انتصار آخاب على بنهدد والعفو عنه
(1) بنهدد يحاصر السامرة (ع1-12):
1- و جمع بنهدد ملك ارام كل جيشه و اثنين و ثلاثين ملكا معه و خيلا و مركبات و صعد و حاصر السامرة و حاربها. 2- و ارسل رسلا الى اخاب ملك اسرائيل الى المدينة و قال له هكذا يقول بنهدد. 3- لي فضتك و ذهبك و لي نساؤك و بنوك الحسان. 4- فاجاب ملك اسرائيل و قال حسب قولك يا سيدي الملك انا و جميع ما لي لك. 5- فرجع الرسل و قالوا هكذا تكلم بن هدد قائلا اني قد ارسلت اليك قائلا ان فضتك و ذهبك و نساءك و بنيك تعطيني اياهم. 6- فاني في نحو هذا الوقت غدا ارسل عبيدي اليك فيفتشون بيتك و بيوت عبيدك و كل ما هو شهي في عينيك يضعونه في ايديهم و ياخذونه. 7- فدعا ملك اسرائيل جميع شيوخ الارض و قال اعلموا و انظروا ان هذا يطلب الشر لانه ارسل الي بطلب نسائي و بني و فضتي و ذهبي و لم امنعها عنه. 8- فقال له كل الشيوخ و كل الشعب لا تسمع له و لا تقبل. 9- فقال لرسل بنهدد قولوا لسيدي الملك ان كل ما ارسلت فيه الى عبدك اولا افعله و اما هذا الامر فلا استطيع ان افعله فرجع الرسل و ردوا عليه الجواب. 10- فارسل اليه بنهدد و قال هكذا تفعل بي الالهة و هكذا تزيدني ان كان تراب السامرة يكفي قبضات لكل الشعب الذي يتبعني. 11- فاجاب ملك اسرائيل و قال قولوا لا يفتخرن من يشد كمن يحل. 12- فلما سمع هذا الكلام و هو يشرب مع الملوك في الخيام قال لعبيده اصطفوا فاصطفوا على المدينة.
ع1: بنهدد : اسمًا شائعًا لملوك آرام.
آرام : هم أصل الشعب السورى الحالى وكان يسكن بين جبال لبنان ومنطقة ما بين النهرين، أى العراق. وتسمت دول كثيرة باسم آرام بحسب المنطقة التى سكن فيها الأراميين فكانت هناك أرام دمشق وأرام صوبة وأرام النهرين، أى أن الأراميين سكنوا فى منطقة ضخمة، قُسمت لدول كثيرة.
فكر بنهدد ملك آرام لأسباب سياسية، أو اقتصادية أن يستولى على السامرة وما يتبعها من بلاد إسرائيل، فجمع اثنين وثلاثين ملكًا من الخاضعين والمتحالفين معه والمجاورين لبلاده وتحرك بجيش ضخم من الخيل والفرسان والمركبات وحاصر السامرة وبدأ يحاربها، أى يصوب أسلحته نحوها ويقذف قذائفه عليها ومدينة السامرة كانت مدينة حصينة لدرجة أن ملك أشـور فيمـا بعد اضطـر أن يحاصرهـا ثلاث سنوات حتى أسقطها وسبى مملكة إسرائيل (2مل17: 5).
ع2، 3: فى كبرياء أرسل بنهدد المحاصر للسامرة رسلاً إلى آخاب الملك، الساكن فى السامرة يطالبه بتسليم كل الفضة والذهب التى عنده وكذلك نساؤه وبنيه وهذا معناه أن بنهدد صار ملكًا على السامرة وما يتعبها. ولعل بنهدد أراد بهذه الطلبات استفزاز آخاب ليرفض، فتكون له حجة ليهاجم السامرة ليستولى عليها. وهذا يبين مدى ثقة بنهدد فى قوته العسكرية الضخمة.
ع4: فى ذل وخوف وافق آخاب على كل مطالب بنهدد وهذا يظهر كيف أذلت الخطية آخاب وظهر ضعف البعل الذى عبده واعتمد عليه، أما داود النبى، فبقوة الله انتصر على الآراميين وأخضعهم. لم يتذكر آخاب هذا؛ ليتوب ويرجع إلى الله ويقتدى بداود. ولم يتذكر أيضًا ما صنعه إيليا معه عندما ظهرت قوة الله وضعف البعل (ص18)، فمازال قلبه حجريًا بعيدًا عن الله.
? إن الخطية تذل الإنسان، أما الله فعندما يملك على القلب، يقوى الإنسان ويرفعه فى مجد وبهاء. فلا تتهاون مع الخطية؛ حتى لا تذلك وإن أخطأت فباب التوبة مفتوح؛ لتستعيد بنوتك ومجدك، فلا يستطيع الشيطان أن يسيطر عليك.
ع5، 6: عاد رسل بنهدد إليه وأبلغوه بموافقة آخاب على مطالبه، فازداد بنهدد كبرياء وطمعًا، فأرسل رسله للمرة الثانية إلى آخاب، يعلنون له أن بنهدد لا يكتفِ بمطالبه الأولى، بل يريد إرسال عبيده؛ ليفتشوا قصور الملك وقصور عبيده ورعاياه؛ ليأخذوا منها، ليس فقط كل النفيس، أو ما يستحسنه بنهدد، بل أيضًا كل ما هو شهى وعظيم فى نظر آخاب وعبيده، مثل الأصنام التى يعبدونها، فهو يريد ليس الماديات فقط التى يمتلكها آخاب، بل أيضًا يرغب فى إذلاله وهكذا نرى فى بنهدد صورة للشيطان، الذى لا يمكن مهادنته، فإذا خضعنا له جزئيًا، يتمادى ليحطمنا ويذلنا.
