محاربة الآراميين للسامرة
(1) طفو الحديد (ع1-7):
1- و قال بنو الانبياء لاليشع هوذا الموضع الذي نحن مقيمون فيه امامك ضيق علينا.
2- فلنذهب الى الاردن و ناخذ من هناك كل واحد خشبة و نعمل لانفسنا هناك موضعا لنقيم فيه فقال اذهبوا.3- فقال واحد اقبل و اذهب مع عبيدك فقال اني اذهب.4- فانطلق معهم و لما وصلوا الى الاردن قطعوا خشبا.5- و اذ كان واحد يقطع خشبة وقع الحديد في الماء فصرخ و قال اه يا سيدي لانه عارية.6- فقال رجل الله اين سقط فاراه الموضع فقطع عودا و القاه هناك فطفا الحديد.
7- فقال ارفعه لنفسك فمد يده و اخذه.
ع1-3: برعاية وافتقاد أليشع لبنى الأنبياء زاد عددهم ولم يعد المكان الذى يقيمون فيه يسعهم، ففكروا فى الإقامة بجوار نهر الأردن، حيث يوجد مكان متسع، فيقيمون لهم بيوتًا هناك ويصبح من السهل على أليشع أن يفتقدهم ويعلمهم. واستأذنوا أليشع فى هذا فوافق. ولأنهم فقراء، كانوا يبنون البيوت بأنفسهم ويعملون بيوتًا بسيطة من الأخشاب. ولكن أهم شئ طلبوا من أليشع أن يأتى معهم، فأهم شئ أن يحتفظوا بأبوته ورعايته وبركته وتعاليمه المحيية وهذا يؤكد اهتمامهم بالتلمذة الروحية، كما يؤكد أبوة أليشع لهم.
? اهتم أن تتعلم من أبوك الروحى وتنال بركته وتنفذ إرشاداته، فيفرح الله بطاعتك ويباركك وتنمو فى هدوء وقوة.
ع4: ذهب معهم أليشع وبمجرد وصولهم إلى الأردن أخذوا يقطعون الأخشاب ويجمعونها. ولعله كان يشاركهم العمل، أو على الأقل يدير ويشرف على العمل وهذا يبين أبوته ومحبته فى مشاركة أولاده أعمالهم.
ع5: عارية : مستعارة.
بينما كان أحدهم يقطع الأخشاب، وقع منه الفأس الحديدى فى الماء، فصرخ من فوره، مستغيثًا بأليشع، قائلاً أن الفأس التى وقعت كان قد استعارها، فهو لا يملكها ولا يستطيع رد ثمنها لصاحبها، إذ أن بنو الأنبياء كانوا فقراء وكان الحديد من المعادن الغالية وقتذاك ولكن محبة من هذا الرجل فى العمل ومشاركة إخوته، إستعار هذه الفأس من صديق له، فأصبح وضعه محرجًا، بعد أن سقطت فى قاع النهر ويصعب جدًا الحصول عليها ولكن شعوره بأبوة أليشع جعله يستغيث به، واثقًا أنه لن يتركه.
ع6، 7: سأله أليشع عن مكان سقوط الفأس، فأراه الرجل الموضع، فقطع أليشع عودًا خشبيًا وألقاه فى نفس المكان، فطفا الحديد على سطح الماء. عندئذ قال له أليشع أن يأخذه فمد يده وأخذه.
العود الخشبى هو رمز لصليب المسيح الذى أعاد للإنسان الطبيعة النقية، التى كان قد فقدها بالخطية. ونلاحظ هنا أن أليشع يستخدم مادة عند إجراء المعجزة وهو العود الخشبى، كما استخدم قبلاً الدقيق والملح، فهو يستخدم مواد ملموسة ومرئية لتناسب حواس الإنسان الجسدية وتؤكد له إتمام المعجزة وإن كانت المعجزة تبدو صغيرة، إذ يمكن الاستغناء عن هذه الفأس ولكن إهتم أليشع بصنع المعجزة لما يلى :
- لتظهر أبوته وعنايته بأولاده، فهو يشعر بمشاعرهم وكيف كان هذا الرجل فى حرج من صديقه، الذى استعار منه الفأس.
