يهورام الملك ومحاربة موآب
(1) يورام (يهورام) يملك على إسرائيل (ع1-3):
1- و ملك يهورام بن اخاب على اسرائيل في السامرة في السنة الثامنة عشرة ليهوشافاط ملك يهوذا ملك اثنتي عشر سنة. 2- و عمل الشر في عيني الرب و لكن ليس كابيه و امه فانه ازال تمثال البعل الذي عمله ابوه. 3- الا انه لصق بخطايا يربعام بن نباط الذي جعل اسرائيل يخطئ لم يحد عنها.
ملحوظة : اسم يورام ويهورام هما اسمًا واحدًا فى اللغة العبرية ولكن حتى لا يحدث التباس فى الشخصيات أخذت بعض ترجمات الكتاب المقدس اسم “يورام” لابن آخاب ملك إسرائيل؛ وأطلقت اسم يهورام على ابن يهوشافاط ملك يهوذا، واستخدمت الترجمات هذا التمييز لأن كلاهما عاصر الآخر، فلا يحدث تداخل عند القارئ.
ع1: فى نهاية الأصحاح الأول (ص1: 17) علمنا أن أخزيا بن أخاب لم ينجب ولدًا؛ لذلك انتقل الملك بعد وفاته إلى أخيه يهورام بن أخاب، وكانت بداية ملكه على إسرائيل فى العاصمة السامرة، وكان ذلك فى السنة الثامنة عشر ليهوشافاط ملك يهوذا واستمر حكمه إثنى عشر عامًا. وفى وقت تملك يهورام بن أخاب على إسرائيل كانت السنة الثانية لاشتراك يهورام فى الملك على يهوذا مع يهوشافاط أبيه. ويهورام بن أخاب أزال تمثال البعل ولكنه لم يقتل أنبياء البعل (ع13)، فظل الميل لعبادة الأوثان قائمًا فى السامرة. ومن ناحية أخرى تزوج يهورام بن يهوشافاط ملك يهوذا بعثليا ابنة أخاب وبهذا دخلت عبادة الأوثان إلى مملكة يهوذا وهذا يظهر مدى انتشار عبادة الأوثان فى مملكتى اليهود الشمالية والجنوبية أيام أليشع النبى، مما جعل مهمته صعبة فى إعلان الحق وإرجاع الناس لعبادة الله.
ع2، 3: كان يهورام أقل من أبيه أخاب وأمه (ايزابل) فى عدم تدينه، إذ أنه أزال تمثال البعل الذى أقامه أبوه، إلا أنه لم يقض على أنبياء البعل، كما يتضح من رد أليشع عليه قائلاً : “اذهب إلى أنبياء أبيك وإلى أنبياء أمك (عدد13). لقد تخلى خارجيًا عن المظاهر المادية للعبادة الوثنية ولكن ظلت روحها سائدة ولم يتخلى يهورام عن الديانة القومية التى أسسها يربعام بن ناباط، الذى أقام تماثيل للأوثان فى مملكته فى بيت إيل ودان (1مل 12: 29).
? يهورام أزال تمثال البعل ولكنه لم يقتل أنبياؤه ولا أزال تماثيل العجول فى بيت إيل ودان. فلا تترك خطية وتستبقى باقى الخطايا لأنها ستجرك إلى كل شر. قدم توبة كاملة واثقًا من قوة الله التى ستسند ضعفك وتحررك من سلطان الخطايا المتسلطة عليك. ومهما سقطت فقم مصرًا على الحياة الجديدة والله يقدر تعبك وسيمنحك مكانًا فى ملكوته.
(2) تحالف يهورام لمحاربة موآب (ع4-10):
4- و كان ميشع ملك مواب صاحب مواش فادى لملك اسرائيل مئة الف خروف و مئة الف كبش بصوفها. 5- و عند موت اخاب عصى ملك مواب على ملك اسرائيل. 6- و خرج الملك يهورام في ذلك اليوم من السامرة و عد كل اسرائيل.7- و ذهب و ارسل الى يوشافاط ملك يهوذا يقول قد عصى علي ملك مواب فهل تذهب معي الى مواب للحرب فقال اصعد مثلي مثلك شعبي كشعبك و خيلي كخيلك. 8- فقال من اي طريق نصعد فقال من طريق برية ادوم. 9- فذهب ملك اسرائيل و ملك يهوذا و ملك ادوم و داروا مسيرة سبعة ايام و لم يكن ماء للجيش و البهائم التي تبعتهم.10- فقال ملك اسرائيل اه على ان الرب قد دعا هؤلاء الثلاثة الملوك ليدفعهم الى يد مواب.
