راعوث فى بيدر بوعز
(1) نصيحة نعمى لراعوث (ع1-5):1وَقَالَتْ لَهَا نُعْمِي حَمَاتُهَا: «يَا ابْنَتِي أَلاَ أَلْتَمِسُ لَكِ رَاحَةً لِيَكُونَ لَكِ خَيْرٌ؟ 2فَالآنَ أَلَيْسَ بُوعَزُ ذَا قَرَابَةٍ لَنَا, الَّذِي كُنْتِ مَعَ فَتَيَاتِهِ؟ هَا هُوَ يُذَرِّي بَيْدَرَ الشَّعِيرِ اللَّيْلَةَ. 3فَاغْتَسِلِي وَتَدَهَّنِي وَالْبَسِي ثِيَابَكِ وَانْزِلِي إِلَى الْبَيْدَرِ, وَلَكِنْ لاَ تُعْرَفِي عِنْدَ الرَّجُلِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ. 4وَمَتَى اضْطَجَعَ فَاعْلَمِي الْمَكَانَ الَّذِي يَضْطَجِعُ فِيهِ وَادْخُلِي وَاكْشِفِي نَاحِيَةَ رِجْلَيْهِ وَاضْطَجِعِي, وَهُوَ يُخْبِرُكِ بِمَا تَعْمَلِينَ». 5فَقَالَتْ لَهَا: «كُلَّ مَا قُلْتِ أَصْنَعُ».
ع1: رغم أن نعمى وجدت قوتها من تعب راعوث فى جمع السنابل كل يوم، فكانت تكفيها وتفيض عنها، ولكنها بمحبة أرادت الاستقرار والحياة الأفضل لراعوث وأخبرتها بذلك.
ع2: يذرى : عملية التذرية هى فصل حبوب الشعير عن القش.
بيدر : مكان متسع تتم فيه عمليات الدراس والتذرية لفصل الحبوب عن القش ثم جمع الحبوب إلى المخزن.
ذكَّرت نعمى راعوث بأن بوعز قريب لها عن طريق زوجها، وبالتالى يمكن أن يتزوجها فتستقر فى حياة هنيئة. واليوم مناسب حتى تلتقى به، لأنه يوم فرح بتذرية وجمع محصول الشعير فى البيدر. والقريب هو الولىّ الذى تدعوه الشريعة ليتزوج بامرأة المتوفى والابن البكر يحسب للمتوفى، فبهذا يقيم نسلاً له (تث25: 5-10).
ع3: طلبت نعمى من راعوث أن تخلع ثياب ترملها وتستعد لتكون فى أجمل مظهر بالاغتسال والتدهن بالأطياب ولبس أحسن ما عندها، ثم تذهب إلى بيدر بوعز ولكن تخفى نفسها حتى لا يعلم أحد بوجودها، ولتلاحظه من بعيد حتى يفرغ من الأكل والشرب أى يتعشى قبل أن ينام.
واستعداد راعوث لتكون كعروس لبوعز يرمز لاستعداد النفس البشرية التى تريد أن تتمتع بالمسيح، فينبغى أن تغتسل أى تنال سر المعمودية ثم تدهن أى تنال سر الميرون بالدهن المقدس. وبعد أن تنال الطبيعة الجديدة ويحل الروح القدس فيها، تلبس ثياب البر أى تلبس المسيح وحينئذ يمكنها أن تكون أمامه فى البيدر الذى تفصل فيه الحبوب عن القش والذى يرمز إلى يوم الدينونة، ولكن لأن النفس مستعدة تفرح بهذا اليوم حين تلتقى بعريسها الذى يدين العالم، فيأخذها لتكون عروس له، هذاالعريس أى المسيح الذى يرمز إليه بوعز.
ع4: قالت لها لاحظى المكان الذى يذهب وينام فيه، وبعد التأكد من نومه اذهبى ونامى عند رجليه. وكان هذا الوضع معروفًا، فقد كان العبيد والإماء ينامون عند أرجل سادتهم حتى يقوموا بخدمتهم إذا أرادوا ذلك أثناء الليل. بالإضافة إلى أن راعوث إنسانة تقية وبوعز كذلك رجل بار، والقصد من عمل راعوث هو أن يشعر بوعز بمسئوليته وولايته عليها ليتزوجها وليس أى قصد شهوانى، خصوصًا أن فارق السن كان كبيرًا بين الشابة الصغيرة راعوث والرجل الكبير بوعز.
