الانتصار على عماليق ورفض الله لشاول
(1) محاربة عماليق (ع1-9):
1وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «إِيَّايَ أَرْسَلَ الرَّبُّ لِمَسْحِكَ مَلِكاً عَلَى شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ. وَالآنَ فَاسْمَعْ صَوْتَ كَلاَمِ الرَّبِّ. 2هَكَذَا يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ: إِنِّي قَدِ افْتَقَدْتُ مَا عَمِلَ عَمَالِيقُ بِإِسْرَائِيلَ حِينَ وَقَفَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ صُعُودِهِ مِنْ مِصْرَ. 3فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً, طِفْلاً وَرَضِيعاً, بَقَراً وَغَنَماً, جَمَلاً وَحِمَاراً». 4فَاسْتَحْضَرَ شَاوُلُ الشَّعْبَ وَعَدَّهُ فِي طَلاَيِمَ, مِئَتَيْ أَلْفِ رَاجِلٍ وَعَشَرَةَ آلاَفِ رَجُلٍ مِنْ يَهُوذَا. 5ثُمَّ جَاءَ شَاوُلُ إِلَى مَدِينَةِ عَمَالِيقَ وَكَمَنَ فِي الْوَادِي. 6وَقَالَ شَاوُلُ لِلْقِيْنِيِّينَ: «اذْهَبُوا حِيدُوا انْزِلُوا مِنْ وَسَطِ الْعَمَالِقَةِ لِئَلَّا أُهْلِكَكُمْ مَعَهُمْ, وَأَنْتُمْ قَدْ فَعَلْتُمْ مَعْرُوفاً مَعَ جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ صُعُودِهِمْ مِنْ مِصْرَ». فَحَادَ الْقِيْنِيُّ مِنْ وَسَطِ عَمَالِيقَ. 7وَضَرَبَ شَاوُلُ عَمَالِيقَ مِنْ حَوِيلَةَ حَتَّى مَجِيئِكَ إِلَى شُورَ الَّتِي مُقَابَِلَ مِصْرَ. 8وَأَمْسَكَ أَجَاجَ مَلِكَ عَمَالِيقَ حَيّاً, وَحَرَّمَ جَمِيعَ الشَّعْبِ بِحَدِّ السَّيْفِ. 9وَعَفَا شَاوُلُ وَالشَّعْبُ عَنْ أَجَاجَ وَعَنْ خِيَارِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْحُمْلاَنِ وَالْخِرَافِ وَعَنْ كُلِّ الْجَيِّدِ, وَلَمْ يَرْضُوا أَنْ يُحَرِّمُوهَا. وَكُلُّ الأَمْلاَكِ الْمُحْتَقَرَةِ وَالْمَهْزُولَةِ حَرَّمُوهَا.
ع1: ذكَّر صموئيل شاول أن الله هو الذى مسحه ليتمِّم مشيئته، قال هذا قبل أن يطلب منه ما أمر الله به فى الأعداد التالية.
ع2: عماليق : شعب قوى سكن فى سيناء وجنوب فلسطين.
يذكر الله شاول بما فعله عماليق حين قاوم شعب الله وهو فى برية سيناء وحاول إهلاكه، ولكن الله تدخل وساند يشوع وموسى فتغلبوا على عماليق (خر17) وحان الآن وقت معاقبة عماليق الشرير.
ع3: فلهذا كان أمر الرب بضرب عماليق والانتقام منه، وقتل كل ما له من رجال ونساء وأطفال وبهائم لإزالة الشر وكل ما يتعلق به، ليعلم شعب الله خطورة الشر وعقابه فيبتعدوا عنه.
ع4: راجل : أى يمشى على رجليه ولا يركب حصانًا كالفرسان.
أطاع شاول فى الحال وبدأ بجمع جيش كبير فى بلدة طلايم، والتى تقع جنوب أرض سبط يهوذا وقام بعد الشعب المجتمع للحرب فكان مئتى ألف رجل من المشاة من جميع الأسباط. وذكر الوحى عدد رجال يهوذا منفردًا فكان عشرة آلاف رجل، وهو عدد صغير بالقياس بحجم السبط الكبير، وهذا يظهر أن سبط يهوذا مازال متذمرًا لاختيار شاول كملك من سبط صغير هو سبط بنيامين، فتعاونهم معهم كان محدودًا.
