الاستعداد لبناء الهيكل
(1) طلب سليمان معاونة حيرام (ع1-6):
1- و ارسل حيرام ملك صور عبيده الى سليمان لانه سمع انهم مسحوه ملكا مكان ابيه لان حيرام كان محبا لداود كل الايام. 2- فارسل سليمان الى حيرام يقول. 3- انت تعلم داود ابي انه لم يستطع ان يبني بيتا لاسم الرب الهه بسبب الحروب التي احاطت به حتى جعلهم الرب تحت بطن قدميه. 4- و الان فقد اراحني الرب الهي من كل الجهات فلا يوجد خصم و لا حادثة شر.
5- و هانذا قائل على بناء بيت لاسم الرب الهي كما كلم الرب داود ابي قائلا ان ابنك الذي اجعله مكانك على كرسيك هو يبني البيت لاسمي. 6- و الان فامر ان يقطعوا لي ارزا من لبنان و يكون عبيدي مع عبيدك و اجرة عبيدك اعطيك اياها حسب كل ما تقول لانك تعلم انه ليس بيننا احد يعرف قطع الخشب مثل الصيدونيين.
ع1، 2: حيرام : ويدعى أيضًا حورام فى (2أى2: 3).
صور : مدينة تجارية عظيمة فى فينيقية، أى لبنان وتقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
كان حيرام ملك صور محبًا لداود. فلما علم بموته أرسل كبار رجال الدولة لتعزية سليمان وتهنئته على توليه العرش خلفًا لأبيه، ولتأكيد عهود المحبة والسلام بينهما وبين شعبيهما.
ع3: جعلهم تحت بطن قدميه : أخضعهم له.
رد سليمان على حيرام برسالة بيَّن فيها له رغبة داود أبيه فى بناء هيكل للرب ولكن انشغاله بحروب كثيرة مع البلاد المحيطة منعه من تحقيق رغبته.
سليمان هنا أشرك الأمم، أى حيرام فى بناء هيكل الله، فهو يرمز للمسيح الذى أشرك الأمم مع اليهود فى هيكل جسده عندما مات عن الكل ويعطى الكل جسده ودمه الحقيقيين.
? سليمان هنا يرمز للمسيح فى استقرار السلام أيامه، كما قيد المسيح الشيطان بعد انتصاره عليه بالصليب وأعطى المؤمنين به السلام.
ع4، 5: هأنذا قائل على بناء البيت : نويت أن أبنى بيتًا.
أظهر سليمان لحيرام الاستقرار والسلام الذى تتمتع به مملكته، فلا يوجد أعداء أو أشرار يسـيئـون إلى المملكة مما أتاح له أن يقرر بناء هيكل للرب كما أوصى الله داود أباه (2صم7: 12).
ع6: أرز من لبنان : أشجار ضخمة وطويلة دائمة الخضرة وتعمر طويلاً، وخشبها مر أى غير معرض للتسوس فتصلح لبناء الأبنية العظيمة وقابلة للدهان.
الصيدونيين : سكان صيدا التى تقع شمال صور وتتبع ملكها.
طلب سليمان أن يكلف ملك صور رجاله الساكنين فى صيدون التابعة له بقطع شجر أرز من لبنان، وسيرسل سليمان رجاله ليعملوا مع رجال ملك صور وسيتولى هو دفع أجرة الصيدونيين حسب ما يقرره ملك صور، لأن بنى إسرائيل لا يتقنون قطع الأشجار مثل أهل مدينة صيدون. وهذا يبيّن حكمة سليمان فى استغلال مواهب الآخرين فى التعاون معه وأمانته فى عدم استغلالهم، بل دفع أجورهم كما يرى ملكهم حيرام أى أجرًا كاملاً. واسـتيراد سليمان للأخشاب من حيرام وإعطائه مقابلها مواد تموينية مثل القمح والشعير والخمر والزيت (2أى2: 10) هو التبادل الاقتصادى الذى نتج عن الألفة بين صور وبنى إسرائيل ودعم الترابط بينهما.
