ولادة صموئيل ونذره للرب
(1) أسرة صموئيل (ع1-5) :
1كَانَ رَجُلٌ مِنْ رَامَتَايِمِ صُوفِيمَ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ اسْمُهُ أَلْقَانَةُ بْنُ يَرُوحَامَ بْنِ أَلِيهُوَ بْنِ تُوحُوَ بْنِ صُوفٍ. هُوَ أَفْرَايِمِيٌّ. 2وَلَهُ امْرَأَتَانِ, اسْمُ الْوَاحِدَةِ حَنَّةُ وَاسْمُ الأُخْرَى فَنِنَّةُ. وَكَانَ لِفَنِنَّةَ أَوْلاَدٌ, وَأَمَّا حَنَّةُ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَوْلاَدٌ. 3وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ يَصْعَدُ مِنْ مَدِينَتِهِ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ لِيَسْجُدَ وَيَذْبَحَ لِرَبِّ الْجُنُودِ فِي شِيلُوهَ. وَكَانَ هُنَاكَ ابْنَا عَالِي: حُفْنِي وَفِينَحَاسُ, كَاهِنَا الرَّبِّ. 4وَلَمَّا كَانَ الْوَقْتُ وَذَبَحَ أَلْقَانَةُ, أَعْطَى فَنِنَّةَ امْرَأَتَهُ وَجَمِيعَ بَنِيهَا وَبَنَاتِهَا أَنْصِبَةً. 5وَأَمَّا حَنَّةُ فَأَعْطَاهَا نَصِيبَ اثْنَيْنِ, لأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ حَنَّةَ. وَلَكِنَّ الرَّبَّ كَانَ قَدْ أَغْلَقَ رَحِمَهَا.
ع1: رامتايم صوفيم : هى مدينة الرامة التى تقع شمال أورشليم بنحو عشرة أميال، والتى كانت موطنًا لأسرة صموئيل، والتى خرج منها أيضًا أيام المسيح يوسف الرامى. وكلمة صوفيم نسبة إلى جد صموئيل الرابع الذى قد يكون أول أفراد العائلة فى سكناه لهذه المدينة. وتوجد عدة مدن تحمل اسم الرامة لذا ميزها هنا بقوله رامتايم صوفيم.
يبدأ السفر بأن يقدم لنا شخصية أبى صموئيل، ويعرفنا باسمه “ألقانة” وموطنه وهو مدينة الرامة، ويذكر أيضًا آباءه إلى الجد الأكبر للتأكيد على شخصيته وانتسابه لسبط لاوى (القهاتيين) والمذكور بالتفصيل أكثر فى (1أخ6: 20-27). أما كلمة أفرايمى فتعنى سكناه فى وسط سبط أفرايم، فقد كان يسكن فى جبل أفرايم.
ع2: كان لألقانة زوجتان، إذ كانت الشريعة اليهودية تسمح بتعدد الزوجات، الأولى حنَّة، وهى أم صموئيل، والتى كانت عاقرًا بلا نسل، والأخرى اسمها فننة وكان لها أولاد.
ع3: شيلوه : مدينة تقع شمال بيت إيل وتبعد 17 ميلاً شمال أورشليم. نقل فيها يشوع خيمة الاجتماع من الجلجال وبقيت فيها الخيمة حوالى 310 سنة، وسكن فيها عالى الكاهن وصموئيل.
وفى إشارة لتقوى ألقانة الزوج والأب نعلم أنه كان متدينًا مداومًا على العبادة، فلم يهمل ذهابه إلى بيت الرب سنويًا ليقدم الذبائح عنه وعن أولاده وزوجاته بحسب أمر الرب. وقد أمرت الشريعة بالذهاب إلى بيت الرب ثلاث مرات سنويًا، هى فى أعياد الفصح والحصاد والمظال وإن كانوا فى هذا الوقت قد أهملوا الالتزام بالثلاثة أعياد فكانوا يذهبون فى عيد الحصاد فقط كما يعلن ذلك التقليد اليهودى. وكان بيت الرب فى ذلك الوقت هو خيمة الاجتماع التى نصبت فى مدينة “شيلوه”. ويخبرنا هذا العدد أيضًا أن عالى كان رئيسًا للكهنة فى ذلك الوقت وله ابنان كاهنان هما “حفنى” و”فينحاس”.