ويظهـر هنـا أن عدد جيش شاول صار كبيرًا وهو مائتى ألف، فى حين يذكر فى (ص13: 15) أن عدد جيشه كان 600 رجل. ومعنى هذا أنه قد مرت سنوات ليست بقليلة بين هذين الحدثين.
ع5: لم يكن للعماليق بلدة أو مدينة، فهم كالبدو الرحالة، والمقصود بمدينة العماليق هى أرضهم التى حلوا فيها ونصبوا خيامهم عليها، أما شاول فقد اختبأ بجنوده حولهم فى انتظار أفضل الأوقات للهجوم عليهم.
ع6: كانت هناك صلة قرابة بين اليهود والقينيين، لأن موسى تزوج ابنة يثرون وهو من القينيين (خر 3: 1)، ورافقهم ابنه حوباب فى برية سيناء (عد10: 29)، بالإضافة إلى أن ياعيل زوجة حابر القينى ساعدت بنى إسرائيل بقتلها سيسرا عدوهم (قض4: 11). لهذا طلب شاول من القينيين الذين كانوا يسكنون بجوار عماليق أن يبتعدوا عنهم لئلا يهلكوا معهم فى الحرب فابتعدوا.
ع7: حويلة : أرض واسعة كانت تشغل المنطقة من الكويت الحالية وتمتد نحو أرض العرب جنوبًا، أى جنوب فلسطين.
شور : هى برية شور وكانت غرب حويلة وتمتد فى مقابل مصر من شرقها.
قام شاول بالحرب والهجوم على كل أرض عماليق بجيشه الكبير، وكانت حربًا ممتدة من جنوب شرق فلسطين إلى أقصى الغرب فى مواجهة مصر، وذلك لأن عماليق لم يكن لهم مدن ثابتة بل منتشرين فى الصحراء كالبدو تمامًا.
ع8، 9: أجاج : كان لقب لملوك عماليق مثل فرعون لملوك مصر.
انتصر شاول فى حربه وتمكن من أسر أجاج أكبر ملوك عماليق وقتل كل الشعب بحد السيف، ولكنه خالف أمر الرب بتحريم كل شئ واستحيا أجاج ولم يقتله، كذلك فرز الغنائم التى حصل عليها وقام بتحريم (أى ذبح وقتل) كل ما كان سيئًا وهزيلاً فيها، أما ما كان جيدًا وحسن فى عينيه فاستبقاه ولم يحرمه واحتفظ به لنفسه ولرجاله. ولعله استحيا أجاج ليرضى غروره بأن تحت يده ملك أسير أو إشفاقًا منه على هذا الملك، وكلا الأمرين عصيان لله. واستحياء الغنم كان بغرض امتلاكها والأكل منها وليس كما سيدعى بأنه سيقدم منها ذبائح لله (ع15). وهذا يظهر مدى انشغاله بالماديات والممتلكات أكثر من طاعة الله. وإذا سأل أحد لماذا تُقتَل الحيوانات التى لم تخطئ، نقول أن الخطية سبب خراب الإنسان وكل الخليقة، فنسأل لماذا مات المسيح مع أنه برئ ؟! فقد مات ليرفع عنا الخطية وآثارها عن الإنسان وكل الخليقة فيكون كل شئ مباركًا.
- مهما كانت قوة الشر فهى لا شئ أمام قوة الله، لذا فلا تخف من الأشرار وتمسك بالحق وثق أن الله يحميك ويسحق الشياطين تحت قدميك.