ع4، 5: كان ميشع ملك موآب يدفع جزية لأخاب من ثروته الضخمة فى المواشى، فكان يؤدى إليه سنويًا مائة ألف خروف ومائة ألف كبش حى بصوفها. وقد بدأ دفع هذه الجزية من أيام عمرى ملك إسرائيل ولكن عندما مات أخاب تمرد موآب ولم يعد يدفع الجزية.
ع6: تضايق يهورام – عندما ملك بعد أخزيا – من عصيان موآب وعدم دفعهم الجزية لأخيه أخزيا، فقرر إخضاعهم له ليدفعوا الجزية وبدأ يستعد للحرب، فأمر بعد جنوده؛ ليعرف مدى القوة المحاربة التى يملكها، فوجدها قليلة عن محاربة موآب؛ لذا فكر فى التحالف مع ملوك آخرين؛ ليساعدوه فى هذه الحرب.
ع7: أرسل يهورام ملك إسرائيل إلى يهوشافاط ملك يهوذا يسأله التحالف معه؛ ليحارب ملك موآب، خاصة لوجود قرابة بينهما، إذ أن يهورام بن يهوشافاط كان قد تزوج بعثليا أخت يهورام ملك إسرائيل، فأعلن يهوشافاط على الفور موافقته واستعداده للمحاربة جنبًا إلى جنب مع جيوش إسرائيل والتعرض لنفس المخاطر للجنود والخيل. ورغم أن يهوشافاط كان ملكًا صالحًا، لكنه أخطأ بتزويج ابنه لبنت أخاب ملك إسرائيل الشرير، ثم بموافقته على المحاربة مع يهورام ملك إسرائيل لارتباطه بعبادة الأوثان. وكان قد وافق قبلاً على المحاربة مع أخاب أبيه فى راموت جلعاد (1مل22: 4).
ع8: سأل يهورام ملك إسرائيل يهوشافاط ملك يهوذا – الذى وافق على التحالف معه لمحاربة ملك موآب – وقال له أى طريق يفضل أن يسلكا فيه لمحاربة موآب ؟ وكان يوجد طريقان، الطريق السهل وهو أن يتجه شرقًا إلى نهر الأردن ويعبره، ثم ينحدرا جنوبًا فيجدا موآب، أو أن يتجها جنوبًا ويمرا بأدوم ويدورا من الغرب إلى الشرق جنوب البحر الميت؛ ليحاربا موآب من جنوبه وهذا هو الطريق الصعب وقد فضل يهوشافاط أن يسلكا الطريق الصعب لما يلى :
- لأن موآب لا يتوقع أن يأتيا من هذا الطريق، فتكون مهاجمتهما لموآب مفاجئة، فيتغلبا عليه.
- لأنهما فى الطريق سيمرا بأدوم، الخاضع لملك يهوذا، فيضمانه معهما بجيوشه، فيصبح التحالف ثلاثى وأقوى.
ع9: توجه ملك إسرائيل إلى هناك برفقة حليفيه ملك يهوذا وملك أدوم، وجابوا الصحراء الواسعة، لمدة سبعة أيام، دون أن يجدوا مصدرًا للمياه، ونفذ الماء من الجيش، إذ لم يبق منه شيئًا للجنود ولا للبهائم المصاحبة للجيش.
ويلاحظ أن الملوك أخطأوا، إذ لم يصلوا قبل الخروج للحرب وبالتالى، لم يأخذوا معونة الله وإرشاده، فنسوا أن يحملوا معهم مياه كثيرة تكفى لرحلتهم الطويلة، أو لم يدققوا فى حساب احتياجهم المائى.
? لا تنشغل بالمشكلة التى تواجهها وبتدابيرك لحلها، فتنسى أن تصلى؛ لأن إرشاد الله ومعونته أساس النجاح وهو يحفظ من مخاطر كثيرة لا تتوقعها، إنه يحبك فلماذا تهمله؟ وسيعطيك ولن يأخذ منك شيئًا، فادخله فى حياتك وفى كل احتياجاتك.