ع7: شعر آخاب بازدياد المذلة عليه، فاستدعى رؤساء الشعب وشيوخه وأخبرهم بمدى الشر الذى يريد أن يفعله بنهدد فيه وفيهم، لأنه وافقه على مطالبه الأولى، فازداد طمعًا وإذلالاً له فى مطالب الثانية. فى كل هذا لم يطلب آخاب الله واستنجد بالناس؛ لأنه قد نسى الله ومن ناحية أخرى لم يلتجئ للبعل؛ لأنه تأكد من ضعفه، كما ظهر فى لقائه مع إيليا (ص18).
وقد استدعى آخاب شيوخ الشعب لما يلى :
- لأن مطالب بنهدد لم تقتصر على قصره بل بيوت الشعب أيضًا ورؤساءه.
- شعر بالخوف من دخول الجنود فى كل مكان بالسامرة وتعرضه هو وكل شعبه للذل والموت.
ع8: شعر رؤساء الشعب بمدى الذل الذى سيلحق بهم جميعًا عندما يدخل جنود بنهدد بيوتهم وقد يتطاولون ويقتلوا منهم من يريدون، فأعلنوا للملك رفضهم لمطالب بنهدد، إذ فضلوا الموت عن هذا الذل، أو شعروا أنهم فى الحالتين معرضين للموت ولعلهم اعتمدوا على حصانة مدينتهم وليس وقتهم العسكرية؛ لأن قوة بنهدد كانت عظيمة جدًا.
ع9: أجاب آخاب على الرسل الآتين إليه بالرسالة الثانية أنه لا يستطيع قبولها وفى ذل وخوف قال لهم أمرين :
- أنا عبد لبنهدد، إذ قال أخبروا سيدى بنهدد.
- أكد موافقته على المطالب الأولى أن يسلم بنفسه ممتلكاته ونساءه وبنيه ولكن لا يفتش أحد قصور السامرة.
ولعل آخاب قد تشجع برأى شيوخ الشعب، فأعلن رفضه للمطالب الثانية.
ع10: اغتاظ جدًا بنهدد عندما عاد إليه رسله يحملون رفض آخاب لمطالبه الثانية، فأرسل رسله للمرة الثالثة يحملون رسالة تهديد فى منتهى العنف أقسم فيها بآلهته أنه سيدمر السامرة ويجعلها حطامًا وترابًا ومن كثرة جيشه ستكون السامرة صغيرة أمام جبروته فإذا أخذ كل جندى قبضة من التراب الناتج عن تحطيم المدينة سيكون هذا التراب أقل من عدد جنوده وهذا يبين :
- ثقته الكاملة فى آلهته.
- كبرياؤه الشديد.
- استهانته بالسامرة وإلهها وكل من فيها.
وفى قسمه بالآلهة تظهر ثقته العظيمة بها أنه قال إن لم أدمر السامرة، كما أعلنت، فإن الآلهة تدمر بلادى وتزيدها خرابًا عما أود أن أفعله بالسامرة، فقد كان واثقًا تمامًا أنه سيدمر السامرة وبالطبع لم تدمر الآلهة بلاده؛ لأنه لا شئ.
ع11: من يشد : الجندى الذى يلبس أسلحته ويشدها على جسده مثل الدروع والخوذة.
من يحل : الجندى الذى انتصر وعاد إلى وطنه وحل عنه أسلحته.
إذ تقوى آخاب بتشجيع رؤساء الشعب له رد على رسالة بنهدد الثالثة، قائلاً لا تفتخر أنك قد ضمنت الانتصار على السامرة، فأنت لم تحارب ولم تنتصر ولا تعرف المستقبل وقد تحدث أى أمور ليست فى حسبانك تعطل استيلاؤك على السامرة. فى كل هذا لم يرجع آخاب إلى الله، لكنه يفكر بعقله وكلام شيوخه.
ع12: عندما وصل رد آخاب على رسالة بنهدد الثالثة كان بنهدد منغمسًا فى شهواته يشرب الخمر مع الملوك المتحالفين معه فى هذه الحرب وهذا يبين مدى استهتاره هو ومَن معه، فلم يكونوا منتبهين بتركيز ومستعدين لهذه الحرب ويظهر أيضًا أن بنهدد كان شهوانيًا وهذا هو الذى سيؤدى لهزيمته هو ومن معه ويذكرنا بالملك بيلشاصر ملك بابل الذى كان منغمسًا فى شرب الخمر وشهواته أيام دانيال وكيف مات هو ومن معه وسقطت بابل فى نفس هذه الليلة (دا 5).
وبكبرياء أمر بنهدد جيشه أن يستعدوا ويقفوا لمهاجمة السامرة أما بنهدد فظل يشرب الخمر مع الملوك التابعين، منغمسًا فى شهواته التى سيطرت عليه.
(2) انتصار آخاب على بنهدد (ع13-21):
13- و اذا بنبي تقدم الى اخاب ملك اسرائيل و قال هكذا قال الرب هل رايت كل هذا الجمهور العظيم هانذا ادفعه ليدك اليوم فتعلم اني انا الرب. 14- فقال اخاب بمن فقال هكذا قال الرب بغلمان رؤساء المقاطعات فقال من يبتدئ بالحرب فقال انت. 15- فعد غلمان رؤساء المقاطعات فبلغوا مئتين و اثنين و ثلاثين و عد بعدهم كل الشعب كل بني اسرائيل سبعة الاف.