ع4، 5: كانت بعض الذبائح، كذبيحة السلامة، تُقَسَّم بين الله، الذى يحرق نصيبه على المذبح، والكهنة ولهم الساق الأمامية وجزء من الصدر، أما معظم الذبيحة فكان يأكلها مقدمها مع اللاويين والفقراء.
وعندما أعطى ألقانة أنصبة لزوجته فننة وأولادها، لم يظلمهم؛ ولكنه ميَّز حنة بالضعف. ويوضح لنا الوحى سبب ذلك فى أن زوجها أحبها أكثر من فننة صاحبة الأولاد،وربما أيضًا تعويضًا لها وتعزيةً لقلبها عن عدم إنجابها لانغلاق رحمها. وكان حب ألقانة لحنة يضايق فننة فتعيِّر حنَّة كما يظهر من (ع6).
وفننة بأولادها الكثيرين ترمز إلى الأمة اليهودية والتى كان لها نصيب مع الله، أما حنّة فترمز إلى كنيسة الأمم والتى كانت عاقرًا قبل تمتعها بعريسها السماوى “المسيح”، فصارت صاحبة نسل مبارك أكثر من الأولى.
? إهتم أن تعوض بحنانك كل إنسان ضعيف حولك وتشجعه حتى يواصل حياته برضا وفرح كما كان يفعل ألقانة مع حنة العاقر ولكن بحكمة حتى لا تضايق الآخرين.
(2) صلاة حنة (ع6-18):
6وَكَانَتْ ضَرَّتُهَا تُغِيظُهَا أَيْضاً غَيْظاً لأَجْلِ الْمُرَاغَمَةِ، لأَنَّ الرَّبَّ أَغْلَقَ رَحِمَهَا. 7وَهَكَذَا صَارَ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ, كُلَّمَا صَعِدَتْ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ, هَكَذَا كَانَتْ تُغِيظُهَا. فَبَكَتْ وَلَمْ تَأْكُلْ. 8فَقَالَ لَهَا أَلْقَانَةُ رَجُلُهَا: «يَا حَنَّةُ, لِمَاذَا تَبْكِينَ وَلِمَاذَا لاَ تَأْكُلِينَ وَلِمَاذَا يَكْتَئِبُ قَلْبُكِ؟ أَمَا أَنَا خَيْرٌ لَكِ مِنْ عَشَرَةِ بَنِينَ؟». 9فَقَامَتْ حَنَّةُ بَعْدَمَا أَكَلُوا فِي شِيلُوهَ وَبَعْدَمَا شَرِبُوا, وَعَالِي الْكَاهِنُ جَالِسٌ عَلَى الْكُرْسِيِّ عِنْدَ قَائِمَةِ هَيْكَلِ الرَّبِّ, 10وَهِيَ مُرَّةُ النَّفْسِ. فَصَلَّتْ إِلَى الرَّبِّ, وَبَكَتْ بُكَاءً 11وَنَذَرَتْ نَذْراً وَقَالَتْ: «يَا رَبَّ الْجُنُودِ, إِنْ نَظَرْتَ نَظَراً إِلَى مَذَلَّةِ أَمَتِكَ, وَذَكَرْتَنِي وَلَمْ تَنْسَ أَمَتَكَ بَلْ أَعْطَيْتَ أَمَتَكَ زَرْعَ بَشَرٍ, فَإِنِّي أُعْطِيهِ لِلرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ, وَلاَ يَعْلُو رَأْسَهُ مُوسَى». 12وَكَانَ إِذْ أَكْثَرَتِ الصَّلاَةَ أَمَامَ الرَّبِّ وَعَالِي يُلاَحِظُ فَاهَا – 13فَإِنَّ حَنَّةَ كَانَتْ تَتَكَلَّمُ فِي قَلْبِهَا, وَشَفَتَاهَا فَقَطْ تَتَحَرَّكَانِ, وَصَوْتُهَا لَمْ يُسْمَعْ – أَنَّ عَالِيَ ظَنَّهَا سَكْرَى. 14فَقَالَ لَهَا: «حَتَّى مَتَى تَسْكَرِينَ؟ انْزِعِي خَمْرَكِ عَنْكِ».