- ليعلن لبنى الأنبياء عجزهم البشرى ويشعروا بقوة الله المساندة لهم، ليس فقط فى بناء بيوت لهم، بل فى كل حياتهم فيتكلوا عليه.
ولم يرفع أليشع الحديد بيده، بل جعل الرجل يمد يده ويأخذ قطعة الحديد الطافية؛ ليثبت إيمانه بإتمام المعجزة ومن ناحية أخرى يشترك فيها، فينبغى على الإنسان أن يعمل واجبه، حتى لو كان صغيرًا، أما الشئ الصعب، فسيعمله له الله.
(2) محاولة القبض على أليشع (ع8-23):
8- و اما ملك ارام فكان يحارب اسرائيل و تامر مع عبيده قائلا في المكان الفلاني تكون محلتي. 9- فارسل رجل الله الى ملك اسرائيل يقول احذر من ان تعبر بهذا الموضع لان الاراميين حالون هناك.10- فارسل ملك اسرائيل الى الموضع الذي قال له عنه رجل الله و حذره منه و تحفظ هناك لا مرة و لا مرتين.11- فاضطرب قلب ملك ارام من هذا الامر و دعا عبيده و قال لهم اما تخبرونني من منا هو لملك اسرائيل. 12- فقال واحد من عبيده ليس هكذا يا سيدي الملك و لكن اليشع النبي الذي في اسرائيل يخبر ملك اسرائيل بالامور التي تتكلم بها في مخدع مضجعك.13- فقال اذهبوا وانظروا اين هو فارسل و اخذه فاخبر و قيل له هوذا في دوثان.14- فارسل الى هناك خيلا ومركبات و جيشا ثقيلا و جاءوا ليلا و احاطوا بالمدينة. 15- فبكر خادم رجل الله و قام و خرج و اذا جيش محيط بالمدينة و خيل و مركبات فقال غلامه له اه يا سيدي كيف نعمل. 16- فقال لا تخف لان الذين معنا اكثر من الذين معهم. 17- و صلى اليشع و قال يا رب افتح عينيه فيبصر ففتح الرب عيني الغلام فابصر و اذا الجبل مملوء خيلا و مركبات نار حول اليشع. 18- و لما نزلوا اليه صلى اليشع الى الرب و قال اضرب هؤلاء الامم بالعمى فضربهم بالعمى كقول اليشع.19- فقال لهم اليشع ليست هذه هي الطريق و لا هذه هي المدينة اتبعوني فاسير بكم الى الرجل الذي تفتشون عليه فسار بهم الى السامرة. 20- فلما دخلوا السامرة قال اليشع يا رب افتح اعين هؤلاء فيبصروا ففتح الرب اعينهم فابصروا و اذا هم في وسط السامرة. 21- فقال ملك اسرائيل لاليشع لما راهم هل اضرب هل اضرب يا ابي. 22- فقال لا تضرب تضرب الذين سبيتهم بسيفك و بقوسك ضع خبزا و ماء امامهم فياكلوا و يشربوا ثم ينطلقوا الى سيدهم. 23- فاولم لهم وليمة عظيمة فاكلوا و شربوا ثم اطلقهم فانطلقوا الى سيدهم و لم تعد ايضا جيوش ارام تدخل ارض اسرائيل.
ع8: كانت دولة أرام دولة قوية وهى سوريا الحالية ولكن داود النبى أخضعها لإسرائيل وظلت خاضعة أيام سليمان (1مل10: 29). ولكن بعد ذلك بدأت تتمرد وتحارب مملكة إسرائيل. وكان ملك آرام وقتذاك يسمى بنهدد، أما ملك إسرائيل، فهو يورام. وخطط ملك أرام مع عبيده خططًا سرية، للهجوم المفاجئ على إسرائيل. فكان يعمل كمينًا ويحدد مكانًا ليعسكر فيه، لا يعلمه أحد إلا عبيده الخصوصيين.
