داود يطارد العمالقة ويهزمهم
(1) استيلاء العمالقة على صقلغ (ع1-6):
1وَلَمَّا جَاءَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ إِلَى صِقْلَغَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ, كَانَ الْعَمَالِقَةُ قَدْ غَزُوا الْجَنُوبَ وَصِقْلَغَ, وَضَرَبُوا صِقْلَغَ وَأَحْرَقُوهَا بِالنَّارِ, 2وَسَبُوا النِّسَاءَ اللَّوَاتِي فِيهَا. لَمْ يَقْتُلُوا أَحَداً لاَ صَغِيراً وَلاَ كَبِيراً, بَلْ سَاقُوهُمْ وَمَضُوا فِي طَرِيقِهِمْ. 3فَدَخَلَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ الْمَدِينَةَ وَإِذَا هِيَ مُحْرَقَةٌ بِالنَّارِ, وَنِسَاؤُهُمْ وَبَنُوهُمْ وَبَنَاتُهُمْ قَدْ سُبُوا. 4فَرَفَعَ دَاوُدُ وَالشَّعْبُ الَّذِينَ مَعَهُ أَصْوَاتَهُمْ وَبَكُوا حَتَّى لَمْ تَبْقَ لَهُمْ قُوَّةٌ لِلْبُكَاءِ.
5وَسُبِيَتِ امْرَأَتَا دَاوُدَ: أَخِينُوعَمُ الْيَزْرَعِيلِيَّةُ وَأَبِيجَايِلُ امْرَأَةُ نَابَالَ الْكَرْمَلِيِّ. 6فَتَضَايَقَ دَاوُدُ جِدّاً لأَنَّ الشَّعْبَ قَالُوا بِرَجْمِهِ, لأَنَّ أَنْفُسَ جَمِيعِ الشَّعْبِ كَانَتْ مُرَّةً كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ. وَأَمَّا دَاوُدُ فَتَشَدَّدَ بِالرَّبِّ إِلَهِهِ.
ع1، 2: رجع داود ورجاله واكتشفوا أن العمالقة انتهزوا فرصة خروجه للحرب وهجموا على كل منطقة الجنوب بما فيها “صقلغ” انتقامًا من داود الذى غزا أرضهم سابقًا (ص27)، وقاموا أيضًا بحرق المدينة وأخذوا النساء اللواتى فيها وكذلك الرجال المتبقين والأطفال، ولم يقتلوا أحدًا بل أخذوهم أسرى وعبيد.
ع3، 4: عندما دخل داود البلدة، هالهم ما رأوا من حريق ودمار وكذلك خلوها من النساء والبنين وعلموا بالأمر، فصرخوا وبكوا تأثرًا بما شاهدوه واستمر بكاؤهم حتى فقدوا كل قوة فيهم.
ع5: وكذلك تم سبى كل من أخينوعم اليزرعيلية وأبيجايل التى تزوجها داود بعد موت زوجها نابال بين النساء اللواتى تم سبيهن.
ع6: تضايق داود جدًا بسبب هذا المصاب، وضاعف من ضيقه وغمه أيضًا أن الرجال مع يأسهم وإحباطهم انقلبوا عليه وأرادوا قتله، لاعتقادهم أنه السبب لكل ما جاء على نسائهم وعلى هذه المدينة التى تركها بلا حراسة واعتبروا ذلك تقصيرًا منه، أما داود فقد وضع ضيقه وألمه كله أمام الله وشعر بوجوده بجانبه فتشددت وقويت نفسه.
ونرى أن داود هنا فى مأزق شديد لم يقابله من قبل لما يلى :
- أنه مطارد من شاول الذى يحاول قتله، أى أنه مطرود من وطنه.
- هو مرفوض أيضًا من الفلسطينيين لأنهم رفضوا اشتراكه معه فى الحرب.
- فقدانه نساءه وبنيه.
- حرق خيامه ومقتنياته فى صقلغ.
- قيام رجاله عليه ومحاولتهم قتله لأنه متهم بالتقصير فى حماية نساءهم وأولادهم.
? إذا انقلب عليك الأحباء والأصدقاء، فالتجئ إلى الله المضمون فى محبته والثابت فى أبوته، فهو لا يتغير أبدًا فيسندك وتستطيع أن تستعيد الكثيرين من الذين انقلبوا عليك.