15فَأَجَابَتْ حَنَّةُ: «لاَ يَا سَيِّدِي. إِنِّي امْرَأَةٌ حَزِينَةُ الرُّوحِ وَلَمْ أَشْرَبْ خَمْراً وَلاَ مُسْكِراً, بَلْ أَسْكُبُ نَفْسِي أَمَامَ الرَّبِّ. 16لاَ تَحْسِبْ أَمَتَكَ ابْنَةَ بَلِيَّعَالَ. لأَنِّي مِنْ كَثْرَةِ كُرْبَتِي وَغَيْظِي قَدْ تَكَلَّمْتُ إِلَى الآنَ». 17فَقَالَ لَهَا عَالِي: «اذْهَبِي بِسَلاَمٍ, وَإِلَهُ إِسْرَائِيلَ يُعْطِيكِ سُؤْلَكِ الَّذِي سَأَلْتِهِ مِنْ لَدُنْهُ».
18فَقَالَتْ: «لِتَجِدْ جَارِيَتُكَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ». ثُمَّ مَضَتِ الْمَرْأَةُ فِي طَرِيقِهَا وَأَكَلَتْ, وَلَمْ يَكُنْ وَجْهُهَا بَعْدُ مُغَيَّراً.
ع6، 7: المراغمة : الغيظ والإغضاب والكيد.
ربما بسبب حب ألقانة الواضح لزوجته حنّة أو لإعطائها نصيبين، شعرت “فننة” بالغيرة، فأخذت تغيظ حنّة بكلام النساء الجارح وتعايرها وتفتخر عليها بأنها صاحبة النسل والأولاد وأن الرب حرم حنة من الأولاد والأمومة.
وقد تكرر هذا الفعل من “فننة” كلما صعدت مع زوجها وحنّة لبيت الرب، وبالتالى كانت أيام العيد والفرح بتقديم الذبائح لم تكن أكثر من أيام حزن لحنّة، والتى عبرت عن حزنها بعدما فاض بها الأمر، بامتناعها عن الأكل من الذبائح والمشاركة فى مظاهر الاحتفال بالعيد.
ع8: شعر ألقانة الزوج المحب بما تعانيه زوجته من قهر وحزن، فأراد أن يخفف عنها ويطيب قلبها بكلام لطيف، فقال لها طالما أنه يحبها وهى تشعر بذلك أليس هذا كافيًا وأفضل من أن يكون لها عشرة أولاد.
? ليتك تشعر بمن حولك وتتعاطف مع مشاكلهم وتحاول أن تساعدهم على قدر استطاعتك، وتقدم لهم كلمات طيبة ترفع عنهم أحزانهم، فإنك بهذا تقدم محبة للمسيح شخصيًا.
ع9، 10: قائمة هيكل الرب : جانب باب الهيكل.
استجابت حنَّة لكلام زوجها الطيب وأكلت معهم من الذبائح، ولكن لم يزل قلبها حزينًا وجرحها عميقًا، فذهبت بكل ضيقها “مرة النفس” إلى بيت الرب، وكان “عالى” رئيس الكهنة جالسًا بجوار بابه، وما أن وصلت حنة حتى بدأت فى الصلاة بحزن وقد غلبتها دموعها الحارقة.
