تسبحة حنّة وخطية ابنى عالى
(1) تسبحة حنة (ع1-11):
1فَصَلَّتْ حَنَّةُ: «فَرِحَ قَلْبِي بِالرَّبِّ. ارْتَفَعَ قَرْنِي بِالرَّبِّ. اتَّسَعَ فَمِي عَلَى أَعْدَائِي, لأَنِّي قَدِ ابْتَهَجْتُ بِخَلاَصِكَ. 2لَيْسَ قُدُّوسٌ مِثْلَ الرَّبِّ, لأَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَكَ, وَلَيْسَ صَخْرَةٌ مِثْلَ إِلَهِنَا. 3لاَ تُكَثِّرُوا الْكَلاَمَ الْعَالِيَ الْمُسْتَعْلِيَ, وَلْتَبْرَحْ وَقَاحَةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ. لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهٌ عَلِيمٌ, وَبِهِ تُوزَنُ الأَعْمَالُ. 4قِسِيُّ الْجَبَابِرَةِ انْحَطَمَتْ وَالضُّعَفَاءُ تَمَنْطَقُوا بِالْبَأْسِ. 5الشَّبَاعَى آجَرُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْخُبْزِ, وَالْجِيَاعُ كَفُّوا. حَتَّى أَنَّ الْعَاقِرَ وَلَدَتْ سَبْعَةً, وَكَثِيرَةَ الْبَنِينَ ذَبُلَتْ. 6الرَّبُّ يُمِيتُ وَيُحْيِي. يُهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ وَيُصْعِدُ. 7الرَّبُّ يُفْقِرُ وَيُغْنِي. يَضَعُ وَيَرْفَعُ. 8يُقِيمُ الْمِسْكِينَ مِنَ التُّرَابِ. يَرْفَعُ الْفَقِيرَ مِنَ الْمَزْبَلَةِ لِلْجُلُوسِ مَعَ الشُّرَفَاءِ وَيُمَلِّكُهُمْ كُرْسِيَّ الْمَجْدِ. لأَنَّ لِلرَّبِّ أَعْمِدَةَ الأَرْضِ, وَقَدْ وَضَعَ عَلَيْهَا الْمَسْكُونَةَ. 9أَرْجُلَ أَتْقِيَائِهِ يَحْرُسُ, وَالأَشْرَارُ فِي الظَّلاَمِ يَصْمُتُونَ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِالْقُوَّةِ يَغْلِبُ إِنْسَانٌ. 10مُخَاصِمُو الرَّبِّ يَنْكَسِرُونَ. مِنَ السَّمَاءِ يُرْعِدُ عَلَيْهِمْ. الرَّبُّ يَدِينُ أَقَاصِيَ الأَرْضِ, وَيُعْطِي عِزّاً لِمَلِكِهِ, وَيَرْفَعُ قَرْنَ مَسِيحِهِ».
11وَذَهَبَ أَلْقَانَةُ إِلَى الرَّامَةِ إِلَى بَيْتِهِ. وَكَانَ الصَّبِيُّ يَخْدِمُ الرَّبَّ أَمَامَ عَالِي الْكَاهِنِ.
ع1: قرنى : تعبير عن قوة حنة فاستعارت لها قرن الحيوان الذى يمثل قوته.
اتسع فمى : صار لى إمكانية الرد على معيّرىَّ.
فى فرح بعد حزن وانكسار وقفت حنّة أمام الله تردد صلاتها وتسبيحها وتمجيدها للرب على عطيته لها، وبدأت صلاتها بإعلان هذا الفرح، وأنه فرح بعمل الرب معها أكثر مما هو فرح بابنها نفسه، فقد أعاد لها عزتها بعد انكسارها ورفع رأسها أمام معيّريها واعتبرت أن ما صنعه الله معها هو خلاصًا من خزيها وعارها؛ وتعبير “ابتهجت بخلاصك”، يذكرنا أيضًا بتسبحة القديسة العذراء “تبتهج روحى بالله مخلصى” (لو1: 46).
ويظهر هنا اهتمام حنّة بشكر الله الذى يهمله الكثيرون بعد انفراج ضيقاتهم. وإن كانت حنّة قد صلت فى صمت أثناء مرارتها (ص1)، فعندما شكرت ارتفع صوتها لتمجد الله. وسبب هذا الشكر هو تمجيد الله وليس إغاظة أعداءها. وقد تم الخلاص لبنى إسرائيل من أعداءهم الفلسطينيين بعد ذلك على يد صموئيل (ص7: 8-13) ثم فى ملء الزمان انتصر المسيح على الشيطان وقيده بالصليب.
