من خليج العقبة إلى شمال سيناء.
فاران : صحراء جنوب يهوذا شرق بئر سبع وشمال سيناء.
سلك هدد والرجال الذين معه طريقًا غير مألوف فى الرحلات من فلسطين إلى مصر؛ ليهربوا من جنود داود المطاردين لهم، فذهبوا عن طرق “مديان” حتى وصلوا إلى “فاران” ومن هناك أرشدهم سكان فاران إلى الطريق إلى مصر، حيث قدموا أنفسهم لملك مصر طالبين اللجوء إليه، فكان فرعون كريمًا جدًا مع هدد وأعطاه بيتًا وخصَّص له طعامًا يوميًا ومنحه أرضًا.
ع19، 20: تحفنيس : امرأة فرعون الذى ينتمى للأسرة الحادية والعشرين وكان معاصرًا لسليمان.
أعجب فرعون بهدد فأكرمه وزوجه أخت زوجته الملكة وأنجب منها هدد ابنًا ذكرًا أسماه “جنوبث”، فطم الطفل وتربى مع بنى فرعون فى قصره. وقد صاهر فرعون هدد ليكون له حليفًا فى هذه المنطقة.
ع21: ظل هدد فى مصر هاربًا من وجه داود حتى علم بموته هو ورئيس جيشه يوآب فقرر العودة إلى وطنه وطلب الإذن فى ذلك من فرعون وكان ذلك فى أوائل حكم سليمان، وبدأ يثير الأدوميين ضد سليمان..
ع22: رغم إكرام فرعون لهدد، طلب منه الرجوع إلى مصر بعد موت داود، وحاول فرعون أن يستبقيه ولكنه أصرّ لأنه كان يريد الثأر لبلاده. وبدأ هدد بهجمات ضعيفة على بنى إسرائيل فى البداية ولكنها ازدادت مع الوقت، وكان ذلك بعد سقوط سليمان وعقاب الله له.
ع23: هدد عزر ملك صوبة : سبق أن حاربه داود وانتصر عليه. عاود الكرة بمساعدة ملوك آخرين تحالفـوا معـه، هزمهـم داود أيضًا وذبح قائدهم “شوبك” فاستسلم الباقون لداود (2صم10: 6-19).
صوبة : مملكة عظيمة من ممالك “أرام” غربى الفرات.
الخصم الثانى كان رزون بن أليداع، وأحد قواد هدد عزر ملك صوبة، هرب بعد أن هزمهم داود وظل رزون وكل من معه يخافون داود لأجل تقواه ومساندة الله له، ثم من بعده سليمان عندما كان يعبد الله بكل قلبه. ولكن عندما زاغ سليمان وراء عبادة الأوثان رفع الله مساندته له، فبدأ رزون يقاوم سليمان.
ع24: عندما هرب رزون من وجه داود كوّن عصابة ضمّ إليها رجال كثيرين، وصار يهاجم بعض البلاد ويأخذ غنائمهم حتى قوى واستطاع أن يهاجم دمشق ويمتلكها.
ع25: أرام : هى سوريا الحالية.
بتملك رزون على دمشق سيطر على مملكة أرام التى عاصمتها دمشق. وكانت دمشق مدينة تجارية وعلى طريق تجارى وبتملك رزون عليها خسر سليمان كثيرًا فى تجارته ولم تعد أرام خاضعة له بل صارت مركزًا لمقاومته من شمال بلاده بالإضافة إلى مقاومة هدد الأدومى له من الجنوب (ع14). وكان رزون يحمل كراهية لسليمان بسبب ما صنعه داود فى بلاده فقاوم سليمان بشدة.
? إحفظ وصايا الله حتى يحفظك من أعدائك الشياطين الذين يريدون أن يفترسوك ولكنهم يخافون منك إذا تمسكت بالله. فثق بقوتك ما دمت مع الله ولا تهتم بتهديدات الأشرار فالله قادر أن ينقذك منها.
(4) نبوة بانشقاق المملكة (ع26-40):
26- و يربعام بن نباط افرايمي من صردة عبد لسليمان و اسم امه صروعة و هي امراة ارملة رفع يده على الملك. 27- و هذا هو سبب رفعه يده على الملك ان سليمان بنى القلعة و سد شقوق مدينة داود ابيه. 28- و كان الرجل يربعام جبار باس فلما راى سليمان الغلام انه عامل شغلا اقامه على كل اعمال بيت يوسف. 29- و كان في ذلك الزمان لما خرج يربعام من اورشليم انه لاقاه اخيا الشيلوني النبي في الطريق و هو لابس رداء جديدا و هما وحدهما في الحقل. 30- فقبض اخيا على الرداء الجديد الذي عليه و مزقه اثنتي عشرة قطعة. 31- و قال ليربعام خذ لنفسك عشر قطع لانه هكذا قال الرب اله اسرائيل هانذا امزق المملكة من يد سليمان و اعطيك عشرة اسباط.