(2) انتصار داود على العمالقة (ع7-20):
7ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ لأَبِيَاثَارَ الْكَاهِنِ ابْنِ أَخِيمَالِكَ: «قَدِّمْ إِلَيَّ الأَفُودَ». فَقَدَّمَ أَبِيَاثَارُ الأَفُودَ إِلَى دَاوُدَ. 8فَسَأَلَ دَاوُدُ مِنَ الرَّبِّ: «إِذَا لَحِقْتُ هَؤُلاَءِ الْغُزَاةَ فَهَلْ أُدْرِكُهُمْ؟» فَقَالَ لَهُ: «الْحَقْهُمْ فَإِنَّكَ تُدْرِكُ وَتُنْقِذُ». 9فَذَهَبَ دَاوُدُ هُوَ وَالسِّتُّ مِئَةِ الرَّجُلِ الَّذِينَ مَعَهُ وَجَاءُوا إِلَى وَادِي الْبَسُورِ, وَالْمُتَخَلِّفُونَ وَقَفُوا. 10وَأَمَّا دَاوُدُ فَلَحِقَ هُوَ وَأَرْبَعُ مِئَةِ رَجُلٍ, وَوَقَفَ مِئَتَا رَجُلٍ لأَنَّهُمْ أَعْيُوا عَنْ أَنْ يَعْبُرُوا وَادِيَ الْبَسُورِ. 11فَصَادَفُوا رَجُلاً مِصْرِيّاً فِي الْحَقْلِ فَأَخَذُوهُ إِلَى دَاوُدَ, وَأَعْطُوهُ خُبْزاً فَأَكَلَ وَسَقُوهُ مَاءً,
12وَأَعْطُوهُ قُرْصاً مِنَ التِّينِ وَعُنْقُودَيْنِ مِنَ الزَّبِيبِ, فَأَكَلَ وَرَجَعَتْ رُوحُهُ إِلَيْهِ, لأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ خُبْزاً وَلاَ شَرِبَ مَاءً فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَثَلاَثِ لَيَالٍ. 13فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: «لِمَنْ أَنْتَ وَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟» فَقَالَ: «أَنَا غُلاَمٌ مِصْرِيٌّ عَبْدٌ لِرَجُلٍ عَمَالِيقِيٍّ, وَقَدْ تَرَكَنِي سَيِّدِي لأَنِّي مَرِضْتُ مُنْذُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. 14فَإِنَّنَا قَدْ غَزَوْنَا عَلَى جَنُوبِيِّ الْكَرِيتِيِّينَ, وَعَلَى مَا لِيَهُوذَا وَعَلَى جَنُوبِيِّ كَالِبَ وَأَحْرَقْنَا صِقْلَغَ بِالنَّارِ». 15فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: «هَلْ تَنْزِلُ بِي إِلَى هَؤُلاَءِ الْغُزَاةِ؟» فَقَالَ: «احْلِفْ لِي بِاللَّهِ أَنَّكَ لاَ تَقْتُلُنِي وَلاَ تُسَلِّمُنِي لِيَدِ سَيِّدِي فَأَنْزِلَ بِكَ إِلَى هَؤُلاَءِ الْغُزَاةِ». 16فَنَزَلَ بِهِ وَإِذَا بِهِمْ مُنْتَشِرُونَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ, يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَرْقُصُونَ بِسَبَبِ جَمِيعِ الْغَنِيمَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي أَخَذُوا مِنْ أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَمِنْ أَرْضِ يَهُوذَا.
17فَضَرَبَهُمْ دَاوُدُ مِنَ الْعَتَمَةِ إِلَى مَسَاءِ غَدِهِمْ, وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا أَرْبَعَ مِئَةِ غُلاَمٍ الَّذِينَ رَكِبُوا جِمَالاً وَهَرَبُوا. 18وَاسْتَخْلَصَ دَاوُدُ كُلَّ مَا أَخَذَهُ عَمَالِيقُ, وَأَنْقَذَ دَاوُدُ امْرَأَتَيْهِ. 19وَلَمْ يُفْقَدْ لَهُمْ شَيْءٌ لاَ صَغِيرٌ وَلاَ كَبِيرٌ وَلاَ بَنُونَ وَلاَ بَنَاتٌ وَلاَ غَنِيمَةٌ, وَلاَ شَيْءٌ مِنْ جَمِيعِ مَا أَخَذُوا لَهُمْ, بَلْ رَدَّ دَاوُدُ الْجَمِيعَ. 20وَأَخَذَ دَاوُدُ الْغَنَمَ وَالْبَقَرَ. سَاقُوهَا أَمَامَ تِلْكَ الْمَاشِيَةِ وَقَالُوا: «هَذِهِ غَنِيمَةُ دَاوُدَ».
