حزقيا ملكًا على يهوذا
(1) تملك حزقيا وإصلاحاته (ع1-8):
1- و في السنة الثالثة لهوشع بن ايلة ملك اسرائيل ملك حزقيا بن احاز ملك يهوذا. 2- كان ابن خمس و عشرين سنة حين ملك و ملك تسعا و عشرين سنة في اورشليم و اسم امه ابي ابنة زكريا. 3- و عمل المستقيم في عيني الرب حسب كل ما عمل داود ابوه. 4- هو ازال المرتفعات و كسر التماثيل و قطع السواري و سحق حية النحاس التي عملها موسى لان بني اسرائيل كانوا الى تلك الايام يوقدون لها و دعوها نحشتان. 5- على الرب اله اسرائيل اتكل و بعده لم يكن مثله في جميع ملوك يهوذا و لا في الذين كانوا قبله. 6- و التصق بالرب و لم يحد عنه بل حفظ وصاياه التي امر بها الرب موسى. 7- و كان الرب معه و حيثما كان يخرج كان ينجح و عصى على ملك اشور و لم يتعبد له. 8- هو ضرب الفلسطينيين الى غزة و تخومها من برج النواطير الى المدينة المحصنة.
ع1، 2: ملك حزقيا على يهوذا وعمره خمس وعشرين سنة وكان ذلك فى السنة الثالثة لهوشع بن أيلة ملك إسرائيل، وملك فى أورشليم واستمر ملكه تسع وعشرين سنة. واسم أمه أبى وهى إبنة زكريا.
وتملـك حزقيـا فى السـنة الثالثة لهوشع، أى السنة الخامسة عشر لتملك أبيه آحاز؛ لأنه مذكور أن هوشع تملك فى السنة الثانية عشر لآحاز (ص17: 1)، مع أنه مذكور فى (ص16: 2) أن آحاز ملك ستة عشر عامًا وفرق السنة هذا بين خمسة عشر وستة عشر سببه أن كسور السنة تحسب أحيانًا، أو لا تحسب وهذا هو وقت تملك حزقيا منفردًا، بعد موت أبيه آحاز ولكنه تملك فترة معه قبل موته، كعادة بعض الملوك فى هذا الزمن؛ لإعداد أبنائهم للملك.
ومن الجميل أن حزقيا، رغم معاشرته لأبيه آحاز الشرير، لم يقتدِ به فى شره ولكنه تمسك فى هدوء بوصايا الله؛ إلى أن تملك وحده وصار له السلطان، فظهر صلاحه وإصلاحاته الروحية وكان مطيعًا لأوامر الله، التى سمعها من أشعياء النبى، فى حين أن أبوه أهمل كلام أشعياء.
ع3: كانت أعماله صالحة واقتفى أثر جده الأكبر داود فى بره. ولم يذكر عن ملوك يهوذا أنهم صالحين وكاملين مثل داود، إلا على ثلاثة أولهم آسا (1مل15: 11)، ثم حزقيا وفى النهاية يوشيا (2مل22: 1، 2) ويظهر تألق هؤلاء الثلاثة أنهم أبرار، رغم أن آباءهم كانوا أشرارًا.
ونجد أن هؤلاء الثلاثة ذكر عنهم، أنهم عملوا المستقيم مثل داود أبيهم، فهذه هى التوبة الحقيقية، أى الرجوع للوضع الصحيح بالعلاقة مع الله، فداود يمثل العلاقة النقية، التى ينبغى على الإنسان أن يرجع إليها عندما يتوب، فيصير مستقيمًا فى عينى الرب بالتمام، وليس مجرد استقامة جزئية، كما ذكرنا فى بعض الملوك السابقين لحزقيا، فى سلسلة ملوك يهوذا، مثل يوثام وعزيا وأمصيا.
ع4: نحشتان : كلمة عبرية تعنى قطعة نحاس.
يخبرنا سفر أخبار الأيام الثانى (2أى29) أن حزقيا فتح بيت الرب وبدأ بتنظيم العبادة فيه ودعا الشعب لعمل الفصح، فعادوا لله. وقام حزقيا بإزالة أماكن العبادة الوثنية، فوق التلال وكسر التماثيل وهدم السوارى وسحق الحية النحاسية، التى كان موسى قد عملها، ليكف بنو إسرائيل عن التبخير لها وكانوا قد أسموها نحشتان.