ع9، 10: كان أليشع يبلغ ملك إسرائيل بالمكان الذى يحل فيه ملك آرام مع جيشه، ويحذره من الاقتراب من هذا الموضع، لأنه سيكون عليه أن يواجه جيش الآراميين المعسكرين هناك.
كان ملك إسرائيل يرسل مراقبين إلى المكان الذى يخبره عنه أليشع؛ ليتحقق من صحة ما يخبره به، فيتأكد من صحة ما أنبأه به .. تكررت تحذيرات أليشع للملك مرات عديدة، فكان يهورام الملك يأخذ دائمًا حذره.
وبإرشاد الله لأليشع وكشفه لخطط ملك آرام حقق أمرين :
- إثبات لملك إسرائيل أن الله موجود معه، على لسان نبيه أليشع؛ حتى يؤمن ويخضع ويتوب عن خطاياه، أى عبادة الأوثان. ولكن للأسف رغم تحقق ملك إسرائيل من صحة كلام أليشع، الذى يحميه من كل كمين يعمله ملك آرام، لكنه لم يتب عن خطاياه ويترك الأصنام. ومن المؤكد أن أليشع قد حذره كثيرًا ليترك الاصنام.
- أعلن بهذا لملك أرام قوة الله فى شعبه إسرائيل، لعله يؤمن بالله ويترك أوثانه، خاصة بعد حادثة شفاء قائد جيشه من البرص (ص5).
ع11: من منا هو لملك إسرائيل : من هو جاسوس لملك إسرائيل.
إنزعج ملك آرام من هذا الأمر، فجمع قواده وطلب منهم الكشف عن الشخص الذى فى وسطهم والذى يتآمر ضده لصالح ملك إسرائيل.
شك ملك آرام فى وجود خيانة بين صفوفه، أما فكرة تدخل الله، فهى دائمًا خارج تفكيره. هكذا يفكر العالم أيضًا، فينسب أحداث الحياة؛ لأسباب شتى، أكثر مما يرون يد الله فى جميعها.
ع12: أجابه أحد قواده، أن الأمر ليس هكذا، فلا يوجد خائن يتآمر على الملك لصالح ملك آرام ولكن النبى أليشع، الذى فى إسرائيل، يكشف له الله كل الأسرار ويبلغ ملك إسرائيل بأدق التفاصيل للخطط التى يضعها ملك آرام، فى سرية بالغة، حتى فى حجرة نومه.
والغريب أن ملك آرام لم يفهم من نفسه قوة الله التى فى أليشع، رغم شفاء قائد جيشه، نعمان من البرص، على يد أليشع ولكن فهم هذه الحقيقة أحد عبيد ملك آرام ونبه الملك لذلك ولعل هذا العبد الخصوصى المقرب للملك هو قائد جيشه نعمان، الذى حدثت معه المعجزة، الذى آمن بالله وبنبيه أليشع.
ع13: دوثان : بلدة قريبة من شكيم (نابلس). مكانها اليوم تل مهجور يدعى “تل دوثان” يبعد حوالى ثمانية عشر كيلو مترًا إلى الشرق من السامرة.
لعدم إيمان ملك آرام بالله، ظن أن أليشع كأحد السحرة، فيمكنه – إن قبض عليه وأخذه إلى مملكته – أن يحرم ملك إسرائيل من إرشاداته، بل ويستخدمه ملك آرام، فيرشده فى خططه الحربية. ولم يفهم أن أليشع هو صوت لله، الذى يعرف كل شئ ولا يساند إلا المؤمنين به ويكره الشر وعبادة الأوثان، بل لم يفهم أن قوته لا شئ أمام قوة الله التى فى أليشع، فظن أنه من السهل أن يقبض عليه، فهو مجرد إنسان. ولكنه سيعلم، كما سيظهر فى الآيات التالية، قوة الله التى لا تقاوم.