ع2: ليس أحد مثلك يا الله فى قداستك، ولا يستطع أحد أن يدنو منها فليس لك شبيهًا، ولا يوجد من هو فى قوتك فأنت كالصخرة التى يستند عليها الإنسان.
ع3: تخاطب “حنّة” الأشرار فتنتهرهم على كبريائهم وغطرستهم فى كلامهم، وتدعوهم أن يتركوا كلام الوقاحة والتهكم لأن الله عالم بما يفكرون به ويضمرونه فى قلوبهم، وتعبير “به توزن الأعمال” يقابل “أنه يجازى كل واحد بحسب عمله”.
ع4: قسى الجبابرة : أقواس الجبابرة.
تمنطقوا بالبأس : لبسوا القوة والشجاعة.
تستمر “حنة” فى وصف أعمال الله، فتصفه بأنه هو الذى يكسر شوكة المتكبرين وكل ما يعتمدون عليه كأسلحة الحرب التى يرمز إليها القسى، أما الضعفاء المتضعون فأعطاهم القوة والنصرة والشجاعة.
ع5: وكذلك كل من افتخر بامتلاكه لوسائل الحياة والرفاهية .. وصل بهم الحال إلى أنهم افتقروا لدرجة أنهم عملوا كأجراء وعبيد ليجدوا الخبز الذى يأكلونه، أما الجياع الذين ليس لهم أحد سوى الله فقد شبعوا حتى الكفاية. والعاقر (والمقصود حنّة) صار لها بنون عددهم سبعة فى كناية عن وفرة أولادها أما كثيرة البنون (فننة) فقد ذبلت وزال مجد افتخارها لأن سبب افتخارها كان شرًا وهو إغاظة الآخرين.
وترمز العاقر (حنّة) إلى الأمم المتنصرين والذين صار عددهم كبيرًا، أما اليهود الذين رفضوا المسيح والذين ترمز إليهم فننة، فقد صاروا ضعفاء. والعدد سبعة يرمز للكمال، أى أعطى الله لحنّة نسلاً كافيًا مع أنها ولدت فعلاً ثلاثة بنين وبنتين (ع21).
ع6، 7: الله هو وحده الذى له السلطان أن يميت من يريد وينجى من يريد، وهو أيضًا يفقر من يريد ويغنى من يريد، ينزل المتكبرين لأسفل ويرفع المتواضعين لأعلى..؛ وهذا يشبه أيضًا تسبحة السيدة العذراء حينما قالت “أنزل الأعزاء عن الكراسى ورفع المتضعين” (لو1: 52).
ع8: أعمدة الأرض : تعبير أن الله هو خالق ومؤسس الأرض كمن يقيم مبنى على أعمدة.
تستمر “حنّة” فى تمجيد الرب فى أعماله، فتشير إليه فى رفعه للمسكين المُداس من الناس فى تراب الأرض، والفقير المحتقر فى أعين الناس ليعطيهم كرامة ومجدًا فيصير مجلسهم مع الشرفاء أى يصيروا من العظماء، لأن الله هو مؤسس الأرض ومقيمها وخالقها ويملك كل شئ عليها وهو جابل خلقته من الناس فهو القادر على كل شئ.
ع9: الله هو الحارس خائفيه ويثبت أرجلهم أمام الشدائد، أما الأشرار فمصيرهم الخزى وظلام الجحيم، فمن ذا الذى يظن أن قوة الإنسان من ذاته، فلا أحد يغلب أو ينتصر ما لم يكن الله سنده ورجاءه.
ع10: استمرارًا لنفس المعنى، فمن يعاند الله ويعاديه، ينكسر والله يعلن غضبه من السماء عليه، فهو الديان العادل وحده لكل الأرض، وهو المعطى الكرامة والمجد والبركة لمن اختارهم من ملوكه الممسوحين.
ولا يخفى على القارئ العزيز أن هذا الكلام هو كلام نبوى عن المسيح الإله المتجسد، وأعداؤه صارت لهم المذلة، أما المجد والعزة والقوة فهى الصفات الملازمة لمجد ولاهوت الابن.
