سِفْرُ الْمُلُوكِ الثَّانِي-الأَصْحَاحُ السادس عَشَرَ

آحاز ملك يهوذا

(1)  تملك آحاز على يهوذا (ع1-4):

1- في السنة السابعة عشرة لفقح بن رمليا ملك احاز بن يوثام ملك يهوذا. 2- كان احاز ابن عشرين سنة حين ملك و ملك ست عشرة سنة في اورشليم و لم يعمل المستقيم في عيني الرب الهه كداود ابيه. 3- بل سار في طريق ملوك اسرائيل حتى انه عبر ابنه في النار حسب ارجاس الامم الذين طردهم الرب من امام بني اسرائيل. 4- و ذبح و اوقد على المرتفعات و على التلال و تحت كل شجرة خضراء.

ع1، 2: فى السنة السابعة عشر لفقح بن رمليا ملك إسرائيل، تملك يهوآحاز ملكًا على يهوذا، بعد موت يوثام أبيه. ولأجل شره حذف كاتب السفر اسم يهوه، أى الله من اسمه ودعاه آحاز؛ لأنه عبد الأوثان وقد ملك وعمره عشرون عامًا وملك لمدة ستة عشر عامًا ويخبرنا (ص18: 2) أن حزقيا ابنه ملك وعمره خمسة وعشرين عامًا، وبالطبع لا يمكن أن ينجب آحاز حزقيا ابنه وعمره عشر سنوات؛ لأن آحاز مات وعمره ستة وثلاثين عامًا، فيكون عمر آحاز حين ولد حزقيا إحدى عشر سنة، أى أنجبه وعمره عشر سنوات. والحقيقة أن حزقيا ملك منفردًا وعمره خمسة وعشرين عامًا ولكنه ملك فترة قبلها مع أبيه وكان عمره حينئذ، عندما ملك، أقل من خمسة وعشرون، قد يكون عشرون عامًا، أو خمسة عشر لا نعلم بالتحديد؛ لأن الكتاب المقدس لم يذكر هذا. وكانت هذه عادة عند الملوك أن يملكوا أبناءهم الصغار معهم؛ لضمان الملك ولتدريبهم على إدارة المملكة. ولم يعمل الصلاح مثل داود الملك جده، بل سار فى الشر وعبادة الأوثان.

ع3، 4: للأسف اقتدى آحاز بملوك إسرائيل، الذين عبد جميعهم الأوثان ولم يقتدِ بأبيه وجده الصالحين، فعبد ملوك إله بنى عمون وقدم بنيه محرقات لهم وليس مجرد ابن واحد، كما هو مذكور هنا؛ لأن سفر أخبار الأيام يذكر أنه قدم أكثر من ابن (2أخ28: 3) وعبد آلهة سكان الأرض الأصليين، الوثنيين، الذين طردهم الله على يد يشوع وقدم للآلهة الوثنية ذبائح على المرتفعات والتلال وتحت الأشجار الخضراء التى خصصوها؛ لعبادة الآلهة الوثنية، أى أنه تمادى فى عبادة الآلهة الكثيرة الوثنية. وذكره كل شجرة خضراء يبين مدى انتشار عبادة الأوثان فى عصر آحاز، فقد أضل شعبه وقادهم فى عبادة الأصنام.

ولعل السبب فى تمادى آحاز فى عبادة الأوثان، هو خوفه من تحالف رصين ملك آرام وفقح بن رمليا ملك إسرائيل واستعدادهم لمحاربته، فبدلاً من أن يلتجئ إلى الله، التجأ إلى الآلهة الوثنية بكثرة، ومع أن أشعياء النبى طمأنه، أنه إن آمن بالله لن يصيبه ضرر (اش7: 4-16). وأن هذين الملكين سيموتا وتخلى أراضيهم ولكنه لم يؤمن وعاش فى الخوف وعبادة الأوثان.

وكذلك وبخه ميخا النبى (مى6: 6-8)؛ لأنه قدم أبناءه محرقات للإله مولك ولكنه لم يتب.

• لا ترفض إنذارات الله وتنبيهاته لك، سواء فى الكتاب المقدس، أو أب اعترافك وكل من حولك؛ لئلا تتعرض للضلال والهلاك وتحيا فى خوف واضطراب. آمن بقوة الله التى معك، فتحيا فى طمأنينة.