ع14: ثقيلاً : أى كبيرًا ومسلحًا ومدربًا على القتال.
أرسل ملك آرام فرقة عسكرية ضخمة وصلت إلى دوثان ليلاً وحاصرت المدينة، إذ شعر أن أليشع ساحر عظيم يحتاج إلى قوة كبيرة؛ حتى لا يفلت منهم بدهائه وسحره. وهو هنا يذكرنا بإرسال قوات وجنود كثيرين؛ للقبض على المسيح فى بستان جثيمانى، مع أنه شخص واحد غير مسلح.
ع15: فى باكر اليوم التالى، حين استيقظ غلام أليشع وخرج ينظر حوله، فإذا بجيش يحيط بالمدينة. انزعج الغلام وجرى إلى سيده؛ ليعلمه كيف يتصرفان فى مواجهة هذا الجيش الكبير. وهذا يظهر مدى ضعف إيمان الغلام، الذى يختلف تمامًا عن إيمان معلمه أليشع، إذ انزعج عندما سمع صوت الخيول والمركبات وقام باكرًا ليشاهدها، فزاد خوفه ويأسه.
ع16: طمأن أليشع تلميذه قائلاً : “لا تخف فإن من معنا أكثر بكثير من هذا الجيش الذى يخيفك”، لأن إيمان أليشع الجبار جعله يثق فى قوة الله المساندة له، ثم رأى السموات مملوءة بأجناد الملائكة، فثبت إيمانه وطمأن تلميذه.
? لا تخف. ترددت هذه الكلمة كثيرًا فى أسفار العهدين القديم والجديد. إنها تتكرر باستمرار؛ ليكون المؤمن المحاصر بالمصاعب والأحزان على يقين من تدخل الرب بعمل نعمته.
ع17: صلى أليشع وطلب من الرب أن يفتح عينى غلامه ليبصر. فتح الرب عينى الغلام وإذ الجبل كله من حولهما مملوء خيلاً ومركبات نارية، فنرى هنا أن شفاعة أليشع لتلميذه قد أعطته نعمة، ليرى هذه الرؤيا. ونلاحظ أنها من نفس نوع الجيش الأرامى المحيط بالمدينة (ع14)، أى مركبات وخيل ولكنها من نار، أى أنها سماوية وأقوى بما لا يقاس من الجنود البشرية والمركبات الأرضية وذلك حتى يطمئن الغلام تمامًا، أما أليشع فكان مطمئنًا حتى دون أن يرى هذه الرؤيا؛ لأجل إيمانه القوى.
ع18: عندما تقدم جيش آرام نحو أليشع، صلى إلى الرب، طالبًا أن يصيب أفراد هذا الجيش جميعهم بالعمى. إستجاب الرب لدعاء أليشع وضربهم بالعمى، وهكذا نرى شجاعة أليشع وإيمانه العظيم، الذى جعله ينزل بنفسه فى طمأنينة لأن الله معه؛ حتى يقابل هذه الجيوش العظيمة. وعندما رأت الجيوش شخصًا يتقدم نحوهم، إذ كانوا يقفون على مكان مرتفع، نزلوا إليه وفى هذه الأثناء صلى أليشع ليضربهم الله بالعمى، ليس لأنه خائف منهم، بل ليعرفوا أن قوة الله تفوق كل قوة بشرية ولعلهم يفهمون أن حياتهم الوثنية البعيدة عن الله هى ضلال وعمى ويدركوا أن هناك قوة فى شعب الله ينبغى أن يخضعوا لها وهى قوة الله الإله الوحيد فوق جميع الآلهة.