ع5: تظهر طاعة راعوث لنعمى رغم أن كلام الشريعة اليهودية جديدًا عليها، ولكن فى ثقة بمحبة حماتها لها، أطاعت محتملة أى مخاطر يمكن أن تقابلها أو معاملة سيئة يمكن أن تواجهها.
? ليتك تفكر فى راحة من حولك قبل راحتك، وإذا تعودت ذلك فى شبابك، يمكنك أن تحتفظ بروح العطاء والبذل مهما كبرت فى السن وأصبحت محتاجًا وضعيفًا، فتظل تفكر ماذا تعطى لأبنائك الأقوياء، وحينئذ تختبر مراحم الله وعطاياه التى لا تعد.
(2) راعوث تضطجع عند بوعز (ع6-15):
6فَنَزَلَتْ إِلَى الْبَيْدَرِ وَعَمِلَتْ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَتْهَا بِهِ حَمَاتُهَا. 7فَأَكَلَ بُوعَزُ وَشَرِبَ وَطَابَ قَلْبُهُ وَدَخَلَ لِيَضْطَجِعَ فِي طَرَفِ الْعَرَمَةِ. فَدَخَلَتْ سِرّاً وَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ رِجْلَيْهِ وَاضْطَجَعَتْ. 8وَكَانَ عِنْدَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ أَنَّ الرَّجُلَ اضْطَرَبَ, وَالْتَفَتَ وَإِذَا بِامْرَأَةٍ مُضْطَجِعَةٍ عِنْدَ رِجْلَيْهِ. 9فَقَالَ: «مَنْ أَنْتِ؟» فَقَالَتْ: «أَنَا رَاعُوثُ أَمَتُكَ. فَابْسُطْ ذَيْلَ ثَوْبِكَ عَلَى أَمَتِكَ لأَنَّكَ وَلِيٌّ». 10فَقَالَ: «إِنَّكِ مُبَارَكَةٌ مِنَ الرَّبِّ يَا ابْنَتِي لأَنَّكِ قَدْ أَحْسَنْتِ مَعْرُوفَكِ فِي الأَخِيرِ أَكْثَرَ مِنَ الأَوَّلِ, إِذْ لَمْ تَسْعِي وَرَاءَ الشُّبَّانِ, فُقَرَاءَ كَانُوا أَوْ أَغْنِيَاءَ. 11وَالآنَ يَا ابْنَتِي لاَ تَخَافِي. كُلُّ مَا تَقُولِينَ أَفْعَلُ لَكِ, لأَنَّ جَمِيعَ أَبْوَابِ شَعْبِي تَعْلَمُ أَنَّكِ امْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ. 12وَالآنَ صَحِيحٌ أَنِّي وَلِيٌّ, وَلَكِنْ يُوجَدُ وَلِيٌّ أَقْرَبُ مِنِّي. 13بِيتِي اللَّيْلَةَ, وَيَكُونُ فِي الصَّبَاحِ أَنَّهُ إِنْ قَضَى لَكِ حَقَّ الْوَلِيِّ فَحَسَناً. لِيَقْضِ. وَإِنْ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَقْضِيَ لَكِ حَقَّ الْوَلِيِّ, فَأَنَا أَقْضِي لَكِ. حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ. اضْطَجِعِي إِلَى الصَّبَاحِ». 14فَاضْطَجَعَتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ إِلَى الصَّبَاحِ. ثُمَّ قَامَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْدِرَ الْوَاحِدُ عَلَى مَعْرِفَةِ صَاحِبِهِ. وَقَالَ: «لاَ يُعْلَمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ جَاءَتْ إِلَى الْبَيْدَرِ». 15ثُمَّ قَالَ: «هَاتِي الرِّدَاءَ الَّذِي عَلَيْكِ وَأَمْسِكِيهِ». فَأَمْسَكَتْهُ, فَاكْتَالَ سِتَّةً مِنَ الشَّعِيرِ وَوَضَعَهَا عَلَيْهَا. ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ.