16- و خرجوا عند الظهر و بنهدد يشرب و يسكر في الخيام هو و الملوك الاثنان و الثلاثون الذين ساعدوه. 17- فخرج غلمان رؤساء المقاطعات اولا و ارسل بنهدد فاخبروه قائلين قد خرج رجال من السامرة. 18- فقال ان كانوا قد خرجوا للسلام فامسكوهم احياء و ان كانوا قد خرجوا للقتال فامسكوهم احياء. 19- فخرج غلمان رؤساء المقاطعات هؤلاء من المدينة هم و الجيش الذي وراءهم. 20- و ضرب كل رجل رجله فهرب الاراميون و طاردهم اسرائيل و نجا بنهدد ملك ارام على فرس مع الفرسان. 21- و خرج ملك اسرائيل فضرب الخيل و المركبات و ضرب ارام ضربة عظيمة.
ع13: يظهر حنان الله العجيب على كل البشرية – حتى من يعصاه ويتحداه فى أنه نظر إلى آخاب المصر على عبادة الأوثان والمذل أمام بنهدد ومع هذا لم يرجع إلى الله، فأشفق عليه الله وأرسل له نبيًا من الأنبياء الذين كانوا مختفين خوفًا من آخاب وإيزابل والآن ظهر بأمر الله ومستندًا على قوة الله، ليبشر آخاب بما لا يمكن أن يتوقعه وهو أن الله سيكون معه فينصره على هذا الجيش الكبير جدًا الذى لبنهدد فتظهر قوة الله الساحقة التى تهزم هذا الجيش العظيم مستخيفًا جيش صغير جدًا الذى مع آخاب، إذ كانت قوته العسكرية قد أصبحت ضعيفة جدًا وهى سبعة آلاف جندى (ع15).
وأراد الله بهذه البشرى عدة أمور :
- أن يتوب آخاب ويؤمن بالله ويرفض الآلهة الوثنية التى عجزت عن إنقاذه من بنهدد والله وحده الذى ينقذه.
- إيمان الشعب بقيادة شيوخه بالله، عندما يرونه ينصرهم ويخلصهم من بنهدد، فإن كانوا لم يحيوا بالإيمان الذى أعلنوه أمام إيليا، عندما قبلت النار ذبيحته فالله للمرة الثانية يظهر بقوة، عندما يخلصهم من بنهدد.
- تحطيم كبرياء بنهدد وكل الملوك الذين معه لتظهر قوة الله فوق جميع الآلهة الوثنية التى يعبدها بنهدد ومن معه.
- يبين محبته الساعية نحو الإنسان الذى لا يطلبه، كما تجسد ليفدينا، فصلبوه، ثم قام ليقيم كل المؤمنين به.
? إن الله يبحث عنك ويدعوك إليه كل يوم، فلا تهمل صوته وأشكره وأطعه فتحيا وتفرح بعشرته.
ع14: تقوى آخاب ببشرى هذا النبى؛ لأنه لم يعد له سند أو معونة إلا من الله، فخضع له وسأل النبى عن تفاصيل إتمام هذا الانتصار، فقال له من الذى سيحارب الآراميين؛ والعجيب أن الله قال له على لسان النبى بغلمان رؤساء المقاطعات؛ لأن مملكة إسرائيل كانت مقسمة إلى مقاطعات، أى محافظات أو مديريات وكل مقاطعة لها رئيس إدارى له حرس خاص، هم هؤلاء الغلمان وكان عملهم الحراسة وغير مدربين على الحرب ضد الأعداء ولكن قوة الله تتجلى، عندما يعمل بالضعفاء لتكون القوة لله. وأطاع آخاب لضعفه وعجزه.
ثم سأل النبى سؤالاً ثانيًا : من الذى سيبدأ الحرب ؟ هل إسرائيل، أم ينتظر حتى يهجم الأراميون ؟ وكان رد الله أن يقود آخاب بنفسه غلمان رؤساء المقاطعات ويبدأ بمهاجمة الأراميين وذلك ليختبر طاعة آخاب لله وإيمانه وليثبت هذا الإيمان عندما ينتصر؛ لعله بعد هذا يحيا مع الله ولكن للأسف بعد الانتصار ترك الله ولم يقدم له ولو حتى ذبيحة شكر واحدة ولا كل الشعب أيضًا وعاد لحياته الأولى فى عبادة الأوثان.
ع15: أحصى آخاب غلمان رؤساء المقاطعات، فكان عددهم مئتين اثنين وثلاثين وهو عدد قليل جدًا لمواجهة عشرات الآلاف من جيش الآراميين. وأحصى أيضًا جيش مملكة إسرائيل الموجود فى السامرة فكان سبعة آلاف الذين سيتبعون غلمان رؤساء المقاطعات. كل هذا لتتجلى قوة الله مع شعبه الضعيف وعندما يعطيهم النصرة على الآراميين يكون المجد لله وحده.