ع19: تقدم أليشع نحو الجيش الأعمى. والعمى هنا لم يكن كاملاً، بحسب تفسير أصل الكلمة اليونانى، فهى لا تعنى فقد البصر تمامًا ولكن فقدان القدرة على التمييز – تمييز الأشخاص والأشياء – أى ضعف نظر بشكل كبير وهذا بالطبع جعل كل رجال الحرب الآراميون يشعرون بضعفهم، فانقادوا بسهولة لكلام الرجل الذى يكلمهم، الذى هو أليشع وهم لا يعرفون. فقال لهم أن هذه ليست الطريق ولا المدينة ويقصد أنها ليست الطريق التى اختارها الله ولا المدينة التى يريد الله أن يصلوا إليها. ووعدهم أنه سيوصلهم إلى أليشع، فاطمأنوا، ولأجل ضعفهم خضعوا، فاقتادهم فى الطريق إلى السامرة وهى تبعد حوالى ثمانية عشر كيلو مترًا عن دوثان، أى ساروا بضعة ساعات، حتى وصلوا مع أليشع إلى السامرة.
ولم يرد أليشع أن يبيدهم بقوة الله، أو يعيدهم إلى بلادهم وهم فى هذا الضعف، بل أراد أن يعلن لهم قوة الله التى لا يعرفونها، فسار بهم إلى عاصمة مملكة إسرائيل، التى هى السامرة. وهناك إذ يجدوا أنفسهم محاصرين بجنود بنى إسرائيل يسامحهم ويطعمهم، فيشعروا بقوة الله فى أليشع، القادر على إبادتهم لكنه يسامحهم، لعلهم يؤمنون بإلهه القوى الرحيم.
ع20: وصل أليشع بجيش الآراميين إلى السامرة وأدخلهم إلى الساحة الكبيرة التى فى المدينة وتجمعت جيوش بنى إسرائيل، لتحيط بهذا الجيش الغريب الأعمى، ثم صلى أليشع، فانفتحت أعين جيش الآراميين، ففوجئوا أنهم فى وسط السامرة، محاطين بجيوش بنى إسرائيل وأن أليشع يقف أمامهم وأنه هو الذى قادهم طوال هذا الطريق من دوثان إلى السامرة، فخافوا جدًا وارتعدوا سواء من قوة رجل الله الذى قادهم فى الطريق ويقف أمامهم الآن، أو من قوة الجيوش المحيطة بهم، فلم يهددهم أليشع ولكن قوة الله التى فيه أزعجتهم، وهو يرمز هنا للمسيح عند القبض عليه، كيف خاف منه الجنود، عندما قال لهم أنه المسيح، فسقطوا على وجوههم من الخوف (يو18: 6) وكانوا لا يدرون ماذا سيفعل بهم أليشع، هل سيعذبهم، أم يقتلهم أو ….
ع21: عندما رأى يورام ملك إسرائيل كل ما حدث فى وسط السامرة، آمن بقوة الله فى أليشع وشعر كأنه طفل صغير أمام أبيه ولم يدرِ ماذا يفعل ؟ فسأل أليشع، ماذا أفعل يا أبى هل أضرب هؤلاء الأعداء ؟ أى يأمر جيوشه بإبادتهم.
ع22: منع أليشع يورام من أن يؤذى أحدًا من الأراميين. وقال له إنك لم تحارب وتأسر من الأعداء حتى تقتلهم، لكن هذا الجيش قد وصل بسلام إلى مدينتنا، فهم ضيوفنا وينبغى علينا إكرامهم، فقدم لهم وليمة ليأكلوا ويشربوا، فقد تعبوا من السفر مشيًا من دوثان حتى السامرة وهذا الكلام له آثار كثيرة هى :
- يظهر محبة أليشع لأعدائه، فهم حاولوا القبض عليه وهو يكرمهم ويضيفهم، فقد نفذ وصية “أحبوا أعدائكم” التى قالها المسيح قبل أن يقولها بمئات السنين (مت5 :44)
- إنه درس لملك إسرائيل وكل شعب الله فى محبة الأعداء والصفح والغفران.