ع11: لا يعلو رأسه موسى : كان من مظاهر شريعة النذر ألا يقص الإنسان شعره طوال فترة نذره.
فى صلاة حنّة الحارة قدمت نذرًا لله، فى أنه إن رفع عنها ذلها وأعطاها ابنًا، فإنها سوف تهبه للرب خادمًا نذيرًا فى بيته كل أيام حياته.
ع12، 13: صلّت حنة صلاة طويلة عميقة ومؤثرة، ولم يسمع أحد صوتها بل نظر عالى الكاهن حركات شفتيها، وظن أنها سكرى إذ لم يعتاد أن يرى مثل هذا المنظر فى الصلاة المنسحقة أمام الله.
ع14: تكلم عالى الكاهن موبخًا ومستنكرًا حالها، كيف تقف بلا لياقة أمام الرب فى بيته وهى فى حالة سكر وعدم احتشام يليق بقداسة بيت الله. إذ كانت رأسها تتحرك وكذلك شفتاها كأنها تترنح من الخمر وتهتز، كمن لا يستطيع أن يقف بانضباط وخشوع، فظنها قد شربت خمرًا كثيرًا.
وقد ظن عالى هذا لأنه للأسف عندما كانوا يأكلون من ذبائح السلامة كانوا يشربون خمرًا لدرجة السكر، وهذا يوضح مدى الانحطاط الروحى الذى وصلوا إليه فى هذا الوقت.
ع15، 16: بليعال : اسم إله وثنى مشهور ويرمز للشيطان.
فى اتضاع دافعت حنّة عن نفسها موضحة أنها ليست فى حالة سكر بل انكسار قلب وحزن بل أنها تطرح نفسها فى انسحاق أمام الرب، ونفت عن نفسها أن تكون عبدة للشيطان أو مستهينة ببيت الله بل أن همها وكربها هو الذى دفعها أن تتكلم مع الله بهذه الطريقة وطول هذه المدة.
ويظهر من ذلك تأدبها واتضاعها، فلم ترد على عالى بأنه غير قادر على تمييز الصلاة الحارة من السُكر، ولم تدينه بسبب تهاونه مع أولاده الكهنة الذى ملأوا الهيكل شرًا بسقوطهم فى الزنا والسرقة كما سيظهر فى الأعداد التالية.
ع17: تغير موقف عالى الكاهن بعد أن سمع كلام حنة ودفاعها وتفهم موقفها، فدعا لها بالسلام وأن يعطيها الله صانع الخيرات كل ما طلبته منه فى صلاتها …
ع18: لتجد جاريتك نعمة فى عينيك : تعبير معناه ليتك ترضى عنى وتباركنى.
قبل أن تمضى حنة، وبمنتهى الأدب والاتضاع، طلبت بركة الكاهن، وإذ وصفت مشكلتها أمام الرب وتكلمت مع الكاهن رجعت فى حالٍ آخر إذ أقبلت على الأكل ولم يكن وجهها مغمومًا كما كان.
نتعلم من كل ما سبق بعض الدروس الروحية المفيدة ومنها :
- كانت حنة إنسانة روحانية وتحت الضعف البشرى وعندما لم تستطع أن تغلب همها توجهت إلى الله وإلى بيته لتخرج ما فى قلبها.
- كانت صلاتها طويلة وبعمق وبلجاجة ولم تهتم أن يسمع إنسان ما تقوله، بل قصدت الله وحده.
- كانت حنّة إنسانة متضعة فكانت تخاطب الكاهن بالتعبيرات المتضعة الآتية “أمتك”، “جاريتك”، “أجد نعمة فى عينيك”.
- كان عالى الكاهن أيضًا حريصًا على بيت الله، فعندما شك فى أن حنّة فى حالة سكر، لم يتوانَ أن يوبخها. فلابد أن يغير الكاهن غيرة مقدسة على بيت الله.