ع6، 7: العرمة : أكوام حزم الشعير المخزنة فى طرف البيدر.
أطاعت راعوث كل كلام نعمى وذهبت إلى بيدر بوعز، وبعد انتهائه من الأكل والشرب، وكان بالطبع قلبه فرحًا بالمحصول الجديد، ذهب لينام فى خيمة أو كوخ صغير صنعوه له بجوار أكوام حزم الشعير على جانب البيدر. وبعد أن استغرق فى النوم ونام أيضًا العمال الموجودون فى البيدر، تسلّلت راعوث بهدوء وكشفت عند رجلى بوعز ونامت وتغطت بطرف غطائه، لتعلن له أنه كما تعرّت رجلاه من الغطاء هكذا أيضًا هى محتاجة لمن يستر عليها ويتزوجها وينفذ وصية الشريعة اليهودية ويقيم نسلاً لزوجها الميت.
ع8، 9: ابسط ذيل ثوبك : غطنى بطرف ثوبك، أى قدم رعايتك وحمايتك وسترك لى بزواجك منى لتنفذ الشريعة وتقيم نسلاً لزوجى الميت.
فى منتصف الليل تقلب بوعز فى نومه فشعر بوجود شخص ماعند قدميه، فاضطرب وسأل من النائم عند قدميه ؟.. فأسرعت راعوث التى كانت منتبهة طوال الليل، ولعلها كانت تصلى خلال هذه الساعات لينجح الله طريقها ويعطيها نعمة فى عينى بوعز فلا ينتهرها أو يرفضها، وأجابته أنها راعوث جاريته، وطلبت منه أن يستر عليها كولىّ ويتزوجها ويرعاها ليقيم نسلاً لزوجها الميت. وهذا التصرف يظهر فضائل كثيرة فى راعوث هى :
- طاعتها لحماتها رغم صعوبة المسئولية.
- اتضاعها بقولها أنها أَمَته.
- شجاعتها فى مواجهة هذا الموقف الصعب
- محبتها لله وطاعة شريعته، فتركت عنها كل شهوة أرضية للزواج من شاب وطلبت تنفيذ كلام الله.
وراعوث ترمز للنفس التى تختلى بالمسيح فى الليل لتصلى وتتأمل جماله وتطلب رعايته لها واتحادها بالحب معه.
ع10: مدحها بوعز لأمرين :
- معروفها الأول وهو ترك أهلها وشعبها وآلهتها لترافق حماتها وتعتنق ديانتها وتعيش بين شعبها.
- معروفها الثانى وهو الأعظم الذى أرادت به أن تقيم نسلاً لزوجها الميت بزواجها من رجل عجوز هو بوعز، ولم تنشغل بالشباب الفقراء أو الأغنياء لتشبع شهواتها البشرية.
? انشغل بمحبة الله ووصاياه فتتمتع بعشرته قبل أن تبحث عن احتياجاتك المادية وشهواتك السليمة، لأن محبة الله تشبع النفس وهو يدبر بعد ذلك كل احتياجات الجسد.
ع11: أبواب شعبى : أى كل الأسر الساكنة فى بيوت لها أبواب ويعنى كل شعب المدينة.
طمأن بوعز بعد ذلك راعوث بأنه يحق الولاية والرعاية لها، ومدحها بأنها امرأة فاضلة ويجمع على ذلك كل أهل المدينة لما صنعته مع حماتها.
ع12: أعلم بوعز راعوث أنه ولى ومستعد أن يقوم بحق الولاية، ولكن يوجد ولىّ أقرب منه. وبهذا يظهر تدقيق بوعز فى تنفيذ شريعة الله، فلم يستخدم نفوذه لتحقيق ما اقتنع به فهو أيضًا رجل تقى يعرف تنفيذ الشريعة.
