داود يسمح لأبشالوم بالعودة إلى أورشليم
(1) خطة يوآب لاسترجاع أبشالوم (ع1-20)
1وَعَلِمَ يُوآبُ ابْنُ صَرُويَةَ أَنَّ قَلْبَ الْمَلِكِ عَلَى أَبْشَالُومَ. 2فَأَرْسَلَ يُوآبُ إِلَى تَقُوعَ وَأَخَذَ مِنْ هُنَاكَ امْرَأَةً حَكِيمَةً وَقَالَ لَهَا: «تَظَاهَرِي بِالْحُزْنِ وَالْبَسِي ثِيَابَ الْحُزْنِ، وَلاَ تَدَّهِنِي بِزَيْتٍ بَلْ كُونِي كَامْرَأَةٍ لَهَا أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ وَهِيَ تَنُوحُ عَلَى مَيِّتٍ. 3وَادْخُلِي إِلَى الْمَلِكِ وَكَلِّمِيهِ بِهَذَا الْكَلاَمِ». وَجَعَلَ يُوآبُ الْكَلاَمَ فِي فَمِهَا. 4وَكَلَّمَتِ الْمَرْأَةُ التَّقُوعِيَّةُ الْمَلِكَ وَخَرَّتْ عَلَى وَجْهِهَا إِلَى الأَرْضِ وَسَجَدَتْ وَقَالَتْ: «أَعِنْ أَيُّهَا الْمَلِكُ!». 5فَقَالَ لَهَا الْمَلِكُ: «مَا بَالُكِ؟» فَقَالَتْ: «إِنِّي أَرْمَلَةٌ قَدْ مَاتَ رَجُلِي.
6وَلِجَارِيَتِكَ ابْنَانِ، فَتَخَاصَمَا فِي الْحَقْلِ وَلَيْسَ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، فَضَرَبَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ وَقَتَلَهُ.
7وَهُوَذَا الْعَشِيرَةُ كُلُّهَا قَدْ قَامَتْ عَلَى جَارِيَتِكَ وَقَالُوا: سَلِّمِي ضَارِبَ أَخِيهِ لِنَقْتُلَهُ بِنَفْسِ أَخِيهِ الَّذِي قَتَلَهُ، فَنُهْلِكَ الْوَارِثَ أَيْضاً. فَيُطْفِئُونَ جَمْرَتِي الَّتِي بَقِيَتْ، وَلاَ يَتْرُكُونَ لِرَجُلِي اسْماً وَلاَ بَقِيَّةً عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ». 8فَقَالَ الْمَلِكُ لِلْمَرْأَةِ: «اذْهَبِي إِلَى بَيْتِكِ وَأَنَا أُوصِي فِيكِ». 9فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ التَّقُوعِيَّةُ لِلْمَلِكِ: «عَلَيَّ الإِثْمُ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ وَعَلَى بَيْتِ أَبِي، وَالْمَلِكُ وَكُرْسِيُّهُ نَقِيَّانِ». 10فَقَالَ الْمَلِكُ: «إِذَا كَلَّمَكِ أَحَدٌ فَأْتِي بِهِ إِلَيَّ فَلاَ يَعُودَ يَمَسُّكِ بَعْدُ». 11فَقَالَتِ: «اذْكُرْ أَيُّهَا الْمَلِكُ الرَّبَّ إِلَهَكَ حَتَّى لاَ يُكَثِّرَ وَلِيُّ الدَّمِ الْقَتْلَ لِئَلاَّ يُهْلِكُوا ابْنِي». فَقَالَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِنَّهُ لاَ تَسْقُطُ شَعْرَةٌ مِنْ شَعْرِ ابْنِكِ إِلَى الأَرْضِ». 12فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «لِتَتَكَلَّمْ جَارِيَتُكَ كَلِمَةً إِلَى سَيِّدِي الْمَلِكِ». فَقَالَ: «تَكَلَّمِي» 13فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «وَلِمَاذَا افْتَكَرْتَ بِمِثْلِ هَذَا الأَمْرِ عَلَى شَعْبِ اللَّهِ؟ وَيَتَكَلَّمُ الْمَلِكُ بِهَذَا الْكَلاَمِ كَمُذْنِبٍ بِمَا أَنَّ الْمَلِكَ لاَ يَرُدُّ مَنْفِيَّهُ. 14لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ نَمُوتَ وَنَكُونَ كَالْمَاءِ الْمَُهْرَاقِ عَلَى الأَرْضِ الَّذِي لاَ يُجْمَعُ أَيْضاً. وَلاَ يَنْزِعُ اللَّهُ نَفْساً بَلْ يُفَكِّرُ أَفْكَاراً حَتَّى لاَ يُطْرَدَ عَنْهُ مَنْفِيُّهُ. 15وَالآنَ حَيْثُ إِنِّي جِئْتُ لِأُكَلِّمَ الْمَلِكَ سَيِّدِي بِهَذَا الأَمْرِ، لأَنَّ الشَّعْبَ أَخَافَنِي، فَقَالَتْ جَارِيَتُكَ أُكَلِّمُ الْمَلِكَ لَعَلَّ الْمَلِكَ يَفْعَلُ كَقَوْلِ أَمَتِهِ. 16لأَنَّ الْمَلِكَ يَسْمَعُ لِيُنْقِذَ أَمَتَهُ مِنْ يَدِ الرَّجُلِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُهْلِكَنِي أَنَا وَابْنِي مَعاً مِنْ نَصِيبِ اللَّهِ. 17فَقَالَتْ جَارِيَتُكَ لِيَكُنْ كَلاَمُ سَيِّدِي الْمَلِكِ عَزَاءً، لأَنَّهُ سَيِّدِي الْمَلِكُ إِنَّمَا هُوَ كَمَلاَكِ اللَّهِ لِفَهْمِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالرَّبُّ إِلَهُكَ يَكُونُ مَعَكَ». 18فَقَالَ الْمَلِكُ لِلْمَرْأَةِ: «لاَ تَكْتُمِي عَنِّي أَمْراً أَسْأَلُكِ عَنْهُ». فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «لِيَتَكَلَّمْ سَيِّدِي الْمَلِكُ». 19فَقَالَ الْمَلِكُ: «هَلْ يَدُ يُوآبَ مَعَكِ فِي هَذَا كُلِّهِ؟» فَأَجَابَتِ الْمَرْأَةُ: «حَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، لاَ يُحَادُ يَمِيناً أَوْ يَسَاراً عَنْ كُلِّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ سَيِّدِي الْمَلِكُ، لأَنَّ عَبْدَكَ يُوآبَ هُوَ أَوْصَانِي وَهُوَ وَضَعَ فِي فَمِ جَارِيَتِكَ كُلَّ هَذَا الْكَلاَمِ. 20لأَجْلِ تَحْوِيلِ وَجْهِ الْكَلاَمِ فَعَلَ عَبْدُكَ يُوآبُ هَذَا الأَمْرَ، وَسَيِّدِي حَكِيمٌ كَحِكْمَةِ مَلاَكِ اللَّهِ لِيَعْلَمَ كُلَّ مَا فِي الأَرْضِ».
ع1: قلب الملك على أبشالوم : دائم التفكير فيه ومشتاق إليه.
كان يوآب ملاصقًا لداود وعلى دراية كبيرة بأموره، فسعى لإعادة أبشالوم لما يلى :
- لأنه يعرف مدى محبة داود لأبشالوم واشتياقه لأن يراه.
- كان يتوقع أنه لابد من رجوع أبشالوم، فأراد أن يكسب محبة داود وأبشالوم بأن يكون الوسيط فى إعادته.