32- ويكون له سبط واحد من اجل عبدي داود و من اجل اورشليم المدينة التي اخترتها من كل اسباط اسرائيل. 33- لانهم تركوني و سجدوا لعشتروث الاهة الصيدونيين و لكموش اله الموابيين و لملكوم اله بني عمون و لم يسلكوا في طرقي ليعملوا المستقيم في عيني و فرائضي و احكامي كداود ابيه. 34- و لا اخذ كل المملكة من يده بل اصيره رئيسا كل ايام حياته لاجل داود عبدي الذي اخترته الذي حفظ وصاياي و فرائضي. 35- و اخذ المملكة من يد ابنه و اعطيك اياها اي الاسباط العشرة. 36- و اعطي ابنه سبطا واحدا ليكون سراج لداود عبدي كل الايام امامي في اورشليم المدينة التي اخترتها لنفسي لاضع اسمي فيها. 37- و اخذك فتملك حسب كل ما تشتهي نفسك و تكون ملكا على اسرائيل. 38- فاذا سمعت لكل ما اوصيك به و سلكت في طرقي و فعلت ما هو مستقيم في عيني و حفظت فرائضي و وصاياي كما فعل داود عبدي اكون معك و ابني لك بيتا امنا كما بنيت لداود و اعطيك اسرائيل. 39- و اذل نسل داود من اجل هذا و لكن لا كل الايام.
40- و طلب سليمان قتل يربعام فقام يربعام و هرب الى مصر الى شيشق ملك مصر و كان في مصر الى وفاة سليمان.
ع26: صردة : مدينة تقع غرب الأردن.
ظهر خصم ثالث لسليمان هو يربعام بن ناباط وهو من عبيده وكان من سبط أفرايم ومن مدينة صردة، أمه اسمها صروعه وكانت أرملة. وقد كان سبط أفرايم – أكبر الأسباط عددًا – وكان كثير التمرد منذ عصر القضاة، أيام جدعون وبعده يفتاح الجلعادى، ثم تمردوا على داود. وهكذا يظهر أعداء لسليمان ليس من الخارج فقط كهدد ورزون، بل من الداخل أيضًا، أى من عبيده.
ع27، 28: رفع يده على الملك : تمرد عليه.
بدأت قصة تمرد يربعام منذ أن قام سليمان ببناء القلعة وهى جزء حصين فى أورشليم، ورمَّم أيضًا مدينة داود وهى جزء آخر فى أورشليم. وظهر نشاط يربعام فى العمل وشخصيته القوية، حتى أن سليمان وثق به وأقامه مسئولاً عن العاملين من نسل يوسف، أى سبطى أفرايم ومنسى لأنه أفرايمى مثلهم. وكان يربعام قويًا فى قيادته لسبط أفرايم؛ لأن التسخير أمر مكروه، بالإضافة إلى سبط أفرايم كان يشعر أنه أحق بالملك من سبط يهوذ الذى أتى منه سليمان. فكيف يُسخرون لملك ليس من سبطهم.
ع29، 30: شيلوه : تقع فى جبل أفرايم شمال أورشليم على بعد 19 كم وكانت مقرًا لخيمة الاجتماع فترة طويلة، منذ أيام يشوع وحتى داود (يش18: 1).
حدث فى ذلك الوقت أن يربعام كان خارجًا من مدينة أورشليم، غالبًا لتنفيذ مهمة ما كُلِّف بها، فقابله النبى أخيا الشيلونى وكان النبى يرتدى ثوبًا جديدًا. فنزع النبى الثوب الذى كان يرتديه ومزقه إلى اثنتى عشرة قطعة بعدد أسباط إسرائيل. وليعلن الله أنه صاحب قرار تمزيق المملكة جعل نبيه – الذى يمثله – يمزق ثوبه إلى إثنتى عشر قطعة، أى أن الله الملك الحقيقى للمملكة سيسمح بتمزيقها إلى قسمين يشمل الأول عشرة أسباط والثانى سبطين وهذا يذكرنا بما فعله شاول عندما أمسك بثوب صموئيل فتمزق وحينئذ قال صموئيل أن الله سيمزق المملكة عنه أى سيموت شاول ويملك عليها من يستحقها وهو داود (1صم15: 27، 28).