ع11: يشير هذا العدد إلى عودة ألقانة مع أسرته إلى مكان معيشته بالرامة بعد تركهم صموئيل فى عهدة عالى رئيس الكهنة ليعلمه كيفية خدمة بيت الرب.
? لنتعلم نحن أيضًا أن نغرس أطفالنا منذ الصغر فى الكنيسة لتعلم التسابيح والألحان، وفى السن المناسب نقدمهم لنوال بركة الخدمة كشمامسة، حتى يكبروا فى هذا المناخ الروحى والكنسى الجميل فينعكس هذا على حياتهم كلها بعد ذلك بالبركة والروحانية.
(2) شر ابنى عالى (ع12-17):
12وَكَانَ بَنُو عَالِي بَنِي بَلِيَّعَالَ, لَمْ يَعْرِفُوا الرَّبَّ 13وَلاَ حَقَّ الْكَهَنَةِ مِنَ الشَّعْبِ. كُلَّمَا ذَبَحَ رَجُلٌ ذَبِيحَةً يَجِيءُ غُلاَمُ الْكَاهِنِ عِنْدَ طَبْخِ اللَّحْمِ, وَمِنْشَالٌ ذُو ثَلاَثَةِ أَسْنَانٍ بِيَدِهِ, 14فَيَضْرِبُ فِي الْمِرْحَضَةِ أَوِ الْمِرْجَلِ أَوِ الْمِقْلَى أَوِ الْقِدْرِ – كُلُّ مَا يَصْعَدُ بِهِ الْمِنْشَلُ يَأْخُذُهُ الْكَاهِنُ لِنَفْسِهِ. هَكَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِجَمِيعِ إِسْرَائِيلَ الآتِينَ إِلَى هُنَاكَ فِي شِيلُوهَ. 15كَذَلِكَ قَبْلَ مَا يُحْرِقُونَ الشَّحْمَ يَأْتِي غُلاَمُ الْكَاهِنِ وَيَقُولُ لِلرَّجُلِ الذَّابِحِ: «أَعْطِ لَحْماً لِيُشْوَى لِلْكَاهِنِ, فَإِنَّهُ لاَ يَأْخُذُ مِنْكَ لَحْماً مَطْبُوخاً بَلْ نَيْئاً». 16فَيَقُولُ لَهُ الرَّجُلُ: «لِيُحْرِقُوا أَوَّلاً الشَّحْمَ, ثُمَّ خُذْ مَا تَشْتَهِيهِ نَفْسُكَ». فَيَقُولُ لَهُ: «لاَ, بَلِ الآنَ تُعْطِي وَإِلَّا فَآخُذُ غَصْباً». 17فَكَانَتْ خَطِيَّةُ الْغِلْمَانِ عَظِيمَةً جِدّاً أَمَامَ الرَّبِّ, لأَنَّ النَّاسَ اسْتَهَانُوا بِتَقْدِمَةِ الرَّبِّ.
ع12-14: بليعال : كلمة عبرية تعنى بلا فائدة، وأطلقت على الشيطان بعد ذلك.
منشال : شوكة طويلة تستخدم فى الطبخ وليس كشوكة الأكل المعروفة.
مرحضة : حوض فيه ماء يستخدم هنا لغسل اللحم المذبوح.
المرجل : إناء نحاسى كبير لغلى الماء.
كان لعالى رئيس الكهنة ابنان كاهنان، ولكنهما انحرفا فى شرور كثيرة حتى صارا كابنين للشيطان. فتركا شريعة الله، ولم يكتفيا بحق الكهنة من الذبائح، بل إذ كان الشعب يقدم الذبائح ويأكلها فى المكان المقدس، أى بجوار خيمة الاجتماع، كان يمر مندوب عنهما وفى يده منشال يغرسه فى إناء اللحم، وبالطبع يختار أفضل قطعة، وإن عارضه أحد يقول له بسلطان إن هذا للكهنة فيصمت خوفًا من سلطانهما، وهكذا سقطا فى خطية السرقة بالإجبار.
