لجوء داود للفلسطينيين
(1) داود يلجأ لأخيش ملك جت (ع1-7) :
1وَقَالَ دَاوُدُ فِي قَلْبِهِ: «إِنِّي سَأَهْلِكُ يَوْماً بِيَدِ شَاوُلَ, فَلاَ شَيْءَ خَيْرٌ لِي مِنْ أَنْ أُفْلِتَ إِلَى أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ فَيَيْأَسُ شَاوُلُ مِنِّي فَلاَ يُفَتِّشُ عَلَيَّ بَعْدُ فِي جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ, فَأَنْجُو مِنْ يَدِهِ». 2فَقَامَ دَاوُدُ وَعَبَرَ هُوَ وَالسِّتُّ مِئَةِ الرَّجُلِ الَّذِينَ مَعَهُ إِلَى أَخِيشَ بْنِ مَعُوكَ مَلِكِ جَتٍّ 3وَأَقَامَ دَاوُدُ عِنْدَ أَخِيشَ فِي جَتٍّ هُوَ وَرِجَالُهُ, كُلُّ وَاحِدٍ وَبَيْتُهُ, دَاوُدُ وَامْرَأَتَاهُ أَخِينُوعَمُ الْيَزْرَعِيلِيَّةُ وَأَبِيجَايِلُ امْرَأَةُ نَابَالَ الْكَرْمَلِيَّةُ. 4فَأُخْبِرَ شَاوُلُ أَنَّ دَاوُدَ قَدْ هَرَبَ إِلَى جَتٍّ فَلَمْ يَعُدْ أَيْضاً يُفَتِّشُ عَلَيْهِ. 5فَقَالَ دَاوُدُ لأَخِيشَ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَلْيُعْطُونِي مَكَاناً فِي إِحْدَى قُرَى الْحَقْلِ فَأَسْكُنَ هُنَاكَ. وَلِمَاذَا يَسْكُنُ عَبْدُكَ فِي مَدِينَةِ الْمَمْلَكَةِ مَعَكَ؟» 6فَأَعْطَاهُ أَخِيشُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ صِقْلَغَ. لِذَلِكَ صَارَتْ صِقْلَغُ لِمُلُوكِ يَهُوذَا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. 7وَكَانَ عَدَدُ الأَيَّامِ الَّتِي سَكَنَ فِيهَا دَاوُدُ فِي بِلاَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
ع1، 2: مع تكرار محاولات “شاول” لقتل داود ومطاردته المستمرة، لم يثق داود فى وعوده التى سبق وأعطاها ثم كسرها، ولهذا وللمرة الثانية يفكر داود أنه لا نجاة له إلاّ بالهرب إلى جت أحد مدن الفلسطينيين الكبرى، فقد هرب بالمرة الأولى إلى جت وحاول رجال الملك أن يثيروه على داود فتظاهر بالجنون فتركه (ص21: 10-15)، وبهذا يتجنب مطاردة شاول الذى لن يفكر فى حرب مع الفلسطينيين من أجل داود،وبالفعل أخذ معه رجاله الستمائة وعبر الحدود إلى “أخيش” ملك “جت”.
وكان عدد الرجال التابعين له قد بلغ 600 رجل بالإضافة إلى زوجاتهم وأولادهم، فهو عدد كبير، ولعل داود قد شعر أنه من الصعب استمرار حياتهم فى المغاير والكهوف، ففكر فى الإلتجاء إلى مدينة للفلسطينيين.
وربما يكون داود لم يستشر الله قبل الذهاب إلى جت لأنه اضطر إلى التحايل حتى لا يثور عليه ملك جت، والله من أجل بره طوال حياته حفظه عند ملك جت وأنقذه من مواقف محرجة كما سنرى فى الأصحاحات التالية.