ع10: بسبب ابتعاد يهورام ملك إسرائيل عن الله وارتباطه بعبادة الأوثان، عندما تعرض هو والجيوش المحالفة له للعطش والموت خاف جدًا من الله ولشعوره بكثرة خطاياه توقع أن يكون هذا الموت عطشًا بتدبير من الله؛ لتسقط جيوش المتحالفين أمام موآب، إذ سيخور الجنود من العطش ويسقطوا فى الحرب، فالإنسان البعيد عن الله ييأس بسرعة، أما الذى يؤمن بالله فيلتجئ إليه ويطلب معونته.
(3) التجاء الملوك لأليشع (ع11-19):
11- فقال يهوشافاط اليس هنا نبي للرب فنسال الرب به فاجاب واحد من عبيد ملك اسرائيل و قال هنا اليشع بن شافاط الذي كان يصب ماء على يدي ايليا. 12- فقال يهوشافاط عنده كلام الرب فنزل اليه ملك اسرائيل و يهوشافاط و ملك ادوم. 13- فقال اليشع لملك اسرائيل ما لي و لك اذهب الى انبياء ابيك و الى انبياء امك فقال له ملك اسرائيل كلا لان الرب قد دعا هؤلاء الثلاثة الملوك ليدفعهم الى يد مواب. 14- فقال اليشع حي هو رب الجنود الذي انا واقف امامه انه لولا اني رافع وجه يهوشافاط ملك يهوذا لما كنت انظر اليك و لا اراك. 15- و الان فاتوني بعواد و لما ضرب العواد بالعود كانت عليه يد الرب. 16- فقال هكذا قال الرب اجعلوا هذا الوادي جبابا جبابا. 17- لانه هكذا قال الرب لا ترون ريحا و لا ترون مطرا و هذا الوادي يمتلئ ماء فتشربون انتم و ماشيتكم و بهائمكم. 18- و ذلك يسير في عيني الرب فيدفع مواب الى ايديكم.
19- فتضربون كل مدينة محصنة و كل مدينة مختارة و تقطعون كل شجرة طيبة و تطمون جميع عيون الماء و تفسدون كل حقلة جيدة بالحجارة.
ع11: إن كان ملك إسرائيل سقط فى اليأس والتذمر، لكن يهوشافاط ملك يهوذا، الذى يعرف الله، انتبه إلى أن هذه المشكلة حدثت بسبب عدم طلبهم لله قبل الخروج إلى الحرب، فسأل المحيطين به، هل يوجد نبى لله لنسأله هنا ؟ تقدم أحد عبيد يورام ملك إسرائيل وقال إن أليشع النبى، الذى كان تلميذًا وخادمًا لإيليا، موجود فى مكان قريب. والغريب أن يوجد أليشع فى هذا المكان؛ لأنهم فى البرية جنوب البحر الميت بعيدًا عن المملكة الشمالية إسرائيل وجنوب أيضًا المملكة الجنوبية مملكة يهوذا وغالبًا حرك روح الله أليشع؛ ليرافق هؤلاء الجنود وكان قريبًا من مكان وجودهم فى البرية، عندما تعرضوا للعطش، حتى عندما يطلبه يهوشافاط يجده.
وبالطبع كان ملك أدوم الوثنى لا يهمه سؤال نبى الله، أما يورام ملك إسرائيل فكان غير محب لرؤية أليشع؛ لأن معلمه إيليا هو الذى تنبأ عن موت أخيه أخزيا الملك السابق له وأبيه وأمه أخاب وايزابل، بالإضافة إلى أنه منشغل بعبادة الأوثان ولا يهمه سماع صوت الله على لسان أنبيائه.
ع12: فرح يهوشافاط بخبر وجود أليشع، فقال على الفور، عنده كلام الرب، أى وجد الوسيلة التى يسمع بها صوت الله وهذا يبين تقواه ومحبته لله وقام ليذهب إليه باتضاع؛ لأنه هو المحتاج لله ولنبيه وقام معه الملكان الآخران يهورام ملك إسرائيل وملك أدوم.