ع15، 16: كانت الشريعة توجب أن يقدم نصيب الرب أولاً قبل أية أنصبة أخرى، وكان هذا النصيب من الشحم (الدهن) والكبد والكليتين يحرق على المذبح، أما نصيب الكهنة فكان الصدر والساق اليمنى (لا3: 3-5) والكهنة والشعب يعرفون هذا جيدًا، إلا أنه بسبب جشع الكهنة، ابنى عالى، فقد كانا يطلبان ببجاحة من الشعب أن يأخذا من الذبائح قبل أن يقدم لله نصيبه، وبالرغم من تحذير الشعب البسيط لهما ألا يكسرا الشريعة، إلا أنهما كانا لصين فكانا يأخذان نصيبًا لهما قبل الله، وإن لم يسمح مقدم الذبيحة بهذا، يأخذا بالقوة ما يريدان … وهذا ما يطلق عليه الآن البلطجة.
ع17: الغلمان : المقصود بهم ابنى عالى الكاهن.
نتيجة شرور مندوبى ابنى عالى فى اغتصاب حقوق الشعب، أنهم أُعثِروا من الكهنة وفقدوا تقديسهم للهيكل وعبادته واستهانوا بالشريعة.
? لا يوجد إنسان مهما كان فوق الخطية، فنحن هنا أمام كهنة يفترض فيهم قدوة الشعب ولكنهم انحدروا إلى أسوأ مستوى، وهذا يعلمنا نحن الخوف والاحتراس، فلا نتكل على بر آبائنا ولا نثق فى أنفسنا، بل ندقق جيدًا فى كل تصرفاتنا وخاصة ما يتعلق بحقوق الله وواجباتنا نحوه حتى لا نقع فى الاستهانة ونغضب الله !؟!
(3) خدمة صموئيل وبركة الله لحنّة (ع18-21):
18وَكَانَ صَمُوئِيلُ يَخْدِمُ أَمَامَ الرَّبِّ وَهُوَ صَبِيٌّ مُتَمَنْطِقٌ بِأَفُودٍ مِنْ كَتَّانٍ. 19وَعَمِلَتْ لَهُ أُمُّهُ جُبَّةً صَغِيرَةً وَأَصْعَدَتْهَا لَهُ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ عِنْدَ صُعُودِهَا مَعَ رَجُلِهَا لِذَبْحِ الذَّبِيحَةِ السَّنَوِيَّةِ. 20وَبَارَكَ عَالِي أَلْقَانَةَ وَامْرَأَتَهُ وَقَالَ: «يَجْعَلْ لَكَ الرَّبُّ نَسْلاً مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بَدَلَ الْعَارِيَّةِ الَّتِي أَعَارَتْ لِلرَّبِّ». وَذَهَبَا إِلَى مَكَانِهِمَا. 21وَلَمَّا افْتَقَدَ الرَّبُّ حَنَّةَ حَبِلَتْ وَوَلَدَتْ ثَلاَثَةَ بَنِينَ وَبِنْتَيْنِ. وَكَبِرَ الصَّبِيُّ صَمُوئِيلُ عِنْدَ الرَّبِّ.
ع18، 19: أفود : قميص من الكتان يشبه الصديرى، له شريطان كحزام يشد بهما حول وسط الإنسان، وكان الأفود من ملابس اللاويين وقد يلبسه الكهنة أحياناً.
بدأ صموئيل الطفل والصبى خدمته فى بيت الرب، وبسبب تقواه ومحبة عالى الكاهن له، ألبسه أفودًا كعلامة تميزه، بالرغم من صغر سنه، وواظبت أمه على زيارته كالمعتاد كل سنة، واهتمامًا منها بابنها الذى لم تنساه، يذكر لنا الوحى أنها صنعت له رداء من الصوف (جبة) ليلبسه الصبى تحت الأفود أيام الشتاء.
ويتضح اهتمام حنة بتربية ابنها وتلقينه التعاليم الروحية، فحفظته فى نقاوة رغم شرور الكهنة فى الهيكل.
ع20: عارية : أعارت الرب وقدمت ابنها له (راجع ص1: 28).
أعجب عالى بتقوى صموئيل ووالديه خاصة حنَّة، وباركهما من الله وتنبأ لحنّة بأن تلد بنين عوضًا عن صموئيل الذى نذرته لله. وبعد نوالهما البركة، انصرفا من شيلوه ورجعا إلى بلدهما الرامة.
ع21: افتقد الرب : أعطى نعمة.
مرت السنوات وتحقق وعد الله، فولدت حنَّة ثلاثة بنين وبنتين، وأثناء هذه السنوات كان صموئيل ينمو فى التقوى أمام الله فى بيته.