ويبدو أمامنا أنه كان الأفضل لداود أن يظل مطاردًا من شاول فى بلاد اليهودية، متكلاً على وعد الله بحفظه وإقامته ملك بدلاً من الالتجاء إلى الوثنيين، خاصة وأن صوت الله له على لسان جاد النبى كان “لا تقم فى الحصن، إذهب وادخل أرض يهوذا” (ص22: 5)، أى أن الله قادر أن يحفظه وهو فى أرض يهوذا متغربًا مطاردًا هناك.
ع3: سمح أخيش لداود بالإقامة فى “جت” مع زوجتيه “أخينوعم” و”أبيجايل” وكذلك كل رجاله، ولعل أخيش ملك الفلسطينيين اعتبر داود ورجاله قوة لا يستهان بها تضيف لجيشه قوة كبيرة، ولأنه عرف العداوة التى بين داود وشاول، فاعتبر داود حليفًا له يساعده ضد شاول.
ع4: علم شاول بهرب “داود” إلى جت واستقراره بها، فصرف نظره عنه ولم يخرج لمطاردته بعد ذلك لخوفه من الفلسطينيين.
ع5: لم يرد داود أن يقيم فى “جت” كثيرًا حيث أنها عاصمة الملك وسيكون فيها مع رجاله تحت الأنظار دائمًا، وخوفًا من الوشايات أو المشاكل التى قد يتسبب فيها رجاله، ففضل الانصراف بعيدًا حتى يحصل على قدر أكبر من الحرية يسمح له بعبادة الله مع رجاله، لأن وجوده فى جت قد يعرضه لضغوط من ملكها فى التبخير للأوثان مع باقى بلاطه الملكى، بالإضافة إلى أنه إذا نجح وتقوى وزاد رجاله أو انتصر فى أى غزوات قد يخاف منه ملك جت بوشاية بعض بلاطه الملكى، فتقدم وسأل الملك أن يعطيه مكانًا فى إحدى القرى.
ع6، 7: صقلغ : تقع على بعد عشرة أميال شمال بئر سبع.
أعطى الرب نعمة لداود فى عينى الملك أخيش، فاستجاب لطلبه وأعطاه قرية “صقلغ” والتى تقع على الحدود، والتى كانت أساساً من أرض يهوذا واستولى عليها الفلسطينيون فى أحد الحروب وظلت فى أيديهم طوال حياة شاول، وبعد هذا استردها ملوك يهوذا فصارت من أراضيهم وممالكهم. ويذكر لنا الوحى المدة التى قضاها داود فى هذه البلدة، فكانت سنة وأربعة أشهر.
? أعطى الله نعمة لداود فى عينى ملك أخيش فلم يشك فيه واستضافه عنده. فثق أنك إن أرضيت الله وحفظت وصاياه، يعطيك نعمة فى أعين الكل حتى أعداءك فيسالمونك حتى تنمو فى علاقتك مع الله بلا عائق.
(2) فرح أخيش بغزوات داود (ع8-12):
8وَصَعِدَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ وَغَزُوا الْجَشُورِيِّينَ وَالْجَرِزِّيِّينَ وَالْعَمَالِقَةَ لأَنَّ هَؤُلاَءِ مِنْ قَدِيمٍ سُكَّانُ الأَرْضِ مِنْ عِنْدِ شُورٍ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ. 9وَضَرَبَ دَاوُدُ الأَرْضَ, وَلَمْ يَسْتَبْقِ رَجُلاً وَلاَ امْرَأَةً, وَأَخَذَ غَنَماً وَبَقَراً وَحَمِيراً وَجِمَالاً وَثِيَاباً وَرَجَعَ وَجَاءَ إِلَى أَخِيشَ. 10فَقَالَ أَخِيشُ: «إِذاً لَمْ تَغْزُوا الْيَوْمَ». فَقَالَ دَاوُدُ: «بَلَى. عَلَى جَنُوبِيِّ يَهُوذَا وَجَنُوبِيِّ الْيَرْحَمْئِيلِيِّينَ وَجَنُوبِيِّ الْقِينِيِّينَ». 11فَلَمْ يَسْتَبْقِ دَاوُدُ رَجُلاً وَلاَ امْرَأَةً حَتَّى يَأْتِيَ إِلَى جَتٍّ إِذْ قَالَ: «لِئَلَّا يُخْبِرُوا عَنَّا قَائِلِينَ: هَكَذَا فَعَلَ دَاوُدُ». وَهَكَذَا عَادَتُهُ كُلَّ أَيَّامِ إِقَامَتِهِ فِي بِلاَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. 12فَصَدَّقَ أَخِيشُ دَاوُدَ قَائِلاً: «قَدْ صَارَ مَكْرُوهاً لَدَى شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ, فَيَكُونُ لِي عَبْداً إِلَى الأَبَدِ».