ع13: تكلم أليشع؛ بشجاعة لأن فيه روح الله، الذى كان فى إيليا بقوة مضاعفة، فوبخ يهورام ملك إسرائيل، معلنًا رفضه التعاون معه؛ لأنه يعتمد على أنبياء البعل، الذين رعاهم واهتم بهم والديه أخاب وإيزابل. ورغم أن يورام يهودى ولكنه ارتبط بعبادة الأوثان وإن كان قد أزال تمثال البعل ولكنه مازال يحتفظ بأنبياء البعل، كمشيرين له؛ فإن كان متشككًا فى عبادة البعل، لكنه مازال مصرًا على هذه العبادة. وكلام أليشع يبين أن الله يرفض من يخلط بين عبادته وعبادة الأوثان، وهناك احتمال أن يكون قد اصطحب مع جيشه بعض أنبياء البعل وتماثيله وسألهم النجدة من الموت عطشًا ولم ينجدوه؛ لذا رفض أن يستشيرهم ثانية، عندما طلب منه أليشع أن يرجع إليهم.
ويلاحظ أن أليشع لم يكلم ملك أدوم؛ لأنه وثنى وبالتالى يرفض عبادة الله، فلماذا أتى مع الإثنين ليطلبوا مشورة الله ؟ وهو بالطبع لا يؤمن بالله ولا بسماع صوته. أما يورام ملك إسرائيل فأجاب أليشع، بأنه لن يذهب إلى أنبياء البعل وأنه يشعر باليأس؛ لأنه يعانى هو وكل جنوده من العطش ومعرضون للهلاك بيد ملك موآب وهذه الإجابة تبين عدم ثقة يهورام فى الأوثان التى يعبدها وإلا لكان التجأ إليها، وفى نفس الوقت يشعر أنه بعبادة الأوثان يغضب الله، فسيطر عليه اليأس.
? اتكل على الله فقط ولا تنزعج مهما كانت المشاكل التى تواجهك وإن استخدمت أى وسائل لحل المشكلة، فهى مجرد واجبك، الذى ينبغى أن تؤديه، أما الحل فثق أنه سيأتى من الله ولكن أية وسيلة بلا قيمة، ما دمت لا تثق فى قوة الله التى معك.
ع14: أقسم أليشع بالله، معلنًا بهذا أنه هو الإله الوحيد وأن الآلهة الوثنية ليست آلهة وفى القسم يظهر أليشع أنه يشعر بحضرة الله وبالتالى مخافته، فلا يخاف من الناس، حتى لو كانوا ملوكًا؛ لأن الله هو رب الجنود، أى فيه كمال القوة، فلا يخشى من يقف أمام الله من قوة البشر. وهذا القسم هو الذى كان يستخدمه معلمه إيليا النبى دائمًا، فقد تتلمذ على يديه جيدًا.
أعلن أليشع أنه من أجل إكرام يهوشافاط سيبلغ الملوك صوت الله، فمن أجل وجود يهوشافاط البار، سينال يورام وملك أدوم بركة. ولكن من ناحية أخرى، فرغم تقوى يهوشافاط، فإن تهاونه بمخالطة ملوك إسرائيل، سواء كان يورام، أو أبوه أخاب، أتى عليه بمتاعب وعاتبه الله عليها.
? ابحث عن أصدقائك واخترهم بتدقيق، حتى يرفعوك ويسندوك فى طريق الملكوت واحذر من الخلطة الشريرة، فإنها حتمًا تؤثر عليك ولو جزئيًا، وإن ارتبطت بهم بالعمل، أو الجيرة ليكن ذلك فى أضيق الحدود ولا تفتح قلبك لهم، حتى لا تدنسه أفكارهم الردية.
ع15: طلب أليشع شخصًا يضرب الموسيقى على العود، حتى تصاحب تسابيحه المرفوعة أمام الله وبعد هذه الصلوات والتسابيح، حل عليه روح الله وأرشده بكلام الله. فالصلوات والتسابيح هى التى تؤهل القلب لسماع صوت الله، بل الصلاة هى حوار بين الإنسان والله، فيها يرفع الإنسان قلبه ويمجد الله، فيرشده الله إلى الحق والسلوك الحسن.