ع7، 8: كان أبياثار هو الكاهن الذى نجا بعد أن قتل شاول كل الكهنة (ص22)، وقد هرب إلى داود آخذًا معه الأفود وحجرى الأوريم والتميم، ولهذا طلبه داود وسأل الله من خلاله ليعرف هل يلحق بهؤلاء العماليق المعتدين وهل تكون له النصرة إذا لحقهم، فجاءته إجابة الله بأنه سينتصر وينقذ الأسرى من النساء والأطفال، وكان هذا التصرف جيدًا من داود إذ سأل الله ولم يدع غيظه ورغبته فى الانتقام يقودانه، وبهذا تعلم من التجربة السابقة حين التجأ إلى جت دون أن يسأل الله. ونلاحظ هنا أنه عندما صلى، باركه الله وخضع له رجاله.
ونتعلم هنا أيضًا ألا ننزعج من التجارب إذا التجأنا إلى الله، لأن التجربة تتحول إلى اختبار لله واسترجاع كل ما فُقِدَ بل والحصول على غنائم. هذا ما حدث مع داود ويحدث فى حياتنا أيضًا حين ننال بركات من أى تجربة.
ع9، 10: وادى البسور : منخفض جنوب صقلغ يمر فيه جدول أى نهر صغير من جبال أدوم ويصب فى البحر الأبيض المتوسط عند غزة، ولعله هو ما يطلق عليه نهر مصر الموجود على حدود مصر.
أخذ داود رجاله جميعًا، وعند وصولهم إلى حدود وادى البسور أخذ الإجهاد والتعب مائتين من رجاله ولم يقدروا أن يكملوا الذهاب، فتركهم داود وأكمل طريقه وعبر الوادى مع أربع مئة رجل.
? كن رؤوفًا بقدرات الناس ولا تطلب منهم ما هو فوق طاقتهم أو تشعرهم بالتقصير إذا أجهدوا، فالشفقة والإحساس بالآخر من صفات الإنسان المسيحى !!
ع11، 12: أرسل الله عونًا جديدًا لداود عن طريق مرشد سوف يساعده فى الوصول للعمالقة، وكان هذا العون هو رجل مصرى أخذه الإعياء وقارب من الموت، وجده رجال داود مُلقَى فى أحد الحقول، فأعطوه طعامًا وشرابًا، وعندما أكل استرد بعضًا من عافيته إذ كان له ثلاثة أيام لم يأكل فيها أو يشرب. وهذا يبين محبة داود واهتمامه بالضعفاء، إذ أسعف هذا الرجل المشرف على الموت قبل أن يعلم أنه هو الذى سيرشده، وقد فعل هذا رغم انشغاله بمطاردة الغزاة.
ع13: بدا من ملامح الرجل وملابسه أنه عبد وليس من أهالى هذه المنطقة، ولهذا سأله داود عن صاحبه “مالكه” وعن موطنه الأساسى، فأجابه الرجل بأنه عبد من مصر وصاحبه هو رجل من العمالقة ولكنه مرض فتركه صاحبه بقسوة خلفه ليلاقى مصيره بالموت فى هذا المكان ؟!!
ع14: الكريتيين : قوم من جزيرة كريت نزحوا شرقًا للأراضى الفلسطينية واندمجوا مع أهلها.
أكمل الرجل حديثه موضحًا سبب إرهاقه وإعيائه وهو أنه شارك العمالقة كعبد لسيده فى غزو الأراضى الجنوبية للكريتيين وكذا حقول يهوذا الجنوبية وجنوب أراضى كالب كما هجموا على صقلغ وحرقوها بالنار.
ع15، 16: سأل داود الرجل أن يرشده لمكان العمالقة واجتماعهم، وخوفًا من الرجل على حياته، طلب من داود عهدًا بألا يقتله أو يسلمه ليد سيده، ووعده داود بذلك، فأخذه الرجل إلى مكان تجمع العمالقة الذين كانوا يحتفلون بالأكل والشرب والرقص والسُكر بعد انتصارهم على بلاد الفلسطينيين ويهوذا، إذ كانوا يظنون انشغال داود والفلسطينيين واليهود بالحرب.