ع8: أثناء إقامة داود فى جت قام بغزو بعض القبائل الوثنية والتى كانت تغلب على حياتهم صورة البدو، وكانت هذه القبائل وبلادها الصغيرة منتشرة من حدود شور التى هى جنوب فلسطين إلى شرق مصر، أهم هذه الشعوب هى الجشوريون والجرزيون والعمالقة، وهى شعوب أمر الله بمحاربتها كلها.
ع9: كانت حروب داود وغزواته شاملة، فأباد كل سكان هذه الأماكن وتمكن من أخذ غنائمهم من غنم وبقر وحمير وجمال، غير الأقمشة والثياب. ولعل الهدف من غزوات داود هذه هو :
- إبادة الشعوب الوثنية التى تسكن على الحدود الجنوبية لسبط يهوذا فيَؤمّن بلاد هذا السبط الذى هو منه.
- يحصل على غنائم تكفى احتياجات رجاله لمعيشتهم.
- ليوهم أخيش أنه هاجم اليهود فيصير مواليًا وخاضعًا له كما سيظهر فى (ع10).
ع10: إذًا لم تغزوا اليوم : تعبير استفهامى معناه “من غزوتم اليوم” كما جاء فى الترجمة السبعينية.
سأل “أخيش” داود عن الشعوب التى غزاها، وبمكر أجاب داود إجابة تعطى أكثر من معنى…!!. فأجابه داود أنه غزا جنوب يهوذا وجنوب اليرحمئيليين، وهم شعوب يهودية، وكذلك جنوب القينيين أصدقاء اليهود والذين منهم يثرون حمو موسى وجابر القينى زوج ياعيل التى قتلت سيسرا (قض4). وإجابة داود توحى بأنه غزا الأطراف الجنوبية لهذه الشعوب، ولكنه لم يفعل هذا، بل أغار على الشعوب التى تقع جنوب هذه المناطق، وهو بهذا المكر أراد أن يوحى لأخيش أنه أغار على الشعوب اليهودية نفسها، فيصير بهذا عدوًا لليهود وتابعًا للفلسطينيين. وغزو داود للبلاد المجاورة لسبط يهوذا كان أمرًا سائدًا فى هذا الوقت كتأمين لحدود البلاد باستيلائهم على البلاد المجاورة لهم.
ع11: هذا العدد يأتى منفردًا كتعليل لقتل داود جميع من أغار عليهم .. حتى لا يأتى أحد من هذه الشعوب ويبلغ أخيش بأن داود استغل أرض الفلسطينيين وانطلق منها لقتل هؤلاء القبائل الوثنية وليس اليهود كما أوهم أخيش بهذا.
ع12: انطوت خدعة داود على أخيش، فصدق أنه أغار على شعبه وفرح بهذا جدًا، وظن أن داود بهذا العمل قد صار مكروهًا من شعبه إسرائيل الذى قتل منه الكثيرين، وبهذا سيصير عبدًا جبارًا ذا بأس خاضعًا له ويمكن لأخيش استغلاله فى الحروب.
? الله قادر أن يعطيك قوة مهما كانت ظروفك صعبة، مثل وجود داود مع الفلسطينيين أعدائه وانتصاره فى غزواته وتوفير احتياجات رجاله، فلا تقلق لأن الله يدبر لك احتياجاتك ويفتح لك طرقًا لتحيا وتفرح معه.