وكان موسى قد أمره الله بعمل هذه الحية النحاسية؛ لينظر إليها كل من لدغته الحيات، فيبرأ (عدد21: 8) واحتفظ بنو إسرائيل بها؛ لأنها ترمز للبركة. لكنهم عندما انحطوا وعبدوا الأوثان اعتبروا هذه الحية وثنًا وتعبدوا له.
ويظهر من هذا شجاعة حزقيا وتمسكه بالله، أنه لم يخف من ثورة الشعب، الذى تعلق الكثير منه بعبادة الأوثان أيام أبيه ولم يخف أيضًا من ملك أشور، الذى أمر بنشر عبادة أوثان أشور فى يهوذا وكل مملكة أشور، فحزقيا يذكر عنه أنه “هو أزال”، فلم ينتظر توبة الشعب وتأييده له، بل أزال الشر بنفسه، فعاد الشعب إلى الله وتبع حزقيا، فهو مبادر وقوى فى تمسكه بالله وإزالته للشر.
ونلاحظ أيضًا كيف استطاع الشيطان أن يحول الحية النحاسية، التى ترمز لعمل وبركة الله، إلى صنم يعبده الشعب، عندما ابتعد عن الله، فالشيطان ماكر ومخادع دائمًا ويستغل ابتعاد الإنسان عن الله ليذله.
ع5: إستند حزقيا على قوة الله، ولم يكن فى ملوك إسرائيل السابقين من يشبهه، فى اتكاله على الله.
? إن اتكالك على الله يعطيك طمأنينة ويفتح لك أبواب العلاقة والإحساس بالله وبالتالى السلوك البار، فتكون قدوة أيضًا لمن حولك.
ع6: إرتبط بالرب ولم ينحرف عن سبله، بل عاش كما تقضى الوصايا، التى أمر بها الرب موسى.
? ونلاحظ فى (ع5، 6) أنه ذكر عن حزقيا، أنه اتكل على الله والتصق به وحفظ وصاياه، فمن يؤمن بالله ويتكل عليه يحبه ويلتصق به فى صلوات وقراءات لكلامه فى الكتاب المقدس، فيستطيع بسهولة أن يحفظ وصاياه ويسعى لتنفيذها دائمًا؛ لذا آمن بالله، فتحبه وحينئذ تحفظ وصاياه.
ع7: من أجل اتكال حزقيا على الرب وإزالته عبادة الأوثان واهتمامه بعبادة الله، سانده الله فى كل أعماله، فنجح فيها وبهذا عصى حزقيا على ملك أشور وعبادة أوثانه. ولكن لم يهاجمه أشور؛ لانشغاله بحروب فى بلاد أخرى. فرح الله باستقامة حزقيا غير أن الشعب وافقه ولكن ليس من كل قلبه، بدليل أن أشعياء – الذى عاصره لم يكف عن تأنيبهم، لعلمه بشر قلوبهم، كما يظهر من كل نبوة أشعياء.
ع8: برج النواطير إلى المدينة المحصنة : من المزرعة الصغيرة إلى المدينة الكبيرة المحصنة.
يبدو أن ملك أشور كان قد أعطى بعض مدن يهوذا لملك غزة، فقام حزقيا بمحاربة الفلسطينيين فى مدينتهم غزة وضربهم واستعاد المدن المغتصبة من يهوذا. وكان الله معه، فهزم الفلسطينيين فى مدنهم المحصنة وفى قراهم الصغيرة، الغير مسورة.
ونلاحظ أن عصيان حزقيا على أشور لم يغضب منه الله، بدليل مساندة الله حزقيا ضد الفلسطينيين، ثم ضد أشور، عندما قتل جيوشه بواسطة الملك، كما سنرى. ولكن الله غضب من صدقيا – أخر ملوك يهوذا – لأنه لم يطع أرميا النبى، الذى قال له أن يخضع لبابل؛ لأنه تأديب إلهى وأن الله أمر بهذا التأديب (ص25: 5-7).