? ما أجمل التعاون فهو يتيح لك الاستفادة من خبرة المحيطين بك وتحقيق نجاح أكبر، ولكن يحتاج إلى اتضاع كما اتضع سليمان صاحب المملكة العظيمة فى كلامه مع ملك صور، فبالاتضاع تكسب من حولك وتحقّق لنفسك وللآخرين ما يرغبونه.
(2) استجابة حيرام (ع7-12):
7- فلما سمع حيرام كلام سليمان فرح جدا و قال مبارك اليوم الرب الذي اعطى داود ابنا حكيما على هذا الشعب الكثير. 8- و ارسل حيرام الى سليمان قائلا قد سمعت ما ارسلت به الي انا افعل كل مسرتك في خشب الارز و خشب السرو. 9- عبيدي ينزلون ذلك من لبنان الى البحر و انا اجعله ارماثا في البحر الى الموضع الذي تعرفني عنه و انفضه هناك و انت تحمله و انت تعمل مرضاتي باعطائك طعاما لبيتي. 10- فكان حيرام يعطي سليمان خشب ارز و خشب سرو حسب كل مسرته. 11- و اعطى سليمان حيرام عشرين الف كر حنطة طعاما لبيته و عشرين كر زيت رض هكذا كان سليمان يعطي حيرام سنة فسنة. 12- و الرب اعطى سليمان حكمة كما كلمه و كان صلح بين حيرام و سليمان و قطعا كلاهما عهدا.
ع7: رحب حيرام بالمساهمة فى العمل مع ابن صديقه داود، ورأى أنه ابن صالح وحكيم وهو هدية من الله لشعب إسرائيل. وقد كان من عادة الوثنيين أنهم يؤمنون بأن لكل بلد آلهة وأنه من اللائق أن يحترم كل بلد إله البلد الآخر، لذلك قال مبارك الرب، ليس لأنه يؤمن به ولكن مجرد احترام.
ع8: السرو : شجرة كبيرة توجد فى سوريا وفى فلسطين، يستعمل خشبها لبناء المراكب وبناء المنازل مع خشب الأرز.
استجاب حيرام لسليمان وقبل إمداده بكل ما يرغبه من أخشاب الأرز والسرو. ويفهم من هذا أن سليمان طلب أنواعًا من الأخشاب، ليس فقط خشب الأرز، بل كما يذكر سفر أخبار الأيام أنه طلب خشب السرو والصندل (2أى2: 8).
ع9: أرماثًا : حزمًا.
أضاف حيرام أنه سيأمر رجاله بقطع الأخشاب من الأشجار ويجمعونها فى حزم ويلقونها على مياه البحر ويسوقونها عائمة على وجه المياه؛ ليسلموها لرجال سليمان فى المكان الذى يحدّده سليمان ومن هذا المكان يستطيع سليمان برجاله أن ينقلوا هذه الأخشاب برًا إلى حيثما يريد. ومقابل ثمن الأخشاب التى يرسلها حيرام إليه يرسل سليمان لحيرام الاحتياجات الغذائية لقصره.
ع10، 11: كر : مكيال للسوائل والحبوب حجمه 229 لتر تقريبًا.
حنطة : قمح.
زيت رض : هو أنقى الزيوت لعدم وجود شوائب فيه إذ يستخرج الزيت بضرب الثمار وليس عصرها.
نفَّذ حيرام الاتفاقية بينه وبين سليمان، فكان سليمان يحصل على كل احتياجاته من خشب الأرز والسرو من ملك صور وفى المقابل يوافيه بما طلب من مواد غذائية، فكان يعطيه سنويًا طوال فترة تجهيز الأخشاب عشرين ألف كر حنطة وعشرين كر زيت. وهذا بالطبع غير أجرة العمال التابعين لحيرام والتى ذكرت فى (2أى2: 10)، حيث نجد حجمًا أكبر للزيت الذى قدمه سليمان.