? طوباه من قدم حياته أو أبناءه إلى الله بقلب راضٍ، ألم يعده السيد المسيح بمئة ضعف..؟! فالله لا يبقى مديونًا أبدًا لأبنائه، فهو بأبوته يقبل عطاياهم وبأبوته أيضًا يجزل لهم العطاء والمكافأة.
(4) عتاب عالى لابنيه (ع22-26):
22وَشَاخَ عَالِي جِدّاً, وَسَمِعَ بِكُلِّ مَا عَمِلَهُ بَنُوهُ بِجَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَبِأَنَّهُمْ كَانُوا يُضَاجِعُونَ النِّسَاءَ الْمُجْتَمِعَاتِ فِي بَابِ خَيْمَةِ الاِجْتِمَاعِ. 23فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تَعْمَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ الأُمُورِ؟ لأَنِّي أَسْمَعُ بِأُمُورِكُمُ الْخَبِيثَةِ مِنْ جَمِيعِ هَذَا الشَّعْبِ. 24لاَ يَا بَنِيَّ, لأَنَّهُ لَيْسَ حَسَناً الْخَبَرُ الَّذِي أَسْمَعُ. تَجْعَلُونَ شَعْبَ الرَّبِّ يَتَعَدُّونَ. 25إِذَا أَخْطَأَ إِنْسَانٌ إِلَى إِنْسَانٍ يَدِينُهُ اللَّهُ. فَإِنْ أَخْطَأَ إِنْسَانٌ إِلَى الرَّبِّ فَمَنْ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِهِ؟» وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ أَبِيهِمْ لأَنَّ الرَّبَّ شَاءَ أَنْ يُمِيتَهُمْ. 26وَأَمَّا الصَّبِيُّ صَمُوئِيلُ فَتَزَايَدَ نُمُوّاً وَصَلاَحاً لَدَى الرَّبِّ وَالنَّاسِ أَيْضاً.
ع22: تقدم عالى فى الأيام جدًا، وقد أبلغه الناس كل ما كان يصنعه أبناؤه الكهنة من سلب ونهب واغتصاب لأنصبة الرب من الذبائح، بل سقطا فى الزنا مع النساء المجتمعات عند باب خيمة الاجتماع كمتطوعات للمساعدة فى الخدمة (كغسل الذبائح وتنظيفها) أمام بيت الرب.
ع23، 24: عاتب عالى ابنيه من أجل الشرور التى يعملانها، وقال لهما أن أعمالهما ليست سليمة وتعثر الشعب إذ يصيران قدوة شريرة فيسقط الشعب فى خطايا كثيرة. ونلاحظ هنا ضعف عالى، فلم يوبخهما بشدة ولا اتخذ أى إجراء ضدهما مثل منعهما عن الخدمة ولو مؤقتًا، مع أنه كان يجب قتلهما أو على الأقل عزلهما تمامًا من الخدمة بحسب ما توصى الشريعة. وهذا أغضب الله فسمح بموتهما وأبيهما عند محاربة الفلسطينيين (ص4).
ع25: إن أخطأ إنسان فى حق غيره ولم يتب ويعوضه فإن الله يدينه، فكم بالأحرى لو أخطأ الإنسان فى حق الله مباشرة، فيستحق عقابًا عظيمًا. هذا ما فعله ابنا عالى لذا سمح الله أن يموتا بسبب شرهما عند محاربة الفلسطينيين.
ع26: يأتى هذا العدد اعتراضيًا فى سياق الحديث عن عالى وأبنائه، فبعد الاستعراض للشر الذى تغلغل فى نفوس الكهنة، نرى صورة مضيئة للصبى الشاب صموئيل الذى يشار إليه أنه كان ينمو فى محبته لله وكيف أعطاه الله أيضًا نعمة فى أعين الناس إذ رأوا صلاحه وسط كل هذا الشر.
? لا تلتمس العذر لنفسك وتسقط فى الخطية بسبب انتشار الشر حولك، فها صموئيل يحيا فى تقوى وسط الجو الشرير، بل إن الله يسمح بوجودك وسط الأشرار لتكون نورًا للعالم، وثق أنه سيساعدك لتحيا بالبر مهما كانت الضغوط المحيطة بك.