(2) رفض الله لشاول (ع10-31):
10وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى صَمُوئِيلَ: 11«نَدِمْتُ عَلَى أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ شَاوُلَ مَلِكاً, لأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ وَرَائِي وَلَمْ يُقِمْ كَلاَمِي». فَاغْتَاظَ صَمُوئِيلُ وَصَرَخَ إِلَى الرَّبِّ اللَّيْلَ كُلَّهُ. 12فَبَكَّرَ صَمُوئِيلُ لِلِقَاءِ شَاوُلَ صَبَاحاً. فَأُخْبِرَ صَمُوئِيلُ: «قَدْ جَاءَ شَاوُلُ إِلَى الْكَرْمَلِ, وَهُوَذَا قَدْ نَصَبَ لِنَفْسِهِ نَصَباً وَدَارَ وَعَبَرَ وَنَزَلَ إِلَى الْجِلْجَالِ». 13وَلَمَّا جَاءَ صَمُوئِيلُ إِلَى شَاوُلَ قَالَ لَهُ شَاوُلُ: «مُبَارَكٌ أَنْتَ لِلرَّبِّ. قَدْ أَقَمْتُ كَلاَمَ الرَّبِّ». 14فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «وَمَا هُوَ صَوْتُ الْغَنَمِ هَذَا فِي أُذُنَيَّ, وَصَوْتُ الْبَقَرِ الَّذِي أَنَا سَامِعٌ؟» 15فَقَالَ شَاوُلُ: «مِنَ الْعَمَالِقَةِ, قَدْ أَتُوا بِهَا لأَنَّ الشَّعْبَ قَدْ عَفَا عَنْ خِيَارِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ لأَجْلِ الذَّبْحِ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ. وَأَمَّا الْبَاقِي فَقَدْ حَرَّمْنَاهُ». 16فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «كُفَّ فَأُخْبِرَكَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ إِلَيَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ». فَقَالَ لَهُ: «تَكَلَّمْ». 17فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «أَلَيْسَ إِذْ كُنْتَ صَغِيراً فِي عَيْنَيْكَ صِرْتَ رَأْسَ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ وَمَسَحَكَ الرَّبُّ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ, 18وَأَرْسَلَكَ الرَّبُّ فِي طَرِيقٍ وَقَالَ: اذْهَبْ وَحَرِّمِ الْخُطَاةَ عَمَالِيقَ وَحَارِبْهُمْ حَتَّى يَفْنُوا؟ 19فَلِمَاذَا لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ, بَلْ ثُرْتَ عَلَى الْغَنِيمَةِ وَعَمِلْتَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ؟» 20فَقَالَ شَاوُلُ لِصَمُوئِيلَ: «إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ لِصَوْتِ الرَّبِّ وَذَهَبْتُ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي أَرْسَلَنِي فِيهَا الرَّبُّ وَأَتَيْتُ بِأَجَاجَ مَلِكِ عَمَالِيقَ وَحَرَّمْتُ عَمَالِيقَ. 21فَأَخَذَ الشَّعْبُ مِنَ الْغَنِيمَةِ غَنَماً وَبَقَراً, أَوَائِلَ الْحَرَامِ لأَجْلِ الذَّبْحِ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ فِي الْجِلْجَالِ». 22فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «هَلْ مَسَرَّةُ الرَّبِّ بِالْمُحْرَقَاتِ وَالذَّبَائِحِ كَمَا بِاسْتِمَاعِ صَوْتِ الرَّبِّ؟ هُوَذَا الاِسْتِمَاعُ أَفْضَلُ مِنَ الذَّبِيحَةِ وَالْإِصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ الْكِبَاشِ. 23لأَنَّ التَّمَرُّدَ كَخَطِيَّةِ الْعِرَافَةِ, وَالْعِنَادُ كَالْوَثَنِ وَالتَّرَافِيمِ. لأَنَّكَ رَفَضْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ رَفَضَكَ مِنَ الْمُلْكِ!». 24فَقَالَ شَاوُلُ لِصَمُوئِيلَ: «أَخْطَأْتُ لأَنِّي تَعَدَّيْتُ قَوْلَ الرَّبِّ وَكَلاَمَكَ, لأَنِّي خِفْتُ مِنَ الشَّعْبِ وَسَمِعْتُ لِصَوْتِهِمْ. 25وَالآنَ فَاغْفِرْ خَطِيَّتِي وَارْجِعْ مَعِي فَأَسْجُدَ لِلرَّبِّ». 26فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «لاَ أَرْجِعُ مَعَكَ لأَنَّكَ رَفَضْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ, فَرَفَضَكَ الرَّبُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ». 27وَدَارَ صَمُوئِيلُ لِيَمْضِيَ, فَأَمْسَكَ بِذَيْلِ جُبَّتِهِ فَانْمَزَقَ. 28فَقَالَ لَهُ صَمُوئِيلُ: «يُمَزِّقُ الرَّبُّ مَمْلَكَةَ إِسْرَائِيلَ عَنْكَ الْيَوْمَ وَيُعْطِيهَا لِصَاحِبِكَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ. 29وَأَيْضاً نَصِيحُ إِسْرَائِيلَ لاَ يَكْذِبُ وَلاَ يَنْدَمُ لأَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَاناً لِيَنْدَمَ». 30فَقَالَ: «قَدْ أَخْطَأْتُ. وَالآنَ فَأَكْرِمْنِي أَمَامَ شُيُوخِ شَعْبِي وَأَمَامَ إِسْرَائِيلَ, وَارْجِعْ مَعِي فَأَسْجُدَ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ».