وهذه التسابيح من ناحية أخرى تطرد الشياطين، فإن كان هناك من يعبدون الأوثان، مثل ملك أدوم وملك إسرائيل ومن يتبعهم من أنبياء البعل، تبطل قوتهم وتهرب شياطينهم، فيتنقى الجو ويظهر كلام الله. وقد تكرر هذا، عندما كان داود النبى يضرب على العود، فتهرب الشياطين التى كانت فى شاول الملك (1صم16: 23) وقد تعود الأنبياء فى مدرسة الأنبياء، منذ أيام صموئيل أن يستخدموا الآلات الموسيقية، مثل العود، عند تسبيحهم لله (1صم10: 5)؛ لذا طلب أليشع العواد، ليرفع تسابيحه لله.
ع16: جبابًا : جمع جب وهو بئر، أو حفرة لحفظ الماء.
كان أمر الله على فم أليشع النبى للملوك ومن معهم أن يحفروا، فى الوادى الذى يقفون فيه، حفرًا عميقة؛ لاستقبال الماء. وكان هذا أمرًا غريبًا، لا يقبله العقل البشرى، إذ ليس هناك مصدرًا للمياه، أو توقعًا لنزول المطر. ولكن هذا دليل الإيمان والخضوع لله والله يشترط هذا الخضوع؛ ليصنع معجزاته ويفيض بخيراته على الإنسان، فالجهاد الإنسانى شرط ضرورى لنوال نعمة الله، كما طلب المسيح أن يرفعوا الحجر عن باب القبر، فحينئذ يصنع المعجزة ويقيم لعازر.
ع17: يؤكد الله أهمية الإيمان، الذى يطلبه فى أولاده، فيعدهم بالماء الكثير، الذى يملأ الوادى، رغم أنهم لن يروا مصدرًا طبيعيًا للماء، فالمتوقع أن يكون هو المطر من السماء وما يصاحب نزول المطر، أى الرياح، فكان المطلوب منهم الإيمان وتنفيذ أمر الله، بحفر الجباب، حينئذ ينعمون بالرى والشبع من الماء هم وبهائمهم.
ع18: أعلن لهم الله أنهم إن آمنوا فسيروا الوادى ممتلئًا ماءً ويشربوا. وإذ يرون هذه المعجزة، يتأكدون أنه من السهل جدًا على الله أن ينصرهم على موآب، إذ ينمو إيمانهم، فلا يخافوا من الأعداء.
? ليتك تفهم أعمال الله وخيراته التى يهبها لك وتتأمل عنايته وتشكره دائمًا فيثبت إيمانك ولا تتزعزع أمام أية تجارب، أو مشاكل، يمكن أن تمر بك.
ع19: تطمون : تردمون، أى تملأونها بالتراب والحجارة.
نتيجة كثرة شرور الموآبين وانغماسهم فى عبادة الإله الوثنى كموش، قرر الله إبادتهم بقسوة؛ لعلهم يؤمنوا بقوته ويتركوا عبادة الأوثان، فطلب من الملوك الثلاثة – على فم أليشع- أن يدمروا كل مدن الموآبيين المحصنة و الرئيسية ويقطعوا كل شجرة مثمرة. كما يدمروا كل عيون الماء ويفسدوا خصوبة أرض الحقول، بإلقاء الحجارة فيها.
(4) هزيمة موآب (ع20-27):
20- و في الصباح عند اصعاد التقدمة اذا مياه اتية عن طريق ادوم فامتلات الارض ماء.
21- و لما سمع كل الموابيين ان الملوك قد صعدوا لمحاربتهم جمعوا كل متقلدي السلاح فما فوق و وقفوا على التخم. 22- و بكروا صباحا و الشمس اشرقت على المياه و راى الموابيون مقابلهم المياه حمراء كالدم. 23- فقالوا هذا دم قد تحارب الملوك و ضرب بعضهم بعضا و الان فالى النهب يا مواب. 24- و اتوا الى محلة اسرائيل فقام اسرائيل و ضربوا الموابيين فهربوا من امامهم فدخلوها وهم يضربون الموابيين. 25- و هدموا المدن و كان كل واحد يلقي حجره في كل حقلة جيدة حتى ملاوها و طموا جميع عيون الماء و قطعوا كل شجرة طيبة و لكنهم ابقوا في قير حارسة حجارتها و استدار اصحاب المقاليع و ضربوها. 26- فلما راى ملك مواب ان الحرب قد اشتدت عليه اخذ معه سبع مئة رجل مستلي السيوف لكي يشقوا الى ملك ادوم فلم يقدروا. 27- فاخذ ابنه البكر الذي كان ملك عوضا عنه و اصعده محرقة على السور فكان غيظ عظيم على اسرائيل فانصرفوا عنه و رجعوا الى ارضهم.