(2) سبى إسرائيل (ع9-12) :
9- و في السنة الرابعة للملك حزقيا و هي السنة السابعة لهوشع بن ايلة ملك اسرائيل صعد شلمناسر ملك اشور على السامرة و حاصرها. 10- و اخذوها في نهاية ثلاث سنين ففي السنة السادسة لحزقيا و هي السنة التاسعة لهوشع ملك اسرائيل اخذت السامرة. 11- و سبى ملك اشور اسرائيل الى اشور و وضعهم في حلح و خابور نهر جوزان و في مدن مادي. 12- لانهم لم يسمعوا لصوت الرب الههم بل تجاوزوا عهده و كل ما امر به موسى عبد الرب فلم يسمعوا و لم يعملوا.
ع9: فى السنة الرابعة للملك حزقيا ملك يهوذا والتى يقابلها السنة السابعة للملك هوشع بن أيلة ملك إسرائيل، هدد شلمناصر ملك أشور السامرة وحاصرتها جيوشه.
ع10: دام الحصار ثلاث سنوات، استسلمت بعدها المدينة واحتلها ملك أشور. وكان ذلك فى السنة السادسة لحزقيا وتقابلها السنة التاسعة لهوشع.
ع11: أسر ملك أشور بنى إسرائيل وساقهم إلى أشور وأسكنهم فى المدن الخاضعة لسلطانه وهى : حلح وخابور نهر جوزان وكذلك فى مدن مادى (أنظر الأصحاح السابق فى التعريف بتلك المدن).
ع12: كانت هذه الضربة القاسية لشعب إسرائيل تأديبًا لهم من الرب؛ لأنهم أصموا آذانهم عن تحذيراته ونقضوا عهده وكل ما أمرهم به موسى لم يستجيبوا له ولم يعملوا به، بل عبدوا الأوثان واتبعوا شهواتهم الشريرة وأغاظوا الله.
من الواضح أن حزقيا استفاد من سبى إسرائيل وعبوديتهم، إذ زاد فى التصاقه بالله وإزالته للعبادات الوثنية.
? تعلم من أخطاء الآخرين لكى تحترس منها، فتبتعد عن مصادر الشر وتتقى الله وتعبده، فتحيا فى طمأنينة وسلام وينجحك الله فى أعمالك.
(3) أشور تستولى على مدن يهوذا وتأخذ الجزية (ع13-16):
13- و في السنة الرابعة عشرة للملك حزقيا صعد سنحاريب ملك اشور على جميع مدن يهوذا الحصينة و اخذها. 14- و ارسل حزقيا ملك يهوذا الى ملك اشور الى لخيش يقول قد اخطات ارجع عني و مهما جلعت علي حملته فوضع ملك اشور على حزقيا ملك يهوذا ثلاث مئة وزنة من الفضة و ثلاثين وزنة من الذهب. 15- فدفع حزقيا جميع الفضة الموجودة في بيت الرب و في خزائن بيت الملك. 16- و في ذلك الزمان قشر حزقيا الذهب عن ابواب هيكل الرب و الدعائم التي كان قد غشاها حزقيا ملك يهوذا و دفعه لملك اشور.
الأحـداث المذكـورة بدءً من هـذه الآيـة، حتى نهاية الأصحاح العشرين، مذكورة أيضًا فى (2أى29-31) ومذكورة أيضًا فى (أش36-39).
ع13: بعد القضاء النهائى على إسرائيل بواسطة شلمناصر ملك أشور، هاجم خليفته سنحاريب جميع مدن يهوذا الحصينة وأخذها. كان ذلك فى السنة الرابعة عشر للملك حزقيا.
ع14: لخيش : مدينة محصنة فى مملكة يهوذا، تقع غرب حبرون، على بعد خمسة عشر ميلاً.
وزنة فضة : لها عدة أوزان تتراوح بين 20-40 كجم.
وزنة ذهب : تساوى 17.4 كجم.
رغم استقامة قلب حزقيا لكن اهتز إيمانه عندما وجد سنحاريب ملك أشور قد استولى على مدن يهوذا الحصينة. وبالتالى لم يبق أمامه إلا الاستيلاء على أورشليم وخاف من الهجوم الأشورى ولم يتكل على الله، فأرسل إلى سنحاريب يعتذر له عن عدم الخضوع له ويترجاه أن يترك مدن يهوذا، مقابل أن يدفع له الجزية التى يحددها. فحدد سنحاريب جزية باهظة على حزقيا هى ثلاث مائة وزنة فضة وثلاثين وزنة ذهب. ولكن للأسف، خان سنحاريب العهد وهجم بعد ذلك على أورشليم وهذه هى صفات الأشرار. لكى يتعلم حزقيا أن يتكل على الله فقط ولا يتعاهد مع الأشرار.