ع16: خرج جيش بنى إسرائيل يتقدمهم غلمان رؤساء المقاطعات ويقود الجيش آخاب الملك بنفسه. كان ذلك وقت الظهر، حيث لا يتوقع جيش آرام الحرب، إذ فى الغالب تبدأ الحرب فى الصباح. وكان بنهدد والملوك التابعين له منغمسين فى شهواتهم يشربون الخمر، إذ أن بنهدد فى كبرياء استهان ببنى إسرائيل فزاده هذا انغماسًا فى شهواته.
ع17، 18: علم بنهدد من مراقبيه بخروج جنود من السامرة ولعله سمع صوت ضجيج خروجهم، فأرسل رسلاً ليتأكد ويعرف حقيقة هؤلاء الخارجين من السامرة، فأعلمه رسله أن هناك عددًا قليلاً من الجنود، حوالى الثلثمائة خرجوا من المدينة ومقبلين على معسكر الآراميين. فبكل كبرياء أمر أن يقبضوا عليهم أحياء، سواء خرجوا مستسلمين لبنهدد، أم خرجوا للحرب. وهذا يبين :
- كبرياء بنهدد وثقته بقوة جيوشه، أنه يستطيع أن يقبض على أى عدد من بنى إسرائيل بسهولة وهم أحياء ولا يحتاج إلى قتلهم.
- ثقته فى ضعف بنى إسرائيل أمامه، فيقبض على الخارجين فهم؛ ليقتلهم وقتما يشاء ولعله كان يود أن يعذبهم قبل أن يقتلهم، ليكونوا عبرة لشعب إسرائيل حتى يخيفهم فيستسلموا بسهولة له.
- كان بنهدد يريد القبض عليهم أحياء؛ ليحصل منهم على معلومات تفيده فى الاستيلاء على المدينة.
ع19-21: خرج من مدينة السامرة غلمان رؤساء المقاطعات يتبعهم جيش بنى إسرائيل وهم السبعة آلاف وأعطاهم الله إيمان وقوة، فهجموا على جيش الأراميين وقتل كل واحد منهم الرجل الذى أمامه، فخاف جيش الأراميين من هذا الهجوم المفاجئ وسقوط بعضهم، فهرب جيش الآراميين وجيش إسرائيل يطاردهم ويقتل منهم، فازدادوا خوفًا وهربًا، حتى أن ملكهم بنهدد خاف جدًا وصدم مما حدث ولم يكن أمامه إلا الهرب على فرس وسط الفرسان متخفيًا، تاركًا مركبته الملوكية؛ لينجو بنفسه.
وحينئذ خرج آخاب يقوم السبعة الآلاف؛ ليطارد الهاربين من جيش أرام ويقتل من استطاع منهم ويحطم مركباتهم، فصنع الله ضربة عظيمة فى جيش الآراميين وفى هذا الانتصار نرى ما يلى :
- أعطى الله قوة ومساندة نفسية لغلمان رؤساء المقاطعات الغير مدربين على الحرب فهجموا بقوة وقتلوا كل من قابلهم.
- وضع الله رعبًا فى قلوب الآراميين، فخافوا وهربوا فى الحال.
- انغماس بنهدد فى شرب الخمر جعله عاجزًا عن مواجهة الموقف فهرب فى ذل وعجز.
- هذا الانتصار العظيم الغير متوقع كان ينبغى أن يقود آخاب للإيمان بالله وإزالة عبادة الأوثان ولكنه للأسف لم يرجع إلى الله.
(3) الانتصار الثانى لآخاب على بنهدد (ع22-30):
22- فتقدم النبي الى ملك اسرائيل و قال له اذهب تشدد و اعلم و انظر ما تفعل لانه عند تمام السنة يصعد عليك ملك ارام. 23- و اما عبيد ملك ارام فقالوا له ان الهتهم الهة جبال لذلك قووا علينا و لكن اذا حاربناهم في السهل فاننا نقوى عليهم. 24- و افعل هذا الامر اعزل الملوك كل واحد من مكانه و ضع قوادا مكانهم. 25- و احص لنفسك جيشا كالجيش الذي سقط منك فرسا بفرس و مركبة بمركبة فنحاربهم في السهل و نقوى عليهم فسمع لقولهم و فعل كذلك. 26- و عند تمام السنة عد بنهدد الاراميين و صعد الى افيق ليحارب اسرائيل. 27- و احصي بنو اسرائيل و تزودوا و ساروا للقائهم فنزل بنو اسرائيل مقابلهم نظير قطيعين صغيرين من المعزى و اما الاراميون فملاوا الارض. 28- فتقدم رجل الله و كلم ملك اسرائيل و قال هكذا قال الرب من اجل ان الاراميين قالوا ان الرب انما هو اله جبال و ليس هو اله اودية ادفع كل هذا الجمهور العظيم ليدك فتعلمون اني انا الرب. 29- فنزل هؤلاء مقابل اولئك سبعة ايام و في اليوم السابع اشتبكت الحرب فضرب بنو اسرائيل من الاراميين مئة الف راجل في يوم واحد. 30- و هرب الباقون الى افيق الى المدينة و سقط السور على السبعة و العشرين الف رجل الباقين و هرب بنهدد و دخل المدينة من مخدع الى مخدع.
ع22: لم يرسل آخاب إلى نبى الله، الذى بشره بالنصرة؛ ليشكره ولكن الله الحنون بادر للمرة الثانية وأرسل هذا النبى إلى آخاب، يعلمه بأن بنهدد سيعود لمحاربته فى تمام السنة وهو يقصد غالبًا الصيف حيث الظروف مناسبة فالنهار طويل ولا توجد أمطار، فالله هنا ينبه آخاب ليعد جيوشه وأسلحته للحرب قبل أن تبدأ بشهور ولم يقل له هذا الأمر فى المرة الأولى؛ لأن بنهدد كان قد حاصر السامرة ولم يكن هناك وقت للاستعداد.