ع13: سمح بوعز لراعوث أن تبيت فى البيدر حتى الصباح لأنها لا تستطيع الرجوع إلى بيتها أثناء الليل، وفى الصباح سيطلب بوعز الولىّ الأقرب ليقوم بواجبه ويتزوج راعوث ويفـك حقـل أليمالك حميهـا المرهون والذى رهنه بسبب فقره قبل أن يهاجر إلى موآب (ص4: 3، 4). وقد أكّد بوعز كلامه بقسم، كان معروفًا وقت ذاك، وهو “حى هو الرب” أنه سيتمم هذا الأمر ويستدعى الولى الأقرب وإن لم يقم بواجباته سيقوم هو بحق الولاية.
ع14: رقدت راعوث فى جانب البيدر حتى الصباح، وفى بداية الفجر قبل أن يستطع أحد أن يميز من بعيد ملامح أى شخص، دعاها بوعز لتعود إلى بيتها، واحترامًا منه لمكانتها، قال لها لا يعلم أحد أنكِ جئت إلى البيدر حتى يبيّن أنه هو الذى قام بحق الولاية من نفسه مع أنه ليس من الخطأ أن تطالب هى بحقها، ولكنه حاول أن يعطيها مكانة أفضل، ومن ناحية أخرى لا يظن أحد أن هناك فعل قبيح بين رجل وامرأة رغم أن تقوى بوعز وراعوث واضحة ولكنه يدقق فى كل شئ. وقد يكون خادمه الخاص قد استيقظ فأعلمه بوعز ألا يخبر أحدًا بمجئ امرأة إلى البيدر.
ع15: قبل أن تنصرف راعوث،أراد بوعز أن يكرمها، فطلب منها أن تأتى بثوبها الخارجى وهو مثل عباءة أو ملاءة تلف فوق الثياب، ثم وضع فيه ستة مكاييل من الشعير. والمقصود بهذا المكيال غالبًا العمر الذى يساوى حوالى 1.75 كجم، أى أنه أعطاها حوالى 10.5 كجم من حبوب الشعير، فصرتها فى هذا الثوب ثم ساعدها بوعز بحنان ووضعه على كتفيها لترجع به إلى حماتها. وانصرفت راعوث عائدة إلى نعمى، ثم بعد قليل قام بوعز أيضًا ودخل المدينة ليستدعى الولىّ ويتفاهم معه.
(3) رجوع راعوث لنعمى (ع16-18):
16فَجَاءَتْ إِلَى حَمَاتِهَا فَقَالَتْ: «مَنْ أَنْتِ يَا ابْنَتِي؟» فَأَخْبَرَتْهَا بِكُلِّ مَا فَعَلَ لَهَا الرَّجُلُ.
17وَقَالَتْ: «هَذِهِ السِّتَّةَ مِنَ الشَّعِيرِ أَعْطَانِي, لأَنَّهُ قَالَ: لاَ تَجِيئِي فَارِغَةً إِلَى حَمَاتِكِ». 18فَقَالَتِ: «اجْلِسِي يَا ابْنَتِي حَتَّى تَعْلَمِي كَيْفَ يَقَعُ الأَمْرُ, لأَنَّ الرَّجُلَ لاَ يَهْدَأُ حَتَّى يُتَمِّمَ الأَمْرَ الْيَوْمَ».
ع16: وصلت راعوث إلى بيت حماتها مع بداية الفجر، وكانت حماتها مستغرقة فى النوم، فلما سمعت طرقات على الباب وصوت امرأة تكلمها، سألتها من أنت لأنها لم تنتبه بعد من نومها. فأخبرتها أنها راعوث، وحينئذ أسرعت لتفتح لها وتدخل راعوث وتخبرها بكل ما حدث بالتفصيل.
ع17: أخبرت راعوث أيضًا حماتها بكرم بوعز الذى أعطاها كمية كبيرة من الشعير.
ع18: كانت نعمى واثقة من محبة الله وشهامة وتقوى بوعز، فطمأنت راعوث إذ قالت لها اجلسى واستريحى، لأن الله سيدبر الخير وبوعز التقى لن يهدأ حتى يتمم زواجك.
? فى أصعب المواقف اطمئن أن الله يدبر لك الخير مهما بدت الأمور معاكسة، فهو يحولها لخيرك ولن يهملك حتى تشعر بالراحة والسلام بين يديه.