? كن محبًا لكل الناس ولكن لا ترتب حياتك على أساس علاقتك بالأشرار. إبتعد عنهم وصلى من أجلهم بمحبة وعاملهم معاملة محدودة واتكل على الله، فيحميك منهم. كن مستعدًا لمساعدتهم، إن احتاجوا ولكن لا تأمن لهم ولا تتكل عليهم.
ع15: كانت الجزية كبيرة جدًا، فاضطر حزقيا أن يأخذ كل الفضة الموجودة فى خزانة بيت الرب.
ع 16: لكيما يدفع حزقيا ما عليه من الذهب، لم يجد فى خزائنه، أو خزائن بيت الرب ما يكفى، فاضطر أن يقشر الذهب من على أبواب وقواعد بيت الرب وأرسلها إلى سنحاريب.
(4) تهديدات أشور لحزقيا (ع17-37):
17- و ارسل ملك اشور ترتان و ربساريس و ربشاقى من لخيش الى الملك حزقيا بجيش عظيم الى اورشليم فصعدوا و اتوا الى اورشليم و لما صعدوا جاءوا و وقفوا عند قناة البركة العليا التي في طريق حقل القصار. 18- و دعوا الملك فخرج اليهم الياقيم بن حلقيا الذي على البيت و شبنة الكاتب و يواخ بن اساف المسجل. 19- فقال لهم ربشاقى قولوا لحزقيا هكذا يقول الملك العظيم ملك اشور ما الاتكال الذي اتكلت. 20- قلت انما كلام الشفتين هو مشورة و باس للحرب و الان على من اتكلت حتى عصيت علي. 21- فالان هوذا قد اتكلت على عكاز هذه القصبة المرضوضة على مصر التي اذا توكا احد عليها دخلت في كفه و ثقبتها هكذا هو فرعون ملك مصر لجميع المتكلين عليه. 22- و اذا قلتم لي على الرب الهنا اتكلنا افليس هو الذي ازال حزقيا مرتفعاته ومذابحه و قال ليهوذا و لاورشليم امام هذا المذبح تسجدون في اورشليم. 23- و الان راهن سيدي ملك اشور فاعطيك الفي فرس ان كنت تقدر ان تجعل عليها راكبين. 24- فكيف ترد وجه وال واحد من عبيد سيدي الصغار و تتكل على مصر لاجل مركبات و فرسان. 25- و الان هل بدون الرب صعدت على هذا الموضع لاخربه الرب قال لي اصعد على هذه الارض و اخربها. 26- فقال الياقيم بن حلقيا و شبنة و يواخ لربشاقي كلم عبيدك بالارامي لاننا نفهمه و لا تكلمنا باليهودي في مسامع الشعب الذين على السور. 27- فقال لهم ربشاقى هل الى سيدك و اليك ارسلني سيدي لكي اتكلم بهذا الكلام اليس الى الرجال الجالسين على السور لياكلوا عذرتهم و يشربوا بولهم معكم.
28- ثم وقف ربشاقى و نادى بصوت عظيم باليهودي و تكلم قائلا اسمعوا كلام الملك العظيم ملك اشور. 29- هكذا يقول الملك لا يخدعكم حزقيا لانه لا يقدر ان ينقذكم من يده. 30- و لا يجعلكم حزقيا تتكلون على الرب قائلا انقاذا ينقذنا الرب و لا تدفع هذه المدينة الى يد ملك اشور. 31- لا تسمعوا لحزقيا لانه هكذا يقول ملك اشور اعقدوا معي صلحا و اخرجوا الي و كلوا كل واحد من جفنته و كل واحد من تينته و اشربوا كل واحد ماء بئره. 32- حتى اتي و اخذكم الى ارض كارضكم ارض حنطة و خمرا ارض خبز و كروم ارض زيتون و عسل و احيوا و لا تموتوا و لا تسمعوا لحزقيا لانه يغركم قائلا الرب ينقذنا. 33- هل انقذ الهة الامم كل واحد ارضه من يد ملك اشور. 34- اين الهة حماة و ارفاد اين الهة سفروايم و هينع و عوا هل انقذوا السامرة من يدي.
35- من من كل الهة الاراضي انقذ ارضهم من يدي حتى ينقذ الرب اورشليم من يدي.