? إن بنهدد يرمز للشيطان الذى لا يهدأ عن محاربتنا مهما انتصرنا عليه لذلك كن مستعدًا دائمًا ولا تتراخى إذا حققت أى انتصار عليه ورفضت خطاياه. تمسك بوصايا الله وضع حراسة لحواسك وابتعد عما يعثرك، فتحيا منتصرًا كل حياتك.
ع23: ظن مشيرو ملك آرام أن آلهة بنى إسرائيل آلهة جبال فاستطاعوا أن ينتصروا على آرام فى الجبال المحيطة بالسامرة وكانت هذه مشورة منهم لم يطلبها الملك ولكنهم حرصوا على تقديمها لمصلحة المملكة.
كانوا قديمًا يعتقدون أن هناك آلهة للجبال وآلهة للوديان وآلهة للبحار ولأنهم يعتقدون أن بنى إسرائيل مثل باقى الشعوب لهم آلهة مثل آلهة الشعوب، فظنوا أن آلهة بنى إسرائيل آلهة جبال تظهر قوتها فقط على الجبال وهذا المعتقد ظنوه لما يلى :
- كثرة الجبال فى بلاد بنى إسرائيل.
- عدم استخدام بنى إسرائيل للمركبات؛ لأنها لا تصلح للحرب إلا فى الوديان.
- كان شعب إسرائيل يقدمون ذبائحهم على الجبال والمقصود طبعًا الآلهة الوثنية التى سقط فى عبادتها سكان مملكة إسرائيل.
- لعل الآراميين علموا أن بنى إسرائيل يرنمون لآلهتهم بمزامير تبين أنها آلهة جبال، مثلما يقول داود “رفعت عينى إلى الجبال” (مز121: 1) و”أساساته فى الجبال المقدسة” (مز87: 1).
بالإضافة إلى هذا فإن ضخامة جيش الآراميين تظهر فى الوديان وليس على الجبال فيرعبوا جيش إسرائيل.
ع24، 25: قدم المشيرون لبنهدد مشورة للانتصار على بنى إسرائيل وتشمل خطتهم مجموعة اقتراحات :
- محاربتهم فى السهل حيث لا توجد جبال، فيسهل الانتصار عليهم لاعتقادهم أن آلهة إسرائيل آلهة جبال فقط.
- تنحية الملوك التابعين لبنهدد الاثنين والثلاثين وإقامة قادة حربيين بدلاً منهم ليستطيعوا قيادة جيوشهم.
- إعداد جيش كبير مثل الأول الذى حاصر السامرة، بنفس العدد من الفرسان والجنود والخيل والمركبات، أى بكثرة عظيمة تضمن النصرة. فوافق الملك على مشورتهم وبدأ فى تنفيذها وهذا يبين مدى الجهل الذى يسقط فيه تابعى عبادة الأوثان، إذ لا يعلمون أن هناك إله واحد للكون كله وهو قادر على كل شئ ويحمى شعبه إسرائيل.
وكل بنود الخطة تظهر كبرياء بنهدد واعتماده على كثرة جيوشه وخططه فلم يتضع حتى بعد هزيمته.
ع26: أفيق : مدينة تقع شرق بحر الجليل على بعد حوالى خمسة كيلو مترات وهى فى سهل يرتفع عن مدينة دمشق.
نفذ بنهدد مشورة عبيده، فبعد تمام سنة من هجومه على إسرائيل أعد جيشًا، مثل الأول وتحرك نحو مدينة أفيق، حيث هناك سهلاً متسعًا؛ ليحارب إسرائيل وصعد إلى أفيق؛ لأن دمشق التى يقيم فيها بنهدد أرضًا منخفضة عن أفيق.
ع27: عندما علم إسرائيل بتحرك جيوش الآراميين ووصولهم إلى أفيق تجهز جيشهم وأخذوا المؤن اللازمة لهم؛ لأن المكان بعيد عن السامرة ومدنهم إذ أن أفيق تعتبر فى شمال بلاد اليهود. وكان عدد جيش بنى إسرائيل قليل جدًا بالمقارنة بجيش الآراميين الضخم وقسم إسرائيل جيشه إلى فريقي، فكان منظرهم مثل قطيعين من المعزى أمام حشود الجيش الآرامى؛ لأن قطعان المعزى دائمًا صغيرة فى العدد ولكن كان اعتمادهم على قوة الله التى تساندهم كما بشرهم النبى (ع22).
ع28: لكى يشجع الله شعبه إسرائيل، أرسل لهم نبيه للمرة الثالثة ودعاه رجل الله؛ لأنه صوت الله لشعبه وكلم النبى آخاب الملك وقال له إن كان الآراميون قد ظنوا أن الله إله جبال فقط وليس إله وديان فسيرون كيف ينصركم الله عليهم وبهذا يتحقق أمرين :
- يعلم آخاب وشعب إسرائيل أن الله له سلطان على العالم كله فيؤمنون به ويتركون عبادة الأوثان.
- يعلم الآراميون أن إله إسرائيل هو الله وحده فوق جميع آلهتهم؛ حتى يؤمنوا به.
ع29: راجل : جندى من مشاة وليس فارسًا.