ع20: فى الصباح، فى الوقت المقدس، الذى ترفع فيه ذبيحة المحرقة على مذبح الله فى أورشليم والتى ترمز للمسيح الفادى المصلوب، الذى بفدائه تفيض كل الخيرات على البشرية، فى هذا الوقت رأى الملوك ومن معهم مياهًا غزيرة، تأتى من ناحية جبال أدوم، التى سقطت عليها الأمطار ولم يرها الملوك ولكنها كانت غزيرة ووصلت إليهم فى الصباح، فملأت الجباب، التى حفروها فى الوادى وحينئذ شربوا كلهم وفرحوا وشكروا الله، إذ آمنوا، بسبب هذه المعجزة أن الله هو وحده الإله الحقيقى صانع المعجزات وصغرت فى أعينهم الآلهة الوثنية. ومفهوم بالطبع أن الملوك لم يقدموا ذبيحة ولكنه فى وقت تقديم الذبيحة، فى أورشليم، حدث جريان الماء نحو الوادى، فالله يريد أن يربطهم بأورشليم وهيكله المقدس، الذى هو مصدر كل البركات.
ع21: التخم : الحدود.
عندما شعر المؤابيون بتحركات جيوش الملوك الثلاثة متجهة نحوهم، تأهبوا لملاقاتهم، حاشدين على الحدود كل قادر على حمل السلاح سواء المجندين، أو من هم أكبر منهم وقادرين على حمل السلاح أى جمعوا أكبر عدد من رجالهم لشعورهم بخطورة الجيوش المقبلة عليهم.
ع22، 23: فى الوقت الذى أقبلت المياه من أدوم وملأت الوادى، رأى الموآبيون المياه حمراء كالدم؛ لأن رمال أدوم حمراء، فالماء الآتى من هناك يحمل هذه الرمال، فيظهر لونه أحمرًا، بالإضافة إلى انعكاس أشعة الشمس على هذه المياه، فظهر الماء كأنه دم.
وكان الموآبيون يتمنون الانتصار على تحالف الجيوش المقبلة عليهم، فبكبريائهم تخيلوا أن الملوك قد انقسموا بعضهم على بعض وتحاربوا، فسالت دماء جنودهم وملأت الوادى. فالإنسان المتكبر يسقط بسهولة فيما يتخيله مهما بعد عن الواقع. لذا إذ رأى الموآبيون منظر الدم الذى تخيلوه اندفعوا بكبرياء؛ ليستولوا على غنائم الجيوش المتحالفة، التى اعتقدوا أنها هربت بعد انقسامهم وقتلهم بعضهم البعض.
وهكذا نرى تدبير الله العجيب، الذى قاد الجيوش إلى هذا الوادى (ع16) فى أدوم؛ ليسهل حفر الجباب به وتسيل مياه الأمطار نحوه آتية من على جبال أدوم، فيشرب الجيش ومواشيه وفى نفس الوقت يمتحن الله إيمان الجيش فى حفر الجباب، قبل إتيان المياه، ثم يحول منظر المياه أمام عيون الأعداء إلى دم، فيتخيلوا أن الملوك قد تحاربوا، فيهجموا ليأخذوا غنائمهم، فالله يستهزئ بالأعداء المقبلين على أولاده ويسقطهم فى شرورهم.
والوادى يرمز إلى الإتضاع وحفر الجباب لحفظ الماء يرمز للاهتمام بعطايا الله والاحتفاظ بها، كما جمع التلاميذ الكسر عند إشباع الجموع (مت14: 20). وإتيان المياه بغزارة يرمز لسخاء الله فى عطاياه لأولاده، فتكفيهم وتفيض عنهم.