- ما أحلى كلمة “إذهبى بسلام” والتى استخدمها رب المجد نفسه، والتى يستخدمها الكهنة الآن فى الكنيسة عند نهاية صرف الشعب إذ تكون آخر كلمة هى “إمضوا بسلام… سلام الرب مع جميعكم”.
(3) ولادة صموئيل وتقديمه للرب (ع19-28):
19وَبَكَّرُوا فِي الصَّبَاحِ وَسَجَدُوا أَمَامَ الرَّبِّ, وَرَجَعُوا وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِهِمْ فِي الرَّامَةِ. وَعَرَفَ أَلْقَانَةُ امْرَأَتَهُ حَنَّةَ, وَالرَّبُّ ذَكَرَهَا. 20وَكَانَ فِي مَدَارِ السَّنَةِ أَنَّ حَنَّةَ حَبِلَتْ وَوَلَدَتِ ابْناً وَدَعَتِ اسْمَهُ صَمُوئِيلَ قَائِلَةً: «لأَنِّي مِنَ الرَّبِّ سَأَلْتُهُ». 21وَصَعِدَ أَلْقَانَةُ وَجَمِيعُ بَيْتِهِ لِيَذْبَحَ لِلرَّبِّ الذَّبِيحَةَ السَّنَوِيَّةَ, وَنَذْرَهُ. 22وَلَكِنَّ حَنَّةَ لَمْ تَصْعَدْ لأَنَّهَا قَالَتْ لِرَجُلِهَا: «مَتَى فُطِمَ الصَّبِيُّ آتِي بِهِ لِيَتَرَاءَى أَمَامَ الرَّبِّ وَيُقِيمَ هُنَاكَ إِلَى الأَبَدِ». 23فَقَالَ لَهَا أَلْقَانَةُ رَجُلُهَا: «اعْمَلِي مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكِ. امْكُثِي حَتَّى تَفْطِمِيهِ. إِنَّمَا الرَّبُّ يُقِيمُ كَلاَمَهُ». فَمَكَثَتِ الْمَرْأَةُ وَأَرْضَعَتِ ابْنَهَا حَتَّى فَطَمَتْهُ. 24ثُمَّ حِينَ فَطَمَتْهُ أَصْعَدَتْهُ مَعَهَا بِثَلاَثَةِ ثِيرَانٍ وَإِيفَةِ دَقِيقٍ وَزِقِّ خَمْرٍ, وَأَتَتْ بِهِ إِلَى الرَّبِّ فِي شِيلُوهَ وَالصَّبِيُّ صَغِيرٌ.
25فَذَبَحُوا الثَّوْرَ وَجَاءُوا بِالصَّبِيِّ إِلَى عَالِي. 26وَقَالَتْ: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي. حَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ يَا سَيِّدِي, أَنَا الْمَرْأَةُ الَّتِي وَقَفَتْ لَدَيْكَ هُنَا تُصَلِّي إِلَى الرَّبِّ. 27لأَجْلِ هَذَا الصَّبِيِّ صَلَّيْتُ فَأَعْطَانِيَ الرَّبُّ سُؤْلِيَ الَّذِي سَأَلْتُهُ مِنْ لَدُنْهُ. 28وَأَنَا أَيْضاً قَدْ أَعَرْتُهُ لِلرَّبِّ. جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِهِ هُوَ مُعَارٌ لِلرَّبِّ». وَسَجَدُوا هُنَاكَ لِلرَّبِّ.
ع19، 20: فى نهاية زيارتهم للهيكل وتقديمهم الذبائح، سجدوا للرب قبل العودة إلى بلدتهم، وعند عودتهم يذكر الوحى كلمة “الرب ذكرها” ومعناها أن الرب استجاب لصلاتها ولبركة الكاهن لها، فحبلت حنّة فى خلال نفس السنة وولدت ابنًا ذكرًا ودعت اسمه صموئيل.. ومعنى اسمه “سؤال من الله” أو “اسم الله”.