تقابل الجيشان عند أفيق ولكن ظلا لمدة سبعة أيام دون أن يتحرك أحدهما، لما يلى :
- جيش الآراميين فى خوف نتيجة هزيمته الأولى، فكان يراقب نقاط الضعف والقوة فى جيش إسرائيل ويرسم خططه فى القضاء عليهم.
- جيش إسرائيل يثق فى قوة الله وينتظر تدخله، كما تدخل أيام أريحا وسقطت بعد سبعة أيام (يش6: 15-21)، فهو لا يعرف كيف سينتصر، لكنه يثق فى النصرة.
وبعد سبعة أيام اشتبك الجيشان، فكانت قوة الله مع شعبه، فانتصروا انتصارًا ساحقًا على الآراميين وقتلوا عددًا ضخمًا منهم وهو مائة ألف جندى من المشاة وهو معظم الجيش الآرامى وذلك لما يلى :
- ثقة شعب إسرائيل فى قوة الله جعلتهم يهاجمون بقوة وشجاعة جيش الآراميين.
- ألقى الله الرعب فى قلوب جيش الآراميين، فكانوا يحاولون الدفاع ولكن فى ضعف، فسقط منهم هذا العدد الضخم.
- لعل جيش الآراميين فى خوفهم وارتباكهم وهم يحاولون الهرب قتل بعضهم البعض كما حدث مع جيش المديانيين أيام جدعون (قض7: 22).
ع30: بعد الهزيمة الساحقة لجيش الآراميين وموت معظمهم، لم يبق منهم إلا سبعة وعشرين ألف جنديًا، فهربوا جميعًا على مدينة أفيق؛ ليحتموا داخل أسوارها. وهنا يتدخل الله ليستحق الآراميين. الذين تطاولوا عليه وادّعوا أنه إله جبال فقط، فمد يده وسمح أن تسقط أسوار مدينة أفيق بما يتصل بها من مبانى عليهم وربما كان ذلك بزلزال حدث فى هذه المنطقة فماتوا جميعًا وهكذا ما حاولوا الاحتماء به وهو السور سقط عليهم لأنه من يستطيع أن يقف أمام الله، فهو وحده مصدر الحماية. أما الملك بنهدد من ذعره كان يهرب من بيت إلى بيت ومن حجرة إلى حجرة، خوفًا من سقوط المبانى عليه وتحقق ما توقعه جيش إسرائيل، أن ينصرهم الله كما نصر شعبه أيام أريحا، فسقطت الأسوار لتقتل باقى الجيش الآرامى وكان يتبع الملك عدد قليل من مشيريه وعبيده، الذين نجوا من سقوط الأسوار والمبانى عليهم.
(4) عفو آخاب عن بنهدد وتوبيخ الله له (ع31-43):
31- فقال له عبيده اننا قد سمعنا ان ملوك بيت اسرائيل هم ملوك حليمون فلنضع مسوحا على احقائنا و حبالا على رؤوسنا و نخرج الى ملك اسرائيل لعله يحيي نفسك. 32- فشدوا مسوحا على احقائهم و حبالا على رؤوسهم و اتوا الى ملك اسرائيل و قالوا يقول عبدك بنهدد لتحيي نفسي فقال اهو حي بعد هو اخي. 33- فتفاءل الرجال و اسرعوا و لجوا هل هو منه و قالوا اخوك بنهدد فقال ادخلوا خذوه فخرج اليه بنهدد فاصعده الى المركبة. 34- و قال له اني ارد المدن التي اخذها ابي من ابيك و تجعل لنفسك اسواقا في دمشق كما جعل ابي في السامرة فقال و انا اطلقك بهذا العهد فقطع له عهدا و اطلقه. 35- و ان رجلا من بني الانبياء قال لصاحبه عن امر الرب اضربني فابى الرجل ان يضربه. 36- فقال له من اجل انك لم تسمع لقول الرب فحينما تذهب من عندي يقتلك اسد و لما ذهب من عنده لقيه اسد و قتله. 37- ثم صادف رجلا اخر فقال اضربني فضربه الرجل ضربة فجرحه. 38- فذهب النبي و انتظر الملك على الطريق و تنكر بعصابة على عينيه. 39- و لما عبر الملك نادى الملك و قال خرج عبدك الى وسط القتال و اذا برجل مال و اتى الي برجل و قال احفظ هذا الرجل و ان فقد تكون نفسك بدل نفسه او تدفع وزنة من الفضة. 40- و فيما عبدك مشتغل هنا و هناك اذا هو مفقود فقال له ملك اسرائيل هكذا حكمك انت قضيت. 41- فبادر و رفع العصابة عن عينيه فعرفه ملك اسرائيل انه من الانبياء. 42- فقال له هكذا قال الرب لانك افلت من يدك رجلا قد حرمته تكون نفسك بدل نفسه و شعبك بدل شعبه. 43- فمضى ملك اسرائيل الى بيته مكتئبا مغموما و جاء الى السامرة.