31فَرَجَعَ صَمُوئِيلُ وَرَاءَ شَاوُلَ وَسَجَدَ شَاوُلُ لِلرَّبِّ.
ع10، 11: ندم : لم يعد الله راضيًا وحزن بسبب تصرفات شاول.
اغتاظ : تألم جدًا بسبب عصيان شاول.
رجع من ورائى : لم يتبع ما أمرت به.
تكلم الرب فى رؤيا مع نبيه صموئيل وأخبره عن حزنه بسبب عصيان شاول وأنه رفضه كملك لإسرائيل، لأن شاول احتقر قول الرب ولم يحرم ملك عماليق ولا الجيد من الغنائم بل استبقاها، وبالطبع هذا كان الخطأ الكبير الثانى لشاول بعد خطئه الأول فى الجلجال عندما تطاول على الكهنوت وتسرع ورفع الذبيحة التى هى عمل الكهنة فقط، أما صموئيل الخادم الأمين لشعبه فقد حزن جدًا عندما سمع هذا وظل طوال الليل يصلى بلجاجة إلى الله حتى يرحم شعبه ويغفر لشاول.
ع12: الكرمل : جنوب حبرون (مدينة الخليل حاليًا) بنحو 11.5 كم.
لم يذق صموئيل النوم طوال الليل، وبسبب قلبه الملتهب، قام باكرًا جدًا لمقابلة شاول وسأل عن مكانه فعلم أنه ذهب إلى الكرمل بعد المعركة ونصب عمودًا أو تذكارًا لانتصاره على عماليق، ثم انتقل إلى الجلجال بالقرب من أريحا. وهذا يبين أن شاول قد بدأ يفتخر بأمجاده وانتصاراته بكبرياء مع أنه عصى الله وصار مرفوضًا منه.
ع13: عند وصول صموئيل إلى الجلجال، قابله شاول فرحًا ومتهللاً بقدومه وبنصرته على عماليق، وخاطبه قائلاً مبارك أنت يا رجل الله، فلقد قمت بتنفيذ ما أمرنى به الله وقد أعطانى الرب النصرة.
ع14: لم يرد صموئيل التحية لغضبه من شاول، بل كشف عصيان شاول وسأله إذا كان قد نفذَّ أمر الرب فماذا عن أصوات الغنم والماشية التى يسمعها ؟!!
ع15: أجابه شاول، وهو غير مدرك لمدى الخطأ المرتكب، أن هذه الغنائم أخذوها من العمالقة وقد قرر الشعب عدم تحريمها كلها واستبقى الأفضل منها بعد أن حرَّموا منها أيضًا الكثير.
وفى محاولة ساذجة من شاول لاسترضاء صموئيل قال له أن السبب فى عدم قتل الماشية هو تقديمها للرب كذبائح.