ع21-23: الرب يقيم كلامه : الله يتمم وعده بقبول صموئيل نذيرًا كما قالت حنَّة فى صلاتها (ع11).
ذهب ألقانة الرجل وأسرته فى السنة التالية ليقدم لله ذبائحه كالمعتاد، ولكن اعتذرت حنة عن الذهاب معه لحين فطام صموئيل، حتى تكون زيارة واحدة التى تقدم فيها ابنها نذيرًا لله، فهى لا تريد أن تذهب وتعود دون أن تقدمه للرب. ووافقها زوجها “ألقانة” على رأيها فى أن تؤجل الزيارة حتى فطام الطفل صموئيل، وصلى إلى الله ليتم وعده بقبول الطفل نذيرًا له.
وتظهر هنا تقوى حنّة ومحبتها الكبيرة لله، فرغم أن هذا هو ابنها الوحيد، قدمته لله ليخدم فى هيكله، فمحبتها لله تغلبت على محبتها لابنها أى تنازلت عن أمومتها من أجل الله.
ع24، 25: حين فطمته : كانت فترة رضاعة الأطفال فى ذلك الزمان حوالى سنتين.
زق من الخمر : إناء جلدى يشبه القربة يستخدم لحمل السوائل.
إيفه من الدقيق : مقدار من الدقيق يساوى 22.9 لترًا.
بعد فطام الطفل الصغير صموئيل ذهبت حنّة مع ابنها وبالطبع زوجها إلى خيمة الاجتماع فى “شيلوه” لتفى نذرها، وأخذت معها ثلاثة ثيران لتقدمها، ربما لتقديمهم كذبائح “محرقة” و”خطية” و”سلامة” عن الصبى، كما أتت أيضًا بالخمر الذى يسكب على الذبائح كما تنص الشريعة وكذلك الدقيق الذى يقدم كقربان لله (لا1، 3، 4).
وقد ذكر الوحى أن حنة أصعدت ابنها وليس هى وألقانة تأكيدًا لأنها هى التى فكرت فى تقديم ابنها نذيرًا لله وألقانة وافق على ذلك.
? أوفت حنة بنذرها وقدمت ابنها الوحيد لله. فليتك تكون سخيًا فى عطائك وتعطى أعز ما عندك وأفضل ما تقتنيه لله، ليس فقط الماديات، ولكن إن أراد ابنك أن يكرس حياته لله فليتك تشجعه ولا تفكر بأنانية أن تستبقيه لك.
ع26، 27: حية هى نفسك : تعبير معناه “ليعطيك الله الحياة”.
وقفت حنّة أمام “عالى” الكاهن وتكلمت بأسلوب مؤدب قائلة “أسألك يا سيدى” لتطلب منه الإذن فى الاستماع لها، وتذكره بأنها نفس المرأة التى وقفت أمامه منذ فترة لتصلى إلى الرب من أجل أن يهبها صبيًا، وأشارت إلى صموئيل موضوع الحديث، وأكملت بأن الرب أتم صنيعه وأعطاها ما سألت منه.
ع28: أعرته للرب : قدمته للرب.
عارية : إعارة أو سلفة.
تعترف حنّة بفضل الله عليها وأنه أعطاها سؤال قلبها، وهى هنا اليوم لتقدم ابنها لله، وإن كان الله أعطاها ابنًا ينتسب لها بالبنوة الجسدية، وصارت هى أيضًا أما له “أم صموئيل”، فإنها تعيره كسلفة دائمة للرب أى قدمت ما لها للرب. وتعبير كل أيام حياته يعنى أنها لن تعد تتمناه أو تترجاه لنفسها أو تندم على فراقه لها، بل جعلت ابنها صموئيل يسجد أمام بيت الله، وربما فى طفولته لم يدرك ما كان يصنعه إدراكًا كاملاً، ولكن المعنى جميل جدًا أن يبدأ المكرس بتقديم حياته للرب بالسجود له فى تعبير واضح على الخضوع الكامل لإرادته ومشيئته.