ع31: مسوحًا على أحقائنا : ملابس خشنة تلبس على الوسط فما أسفل علامة التذلل. شعر بنهدد وعبيده وهم محصورون داخل مدينة أفيق أنهم فى يد ملك إسرائيل ولابد أن يقبض عليهم ويقتلهم فمن خوف عبيد بنهدد اقترحوا على الملك اقتراحًا لعله ينجيه وينجيهم معه، إذ قالوا له إننا نعرف من تاريخ ملوك بنو إسرائيل أنهم متسامحون وطيبون فنقترح أن نلبس كلنا مسوحًا على أحقائنا علامة على تذللنا أمام الملك آخاب ونربط حبالاً على رؤوسنا إعلانًا أننا مستحقون للموت شنقًا بهذه الحبال ونستعطف الملك، ليصفح عنك ويحييك، فنيحا معك لأن عبيد بنهدد كانوا يعرفون من تاريخ بنى إسرائيل تسامح شاول الملك مع أجاج (1صم15: 9) وتسامح داود مع شاول ومع أبشالوم ابنه.
ع32: وافق بنهدد على اقتراح عبيده فشدوا المسوح والحبال وذهبوا إلى آخاب الملك واستعطفوه أن يسامح بنهدد ملكهم، فتعجب آخاب أنه مازال حيًا ولما تأكد من ذلك أعلن صفحه عنه، بل قال باحترام أنه أخى، أى ملك له مكانة مثلى.
وعفو آخاب قد يبدو نوع من الرحمة والشهامة ولكنه أمر خاطئ جدًا لما يلى :
- لأنه ضد وصايا الله بإبادة الأشرار؛ لأنه جدف على اسم الله وقال إنه إله جبال وليس إله وديان. ولم يتعظ آخاب مما فعله شاول عندما أحيا أجاج فوبخه الله على فم صموئيل النبى (1صم15: 19).
- لعل الذل الذى ذاقه آخاب أمام تهديدات بنهدد قبل أن يحاربه وجد فى هذا الموقف فرصة ليستعيد كرامته على حساب كلام الله ويسامح خصمه.
- قطع عهدًا مع بنهدد ونقض عهده مع الله؛ لأنه مازال يعتقد بعبادة الأوثان مثل البعل ولم يخضع لله الإله الوحيد.
- لم يطلب مشورة الله ولا سأل النبى الذى بشره ماذا يعمل مع بنهدد.
- كان عمله ضد شعبه فقد ظن أنه رحيمًا مع بنهدد ولكنه كان غير رحيم مع شعبه الذى أذله بنهدد وسيعود بعد ثلاث سنوات ليحاربهم، فقد أخطأ فى حق شعبه.
- لم يعاتب بنهدد على تجديفه على الله وأن سبب هزيمته هى تحديه لله ولم يستفد من الموقف بأن يأخذ مقابل خسائر الحرب التى سببها بنهدد واكتفى بوعد بنهدد أن يرد إليه فيما بعد المدن التى استولى عليها أبوه من عمرى والد آخاب وأن يسمح له بالتجارة فى دمشق.
- لعله ظن أن إحياءه لبنهدد يجعله يتحالف معه ضد آشور التى بدأت تقوى كدولة لتسيطر على العالم. ولم يتكل على الله الذى يحميه.
- تظاهر آخاب بالرحمة ولكن قلبه كان شريرًا، إذ لم يؤمن بالله الذى نصره ولم يطع كلامه ولم يشكره بأى شكل وبهذا أغضب الله جدًا لأن الله فاحص القلوب والكلى ولا يهتم بالمظاهر.
? كن رحيمًا مع الضعفاء ولكن لا تتظاهر بالرحمة؛ لأجل أغراض فى قلبك فاعمل الرحمة من أجل الله وليس لأى غرض شخصى، أو إرضاءً للناس.
ع33: لجوا : من لجاجة أى ألحوا.
هل هو منه : تساءل عبيد بنهدد فيما بينهم هل حقًا هذا الكلام يقصده آخاب، أن بنهدد أخوه.
استبشر عبيد بنهدد وفرحوا جدًا عندما سمعوا كلام آخاب أن بنهدد أخوه، أى عفا عنه فتلقفوا هذه الكلمة منه وأكدوها قائلين لآخاب أن بنهدد أخوك معتمدين على أن الملوك لا يرجعون فى كلامهم. وبالطبع هذا العفو سيشمل عبيد بنهدد الواقفين أمام آخاب، فكانت فرحتهم عظيمة أنهم لن يموتوا.
وأمر آخاب أن يحضروا بنهدد إليه، أى يأخذوه من مدينة أفيق ويأتوا به إلى آخاب، فلما وصل إليه سلَّم عليه آخاب وأمسك بيده وأصعده ليركب معه مركبته الملوكية، أى أعطاه الإكرام كملك.
ع34: أمام هذا العفو العظيم من آخاب والإكرام الزائد، أعلن بنهدد أنه سيرد البلاد التى اغتصبها أبوه الذى يدعى بنهدد أيضًا (ص15: 18) من عُمرى والد آخاب وسيسمح لليهود بالتجارة فى دمشق وهى مدينة تجارية كبيرة وعاصمة لآرام وهذا قد يعنى ضمنيًا أن يقيموا لهم بيوتًا وحارات فى دمشق سميت بحارات اليهود تثبيتًا لتجارتهم.
وفرح آخاب بهذه الوعود وقطع عهدًا مع بنهدد، إذ ظن أن هذا فيه مصلحة لليهود كما ذكرنا فى (ع32).
ع35: بعد قتل إيليا لأنبياء البعل ضعفت إيزابل إلى حد ما، فبدأ ظهور بنو الأنبياء الذين يجتمعون فى مدارس الأنبياء، التى أسسها صموئيل النبى وكان من أهم قوانين هذه المدارس طاعة الله. فتقدم واحد من هؤلاء الأنبياء وقال لنبى آخر صاحبه أن الله يأمرك أن تضربنى. ولكن صديق النبى خجل أو أشفق على زميله النبى الذى يأمره من الله بضربه ورفض أن يطيع كلام الله ويضرب النبى.