- قدم درسًا فى إضافة الغرباء، حتى لو كانوا أعداءً.
- درس لن ينساه الأراميون فى معرفة قوة إله إسرائيل، القادر على إبادتهم، إذ ضربهم بالعمى وفى نفس الوقت يسامحهم، بل ويضيفهم، فيشعروا بضعف آلهتهم، التى لم تحمهم من هذا الإله العظيم. وفى نفس الوقت يقبلون إلى هذا الإله الرحيم، الذى أضافهم وأطعمهم، لعلهم يؤمنون أخيرًا بالله.
- يشعروا بعدم فائدة الخطط البشرية وذكاء ملكهم، فى محاولة القبض على أليشع، فهذا كله لا شئ أمام قوة الله.
ع23: نفذ ملك إسرائيل أمر أليشع، فأقام لهم وليمة، فأكلوا وشربوا، ثم أطلقهم أحرارًا، فرجعوا لملكهم. بذلك امتنعت جيوش آرام عن غزو إسرائيل فترة من الزمن.
(3) محاصرة الآراميين للسامرة (ع24-33):
24- و كان بعد ذلك ان بنهدد ملك ارام جمع كل جيشه و صعد فحاصر السامرة.
25- وكان جوع شديد في السامرة و هم حاصروها حتى صار راس الحمار بثمانين من الفضة و ربع القاب من زبل الحمام بخمس من الفضة. 26- و بينما كان ملك اسرائيل جائزا على السور صرخت امراة اليه تقول خلص يا سيدي الملك. 27- فقال لا يخلصك الرب من اين اخلصك امن البيدر او من المعصرة. 28- ثم قال لها الملك ما لك فقالت ان هذه المراة قد قالت لي هاتي ابنك فناكله اليوم ثم ناكل ابني غدا. 29- فسلقنا ابني و اكلناه ثم قلت لها في اليوم الاخر هاتي ابنك فناكله فخبات ابنها. 30- فلما سمع الملك كلام المراة مزق ثيابه و هو مجتاز على السور فنظر الشعب و اذا مسح من داخل على جسده. 31- فقال هكذا يصنع لي الله و هكذا يزيد ان قام راس اليشع بن شافاط عليه اليوم. 32- و كان اليشع جالسا في بيته و الشيوخ جلوسا عنده فارسل رجل من امامه و قبلما اتى الرسول اليه قال للشيوخ هل رايتم ان ابن القاتل هذا قد ارسل لكي يقطع راسي انظروا اذا جاء الرسول فاغلقوا الباب و احصروه عند الباب اليس صوت قدمي سيده وراءه.33- و بينما هو يكلمهم اذا بالرسول نازل اليه فقال هوذا هذا الشر هو من قبل الرب ماذا انتظر من الرب بعد
ع24: السامرة : كانت عاصمة مملكة إسرائيل التى تعبد الله ولكن فى نفس الوقت تعبد الأوثان. إذ كان الله غاضبًا عليها، فسمح الله لها بالحصار والجوع.
لم يستمر السلام مع ملك آرام زمنًا طويلاً. فنسى ملك آرام معروف إسرائيل مع جيشه، عندما سامحهم أليشع وأطعمهم، فقام بنهدد ملك آرام بجمع جيشه وتقدم نحو السامرة وحاصرها. وهذا الحصار سبب جوعًا شديدًا. والغريب أن أليشع يطعم الآراميين، أما ملك آرام، فيحاصر السامرة ليدخلها فى جوع شديد. لماذا ننسى معروف الآخرين المقدم لنا ؟!
ع25: كان من طول وقسوة الحصار أن صارت مجاعة فى المدينة وارتفعت الأسعار إلى حدود لا تطاق. صار رأس الحمار بثمانين من فضة (أربع مائة وستين جرامًا) ونصف لتر من زبل الحمام بخمس من الفضة (ثلاثون جرامًا) من هذا نفهم أنه إن كان الحمار الذى لا يؤكل بهذا الثمن، فتكون الحيوانات التى تؤكل أغلى بكثير. وقد كان الجوع أمرًا أعلنه الله مسبقًا لشعبه فى شريعة موسى، أنه عند ابتعادهم عنه – بعبادتهم للأوثان – سيتعرضون للمجاعات كتأديب لهم (تث28: 56، 57).