ع17-20: انتظر داود حتى الليل، وبعد نوم العمالقة، هاجمهم هو ورجاله وظل يقاتلهم بقوة طوال الليل وصباح اليوم التالى حتى مساءه، ولم ينجُ من العمالقة سوى عدد قليل من الرجال عددهم أربعمائة والذين استطاعوا الهرب بجمالهم، أما داود فقد استطاع أن يسترد امرأتيه وكذلك كل الغنائم التى لم يُفقَد منها شئ، ورجع بكل الغنم والسبايا التى ساقها أمامه، وهتف الجميع بأن هذه الغنيمة هى غنيمة داود. ونلاحظ أن من هتف لداود هم أنفسهم من طالبوا بموته منذ قليل، فعلينا أن نتعلم أن لا نتكل على الناس فى شئ، فهم متغيرون تحركهم مشاعر متناقضة، أما الاتكال على الله فهو الملجأ الحقيقى للإنسان الروحى.
(3) داود يوزع الغنائم (ع21-31):
21وَجَاءَ دَاوُدُ إِلَى مِئَتَيِ الرَّجُلِ الَّذِينَ أَعْيُوا عَنِ الذَّهَابِ وَرَاءَ دَاوُدَ, فَأَرْجَعُوهُمْ فِي وَادِي الْبَسُورِ, فَخَرَجُوا لِلِقَاءِ دَاوُدَ وَلِقَاءِ الشَّعْبِ الَّذِينَ مَعَهُ. فَتَقَدَّمَ دَاوُدُ إِلَى الْقَوْمِ وَسَأَلَ عَنْ سَلاَمَتِهِمْ.
22فَقَالَ كُلُّ رَجُلٍ شِرِّيرٍ وَلَئِيمٍ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ سَارُوا مَعَ دَاوُدَ: «لأَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا مَعَنَا لاَ نُعْطِيهِمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ الَّتِي اسْتَخْلَصْنَاهَا, بَلْ لِكُلِّ رَجُلٍ امْرَأَتَهُ وَبَنِيهِ, فَلْيَقْتَادُوهُمْ وَيَنْطَلِقُوا». 23فَقَالَ دَاوُدُ: «لاَ تَفْعَلُوا هَكَذَا يَا إِخْوَتِي, لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَعْطَانَا وَحَفِظَنَا وَدَفَعَ لِيَدِنَا الْغُزَاةَ الَّذِينَ جَاءُوا عَلَيْنَا. 24وَمَنْ يَسْمَعُ لَكُمْ فِي هَذَا الأَمْرِ؟ لأَنَّهُ كَنَصِيبِ النَّازِلِ إِلَى الْحَرْبِ نَصِيبُ الَّذِي يُقِيمُ عِنْدَ الأَمْتِعَةِ, فَإِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَ بِالسَّوِيَّةِ». 25وَكَانَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَصَاعِداً أَنَّهُ جَعَلَهَا فَرِيضَةً وَقَضَاءً لإِسْرَائِيلَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. 26وَلَمَّا جَاءَ دَاوُدُ إِلَى صِقْلَغَ أَرْسَلَ مِنَ الْغَنِيمَةِ إِلَى شُيُوخِ يَهُوذَا إِلَى أَصْحَابِهِ قَائِلاً: «هَذِهِ لَكُمْ بَرَكَةٌ مِنْ غَنِيمَةِ أَعْدَاءِ الرَّبِّ». 27إِلَى الَّذِينَ فِي بَيْتِ إِيلٍ, وَالَّذِينَ فِي رَامُوتَ الْجَنُوبِ, وَالَّذِينَ فِي يَتِّيرَ, 28وَإِلَى الَّذِينَ فِي عَرُوعِيرَ, وَالَّذِينَ فِي سِفْمُوثَ, وَالَّذِينَ فِي أَشْتِمُوعَ, 29وَإِلَى الَّذِينَ فِي رَاخَالَ وَالَّذِينَ فِي مُدُنِ الْيَرْحَمْئِيلِيِّينَ وَالَّذِينَ فِي مُدُنِ الْقِينِيِّينَ 30وَإِلَى الَّذِينَ فِي حُرْمَةَ وَالَّذِينَ فِي كُورَِ عَاشَانَ وَالَّذِينَ فِي عَتَاكَ 31وَإِلَى الَّذِينَ فِي حَبْرُونَ وَإِلَى جَمِيعِ الأَمَاكِنِ الَّتِي تَرَدَّدَ فِيهَا دَاوُدُ وَرِجَالُهُ.
ع21: رجع داود لوادى البسور، حيث ترك المائتى رجل المرهقين، فخرجوا لاستقباله بعد انتصاره، وكانت لفتة طيبة من داود أن يسأل عنهم ويطمئن على صحتهم ولم يلومهم على عدم الذهاب معه، إذ قدر ضعفهم الجسدى وعجزهم عن استكمال المسيرة معه.