36- فسكت الشعب و لم يجيبوه بكلمة لان امر الملك كان قائلا لا تجيبوه. 37- فجاء الياقيم بن حلقيا الذي على البيت و شبنة الكاتب و يواخ بن اساف المسجل الى حزقيا و ثيابهم ممزقة فاخبروه بكلام ربشاقى.
ع17: قناة البركة العليا التى فى طريق حقل القصار : قناة تقع خارج أسوار أورشليم وبجوارها وتصل إلى داخل الأسوار إلى بركة داخل المدينة؛ لتمد المدينة بالماء وهذه القناة بجوار حقل القصار وهو من يبيض الأقمشة. ويقولون أنه كان هناك تمثال لهذا القصار حتى القرن السابع وهذه القناة تقع شمال مدينة أورشليم.
خان سنحاريب العهد مع حزقيا، فبعد أخذه الجزية الكبيرة جدًا، هاجم أيضًا أورشليم بجيش عظيم وأرسل إثنان من قادة جيشه والثالث ساقى الملك والمتحدث باسمه؛ لأنه يجيد العبرانية إلى حزقيا الملك، يطالبه بتسليم المدينة وعدم الاتكال على إلهه.
ع18: المسجل : المؤرخ.
عندما نادى رجال سنحاريب على الملك حزقيا من خارج الأسوار، أخرج إليه ثلاثة من القادة المعاونين له ووقفوا على السور؛ ليتفاهموا مع قادة جيش سنحاريب.
ع19، 20: كلام الشفتين مشورة : أى ليس لديك من قوة سوى الكلام تدافع به عن نفسك فى الحرب.
بأس للحرب : قوة تحارب بها.
تكلم ربشاقى المتكلم الرسمى باسم الملك سنحاريب، مخاطبًا رجال حزقيا، الواقفين على السور؛ ليبلغوه رسالة سنحاريب، الذى وبخ حزقيا، معلنًا له ضعفه، فهو لا يملك إلا مجرد الكلام. فكيف يتكل على كلمات ويعصى ملك أشور العظيم قاهر كل ممالك الأرض ؟
ومن هذا يظهر كبرياء سنحاريب ورجاله واحتقارهم لله ولأولاده ولمدينته أورشليم. إذ يعتبرون إيمان حزقيا وشعبه مجرد كلام، لا يستند على شئ؛ لأنهم لا يؤمنوا بقوة الله.
? لا تنزعج من تهديدات الأشرار؛ لأنهم لا يعلمون قوة إلهك، الذى يحميك، فأنت أقوى بالله من كل قوتهم وسلطانهم. إثبت فى إيمانك ومبادئك، فسترى بعينيك اهتزازهم، فهم مجرد كلام بلا قوة والشيطان وتابعيه لا شئ أمام قوة الله، الذى تعتمد عليه.
ع21: قصبة مرضوضة : عود بوص ضُرب وكاد ينكسر.
وبخ سنحاريب حزقيا، إذ ظن أنه اتكل على مصر ولهذا عصى على أشور، مع أن هذا لم يحدث؛ لأن حزقيا اتكل على الله وليس على البشر.
وشبه مصر فى سخرية بأنها قصبة مرضوضة، أى ضعيفة جدًا، إذا استند عليها أحد فهى لا تسنده، بل لأنها ضعيفة وضربت، فستنكسر وتخترق كفه وتجرحه وتثقب يده. فهو يعنى بهذا أن الاتكال على مصر سيضر كل من يتكل عليها وهذا يؤكد انغماس ملك أشور فى الكبرياء.
ع22: استمرارًا من سنحاريب فى تشكيك حزقيا فى قوته، قال له إن كنت لم تتكل على مصر، بل اتكلت على الله، فاعلم أن الله غاضب عليك؛ لأنك هدمت مذابحه. فسنحاريب كملك وثنى لا يعرف الفرق بين معابد الأوثان، التى أزالها حزقيا ومذبح الله، الذى فى هيكله، فقال لحزقيا أنك أزلت مذابح الله وأبقيت مذبح واحد وهذا بالطبع يغضبه ولن يسندك أمامى. فسنحاريب يشعر أن ما يقوله حزقيا – فى اتكاله على الله – خداع، لأنه كوثنى يؤمن بتعدد الآلهة، فكيف تهدم مذابح الآلهة ويكون متكلاً عليها ؟ فهو لا يؤمن بالله الواحد، الذى يرفض الآلهة الغريبة. ولكن كل كلام سنحاريب كان حرب تشكيك من الشيطان، لم يهتز أمامها حزقيا المؤمن بالله.