(2)  آرام وإسرائيل تهاجممان يهوذا (ع5-9):

5- حينئذ صعد رصين ملك ارام و فقح بن رمليا ملك اسرائيل الى اورشليم للمحاربة فحاصروا احاز و لم يقدروا ان يغلبوه. 6- في ذلك الوقت ارجع رصين ملك ارام ايلة للاراميين وطرد اليهود من ايلة و جاء الاراميون الى ايلة و اقاموا هناك الى هذا اليوم.7- و ارسل احاز رسلا الى تغلث فلاسر ملك اشور قائلا انا عبدك و ابنك اصعد و خلصني من يد ملك ارام و من يد ملك اسرائيل القائمين علي. 8- فاخذ احاز الفضة و الذهب الموجودة في بيت الرب و في خزائن بيت الملك و ارسلها الى ملك اشور هدية. 9- فسمع له ملك اشور و صعد ملك اشور الى دمشق واخذها و سباها الى قير و قتل رصين.

ع5: خاف رصين ملك آرام، وفقح بن رمليا ملك إسرائيل من آشور، فاتحدا معًا ليكونا قوة لا تقدر عليها آشور وحاولا الاتحاد بآحاز ملك يهوذا ولكنه رفض؛ لميله الاستناد على آشور، فقام عليه رصين وفقح، لمحاربته واستطاعا أن ينتصرا عليه جزئيًا، بقتل بعض من جنوده (2أى28: 5-8) وحاصرا أورشليم ولكن لم يستطيعا أن يغلباه تمامًا، فانسحبا.

ع6: أثناء غزوات رصين ملك آرام على مملكة يهوذا، استطاع الاستيلاء على آيلة، وهى ميناء هام على خليج العقبة من جهة الشمال وهى إيلات الحالية وطرد اليهود منها وأسكن الآراميين فيها.

ع7: إغتاظ آحاز وخاف من غزوات آرام وإسرائيل وبدلاً من الاتكال على الله، أرسل إلى ملك آشور يستنجد به؛ ليحميه من ملكى آرام وإسرائيل.

ووافق هذا أطماع آشور للاستيلاء على كل البلاد المحيطة، فشجعه طلب آحاز أن يستولى على مملكة إسرائيل وعلى آرام وبهذا تم سبى مملكة إسرائيل، فشرور آحاز كانت سببًا فى سبى المملكة الشمالية. ويظهر ضعف آحاز فى قوله لملك آشور أنا عبدك وابنك، فهو يعلن خضوعه الكامل له. ولم يذكر التاريخ أن آحاز ضمن قائمة من دفعوا الجزية لملك أشور، وهذا معناه أنه كان مستعبدًا بالكامل له.

ع8: إعلانًا من آحاز خضوعه لملك أشور، أخذ الفضة والذهب التى فى بيت الرب وأرسلها هدية لملك أشور؛ ليرضى عنه ويحميه. وهذا يؤكد بوضوح اعتماد آحاز على قوى العالم وعدم إيمانه بالله، حتى أنه يسلب بيت الرب، ليرضى ملك أشور الوثنى وبهذا عطل الخدمة فى بيت الرب، فهو يشجع وينشر عبادة الأوثان ويغلق بيت الرب ويوقف عبادته.

ع9: قير : مدينة تقع بين النهرين وهى الموطن الأصلى للأراميين.

انتهز ملك أشور الفرصة ليحقق أطماعه، فاستجاب لدعوة آحاز، ليس حبًا فيه، بل تحقيقًا لأغراضه بالاستيلاء على العالم المحيط به، فقتل رصين واستولى على دمشق عاصمة الأراميين.

• إن الله يريد أن يسندك، فلماذا تبحث عن وسائل أخرى، فتتعرض لإضطرابات ؟ إعلم أن العالم يعمل لمصلحته وليس لمصلحتك وأن الله وحده هو الذى يحبك ويريد خلاصك، فلا تبتعد عنه، مهما أحاطت المخاطر بك.

(3)  آحاز ومذبحه الجديد (ع10-18):