ونرى بهذا أن سليمان يطعم شعبه اليهود العاملين معه وكذلك الأمميين التابعين لملك صور بحنطة وخمر وزيت (2أى2: 10) فهو بهذا يرمز للمسيح الذى يطعم المؤمنين به سواء من أصل يهودى أو أممى بجسده ودمه المأخوذين من الحنطة والخمر ويعطيهم روحه القدوس الذى يرمز إليه الزيت.
ع12: أعطى الرب سليمان حكمة ليعمل على استمرار صداقته مع حيرام، فنجح كلاهما فى الحفاظ على علاقات الود المتبادل وترجما ذلك فى عهد قطعاه كلاهما. واستمرت الألفة بين الشعبين إلى عهد آخاب الملك الذى تزوج إيزابل ابنة ملك صيدون (ص16: 31). وهكذا نرى أن الألفة مع الشعوب المحيطة مفيدة ولكن يجب الحرص من زيادة الترابط الذى يجعل شعب الله يأخذ عادات الشعوب الأخرى ويعبد آلهتها كما حدث أيام آخاب.
? من المفيد جدًا أن تهتم بصنع السلام مع من حولك، فهذا يتيح لك الانشغال بعبادتك الروحية وخدمتك بالإضافة للتعاون معهم، فتثبت المحبة بينك وبينهم وتكسب الكل لله بمحبتك وعملك على راحتهم.
(3) تشغيل العمال (ع13-18):
13- ابن جابر في راموت جلعاد له حووت يائير ابن منسى التي في جلعاد و له كورة ارجوب التي في باشان ستون مدينة عظيمة باسوار و عوارض من نحاس. 14- فارسلهم الى لبنان عشرة الاف في الشهر بالنوبة يكونون شهرا في لبنان و شهرين في بيوتهم و كان ادونيرام على التسخير.
15- وكان لسليمان سبعون الفا يحملون احمالا و ثمانون الفا يقطعون في الجبل. 16- ما عدا رؤساء الوكلاء لسليمان الذين على العمل ثلاثة الاف و ثلاث مئة المتسلطين على الشعب العاملين العمل. 17- و امر الملك ان يقلعوا حجارة كبيرة حجارة كريمة لتاسيس البيت حجارة مربعة. 18- فنحتها بناؤو سليمان و بناؤو حيرام و الجبليون و هياوا الاخشاب و الحجارة لبناء البيت.
ع13، 14: السخر : العمال المسخرين للعمل.
أدونيرام : أنظر تفسير (ص4: 6).
قام سليمان بتشغيل 30 ألف إسرائيلى، كان يرسلهم بالتناوب كل 10 آلاف فى مجموعة تبقى للعمل شهرًا فى لبنان وترجع ليمكث الرجال فى بيوتهم مع أهلهم شهرين حتى يحين موعد النوبة التالية. ووكان هذا حرصًا من سليمان على ألا يثقِّل على العمال وعلى وحدة الأسرة وسلامتها، فلا تشعر أسرة العامل بالحرمان منه. واختار لبنى إسرائيل قطع الأخشاب أما غير اليهود فعملوا فى قطع الأحجار (ع25)، أى اختار العمل الأسهل لشعبه اهتمامًا منه به.
وكانت السخرة معناها أن يعمل الإنسان مقابل طعامه واحتياجاته الضرورية، وعرفت السخرة فى البلاد الكبيرة لإنجاز المشاريع الضخمة، كما فى مصر لبناء الأهرام. وكانت المعاملة حسنة مع المسخرين خاصة من بنى إسرائيل، فلم يعتبروا عبيدًا، بل كأنهم أجراء ويقدمون ضريبة للدولة لإنجاز مشاريعها الكبيرة هى جزء من أجورهم وذلك لأن المسخِّرين كانوا رجال الحرب والأمراء والمعاونين لسليمان كما سيأتى فى (ص9: 22). أما الفئة الأخرى التى تم تسخيرها غير بنى إسرائيل، فكانت الشعوب المحيطة الخاضعة لسليمان، فكانت سخرتهم تعتبر كجزية يدفعونها للمملكة اليهودية.