(5) توبيخ الله لعالى (ع27-36):
27وَجَاءَ رَجُلُ اللَّهِ إِلَى عَالِي وَقَالَ لَهُ: «هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: هَلْ تَجَلَّيْتُ لِبَيْتِ أَبِيكَ وَهُمْ فِي مِصْرَ فِي بَيْتِ فِرْعَوْنَ, 28وَانْتَخَبْتُهُ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ لِي كَاهِناً لِيَصْعَدَ عَلَى مَذْبَحِي وَيُوقِدَ بَخُوراً وَيَلْبَسَ أَفُوداً أَمَامِي, وَدَفَعْتُ لِبَيْتِ أَبِيكَ جَمِيعَ وَقَائِدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ! 29فَلِمَاذَا تَدُوسُونَ ذَبِيحَتِي وَتَقْدِمَتِي الَّتِي أَمَرْتُ بِهَا فِي الْمَسْكَنِ, وَتُكْرِمُ بَنِيكَ عَلَيَّ لِتُسَمِّنُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَوَائِلِ كُلِّ تَقْدِمَاتِ إِسْرَائِيلَ شَعْبِي؟ 30لِذَلِكَ يَقُولُ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: إِنِّي قُلْتُ إِنَّ بَيْتَكَ وَبَيْتَ أَبِيكَ يَسِيرُونَ أَمَامِي إِلَى الأَبَدِ. وَالآنَ يَقُولُ الرَّبُّ: حَاشَا لِي! فَإِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي, وَالَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي يَصْغُرُونَ. 31هُوَذَا تَأْتِي أَيَّامٌ أَقْطَعُ فِيهَا ذِرَاعَكَ وَذِرَاعَ بَيْتِ أَبِيكَ حَتَّى لاَ يَكُونَ شَيْخٌ فِي بَيْتِكَ. 32وَتَرَى ضِيقَ الْمَسْكَنِ فِي كُلِّ مَا يُحْسَنُ بِهِ إِلَى إِسْرَائِيلَ, وَلاَ يَكُونُ شَيْخٌ فِي بَيْتِكَ كُلَّ الأَيَّامِ. 33وَرَجُلٌ لَكَ لاَ أَقْطَعُهُ مِنْ أَمَامِ مَذْبَحِي يَكُونُ لإِكْلاَلِ عَيْنَيْكَ وَتَذْوِيبِ نَفْسِكَ. وَجَمِيعُ ذُرِّيَّةِ بَيْتِكَ يَمُوتُونَ شُبَّاناً. 34وَهَذِهِ لَكَ عَلاَمَةٌ تَأْتِي عَلَى ابْنَيْكَ حُفْنِي وَفِينَحَاسَ: فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يَمُوتَانِ كِلاَهُمَا. 35وَأُقِيمُ لِنَفْسِي كَاهِناً أَمِيناً يَعْمَلُ حَسَبَ مَا بِقَلْبِي وَنَفْسِي, وَأَبْنِي لَهُ بَيْتاً أَمِيناً فَيَسِيرُ أَمَامَ مَسِيحِي كُلَّ الأَيَّامِ. 36وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَبْقَى فِي بَيْتِكَ يَأْتِي لِيَسْجُدَ لَهُ لأَجْلِ قِطْعَةِ فِضَّةٍ وَرَغِيفِ خُبْزٍ, وَيَقُولُ: ضُمَّنِي إِلَى إِحْدَى وَظَائِفِ الْكَهَنُوتِ لِآكُلَ كِسْرَةَ خُبْزٍ».
ع27: رجل الله : تعبير كان يطلق على الأنبياء أو الشخصيات الروحية البارزة مثل “إيليا وأليشع”.
لم يخاطب الله عالى مباشرة لخطئه الكبير فى تهاونه مع أبنائه، فأرسل له نبيًا (غير معروف اسمه)، كإنذار أخير له بالتوبة قبل أن يأتى عليه العقاب، فأخبره برسالة جاءت أولها “ألست أنا الله الذى ظهرت لآبائك وأجدادك (موسى وهرون) أثناء مذلة شعبى فى أرض مصر فى عبودية فرعون.
ع28: وقد اخترت بيت هارون، أى آباءك، ليكهنوا لى ويقفوا أمام المذبح لتقديم البخور لاسمى القدوس صباحًا ومساءً، وأعطيتهم أن يلبسوا الأفود وكل ملابس الكهنوت، وجعلتهم رؤساء عن الشعب يقبلون ذبائحهم ومرشدين لقادة إسرائيل المدنيين عندما يأتوا ليطلبوا صوتى ومشورتى من خلالهم.