ع26: السور : كان عريضًا يمشى عليه عدد من الرجال ومبنى عليه حائط يحمى من يمر عليه من سهام العدو.
بينما كان ملك إسرائيل يتفقد قواته، مارًا فوق سور المدينة، صرخت امرأة مستغيثة بالملك قائلة “أغثنى يا سيدى الملك”.
ع27: البيدر : المكان الذى تجمع فيه الحبوب بعد حصادها ويسمى الجرن.
المعصرة : حيث يعصر العنب ويتحول العصير إلى خمر، أو يعصر الزيتون؛ ليعطى زيتًا.
أجاب الملك هذه المرأة التى تصرخ إليه، بأنه إن كان الله لا يخلصها برفع الحصار وإزالة المجاعة، فكيف يستطيع هو أن يخلصها، أو من أين يأتى لها بطعام ؟ هل من البيدر الفارغ من أى حبوب، أو من المعصرة التى ليس بها عصير عنب ؟
ع28: ثم سألها الملك عما بها، فأجابت : لقد قالت امرأة هاتى ابنك، فنأكله اليوم، على أن نأكل ابنى فى اليوم التالى. وهذا يبين مدى الوحشية التى وصل إليها الشعب، نتيجة عبادتهم للأوثان، فعند الجوع، فقدوا مشاعر الأمومة وهى غريزة طبيعية وامتدت أيديهم لتأكل أطفالهم، فى قسوة لا يعبر عنها؛ لأنهم قد اعتادوا – إرضاء للآلهة – أن يقدموا أطفالهم ذبائح للأوثان.
ع29: وقصت على الملك كيف اتفقتا على أكل أطفالهما، فسلقتا طفل المرأة الأولى وأكلتاه، ثم عندما جاء دور الأم الثانية، خبأت طفلها. وطلبت المرأة الأولى من الملك أن ينصفها ويأمر المرأة الثانية أن تعطيها طفلها؛ ليأكلاه كما أتفقا. إنها قصة مزعجة، تظهر مدى عنف المجاعة، مما يزعج الملك، أو أى إنسان يسمعها.
ع30: لما سمع الملك حديث المرأة مزق ثيابه وهو يتفقد السور، فرأى رجاله الذين حوله، أنه كان يرتدى مسحًا فوق جسده، إذ لم يحتمل الملك ما وصل إليه شعبه من وحشية نتيجة المجاعة. وتمزيق الثياب كان عادة شرقية معروفة ومازالت موجودة فى بعض البلاد مثل صعيد مصر. ولبس الملك للمسوح يبين مدى حزنه وتضرعه إلى الله ولكنه للأسف لم يُزل الأصنام، فقلبه مازال غير مستقيم أمام الله وإن كان حزينًا لأجل المجاعة. ولعل لبس الملك المسوح من الداخل، قصد به إخفاء لأحزانه حتى لا يُحزن شعبه.
ع31: هكذا يصنع لى الله وهكذا يزيد : قسم معناه أنه لابد أن ينفذ ما يقول وإلا يصيبه الله بضيقات كثيرة.
قام رأس أليشع : أى أنه سيقطع رأسه.
يبدو أن أليشع كان قد وبخ يهورام ملك إسرائيل على عبادته للأوثان وهدده، بأنه إن لم يتب عن ذلك، تتعرض بلاده للمجاعة، كما أمر الله فى (تث28: 56، 57). ولعل ملك إسرائيل كان قد طلب من أليشع أن يفك الحصار ويرفع المجاعة وأليشع لم يُصلِ لترفع حتى يتم تأديب الله ويتوبوا عن عبادة الأوثان. وقد يكون الملك متهمًا لأليشع بعدم رفع المجاعة، باعتباره قادرًا على ذلك، مع أن الملك لم يطلب منه لكنه يرى المجاعة ويصمت ولا يعمل شيئًا.