وعدد العاملين كان ثلاثين ألفًا من إجمالى رجال بنى إسرائيل الذين يفوق عددهم المليون وربعمائة ألف أى بنسبة 1 : 50 تقريبًا. وكان عدد الثلاثين ألفًا يعمل كل عشرة آلاف منهم لمدة شهر ويستريح شهرين فى بيته للقيام بأعماله الخاصة، مثل الزراعة، ثم تذهب المجموعة الثانية لمدة شهر، ثم الثالثة وبعد ذلك تعود نوبة العمل على المجموعة الأولى التى استراحت شهرين. وكان التسخير قاصرًا على اليهود؛ للعمل خارج المملكة اليهودية، أى عند ملك حيرام لأنهم سيعودون حتمًا إلى أهلهم وأراضيهم، أما تسخير الأمم فكان داخل المملكة اليهودية حتى لا يهربوا إذا أرسلهم خارج بلاد اليهودية إلى حيرام.
وعيَّن سليمان مسئولاً للإشراف على تشغيل القوة العاملة هو أدونيرام، وقد سبق وجاء ذلك أيضًا فى (ص4: 6). وقد شغل هذا المنصب أيام داود أيضًا ونظرًا لكفاءته استمر فى عمله أيام سليمان، ثم بعد ذلك فى أيام ابنه رحبعام. ولكن لأن التسخير أمر غير مرغوب فيه، فعندما أرسله رحبعام لإخماد فتنة قتلوه.
ع15: حدّد سليمان عدد الحمالين فى نقل الأحجار بسبعين ألفًا وفى قطع الأحجار بثمانين ألفًا، جميعهم من أسرى الحروب من الأمم الأخرى كما سيأتى فى (ص9: 20)، (2أى8: 7-9). ولم يكن لهؤلاء نظام تناوب للراحة كما كان للعمال الإسرائيليين لأنهم كانوا عبيدًا.
ع16: الأعداد المذكورة فى الآية السابقة هى أعداد العمال الذين قاموا بحمل الأحمال وتقطيع الأحجار. ولكن كان الأمر يحتاج إلى عمالة أخرى تشرف على التنفيذ وتقوم بتنظيم العمل وتتولى توزيع العمال ومراقبة الأداء والسيطرة على تحركات العمالة، فكان عدد هؤلاء 3300 مشرف.
ع17: أمر الملك سليمان بأن ينتقى العمال الحجارة ذات الحجم الكبير والجودة العالية وذلك من الجبال القريبة من أورشليم، مثل جبل المريا، ويقوموا بتهيئتها لتكون مربعة وناعمة فتصلح لبناء بيت الرب.
ع18: الجبليون : سكان مدينة جبيل التى تقع على البحر الأبيض المتوسط شمال بيروت بنحو 32 كم.
قام بناؤو سليمان بنحت الحجارة بالتعاون مع بنائى الملك حيرام، واشترك معهم أيضًا سكان مدينة جبيل الساحلية، الذين لهم خبرة بأعمال البناء بصفة عامة وبناء السفن بصفة خاصة، وقام البنائون كذلك بتهيئة الأخشاب اللازمة للبناء.
? قدّم سليمان أفضل المواد لبناء الهيكل وأفضل العمال المتخصّصين. فليتنا فى عبادتنا لله نقدم أفضل أوقاتنا، وفى عطائنا نقدم أفضل ما عندنا إلى الله الذى يهبنا كل الخيرات كتعبير بسيط عن محبتنا وشكرنا له.