ويظهر من ذلك كبرياء شاول وعدم توبته وتبريره خطأه بما يلى :
- نسب الخطأ للشعب فى استحياء الغنم وليس لنفسه مع أنه هو الذى أمرهم بذلك. فهو غير تائب عن الخطية.
- وضع عذرًا لمخالفة الله واستحياء الغنم وهو تقديمها ذبائح لله.
- قال “الرب إلهك” فى كلامه مع صموئيل فكأنه يقول إذا كنا نرضى إلهك فلماذا تغضب. ولم يقل الرب إلهى فهذا يعنى انفصاله عن الله وعدم تفكيره فيه.
ع16: بحسم قال صموئيل لشاول كفاك كلامًا، والآن استمع لما أرسلنى به لك الرب من كلام هذه الليلة.
ع17، 18: بدأ صموئيل كلام الرب لشاول بتذكيره ببدايته فى أنه كان من أصغر الأسباط وأصغر العشائر وكلا شئ، ولكن الله اختاره وجعله ملكًا على الكل وصاحب أكبر مركز وكرامة بين كل الشعب، والله أيضًا هو الذى أرسله وكلّفه بمهمة محاربة العماليق وأعطاه النصرة عليهم، وكان طلب الله منه واضحًا أن يقتل كل البشر والبهائم ولا يبقى منهم أحدًا.
ع19: ثرت على الغنيمة : هجمت بشهوة لامتلاك الغنيمة.
وها الآن فضلت أن تستبقى الغنيمة، وما فعلته كان شرًا عظيمًا أغضب الرب عليك وجعله يرفضك.
ع20، 21: أوائل الحرام : بكور المواشى والغنم التى حرّمها الله.
لم يقدم شاول فى كلامه جديدًا، بل قال فى تضليل جديد لنفسه ومحاولة لتخفيف الاتهام، أنه لم يفعل سوى أمر الله بمحاربة عماليق والانتصار عليهم، وقد تم أسر ملكهم “أجاج” وقتل كل شعبه ولم يستبِق من المواشى سوى بكورها وأفضلها حتى يقدمها ذبائح للرب فى الجلجال. وبالطبع كان هذا خطًا لأن الله لا يقبل ذبائح من حيوانات سبق وطلب تحريمها. وهذا يبين إصرار شاول على الكبرياء وتبرير نفسه وابتعاده تمامًا عن التوبة وطلب مراحم الله. وقد قال شاول لصموئيل “الرب إلهك” ولم يقل الرب إلهنا وهذا يبين انفصاله عن الله وعدم بنوته له.
ع22: حتى يقنع صموئيل شاول بشدة خطئه سأله سؤالاً استنكاريًا فقال له أيهما أفضل عند الله، هل الاستماع لكلامه وتنفيذ أوامره كما قالها تمامًا أم تقديم الذبائح مع عصيانه ؟! وأجاب صموئيل نفس سؤاله بأن الاستماع والخضوع لأوامر الله أفضل بكثير من تقديم الكباش والذبائح.
ع23: العرافة : محاولة معرفة الغيب عن طريق الشيطان.
الترافيم : تماثيل صغيرة أو نماذج مصغرة للآلهة الوثنية يحتفظ بها الوثنيون فى بيوتهم للتبرك بها.
استكمل صموئيل كلامه وتوبيخه لشاول موضحًا له أن ما صنعه هو تمرد وتحدى لأمر الرب وأنه بغبائه وعدم خضوعه كأنه وقع فى خطية عرافة أو عبادة أوثان، ولأنه رفض طاعة الله، رفضه الرب أيضًا من قيادة هذا الشعب.
- كثير من الناس يصنعون مثل شاول تمامًا، فيكرهون الآخرين ويسيئون إليهم ثم يقدمون أموالاً وعطايا كثيرة للكنيسة … لا تنخدع أيها الحبيب، بل تعلم أولاً أن تحب الآخرين وتسامحهم، وبعد هذا قدم ما تريد تقديمه، واعلم جيدًا أن الله لا يمكن خداعه أو رشوته.