- يعلم مدى محبة الشعب لأبشالوم فتوقع أن يصير ملكًا بعد أبيه، ولكن ابتعاده عن شعب الله كان يمكن أن يثير الشك بين الشعب هل يختاروا أبشالوم أم أخاه الأكبر أدونيا.
- كان يوآب يعلم غضب داود عليه لقتله أبنير، فبإعادة أبشالوم قاتل أخيه وصفح داود عنه يجعله يسامح يوآب ويكسب محبة داود.
ع2: تقوع : قرية جنوب أورشليم على بعد حوالى 20كم منها. توجد مكانها أطلال بنفس الاسم حتى اليوم.
كان بقرية “تقوع” امرأة اشتهرت بالحكمة والمنطق السليم فى الكلام وعرض الأمور، فأرسل إليها يوآب يستدعيها ليكلفها بأمر ما، وطلب منها أن تتظاهر بالحزن فتلبس ثياب الحداد ولا تتدهن بالأطياب حتى تبدو فى هيئة امرأة حزينة على ميت عزيز عليها.
ع3: جعل الكلام فى فمها : لقنها ما سوف تقوله للملك.
طلب إليها أن تسعى للمثول بين يدى الملك وتكلمه بما لقنه إيّاها من كلام.
ع4: أعن أيها الملك : الاستغاثة بالملك لطلب المساعدة فى أمر ما.
دخلت المرأة إلى الملك وسجدت أمامه مستغيثة به ليساعدها فى مواجهة مشكلة تعذبها وتؤرقها.
ع5، 6: سألها الملك عن سبب حزنها الشديد، فقصت عليه قصة تخيلية كما أوصاها يوآب لكى تستخدمها مثلاً ينطبق على داود وابنيه أمنون وأبشالوم.
بدأت القصة بذكر أنها أرملة مات زوجها وترك لها ابنين حدثت بينهما مشاجرة وهما يعملان فى الحقل حيث لا يوجد من يفصل بينهما، وتطورت المشاجرة إلى التماسك بالأيدى فضرب أحدهما الآخر فقتله.
ع7: حكم رجال الشريعة على قاتل أخيه بالموت – طبقًا لما تقضى به الشريعة – وطلبوا من الأم تسليم ابنها القاتل لينفذ فيه حكم الشريعة. استرسلت المرأة فى عرض الأمر قائلة أنها أن فعلت وسلمت ابنها الآخر ليقتلوه فانهم بذلك يطفئون نور حياتها، تقصد ابنها الباقى – القاتل – وهو الابن الوحيد الباقى لديها، ويمحى اسم زوجها من على الأرض إذ لا يبقى له نسل بموت كلا الابنين ويؤول ميراث زوجها إلى آخرين من أبناء العشيرة.
ع8: استخدمت المرأة بجدارة قدرتها على المنطق والاقناع حتى أن داود تأثر بكلامها وأحس بمشكلتها، فطمأنها وطلب منها أن تهدأ وهو سيصدر توجيهاته لرجال عشيرتها بالعفو عن ابنها القاتل مراعاةً لظروفها.
ع9: أدركت المرأة أن قيام الملك داود بإعفاء ابنها فيه كسر للوصية الإلهية (الشريعة) فدعت على نفسها أن تكون هى حاملة إثم مخالفة الوصية وأن يكون داود وملكه بريئين من هذا الذنب. واستندت فى هذا على الشريعة التى تسمح بالعفو عن القاتل فى بعض الظروف من أجل الرحمة (تث19: 4، 5).
ع10: أكد لها داود حمايته لها من كل من يتعرض لها ويصر على تسليم ابنها، وعليها أن تأتى به إلى الملك فيأمره بعدم التعرض لها.
ع11: ولى الدم : أقرب قريب يطالب بدم القتيل.
لا تسقط شعرة من شعر ابنك : لا يمسه أحد بسوء.
