حكمة سليمان
(1) سليمان يصاهر فرعون ويذبح على المرتفعات (ع1-4):
1- و صاهر سليمان فرعون ملك مصر و اخذ بنت فرعون و اتى بها الى مدينة داود الى ان اكمل بناء بيته و بيت الرب و سور اورشليم حواليها. 2- الا ان الشعب كانوا يذبحون في المرتفعات لانه لم يبن بيت لاسم الرب الى تلك الايام. 3- و احب سليمان الرب سائرا في فرائض داود ابيه الا انه كان يذبح و يوقد في المرتفعات. 4- و ذهب الملك الى جبعون ليذبح هناك لانها هي المرتفعة العظمى و اصعد سليمان الف محرقة على ذلك المذبح.
ع1: فرعون مصر : هو سيامون أحد ملوك الأسرة الحادية والعشرين الذى ملك من عام 979-959 ق.م.
مدينة داود : جزء من أورشليم ثم أطلق الاسم على أورشليم كلها.
بيت الرب : بدأ سليمان تأسيسه فى السنة الرابعة من ملكه واستغرق ذلك سبع سنوات، أى أكمله فى السنة الحادية عشر من ملكه، وبعد ذلك بدأ بناء بيته أى قصوره (ص6: 1، 38).
بيته : بنى سليمان مجموعة قصور له فى مدة 13 عاماً (ص7: 1) أى أنه أكملها فى السنة الرابعة والعشرين من ملكه.
سور أورشليم : بنى سليمان سورًا جديدًا للمدينة يحيط بالمبانى الجديدة التى أقامها ورمَّم أيضًا السور القديم (ص11: 27).
فكَّر سليمان بحكمة بشرية أن يصاهر فرعون ملك مصر؛ لأجل مركز وقوة مصر، وبهذا كسر الشريعة بزواجه من وثنية (خر34: 16، تث7: 3)، بل وتزوج فيما بعد بوثنيات أخريات كان لهن دور فى إبعاده عن عبادة الله، فمصاهرته لفرعون كانت بداية الأخطاء التى سقط فيها. وقد بنى لها بيتًا خارج أورشليم أقامت فيه مؤقتًا إلى أن أكمل بناء قصوره داخل أورشليم وبنى أيضًا بيت الرب وأسوار المدينة.
ويرى البعض أن زواج سليمان بابنة فرعون لم يجذبه لعبادة الأوثان بدليل عدم إقامة تماثيل للآلهة المصرية عندما بنى مرتفعات لآلهة نسائه الغريبات (ص11: 1-8)، ولعلها تهودت بعد زواجها، لكن هذا لا ينفى خطأ سليمان بزواجه من وثنية.
ع2: المرتفعات : الجبال أو التلال العالية.
كانت خيمة الاجتماع فى ذلك الوقت فى جبعون وبها المذبح النحاسى الذى تقدم عليه الذبائح والمحرقات للرب. غير أن الشعب لم يلتزم بتقديم الذبائح فى مكان واحد محدد، إلا بعد بناء الهيكل، فكانوا حتى ذلك الوقت يقدمون ذبائحهم على أى مكان مرتفع، وهذا عدم تدقيق منهم، وإن كان جدعون وصموئيل قد قدّما ذبائح فى أماكن أخرى غير خيمة الاجتماع كاستثناء (قض6: 26، 1صم9: 12). وسليمان نفسه لم يلتزم بتقديم الذبائح فى خيمة الاجتماع كما أمر الرب (تث12: 1-14) مثل داود أبيه.
ومن كثرة تقديم الشعب للذبائح على المرتفعات دعوا خيمة الاجتماع فى جبعون المرتفعة العظمى (ع4) أى أنهم يقدمون الذبائح على أية مرتفعة مثل الوثنيين.
ع3: رغم أن سليمان كان حريصًا على إرضاء الرب وعمل ما اتبعه أبوه من طقوس وصلوات إلا أنه كان يشارك الشعب فى الذبح على المرتفعات. فهذه استهانة منه لأن الله أمر أن تقدم الذبائح فى مكان واحد هو خيمة الاجتماع، وهذا ساعد فيما بعد على تقديم ذبائح للأصنام التى أقامها سليمان مخالفًا لشريعة الله لأنه لم يلتزم بتقديم الذبائح فى خيمة الاجتماع فقط مثل أبيه داود.