ع36: عندما رفض هذا الصديق طاعة أمر الله قال له النبى رسالة من الله وهى أنه لرفضه طاعة الله، فعندما يترك المكان الذى فيه ويذهب فى طريقه سيقابله أسد ويقتله وهذا حدث فعلاً.
كل هذا ليؤكد لنا الله أهمية الطاعة لأن خطية آخاب فى استبقاء بنهدد هى رفض طاعة الله.
ع37: استمر هذا النبى فى طريقه فصادف رجلاً آخر وطلب منه نفس الطلب الذى يريده الله وهو أن يضربه، فعندما علم الرجل أن هذا أمر من الله أطاع وضربه بشدة حتى جرحه وهذا ما كان يريده النبى أن تظهر علامات عليه تبين أنه جندى قد ضرب وجرح فى الحرب.
ع38: عصابة : قطعة طويلة من القماش تربط على الرأس فوق الطاقية أو تربط على الجروح.
ربط النبى الجرح الذى فى رأسه بعصابة كبيرة، حتى أنها غطت معظم عينيه وبالتالى أخفت إلى حد كبير معالم وجهه حتى لا يعرف آخاب أنه نبى لأنه يخاف من الأنبياء إذ هم يمثلون الله ويسمعونه صوته الذى يوبخه على أخطائه، ثم انتظر الملك آخاب عند عودته من أفيق، بعد توديعه للملك بنهدد ملك آرام، ليسمعه رسالة من الله.
ع39، 40: بعد فترة وصل الملك إلى المكان الذى فيه النبى، فنادى النبى عليه، طالبًا إرشاده وحكمه، فتوقف الملك بمركبته وتقدم النبى المتخفى، كأنه جندى جرح فى الحرب وقال للملك أنه عندما كان فى الحرب جاء إليه واحد هو غالبًا قائد وطلب منه أن يحتفظ بأحد الاسرى بكل اهتمام وتدقيق وهدده إن لم يحتفظ به أو ضاع منه، فسيقبض عليه بدلاً منه، أو يدفع مبلغًا كبيرًا من المال وهو وزنة من الفضة وهى تساوى حوالى ثلاثة آلاف شاقل وثمن العبد، كما نعلم من بيع يهوذا للمسيح هو ثلاثون من الفضة أى أن هذا الأسير مهم جدًا وثمنه مائة ضعف العبد العادى. أراد النبى بهذا القصة، التى أرشده إليها الله أن ينبه الملك، ليفهم حقيقة ما فعله؛ إذ أطلق أسير غالى جدًا هو بنهدد ولكن الملك لم يفهم المقصود من المثل.
ثم أكمل النبى كلامه وقال أنه أثناء الحرب تحرك يمينًا ويسارًا ولم يدقق فى حراسة الأسير فهرب منه، أى أنه مشغول فى انشغالات الحرب ولكن النتيجة ضياع الأسير، ثم طلب حكم الملك لعله ينقذه من هذا المأزق أما الملك بكل قسوة قال له أنت حكمت على نفسك بوعدك واتفاقك على حفظ هذا الأسير، فينبغى القبض عليك بدلاً منه.
ع41: بعد أن قص النبى هذه القصة على الملك رفع العصابة التى على رأسه وتغطى عينيه، فظهرت علامة اعتاد الأنبياء أن يضعوها على جباههم تعلن شخصيتهم؛ ليعرفهم الناس ويقبلوا كلام الله على لسانهم وهنا اكتشف آخاب أنه أحد الأنبياء؛ فخاف إذ انتظر رسالة من الله لأنه شرير ويغضب الله كثيرًا.
ع42: أعلن النبى رسالة الله بوضوح لآخاب ووبخه على إطلاقه سراح بنهدد الشرير، الذى جدف على الله وأمر الله فى شريعته بقتله، فيستحق آخاب أن يفعل به ما كان ينبغى أن يفعل فى بنهدد أى يموت وهنا فقط فهم آخاب معنى المثل، بل لعل النبى قص عليه ما حدث مع صاحبه الذى لم يطع أمر الله فقتله الأسد، ففهم آخاب أنه إذ لم يطع كلام الله فهو يستحق الموت.
وحملت الرسالة ليس فقط عقابًا لآخاب بالموت، بل أيضًا لشعبه أن يموت بدل آرام وذلك لأن الشعب أيضًا مشترك فى الخطأ مع آخاب فى عبادة البعل ولم يرجعوا بكل قلوبهم إلى الله.
ع43: عندما سمع آخاب حكم الله على لسان النبى حزن جدًا ومضى فى طريقه إلى بيته الذى فى السامرة عاصمة مملكته ولكنه لم يرجع إلى الله بالتوبة لأن قلبه بعيد عن الله مع أن أمامه مثلاً عمليًا وهو التماس بنهدد رحمة آخاب فسامحه (ع31) فكم بالأولى الله الحنون إذا التجأ إليه أولاده فبالطبع سيسامحهم وكما سامح داود العظيم على خطأه.
? احترس من الحزن الذى بلا رجاء وهو الحزن على ما تفقده من أمور هذا العالم وإذا قابلت أية ضيقة، أو أخطأت فى أى أمر فالتجئ إلى الله واثقًا من مراحمه وغفرانه.