ع24، 25: بعد محاولات الدفاع الفاشلة لشاول، ومحاولته للصق الاتهام بالشعب، وأمام كلام صموئيل الواضح والصريح بمخالفات شاول لكل كلام الله وإعلانه بحكم الله عليه ورفضه كملك لإسرائيل، بدأ شاول بتقديم الاعتذار، وأعلن خطأه وكسره لوصايا الله، وقدم عذرًا أقبح من ذنب وهو الملك والقائد المنتصر خاف من الشعب وسمح لهم وهو بهذا الاعتذار إنما يضيف ذنبًا جديدًا على ذنوبه، وتوسل صموئيل بأن يسامحه وبأن يتجه معه أمام مذبح الله المقام فى الجلجال حتى يسجد للرب تائبًا ونادمًا، مع أن قصده الحقيقى لم يكن التوبة والخضوع لله، بل أن يكون برفقة صموئيل عند دخوله بيت الرب حتى يتأكد الشعب أنه مازال ملكًا والله راضى عنه، وهذا عكس الحقيقة.
- إذا أخطأت فلا تحاول تبرير نفسك، ولكن باتضاع تأسف عما حدث منك فتنال غفران الله واحترام الآخرين إذ يشعروا أنك متحمل للمسئولية فيثقوا بك ويتعاملوا معك بارتياح.
ع26: رفض صموئيل رجاء شاول وكان حاسمًا فى كلامه، وأوضح لشاول أن الأمر ليس بيده بل بيد الله الذى رفضه وبالتالى هو أيضًا لا يستطيع أن يخالف الله وأوامره.
ع27، 28: الجبة : الرداء الخارجى.
أراد صموئيل الذهاب عن شاول وعن المكان، وعندما التفت ليمضى فى طريقه مسكه شاول بشدة من رداءه الخارجى فتمزق ذيل الرداء، فأخذ صموئيل تمزيق جبته كعلامة نبوية وأخبر شاول بأنه كما أن ثوبه قد تمزق إلى قسمين هكذا يعزل الله شاول عن شعبه إسرائيل ويعطى الملك لشخص آخر، الذى هو أمام الله أفضل منه، والمقصود بكلمة صاحبك هو شخص “داود” النبى بالطبع، الذى أحبه شاول أولاً وزوّجه لابنته ميكال كما سنرى فى أحداث السفر (ص16: 21، ص18: 20).
ع29: نصيح إسرائيل : إله إسرائيل، الذى ينصحه ويرشده.
لا يندم : لا يتراجع عن قراره برفض شاول لأنه هو الله العارف بكل شئ. وندم الله فى (ع11) تعبير معناه عدم رضاه عن شاول لأن الله اختاره عندما كان متضعًا ولكنه تكبر وعصى الله فرفضه الله، وعندما رفضه الله لم يكن هذا قرارًا متسرعًا بل بمنتهى الحكمة والفهم والعدل أعلن الله قراره. والله يستخدم الألفاظ التى نعرفها كبشر، وهى الندم، ولكن المقصود بندم الله كما ذكرنا فى (ع11) هو عدم رضاه.
يكمل صموئيل كلامه لشاول قائلاً أن الله هو من أعلن رفضك وعزلك عن كرسى الملك، والله مُنزَّه عن الكذب أو الندم، فهو ليس كإنسان يأخذ قرارًا فى ساعة غضب ثم يندم بعد ذلك، بل هو إله كلى القدرة والمعرفة ومشيئته المعلنة لا رجوع فيها.
ع30: اعترف شاول بخطئه، ولكنه اهتم بمظهره أمام الشيوخ وأمام الشعب أكثر من اهتمامه بعقوبة الله له ورفضه، فألحّ على صموئيل بالعودة معه والسجود أمام الله من أجل كرامته ومنظره وحتى لا يعلم أحد بالعقوبة الإلهية ورفض الله له، فلم يكن غرضه التوبة بل الاحتفاظ بمظهره كملك. ولم يقل شعب الله بل شعبى مما يظهر تكبره وأنانيته وعدم خضوعه لله فينسب الشعب لنفسه وليس لله.