من أجل كل هذا، عندما شعر ملك إسرائيل بقسوة المجاعة؛ لدرجة أن تأكل الأمهات أطفالها غضب جدًا وبدلاً من أن يرجع بالتوبة إلى الله؛ ليرفع عنه الضيقة، قرر أن سبب المجاعة هو أليشع وأعلن أنه سيقتله فى هذا اليوم. وهذا معناه انغماس يهورام فى الشر والإدانة، فقد أظهرت المجاعة قسوة قلبه وإصراره على عبادة الأوثان وبالتالى استحقاقه لهذا التأديب.
? عندما تقابلك الضيقات فاعلم أنها بسماح من الله وافحص نفسك، لعل هناك خطية فى الداخل هى السبب فى هذه الضيقة؛ لتتوب عنها ولا تُلقِ باللوم على الآخرين، أو الظروف، فحينئذ تربح نفسك وتخلص من كل شر وتنال مراحم الله.
ع32: إحصروه عند الباب : إمنعوه من الدخول، بغلق الباب فى وجهه، فيضطر أن يقف أمام الباب.
عندما أعلن يهورام (يورام) أنه سيقتل اليوم أليشع، كان أليشع جالسًا فى بيته وحوله مجموعة من شيوخ إسرائيل وأعلمه الله بما ينويه الملك، أى قتله، فقال للشيوخ الجالسين حوله، إن الملك يهورام قد أرسل رسولاً ليقتلنى الآن وسيلحق الملك بهذا الرسول لذا طلب أليشع من أحد رجاله أن يغلق باب البيت، حتى لا يدخل رسول الملك ويقتله. ولقب الملك يهورام بابن القاتل؛ لأن أبوه آخاب الملك قتل نابوت اليزرعيلى. ولم يخف أليشع من رسول الملك الآتى لقتله ولكنه انتظر وصول الملك؛ لأن يهورام بعدما أمر بقتل أليشع، عاد فندم ولحق برسوله؛ ليمنعه من قتل أليشع وانتظر أيضًا أليشع وصول الملك؛ حتى يعلن أمام الملك كلام الله.
ع33: بينما كان أليشع يكلم الشيوخ ويخبرهم بنية الملك أن يقتله، عن طريق رسول مقبل إلى البيت وقال لهم إغلقوا الباب، وصل الرسول فعلاً إلى الباب ووجده مغلقًا وظل واقفًا، حتى لحق به الملك ومنع الملك رسوله من محاولة قتل أليشع. وهنا أمر أليشع بفتح الباب وخرج؛ ليلتقى بالملك يهورام ورسوله وحينئذ أعلن الملك تمرده على الله ويأسه من النجاة من أيدى الآراميين، بل لعله كان قد قرر أن يسلم المدينة للآراميين؛ لذا قال الملك إن هذا الشر، أى المجاعة هى من الله ولا ينتظر نجاة من الله؛ لأن أليشع نبيه لا يتحرك لإنقاذ الموقف. وهكذا وصل الملك إلى اليأس الكامل. وهنا ستتدخل نعمة الله لتعلن الحل والنجاة، بعد عجز الإنسان الكامل ويطيل الله أناته على هذا الملك الشرير وشعبه الذى مازال يعبد الأصنام، فينقذهم من الموت؛ لعلهم يؤمنون ويتوبون، هذا ما سنراه فى بداية الإصحاح التالى فى العددين الأولين. وإن كان الإنسان – مثل يهورام (يورام) – يلقى باللوم على الله، عندما تأتيه تجربة، فالله يحتمله وينقذه من التجربة، لعله ينتبه إلى سبب التجربة ويعلم أنها تأديب من الله؛ ليتوب عن خطاياه.