ونلاحظ أن عدم أمانة اليهود، فى عباداتهم للأوثان على المرتفعات وإقامتهم للسوارى، هو الذى أعثر سنحاريب وجعله يجدف على الله.
الغريب أن سنحاريب يشكك كل هذه التشكيكات ونسى ما حدث مع سكان السامرة، التى استولت عليها أشور وأسكنوا فيها أمميين كثيرين، فأكلتهم السباع وأوصى بإرسال كاهن من بنى إسرائيل؛ ليعلمهم كيفية إرضاء إله الأرض؛ لأنه إله قوى، فإن كان قويًا، فلماذا يشكك فيه؟ ولماذا لا يخضع له ؟ لكن هو كبرياء الإنسان، الذى يقوده للهلاك. وهذا ما حدث فعلاً مع سنحاريب وكل جيشه، كما سنرى فى باقى الأحداث المقبلة.
ع23: وقدم سنحاريب تشكيكًا ثالثًا لحزقيا فى قوته، فقال له إنه ليس عندك فرسان ليحاربوا، بل عرض عرضًا؛ ليستهزئ به وقال له سأعطيك ألفين فرسًا، إن وجدت عندك ألفين فارسًا يركبون عليها وبالطبع ليس عندك، فأنت ضعيف ولا تستطع أن تقف أمامى، فاستسلم وسلم المدينة.
ع24: فكيف يمكنك أن تصمد أمام قائد واحد من صغار قواد ملك أشور، معتمدًا على مصر؛ لإمدادك بالمركبات الحربية والفرسان.
ع25: تشكيكًا رابعًا يقدمه ربشاقى عن سنحاريب فيقول : ثم هل تظن أنى جئت لأهدم هذا المكان من تلقاء نفسى ؟ الرب هو الذى أرسلنى وكلفنى بتخريب هذه الأراضى، فهو يكذب ويدعى أن الله أرسله، مع أن الشيطان هو محركه.
? لا تصدق تشكيكات الشيطان التى يرسلها إليك على فم الأشرار، أو بأفكار فى داخلك، فهو كذاب وأبو الكذاب. ثق أن كل ما يقدمه من أدلة منطقية هى تفسير كاذب من عنده، بدليل أنك تنزعج من كلامه وأفكاره كلها هدامة. أطرد أفكاره بسرعة وأطلب الله وثق أنه قادر أن يحميك منها، مهما كان ضعفك.
ع26: خشى نواب حزقيا من تأثير كلام قواد ملك أشور على معنويات جنودهم فطلبوا من “ربشاقى” التحدث بالآرامية التى يفهمها نواب حزقيا الثلاثة ولا يتكلم بالعبرية فيسمع الجنود المرابطين على السور وكل الشعب فيخافون. فالآرامية هى اللغة التى يتكلم بها الأشوريون ويفهمها المتعلمون من اليهود مثل نواب حزقيا أما باقى اليهود فيعرفون العبرية فقط.
ع27: عذرتهم : فضلاتهم، أى برازهم.
رفض ربشاقى طلب نواب حزقيا وأعلن حقيقة حواره هذا، فليس المقصود به التفاهم مع حزقيا، بل تشكيك جنود وشعب الله، حتى يسقطوا فى اليأس ويستسلموا؛ لأن الأشوريين سيحاصرون المدينة، حتى يسقط من فيها فى الجوع والعطش الشديد ويضطروا إلى أكل فضلاتهم وشرب بولهم. وهكذا بدأ يتكلم بتهديدات قوية وليس مجرد تشكيكات، معلنًا أنه إن لم يستسلموا، فحتما سيموتون من الجوع والعطش.
ع28: واصل ربشاقى تحديه لنواب حزقيا، فنادى بأعلى صوته باللغة العبرية، موجهًا كلامه إلى جنود يهوذا، داعيًا إياهم إلى الإصغاء لرسالة أشور إليهم فقال :
ع29: هكذا يقول الملك : لا تنخدعوا بما يحاول حزقيا أن يقنعكم به؛ لأنه ليس فى استطاعته إنقاذكم من يد ملك أشور.