10- و سار الملك احاز للقاء تغلث فلاسر ملك اشور الى دمشق و راى المذبح الذي في دمشق و ارسل الملك احاز الى اوريا الكاهن شبه المذبح و شكله حسب كل صناعته. 11- فبنى اوريا الكاهن مذبحا حسب كل ما ارسل الملك احاز من دمشق كذلك عمل اوريا الكاهن ريثما جاء الملك احاز من دمشق. 12- فلما قدم الملك من دمشق راى الملك المذبح فتقدم الملك الى المذبح و اصعد عليه. 13- و اوقد محرقته و تقدمته و سكب سكيبه و رش دم ذبيحة السلامة التي له على المذبح. 14- و مذبح النحاس الذي امام الرب قدمه من امام البيت من بين المذبح و بيت الرب و جعله على جانب المذبح الشمالي. 15- و امر الملك احاز اوريا الكاهن قائلا على المذبح العظيم اوقد محرقة الصباح و تقدمة المساء و محرقة الملك و تقدمته مع محرقة كل شعب الارض و تقدمتهم و سكائبهم ورش عليه كل دم محرقة و كل دم ذبيحة و مذبح النحاس يكون لي للسؤال. 16- فعمل اوريا الكاهن حسب كل ما امر به الملك احاز.17- و قطع الملك احاز اتراس القواعد و رفع عنها المرحضة و انزل البحر عن ثيران النحاس التي تحته و جعله على رصيف من حجارة. 18- و رواق السبت الذي بنوه في البيت و مدخل الملك من خارج غيره في بيت الرب من اجل ملك اشور.

ع10: ذهب آحاز إلى دمشق؛ ليهنئ ملك أشور على انتصاراته على الأراميين وليعلن خضوعه له ورأى كيف سيطر ملك أشور على المدينة وأقام فيها مذبحًا عظيمًا لآلهة الأشوريين، حتى يحطم كيان الأراميين وقوميتهم وديانتهم، فيعبدوا آلهة الأشوريين. ولأن آحاز لا يهمه عبادة الله ويعبد الأوثان نافق ملك أشور، بأن أخذ شكل وأبعاد المذبح الأشورى وأرسلها إلى أوريا رئيس الكهنة، ليعمل مذبحًا على مثاله داخل بيت الرب، مع أن الله هو الذى حدد لداود بالكتابـة تفاصيل إقامة الهيكل وسلمها داود لسليمان، فنفذها بالضبط طاعة لكلام الله (1أى28: 19) ولكن آحاز هنا يستهين بالله وبهيكله، إرضاءً لملك أشور.

ع11: نفذ أوريا الكاهن كل ما طلبه آحاز وبنى مذبحًا طبقًا للتصميمات المرسلة إليه من آحاز الملك. وأتم بناءه قبل عودة الملك من دمشق. وهذا يظهر ضعف رئيس الكهنة أوريا وتهاونه فى حق الله وبيته إرضاء للملك. وهذا يبين أيضًا ضعف عبادة الله والقيادة الكهنوتية فى أيام آحاز وضلال الشعب وراء الآلهة الغريبة. ونتعجب أمام إيمان نعمان السريانى الذى أخذ ترابًا من أرض إسرائيل؛ لإقامة مذبحًا للرب فى دمشق، أما آحاز اليهودى الغير مؤمن بالله، فيقيم مذبحًا على مثال المذابح الوثنية فى بيت الرب.

ع12، 13: عندما عاد آحاز من دمشق رأى المذبح العظيم، الذى كلف أوريا الكاهن ببنائه، فأعجب به. وبكبرياء تتطاول على الكهنوت، فتقدم بنفسه؛ ليقدم ذبيحة سلامة ورش بنفسه دمها على هذا المذبح، بعد أن قدم تقدمته على هذا المذبح وسكب عليها سكيبه من الخمر. وهو هنا قد أخطأ فى أمرين :

1. إغتصابه الكهنوت فى تقديمه الذبيحة.
2. عمل مذبح مخالف لوصايا الله، أقامه على مثال مذابح الوثنيين، بل أقامه بدلاً من مذبح الله النحاسى ورفع الآخر ووضعه جانبًا كما سنرى فى (ع14).

ع14: أقام آحاز المذبح العظيم الجديد أمام بيت الرب، الذى هو من جهة الشرق وكان أمامه المذبح النحاسى، ثم البحر الذى يغتسل فيه الكهنة، ثم القدس وقدس الأقداس، فلكيما يكون المذبح الجديد هو المذبح الأساسى ولتقديم ذبائح بنى إسرائيل عليه، أمر آحاز برفع المذبح النحاسى ونقله جانبًا إلى جهة الشمال، أى على يمين الداخل إلى بيت الرب، فهو مخالفة طقسية واضحة، تعنى اهتمام آحاز بإرضاء ملك أشور، بدلاً من إرضاء الرب.