ع31: قال النبى ليربعام خذ عشر قطع من هذا الثوب، ثم فسر له ماذا يعنى ذلك وهو أن الرب إله إسرائيل سيسمح بتقسيم مملكة إسرائيل، بعد أن كانت جميع الأسباط خاضعة لسليمان، وأن يربعام سيأخذ عشرة أسباط يملك عليها.
ع32: ولكن بسبب محبة الرب لداود واعتزازه بأورشليم المدينة المختارة ليكون اسمه عليها، قرر الإبقاء على استمرار خضوع سبط واحد لسليمان هو سبط بنيامين بالإضافة إلى سبط يهوذا الذى منه سليمان.
ع33: أعلن الرب سبب سماحه بتمزيق المملكة وهو ترك إسرائيل للإله الحى وعبادتهم لعشتاروت إله صيدون ولكموش إله موآب ولملكوم إله بنى عمون، وبذلك يكون إسرائيل قد انحرف – تحت حكم سليمان – عن طريق الرب ولم يعمل ما هو مرضى للرب ولم يحافظ على الفرائض والأحكام التى أعطاه إياها كما حافظ عليها خلال فترة حكم داود. وبسبب اهتمام سليمان بالآلهة الوثنية جعل الكثيرين من شعبه يسقطون فى عبادة الأوثان.
? عندما تحل بك تجربة إفحص نفسك لئلا يكون السبب هو خطيتك، فتب عنها واعلم أن الله حنون ومستعد أن يسامحك ويرفع عنك التجربة ويحولها لخيرك.
ع34: مرة أخرى يعلن الرب أمانته لعهوده لداود ومحبته له بأنه لن تتم عملية فصل الأسباط فى حياة سليمان بل سيتركه ملكًا على جميع أسباط بنى إسرائيل كل أيام حياته. ولعل الله يريد بهذا أن يعطيه فرصة حتى يتوب ولا ينشغل بانقسام المملكة فى أيامه، فالله يقدر أتعاب سليمان فى بناء الهيكل وكل أعماله العظيمة. وغالبًا تاب سليمان بدليل كتابته سفر الجامعة فى أواخر حياته، ولكن الله أصرّ على انقسام المملكة بسبب انتشار عبادة الأوثان التى سلك فيها الكثير من الملوك الذين من نسل سليمان.
ع35: يكرّر الرب ذكر ما سيفعله مستقبلاً بأن عملية الانشقاق هذه ستتم فى أيام حكم ابن سليمان فيعطى الرب عشرة أسباط ليربعام ليملك عليها.
ع36: يبقى الرب سبطًا واحدًا لكى تظل ذكرى داود ماثلة أمامه كل الأيام فى مدينة أورشليم التى اختارها ليضع اسمه فيها ولم تسقط أورشليم فى السبى إلا فى النهاية بعد جميع الأسباط. وكما كان داود كوكبًا مضيئًا فى يد الله، هكذا يكون نسله سراجًا على مدى الأيام، وإن كان بعضًا من نسله قد سار فى الشر وخفت نور السراج فى هذه الأزمنة، ولكن يضئ هذا السراج بقوة فى شخص المسيح الآتى من نسل داود ليملك إلى الأبد على قلوب المؤمنين به.
ع37: يعطى الرب المُلك ليربعام ويمنحه كل ما يرغب فيه ويكون ملكًا على إسرائيل.
ونرى هنا أن الله يعلن اسم المملكة الجديدة المنشقة، أى العشرة أسباط، وهو مملكة إسرائيل والله كان يعلم أن يربعام يشتهى الملك بالإضافة إلى أن سبطه كله يشتهى الملك، فأعطاه هذا الملك ولكن بشرط الخضوع لوصاياه (ع38).
ع38: هنا يضع الرب ليربعام شرطًا لاستمرار بركته له وهو حفظ الوصية والسلوك فى طرق الرب وعمل ما هو صالح فى عينيه مع إقامة الفرائض وأحكام الشريعة، مثلما فعل داود من قبل، حينئذ تكون يد الرب معه فيحقق الاستقرار للمملكة ويثبته فى حكم إسرائيل هو ونسله من بعده. ورغم أن الله يعلم بسابق علمه أن يربعام شرير وسيعبد الأوثان ولكنه يوصيه لعله يؤمن ويحيا مع الله.