ع30: ولا يقنعكم حزقيا أن تتكلوا على الرب وهو ينقذكم، فلا تقعون فى يد ملك أشور، فالله عاجز عن إنقاذكم وسيقتحم سنحاريب مدينتكم.
ع31: جفنة : شجرة عنب.
لا تنصتوا إليه ولا تصدقوا ما يقول. ها هو ملك أشور يعرض عليكم عرضًا سخيًا، بأن تعلنوا استسلامكم له، فعندئذ تتحركون بحرية وتعيشون فى سلام، فيأكل كل واحد من كرمه ومن تينته ويشرب من بئره. فبعد محاولة تشكيكهم، يقدم لهم سعادة مزيفة ووعودًا كاذبة.
? إنها نفس كلمات الشيطان التى يتكلم بها دائمًا فى قلوب الناس، يعدهم بتوفير كافة سبل السعادة، فالويل لمن يسمع له، أليس هذا ما حدث مع أبوينا الأولين ؟ وها هو سنحاريب يطالبهم بالخروج من أورشليم، كما يطالبنا الشيطان بالخروج من الكنيسة والانغماس فى شهوات العالم؛ لنجد السعادة، مع أنه فى الحقيقة سيستعبدنا ويذلنا.
ع32: يواصل سنحاريب خداع سكان أورشليم، فيعدهم بأن ينقلهم إلى أرض خصبة؛ ليتمتعوا بحياة أفضل، بدلاً من أن يموتوا، إن أطاعوا حزقيا ولم يستسلموا. والحقيقة أنه سيستعبدهم وينقلهم من بلادهم ويشتتهم فى أرجاء مملكته ويذلهم. مع أن من يدقق فى كلام سنحاريب يعرف أنه مخادع، فهو يقول أنه سينقلهم إلى أرض مثل أرضهم، فلماذا يخسرون أرضهم الخصبة ؟ فهم يعيشون فى أمان تحت رعاية إلههم. فالحل هو الثبات فى الإيمان بالله، فيظهر بطلان كل تشكيكات ووعود سنحاريب.
ع33: هل استطاع من قبل أى من آلهة الأمم، التى غزا جيش ملك أشور أراضيها، أن يصد ملك أشور ؟ والرد على هذا، أن آلهة الأمم ليست آلهة، أما الله فهو وحده القادر على حماية شعبه.
ع34: هينع : هى بلدة عانة على نهر الفرات.
أرفاد : مدينة فى آرام موضعها اليوم “تل أرفاد”، على مسافة عشرين كيلو مترًا شمال حماة.
عبد اليهود الذين سكنوا فى مملكة إسرائيل، أى مدن السامرة – آلهة وثنية، ذكرها هنا سنحاريب، فظن سنحاريب أن هذه الآلهة لم تستطع أن تحمى مدن السامرة، لأنه هو أقوى منها ونسى أن الله الذى تركه سكان مدن السامرة هو الذى غضب عليهم لعبادتهم الآلهة الغريبة، فسمح له أن يهاجمهم ويحتل بلادهم. ومرة ثانية تظهر عدم أمانة شعب الله فى مدن السامرة، بعبادتهم الأوثان، فجعلوا سنحاريب يجدف على الله ويعتبره إله ضعيف، ضمن الآلهة، لا يقوى على مقاومته.
ع35: إعتبر سنحاريب الله مجرد إله من الآلهة، وحيث أن كل آلهة الأمم لم تستطع أن تحمى شعوبها، فالله إله إسرائيل بالتالى عاجز عن حماية أورشليم.
ع36: لم يجب أحد من جنود يهوذا على ما قاله قواد ملك أشور؛ لأن الملك حزقيا كان قد أعطى تعليمات للجميع أن يصمتوا ولا يجاوبوا ملك أشور وقواده بشئ، حتى لايزيد تأثير التشكيك على الشعب. والجدل مع الاشرار يسقط فى خطايا كثيرة، فأفكار الشيطان أفضل شئ طردها وعدم مناقشتها. وهذا يظهر مدى مهابة حزقيا؛ لأنه بار ويتقى الله، فكان شعبه يحترمه ويطيعه ويثق فى كلامه.
ع37: عاد نواب الملك وقد مزقوا ثيابهم، حزنًا مما سمعوه وأخبروا حزقيا الملك بما قيل، إذ لم يحتملوا تجديف سنحاريب الملك على الله وتشكيكاته للشعب.