ع15، 16: أمر الملك آحاز أوريا الكاهن أن يقدم محرقة الصباح والتقدمة المسائية والمحرقة المقدمة من الملك وتقدمته ومعها محرقة الشعب وتقدمتهم وسكائب خمرهم، على المذبح، الذى أسماه بالمذبح العظيم. وخُصص لرش دم كل محرقة، أو ذبيحة. أما مذبح النحاس فيكون مخصصًا للملك، حين يريد سؤال الرب فى موضوع ما. وهذا يعنى محاولة آحاز التخلص من المذبح النحاسى، بأن وضعه جانبًا وقال إن أردت أن اسأل الله فى شئ، فسأستخدم هذا المذبح وهو فى الحقيقة يريد التخلص من هذا المذبح ولكن بعد حين؛ حتى لا يثير الكهنة والشعب، فنفذ أوريا الكاهن كل ما طلبه الملك آحاز.

ع17: بعد أن أخذ آحاز الذهب والفضة الذى فى بيت الرب وأهملت العبادة فيه واستبدل المذبح النحاسى بمذبحه العظيم، شعر بعدم أهمية البحر النحاسى، الذى يغتسل فيه الكهنة قبل دخولهم إلى القدس وعدم أهمية المراحض العشرة، التى أقامها سليمان، لغسل الذبائح فيها، فهو عمومًا غير مهتم بالعبادة فى بيت الرب بل يهتم بكل عبادة الأوثان فى مدينة أورشليم؛ لذا أخذ الأتراس النحاسية، التى ترتكز عليها المراحض ووضع المراحض على الأرض. وأخذ أيضًا الثيران النحاسية الإثنى عشر، التى يستند عليها البحر؛ لعله كان يريد استغلال نحاسها. ووضع البحر على صف من الحجارة. والخلاصة هو أن آحاز احتقر بيت الرب وفكر فى مصلحته واقتناء النحاس؛ ليفيده فى تكاليف مملكته.

ع18: كان هناك فى بيت الرب قاعة كبيرة، يجتمع فيها الشعب يوم السبت للعبادة، فإذ أهمل آحاز تقديس يوم السبت وعبادة الله فى هيكله، أزال هذه القاعة، أى الرواق. وكان هناك مدخلاً خاصًا للملك من بيته إلى هيكل الله، فأزاله أيضًا؛ لأنه لا يريد عبادة الله فى هيكله كل هذا إرضاء لملك أشور، فيعلن بهذا آحاز له، أنه قد أهمل عبادة الله ويعبد آلهة الأشوريين، التى أقام لها مذابحًا فى كل أنحاء أورشليم.

• إذا استسلم الإنسان للخطية ينزلق إلى أعماقها، فيعمل شرورًا بلا حدود، كما فعل آحاز. أما أنت يا إنسان الله، فتمسك بعبادة الله فى كنيسته واحترس من الخطية. وإن سقطت، فتب سريعًا وأرجع إلى الله، فينقيك من كل شر، فهو يحب الضعفاء ويسندهم ولكن يغضب بشدة على المتمردين والمستبيحين.

(4)  موت آحاز وتملك حزقيا (ع19، 20):

19- و بقية امور احاز التي عمل اما هي مكتوبة في سفر اخبار الايام لملوك يهوذا. 20- ثم اضطجع احاز مع ابائه و دفن مع ابائه في مدينة داود و ملك حزقيا ابنه عوضا عنه.

ع19، 20: بقية ما قام به آحاز من أعمال خلال فترة حكمه، هى مدونة فى سفر أخبار الأيام لملوك يهوذا. مات آحاز ودفن مع آبائه فى مدينة داود وملك من بعده ابنه حزقيا. وشرور آحاز كانت كثيرة جدًا وقد كتبت فى سفر أخبار الأيام لملوك يهوذا، وهو كما ذكرنا غير سفر الأخبار الموجود فى الكتاب المقدس. ونلاحظ أنه من أجل كثرة شرور آحاز لم يدفن فى قبور ملوك يهوذا، بل دفن فى مدافن عادية فى مدينة داود (2أى28: 27).

وقد سمح الله أن يموت هذا الملك صغيرًا، إذ قد مات وعمره ستة وثلاثين عامًا، حتى تتخلص يهوذا من شروره الكثيرة.

• فى عصر آحاز الشرير عاش أشعياء النبى العظيم، ليعلن صوت الله. فاطمئن أن الله لا يترك نفسه بلا شاهد ولا تضطرب من أجل كثرة الشرور المحيطة بك. كن أمينًا فى طاعة وصايا الله واعلم أن هناك كثيرون مازالوا يعبدون الله مثلك، فأكمل جهادك؛ لتنال الملكوت.