ع4: جبعون : تقع شمال غرب أورشليم على بعد 8كم وهى فى نصيب سبط بنيامين وأعطيت بعد هذا للكهنة، ونالت شهرة خاصة لوضع داود فيها خيمة الاجتماع والمذبح النحاسى (1أى16: 39، 21: 29، 2أى1: 3-6).
قبل أن يبدأ سليمان فى ممارسة عمله فى المملكة، اهتم بعبادة الله، فانطلق إلى مذبح الرب الذى فى جبعون، حيث توجد خيمة الاجتماع والمذبح النحاسى، وهناك قدم سليمان محرقات كثيرة. ويذكر الكتاب أنه قدم ألف محرقة، فغالبًا لم تقدم كلها فى يوم واحد؛ لأن المذبح النحاسى لا يتسع لتقديم هذا العدد فى يوم واحد، بل استغرق ذلك عدة أيام.
وتقديم سليمان لعدد كبير من الذبائح يبين :
- مدى محبة سليمان لله وسخائه فى العطاء له.
- مدى غنى سليمان.
? من الأمور الهامة التى يجب أن نتمسك بها هى أن نعطى الله الأولوية فى حياتنا، فلا نرتبك بهمومنا اليومية، إنما نرفع قلوبنا إلى الله قبل أن نمارس أعمالنا اليومية، أو أى عمل جديد نقوم به، والله هو الوحيد القادر أن يقودنا فى برية هذا العالم لنصل إلى بر الأمان فى أحضان قديسيه.
(2) سليمان يطلب الحكمة من الله (ع5-15):
5- في جبعون تراءى الرب لسليمان في حلم ليلا و قال الله اسال ماذا اعطيك.6- فقال سليمان انك قد فعلت مع عبدك داود ابي رحمة عظيمة حسبما سار امامك بامانة و بر و استقامة قلب معك فحفظت له هذه الرحمة العظيمة و اعطيته ابنا يجلس على كرسيه كهذا اليوم. 7- و الان ايها الرب الهي انت ملكت عبدك مكان داود ابي و انا فتى صغير لا اعلم الخروج و الدخول. 8- وعبدك في وسط شعبك الذي اخترته شعب كثير لا يحصى و لا يعد من الكثرة. 9- فاعط عبدك قلبا فهيما لاحكم على شعبك و اميز بين الخير و الشر لانه من يقدر ان يحكم على شعبك العظيم هذا.
10- فحسن الكلام في عيني الرب لان سليمان سال هذا الامر. 11- فقال له الله من اجل انك قد سالت هذا الامر و لم تسال لنفسك اياما كثيرة و لا سالت لنفسك غنى و لا سالت انفس اعدائك بل سالت لنفسك تمييزا لتفهم الحكم. 12- هوذا قد فعلت حسب كلامك هوذا اعطيتك قلبا حكيما و مميزا حتى انه لم يكن مثلك قبلك و لا يقوم بعدك نظيرك. 13- و قد اعطيتك ايضا ما لم تساله غنى و كرامة حتى انه لا يكون رجل مثلك في الملوك كل ايامك. 14- فان سلكت في طريقي و حفظت فرائضي و وصاياي كما سلك داود ابوك فاني اطيل ايامك. 15- فاستيقظ سليمان و اذا هو حلم وجاء الى اورشليم و وقف امام تابوت عهد الرب و اصعد محرقات و قرب ذبائح سلامة و عمل وليمة لكل عبيده.
ع5: أمام محب سليمان التى قدمها فى جبعون لله، ظهر له الرب فى حلم وباركه لأجل محبته وشجعه وقال له أطلب ما تريد فأعطيك. لان الله يفرح بعطايا أولاده فيعوضهم بعطايا وفيرة حسب كثرة غناه.
ونلاحظ أن الله يهتم بحرية الإنسان فيعطيه أن يختار الطلبة التى يريدها منه “اسأل ماذا أعطيك”.
? الله فى محبته يريد أن يعطينا بسخاء كل ما نحتاج ويفرح أن نطلب ونلحّ عليه. فليتك تثق فى محبة الله وتطلب احتياجاتك وخاصة الروحية لتشبع به وتثبت فيه.
ع6: شكر سليمان الله على رحمته التى أفاضها على داود أبيه لأنه سار مع الله، وتعاظمت هذه الرحمة فى إقامة ابنه ملكًا يجلس على كرسيه.
ع7، 8: لا أعلم الخروج والدخول : لا أعرف كيف أتصرف فى الأمور الخارجية للمملكة من الاتصال بالشعوب الأخرى ولا أعرف كيف أتصرف فى الأمور الداخلية.