ع22: أخذ الطمع بعض رجال داود وفكروا فى الغنيمة أكثر من إخوتهم، ولهذا تكلموا مع داود قائلين له أن هؤلاء الرجال لم يخرجوا معنا للحرب وبالتالى يكفيهم أن يأخذ كل رجل منهم امرأته وأولاده ولا يكون له نصيب من الغنائم، وقد وصف الوحى كل من فكر هكذا بأنه شرير ولئيم.
ع23-25: أما داود فكانت إجابته حكيمة، فتكلم أولاً عن عمل الله معهم وكيف أن الله هو الذى أعطاهم النصرة والعطايا المادية، كذلك حفظهم من كل سوء وأرجعهم سالمين فالنصرة والخير كانا من الله وليس منهم، ولهذا استنكر عليهم داود ما قالوه، ووضع نظامًا جديدًا أخذته الأجيال من بعده، وهو أن الذى يقوم بحراسة الأمتعة ولا ينزل إلى ساحة القتال مع باقى الرجال، يكون له نصيب مساوٍ من الغنائم كمن اشترك فى القتال، لأن عمله كان هامًا أيضًا فى الحفاظ على المؤن وأن سوء صحته ربما هو الذى منعه عن القتال، فلا ذنب له فى أن يحرم من نصيبه. وهذا يتفق مع شريعة الله أن الذى يحرس الأمتعة يأخذ نصيبًا مثل الذى حارب (عد31: 25-27)، مع أن الرجال الذين لم يحاربوا تأخروا لإعيائهم ولم توجد أمتعة يحرسونها، ولكن اعتبرهم مثل حارس الأمتعة والتمس لهم العذر لإعيائهم.
وحكمة داود فى توزيع الغنائم على المحاربين وكذلك الذين لم يشتركوا لإعيائهم حفظت الرجال من الانقسام.
ع26: عاد داود بعد حربه إلى صقلغ، ولم ينسَ بعد استقراره أصدقاءه من شعبه الحقيقى، فأخذ قسمًا من الغنائم وأرسله لهم تعبيرًا عن حبه لهم، وإثباتًا لهم أن إقامته فى أرض الفلسطينيين لم يتأثر بها أو جعلته خارجًا عن شعبه. وعندما أرسل هذه الهدايا قال لهم أنها بركة، أى أنه لا فضل له فيها بل هى عطية إلهية، مما يوضح كم كان داود متضعًا وينسب الفضل دائمًا لله.
? ليتنا نتعلم من فضائل داود، فهو أولاً أشفق على من أخذهم الإعياء واحتفظ لهم بنصيبهم، وهو الآن أيضًا يرسل هدايا لشعبه منزهًا نفسه عن أى طمع، وعندما قدّم الهدايا لم يقدمها بارتفاع قلب بل باسلوب ينكر فيه ذاته تمامًا وينسب المجد والبركة لله.
ع27-31: فى هذه الأعداد يذكر لنا الوحى المدن التى أرسل لها داود العطايا وهى :
- بيت أيل : وتقع جنوب أراضى سبط يهوذا وهى غير بيت إيل المشهورة والتى تقع فى أراضى سبط بنيامين. وكلمة بيت إيل معناها بيت الله فهى ترمز إلى إعطاء الله أولاً من الغنائم.
- راموت الجنوب : وتقع فى أراضى سبط شمعون.
- يتيـر: كانـت من مـدن الملجأ وتقع فى جبال اليهودية وجنوب الخليل بنحو 21كم (يش15: 48).
- عروعير : جنوب بئر سبع فى جنوب أراضى إسرائيل.
- سفموت : من مدن جنوب يهوذا.
- إشتموع : تسمى أيضًا أشتموه وهى جنوب الخليل بنحو 17كم.
- راخال : من مدن يهوذا أيضًا.
- مدن القينيين : وهم نسل يثرون حمى موسى.
- حرمة : بالقرب من صقلغ الفلسطينية.
- كور عاشان : كانت من أراضى يهوذا وصارت لشمعون.
- عتاك : جنوب يهوذا.
- حبرون : هى مدينة الخليل الحالية.
وأيضًا شمل توزيع الهدايا كل الأماكن والبلدان التى تردد فيها داود ورجاله وقام أهلها باستضافتهم أو تعضيدهم.
? كن كريمًا مع الآخرين ولا تنسَ المعروف، واعتبر أن الخير الذى أعطاه لك الله هو خير لك ولإسعاد آخرين حولك، فكلما أعطيت، كلما أعطاك الله بزيادة من خيراته وملأ قلبك من كل فرح.