ع29: أظهر الله لعالى أنه أكرمه ومجده بالكهنوت، ولكنه استهان بقداسة بيت الرب وعبادته وأكرم أولاده على حساب الله، فتركهم يعملون الشر واكتفى بالعتاب ولم يمنع شرورهما.
ع30: أكرم الله بيت عالى بالكهنوت ما داموا متمسكين بشريعته، ولكن إن استهانوا بالله ولم يكرموه فإن الله يعاقبهم ويذلهم.
ع31: يذكر الله عقوبة ثانية وهى “قطع الذراع”، والذراع كناية عن القوة وعن زمن شباب الرجل، فتكون العقوبة أن الله يبيد نسل “عالى” من الكهنة فى شبابهم ولا يبقى أحد منهم لسن الشيوخ، وكان طول العمر فى العهد القديم من علامات بركة الله للإنسان.
ع32: كذلك من العقوبات التى ستأتى على “عالى” أن يرى أيامًا صعبة على بيت الرب، الذى سوف يُعتدىَ عليه فى أيامه من الفلسطينيين ويأخذون معهم “تابوت العهد” إلى أرضهم، ومع اختفاء التابوت يختفى أيضًا كل مجد إسرائيل وإحساسهم بوجود إلههم بينهم، فتختفى الأعياد والذبائح والأفراح وهى أمور كلها رتبها الله كنوع من الإحسان على شعبه ولفرح قلوبهم.
ع33: ومن العقوبات أيضًا الآتية على “عالى الكاهن” أن الله سوف يبقى من نسله كهنة يخدمون المذبح، ولكنهم سيكونون سبب آلام لنفسه وبكاء لعينيه، بسبب سوء أعمالهم من جهة، لمعاناتهم من الضيقات والفقر وفقدانهم لبركة ونعمة الله فى حياتهم من جهة أخرى، ويؤكد أيضًا الله كما سبق وقال أنهم لن يعيشوا طويلاً بل سيموتوا شبابًا.
ع34: العلامة التى يتركها له ولتؤكد صدق كلماته هى أنه سوف يسمع بموت ابنيه الكاهنين “حفنى وفينحاس” فى يوم واحد.
ونلاحظ أن عالى قد أخذ كرامة كبيرة كرئيس كهنة، ولكنه لم يتحمل مسئولية مركزه، بل تهاون مع أولاده فنال عقابًا إلهيًا شديدًا. أما صموئيل الذى رفضه الشعب كصوت لله وطلبوا ملكًا لهم، فاحتمل وحينئذ كرّمه الله وصار من أعظم الأنبياء.
ع35: هذا العدد يمكن تفسيره تفسيرًا مباشرًا، بأن هذا ما حدث فعلاً عندما اختار الله صموئيل كاهنًا له ليقدم الذبائح عن الشعب، بالرغم من أنه ليس من نسل هارون الكاهن بل من اللاويين العاديين، ولكن الله هو صاحب السلطان وحده. وكان بالفعل صموئيل أمينًا وغيورًا على الله وبيته، مطيعًا ومنفذًا لمشيئته؛ وتعبير “أبنى له بيتًا” أى يكون الكهنوت فى بيته ولنسله من بعده، ويكون قائدًا للشعب، ومرشدًا للملك الممسوح بعد ذلك لحكم الشعب.
أما المعنى النبوى لهذا العدد فقد تم بالكمال فى شخص الرب يسوع، الذى كان له الكهنوت الدائم الأبدى، وصار بيته الجديد هو كنيسته والذى صار أيضًا ملكها ومرشدها ومدبرها إلى الكمال.
ع36: استمرارًا للحديث عن العقوبة، فكل من يظل حيًا من أحفاد “عالى الكاهن” يأتى إلى الكاهن الجديد المقام بحسب قلب الله، وهو صموئيل، فى مذلة وانكسار لطلب بعض المال أو حتى كسرة خبز، ويتوسل له أن يجد مكانًا ونصيبًا فى خدمة الكهنوت حتى يستطيع الحياة.
? إلهى وسيدى … كم ارتعد قلبى وارتعشت ركبتاى وأنا أقرأ هذه العقوبات الشديدة والعادلة لمن تهاون بحقوقك، فأرجوك يا إلهى لا تسمح لى أبدًا أن أغفل عن أوامرك ووصاياك، بل أقمنى يقظًا ومنتبهًا دائمًا… وارحمنى كعظيم رحمتك.