ع24: انطلق الموآبيون فعلاً إلى معسكر إسرائيل وذلك للنهب لا للمحاربة، ففوجئوا بهجوم الجيوش المتحالفة عليهم، إزاء هذه الهجمة غير المتوقعة لم يستطع الموآبيون أن يتماسكوا، ففروا هاربين إلى بلادهم فى خوف وذعر، فتعقبهم الإسرائيليون يقتلون كل من يقع تحت أيديهم.
ع25: مقاليع : جمع مقلاع وهى آلة لرمى الحجارة.
قير حارسه : عاصمة موآب القديمة. مكانها اليوم مدينة “كرك” فى الأردن، تبعد حوالى ثمانية عشر كيلو مترًا شرق الجزء الجنوبى من البحر الميت.
كان جيش الملوك فى تقدمهم يهدمون المدن، وكان كل جندى يلقى حجارة فى الأراضى الزراعية والحقول المثمرة حتى فسدت. كما ردموا كل عيون الماء وقطعوا كل شجرة مثمرة، ولم يبقى إلا عاصمة الموآبيين التى تدعى قير حارسه وهذه كانت مدينة محصنة بأسوار مبنية من الحجارة فلم يكن من السهل هدمها ولكن تقدم الجنود الذين يستخدمون المقاليع، فألقوا عليها حجارة كثيرة لإفسادها.
ع26: مستلى السيوف : مدربين على استخدام السيوف.
عندما وجد موآب انتصار الجيوش المتحالفة عليه، حاول إنقاذ الموقف بالتحالف مع ملك أدوم، الذى كانت له علاقات به قبلاً (2أى20: 22، 23)، فأخذ ملك موآب سبعمائة محارب من جنوده المدربين وحاول أن يشق طريقًا له بين الجيوش المتحالفة، خاصة جيوش يهوذا وإسرائيل؛ حتى يصل إلى ملك أدوم ويتحالف معه، فيستطيع بهذا التحالف الوقوف أمام يهوذا وإسرائيل المتحالفين ولكنه فشل فى اختراق صفوف أعدائه.
? كان الله مع جيوش التحالف، ففشلت محاولات الأعداء. فكن واثقًا أنه ما دام الله معك فلا تؤثر فيك تهديدات، أو إساءات الآخرين.
ع27: عندئذ قدم ملك موآب ابنه البكر محرقة على سور المدينة للصنم كموش إله الموآبيين، فاقشعر شعب بنى إسرائيل من هذا المنظر الفظيع ورفعوا الحصار وانسحبوا عائدين إلى بيوتهم، دون أى احتفال بالنصر. ربما اعتقد ملك موآب أن انسحاب الملوك يعنى انتصارًا له وكان ذلك بسبب الذبيحة البشرية التى قدمها لآلهته ولكن واقع الأمر يقول أنه بقى مهزومًا وسط الخراب والدمار الذى لحق بمدنه.
ولعل الجيوش المتحالفة شعرت أنه يكفيهم هذا الانتصار، أى تقديم ولى عهد الأعداء والذى كان يملك مع أبيه وعوضًا عنه ذبيحة، فانصرفوا.
وقد حدث غيظ على إسرائيل، أى اغتاظ أدوم ويهوذا من إسرائيل الذى جعل ولى العهد يقدم ذبيحة واستياءهم هذا جعلهم ينصرفون عن ملك إسرائيل، الذى جرهم إلى هذه الحرب.
وعلى العموم انتهت الحرب ولكن موآب كانت قد خربت، كتأديب إلهى، فى نفس الوقت ظهرت قوة الله التى سندت الجيوش المتحالفة؛ لوجود يهوشافاط المؤمن معهم.
وانصراف أدوم ويهوذا عن إسرائيل يرمز إلى أن العبادة المظهرية، التى يقدمها إسرائيل ولكنه يخلط فيها عبادته بالله مع الأوثان، تجعل فى النهاية الوثنيين ينصرفون عنه والذين يعبدون الله ينصرفون عنه أيضًا.
? لا تحاول الخلط بين أسلوبك كإبن لله وأساليب العالم الشريرة، فالعالم لن يرضى عليك وبالطبع الله سيغضب عليك. لا تكن فاترًا، بل حارًا؛ حتى تنال قوة الله وبركته وتجد خلاصك.