إذ شكر سليمان الله على جعله ملكًا، اعترف باتضاع أمامه أنه صغير. إذ كان عمره فى بداية العشرينات لا يعرف كيف يتصرف فى المملكة وكيف يدير أمورها، خاصة وأن شعب بنى إسرائيل عدده كبير فيحتاج لحكمة وقوة فى قيادته. وسليمان يشعر أنه وكيل على شعب الله لذا يقول “شعبك” فالله هو الملك الحقيقى.
ع9: من أجل إحساس سليمان بضعفه وعدد الشعب الكبير، طلب من الله الحكمة والفهم والقدرة على التمييز ليقود هذا الشعب العظيم ويتصرف حسنًا فى كل أموره.
ع10-12: سُرَّ الله لأن سليمان لم يطلب الماديات والشهوات الأرضية مثل طول العمر أو الغنى أو الانتصار على الأعداء، بل طلب الحكمة ليقوم بواجبه فى قيادة الشعب بإرشاد الله. لذا وهبه الله حكمة أكثر من كل الناس ليس فى عصره فقط بل لم ينلها أحد قبله ولا بعده. وهذه الحكمة هى معرفة وفهم وذكاء فائق جدًا وهى الحكمة البشرية، ولكن ينبغى أن يخضع الإنسان بهذه احكمة لله ووصاياه فينال الحكمة الروحية. وللأسف لم يلتزم سليمان بهذا فكسر الشريعة وأكثر من الزيجات والخيل والمركبات وعمل الأصنام لزوجاته الوثنيات.
ع13: بالإضافة لما طلبه سليمان وعده الرب أن ينال أيضًا ما لم يطلب من غنى وكرامة لا يصل إليها أى ملك آخر من الملوك المعاصرين له.
ع14: وعد الله سليمان بإطالة عمره بشرط السلوك فى طريقه وحفظ وصاياه كما سلك وفعل داود أبوه ولكن للأسف رغم صلاح سليمان وإنجازاته الكبرى مثل بناء الهيكل، أقام عبادة الأوثان فى أورشليم فلم تطل حياته وعاش ستين عامًا فقط.
ع15: عبيده : كبار العاملين معه.
عندما استيقظ سليمان من حلمه، فرح جدًا برؤية الله ووعوده العظيمة له، فذهب إلى أورشليم ووقف أمام تابوت عهد الله وشكره، ليعلن أن ملكه وحكمته هى من الله وليس من نفسه، أو من الشعب، وقدم ذبائح سلامة كثيرة وعمل وليمة لعبيده ليشتركوا معه فى فرحته، إذ أن ذبائح السلامة يشترك مقدمها وأحباؤه فى الأكل منها.
ونرى هنا سليمان كقائد روحى يهتم أن يتشرك معاونيه أى الخدام العاملين معه فى الفرح الروحى إذ قصَّ عليهم ما حدث فى الحلم، فشكروا الله وخضعوا لوصاياه.
? ليتك تطلب الطلبات الروحية ومعونة الله لأداء مسئولياتك قبل أن تطلب الاحتياجات المادية. فإلهك قادر على كل شئ ولكنه يفرح إذا وجد رغباتك الروحية ومحبتك له كبيرة.
(3) سليمان والطفل المُتنازع عليه (ع16-28):
16- حينئذ اتت امراتان زانيتان الى الملك و وقفتا بين يديه. 17- فقالت المراة الواحدة استمع يا سيدي اني انا و هذه المراة ساكنتان في بيت واحد و قد ولدت معها في البيت. 18- و في اليوم الثالث بعد ولادتي ولدت هذه المراة ايضا و كنا معا و لم يكن معنا غريب في البيت غيرنا نحن كلتينا في البيت. 19- فمات ابن هذه في الليل لانها اضطجعت عليه. 20- فقامت في وسط الليل و اخذت ابني من جانبي و امتك نائمة و اضجعته في حضنها و اضجعت ابنها الميت في حضني. 21- فلما قمت صباحا لارضع ابني اذا هو ميت و لما تاملت فيه في الصباح اذا هو ليس ابني الذي ولدته.
22- وكانت المراة الاخرى تقول كلا بل ابني الحي و ابنك الميت و هذه تقول لا بل ابنك الميت و ابني الحي و تكلمتا امام الملك. 23- فقال الملك هذه تقول هذا ابني الحي و ابنك الميت و تلك تقول لا بل ابنك الميت و ابني الحي. 24- فقال الملك ايتوني بسيف فاتوا بسيف بين يدي الملك.