ع31: أمام إلحاح شاول المستمر، وربما بسبب طيبة قلب صموئيل، نجد أن صموئيل بالفعل قد عاد ورجع مع شاول إلى بيت الرب حيث سجد شاول هناك.
(3) قتل أجاج (ع32-35):
32وَقَالَ صَمُوئِيلُ: «قَدِّمُوا إِلَيَّ أَجَاجَ مَلِكَ عَمَالِيقَ». فَذَهَبَ إِلَيْهِ أَجَاجُ فَرِحاً. وَقَالَ أَجَاجُ: «حَقّاً قَدْ زَالَتْ مَرَارَةُ الْمَوْتِ». 33فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «كَمَا أَثْكَلَ سَيْفُكَ النِّسَاءَ كَذَلِكَ تُثْكَلُ أُمُّكَ بَيْنَ النِّسَاءِ». فَقَطَعَ صَمُوئِيلُ أَجَاجَ أَمَامَ الرَّبِّ فِي الْجِلْجَالِ. 34وَذَهَبَ صَمُوئِيلُ إِلَى الرَّامَةِ. وَأَمَّا شَاوُلُ فَصَعِدَ إِلَى بَيْتِهِ فِي جِبْعَةِ شَاوُلَ. 35وَلَمْ يَعُدْ صَمُوئِيلُ لِرُؤْيَةِ شَاوُلَ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهِ, لأَنَّ صَمُوئِيلَ نَاحَ عَلَى شَاوُلَ, وَالرَّبُّ نَدِمَ لأَنَّهُ مَلَّكَ شَاوُلَ عَلَى إِسْرَائِيلَ.
ع32: بعد سجود شاول، لم ينسَ صموئيل أمر الله بالتحريم، ولهذا أصدر أمره بإحضار أجاج ملك عماليق، أما أجاج فعندما علم باستدعاء صموئيل له، لم يخطر بباله ما سوف يصنعه به بل فرح واعتقد أنه سيفرج عنه من الأسر ولهذا قال فى نفسه أخيرًا سيذهب عنه شبح الموت.
ع33: الثكلى : هى المرأة التى فقدت ابنها.
أمام الرب : أمام بيت الرب ليتمم أمر الله أمام بيته.
عندما أحضروا أجاج أمام صموئيل، قال له صموئيل فى مقدمة قبل إصدار حكمه، أنه كما كان سيفك سببًا فى قتل كثير من الرجال والشباب وجعل أمهاتهم ثكلى يبكين أولادهن، كذلك اليوم تصير أمك وتبكيك أيام حياتها؛ وبعدها أمر صموئيل بقطع رقبة أجاج وتم كل ذلك فى الجلجال قبل مغادرة صموئيل.
وأجاج يرمز للخطية الكبيرة التى ينبغى للإنسان أن يقطعها عن حياته مهما كانت مرتبطة بأمور عزيزة عنده لأن طاعة الله أفضل من أى شئ.
ع34: عاد صموئيل إلى الرامة التى كانت بلدته ومقر إقامته، أما شاول فصعد إلى بيته وأهله فى مكان إقامته بجبعة شاول.
ع35: كان اللقاء بين شاول وصموئيل فى الجلجال هو آخر اللقاءات التى جمعتهما، ولم يرى صموئيل شاول مرة أخرى طوال حياته، إذ علم بأمر الرب نحوه، ولكنه بكى فى صلاته على شاول كثيرًا وكيف أن أول ملوك إسرائيل صار مرفوضًا. وتعبير أن الرب ندم على تمليك شاول مقصود به تأكيد رفض الله وتعيين رجلاً آخر فى القصد الإلهى ليملك على إسرائيل.
ومعنى رفض الله لشاول هو رفضه أن يكون ملكًا على شعبه، ولكن استمر صموئيل يبكى عليه طالبًا توبته لعله يتوب كإنسان فلا يخسر أبديته، ولكنه للأسف استمر فى شروره حتى نهاية حياته.
- كن مطيعًا لأوامر الله فى إعلان الحق والحزم مع المخطئين، فالإشفاق على الشر يزيده ويعثر الآخرين فيكون خطية… ولا تفعل مشيئتك بل مشيئة الله.