ع39: وإن كان الله سيذل نسل داود لأجل خطاياهم، ليس فقط بأن تكون لهم مملكة صغيرة هى سبطى يهوذا وبنيامين فقط، بل أيضًا سيسمح لهم بالتأديب فى السبى، ولكن لن يستمر السبى كل الأيام بل سيعودوا منه ويتحدوا مع باقى الأسباط ثانية ثم يعطيهم رجاءً أيضًا أن هذا الذل سينتهى بميلاد المسيح وخلاصه للبشرية، أى نسل داود الحقيقى وهم كل المؤمنين.
ع40: علم سليمان بنبوة أخيا ليربعام فطلب القبض على يربعام لقتله، فهرب يربعام إلى شيشق ملك مصر. والغريب أن سليمان لم يتب أمام هذه النبوة وكل ما حاوله هو قتل يربعام وبالطبع لن يستطيع لأن النبوة من الله.
ويفهم من (ع26) أن يربعام بعد سماعه نبوة أخيا تكبر ولعله جمع حوله بعض المشاغبين والمتمردين على سليمان وبدأ يعلن تمرده على الملك. وهذا ما جعل سليمان يطلب قتله، مما يبين مدى كبرياء واندفاع يربعام وشره، فالله سمح بتملك يربعام تأديبًا لشعبه الذى عبد الأوثان لعلهم يتوبون.
(5) موت سليمان (ع41-43):
41- و بقية امور سليمان و كل ما صنع و حكمته اما هي مكتوبة في سفر امور سليمان.
42- و كانت الايام التي ملك فيها سليمان في اورشليم على كل اسرائيل اربعين سنة. 43- ثم اضطجع سليمان مع ابائه و دفن في مدينة داود ابيه و ملك رحبعام ابنه عوضا عنه
ع41: يشير كاتب السفر هنا إلى تفاصيل أخرى تخص ما قام به سليمان خلال فترة حكمه وحكمته التى اشتهر بها، وهذه التفاصيل مدونة فى كتاب اسمه “أمور سليمان” وهو كتاب تاريخى لعله الأخبار التى يكتبها الملوك لأنفسهم، أو كتبها واحد عن تاريخ سليمان وهو غير الأسفار المدونة فى الكتاب المقدس.
ع42، 43: كانت فترة حكم سليمان فى أورشليم على كل إسرائيل 40 سنة، مات بعدها سليمان ودفن فى مدينة داود أبيه وخلفه على العرش ابنه رحبعام. وكان عمر سليمان عند موته لا يتجاوز الستين لأن الآباء يقولون أنه مسح ملكًا وسنه صغير أغلب الظن لم يكن قد تجاوز العشرين. ورغم أن أباه داود احتمل أتعابًا كثيرة من شاول وعانى من حروب مختلفة مع الأمم المحيطة بالإضافة إلى متاعب من أولاده، باركه الله وأعطاه سـلامًا قلبيًا وملـك 40 سنة ولكن عاش أكثر من سليمان فأعطاه الله عمر سبعين عامًا.
هكذا نجد أن سليمان قد سقط فى أخطاء كثيرة فناله عقاب من نفس خطاياه ونابع منها كما يظهر فيما يلى :
- أكثر من اقتناء الخيل مخالفًا للشريعة، فهجمت خيول الأعداء ومركباتهم على المملكة فى عهد ابنه رحبعام.
- اقتنى ذهبًا كثيرًا اشتهاه الأعداء فهجموا على المملكة بعد موته فى عصور مختلفة وأخذوه.
- أكثر من الزيجات فأملن قلبه إلى عبادة الأوثان فأقام لها عبادات فى أورشليم وما حولها وأضلّ بهذا شعبه وغضب عليه الرب.
- استخدم التسخير المكروه من الشعب؛ لتنفيذ مشاريعه الضخمة فتضايق شعبه وقتلوا أدورام الموكل على التسخير وثاروا على رحبعام ابنه وانقسمت المملكة بيد يربعام الذى كان مسئولاً عن التسخير.
? لا تنجذب لشهوة الخطية ولذاتها لئلا تصاب بعقابها الذى ينتج منها بالإضافة إلى غضب الله عليك، فتفقد سلامك وتخسر أبديتك. وإن سقطت فارجع إلى الله بالتوبة حتى لا تظل فى ضلالك وراء إبليس.