25- فقال الملك اشطروا الولد الحي اثنين و اعطوا نصفا للواحدة و نصفا للاخرى. 26- فتكلمت المراة التي ابنها الحي الى الملك لان احشاءها اضطرمت على ابنها و قالت استمع يا سيدي اعطوها الولد الحي و لا تميتوه و اما تلك فقالت لا يكون لي و لا لك اشطروه. 27- فاجاب الملك و قال اعطوها الولد الحي و لا تميتوه فانها امه. 28- و لما سمع جميع اسرائيل بالحكم الذي حكم به الملك خافوا الملك لانهم راوا حكمة الله فيه لاجراء الحكم.
ع16: تحكى لنا هذه الحادثة أول مظهر لحكمة سليمان التى وهبه الله إياها. فقد جاءت امرأتان زانيتان إلى الملك لهما شكوى ضد بعضهما. وبالطبع هذه القضية عرضت أولاً على القضاة والشيوخ واحتاروا فى حلها فرفعوها إلى سليمان ليفصل فيها لتميزه فى الحكمة.
ع17، 18: بدأت إحداهما تروى له المشكلة التى بينهما وهى أنها والمرأة الأخرى يقيمان فى مسكن واحد لا يشاركهما الإقامة فيه أى شخص آخر، وقد ولدت كلتاهما طفلاً بفارق زمنى ثلاثة أيام فقط.
ع19، 20: واصلت المرأة حكايتها فقالت أن ابن المرأة الأخرى مات ليلاً لأنها – بخطأ غير مقصود – نامت فوقه. فما كان منها إلا أنها قامت ليلاً، حين أدركت ما حدث وتسللت إلى حيث أنام وبادلت الولدين، فوضعت ابنها الميت مكان الابن الحى، الذى أخذته منى وذهبت إلى فراشها.
ع21: تكمل المرأة القصة فتقول أنها حين استيقظت فى الصباح وتهيأت لإرضاع الطفل وجدته ميتًا ولما تأملت فيه أدركت أنه ليس ابنها الذى ولدته.
ع22: عند هذا الحد من القصة أخذت المرأتان تصرخان فى وجه بعضهما، المرأة الأخرى تعترض وتقول أن ابنها هو الحى وابن تلك هو الميت، فترد عليها هذه وتقول لا بل ابنك أنت هو الميت وابنى الحى. كانتا ترددان وتعيدان نفس القول وهما فى حضرة الملك سليمان.
ع23: أظهر الملك صعوبة المشكلة إذ أن كل منهما تعلن أن ابنها هو الحى … فيا ترى ما هو الحل ؟!
ع24: هنا تجلت الحكمة التى أنعم بها الله على الملك، إذ طلب ممن حوله سيفًا، فأحضروه له على الفور.
ع25: لكى ما يكتشف سليمان الأم الحقيقية قال لهما، حيث أنكما متنازعتان على هذا الطفل، فليقطع نصفين وكل واحدة تأخذ نصفًا.
ع26: أحشاءها اضطرمت : التهب قلب الأم الحقيقية على ابنها.
لم تحتمل الأم الحقيقة قتل ابنها أمام عينيها، فترجت الملك أن يعطوا الطفل للمرأة الأخرى، أما الأخرى فأصرت على ما أعلنه الملك بقطع الطفل إلى نصفين، وشرها ظهر فى محاولتها التخلص من الابن كما مات ابنها.
ع27: من رد فعل المرأتين لأمر تقسيم الطفل تمكن سليمان من معرفة الأم الحقيقية، فأصدر حكم بإعطاء الطفل لأمه الحقيقية ولا يقتل.
ع28: هنا أدرك الكل حكمة الملك بعد أن كانوا قد تعجبوا من حكمه بشطر الطفل متسائلين كيف يأمر الملك بقتل طفل حى وحرمان كلتا المرأتين منه.
بهذا الحكم نال سليمان تقدير وتبجيل الشعب فقد شعروا فعلاً من حكمه فى هذه المشكلة أن الله وهبه الحكمة؛ ليجرى الأحكام العادلة بين أفراد شعبه.
ونلاحظ أن سليمان رغم أن المرأتين زانيتان، لم يرفض التحكيم بينهما بسبب شرهما، بل أصدر حكمًا عادلاً.
? إن الله مستعد أن يعطيك التمييز والحكمة فى كل أمورك ببساطة وقوة تبهر المحيطين بك. فقط اتكل عليه واطلبه فيرشدك فى كل خطواتك.