طلبت منه المرأة أن يؤكد لها وعده بقسم حتى يثبت هذا الوعد ويكف أهل عشيرتها عن مطالبتها بتسليم ابنها فيضيف ولى الدم إلى مصيبة قتل أحد الابنين مصيبة جديدة بقتل الابن المتبقى ويتضاعف ألمها وتعبها ويكثر شقاؤها.
أراد داود أن يطمئن قلبها تمامًا فاستجاب لطلبها وأقسم لها بالإله الحى أنه لن يستطيع أحد أن يؤذى ابنها الآخر بشئ ولا أن يمسه بسوء.
- ليتك تستخدم الحكمة فى كلامك مع الآخرين لتقنعهم وتكسبهم وتدعوهم لتنفيذ الرحمة التى تودها أو أى عمل صالح، ولا تستخدم الأوامر أو التوبيخ الذى يكون مرفوضًا فى معظم الأحيان.
ع12: هنا تكون القصة التى اتخذت كمثل لموقف داود من أبشالوم قد انتهت بحصول المرأة على الوعد المطلوب الذى لا رجوع فيه، وهو العفو عن القاتل، فقررت أن تمهد للدخول فى الموضوع الأصلى فطلبت من الملك أن يأذن لها بمواصلة الكلام لتبوح له بشئ معين فأذن لها.
- جدير بمن له سلطة على الآخرين أن يكون طويل البال فى الاستماع إلى قضاياهم، والسماح لهم بشرح تفاصيل شكواهم، وينصت لهم بكل رويّة واهتمام حتى يكون حكمه فى النهاية منصفًا.
ع13: بدأت المرأة تستغل عفو الملك عن ابنها (فى قصتها المختلقة) فتقول له، إن كان قد عفا عن ابنها رحمة بأمه، فلماذا لم يقدر رغبة شعبه فى تبرير شخص آخر فى أمر مماثل (تقصد أن غالبية شعب إسرائيل كانوا يحبون أبشالوم ويبرّرون قتله لأخيه). ولماذا تصر على إبقاء الابن القاتل (وتقصد أبشالوم) منفيًا مع أن ما ينطبق على ابنى وقسمك بأنه لن تسمح لأحد بأن يؤذيه ينطبق أيضًا على ابنك، وإصرارك على عدم مسامحته يجعلك مذنبًا أمام الله لأنك أقسمت أن لا يؤذى أحد ابنى، فهذا هو ابنك فكيف لا تسامحه ؟! ولأن داود إنسان حكيم، فيستطيع أن يفهم حكمة هذه المرأة التى تتكلم بمَثَل.
ع14: تعطى المرأة الحكيمة هنا عظة نافعة للملك أن الجميع لابد أن يموتوا ويعودوا إلى الأرض مثل الماء التى يسكب ولا يجمع ثانية، فان كنت حزينًا على أمنون فالموت هو مصير كل حى.
الله نفسه يدبر أمورًا ويعطى نعمًا ويعمل فى قلب وفكر المذنب حتى يعود إليه ويصفح عن ذنبه فلا يبقى بعيدًا عن رعاية الله. (تقصد المرأة بكلامها هذا أنه إن كان الله يفعل ذلك بكل رحمة مع الخاطئ وهذه هى معاملاته مع البشر المخطئين، فبالأولى يصفح داود عن ابنه ويستدعيه من منفاه ويعيده إليه واستغلت المرأة معرفتها بأن الشعب يحب أبشالوم وداود نفسه يحبه ويشتاق لرجوعه (ص13: 39) ولكنه يخشى أن يكون غير عادل بمسامحة القاتل.
ع15: لقد حضرت إليك أيها الملك وعرضت عليك هذا الأمر فى الصفح عن أبشالوم، رغم أن الشعب كانوا يخيفوننى قائلين أن الملك لن يستمع لتوسلاتى، ومع ذلك تجرأت وحضرت وضربت مثل الأم وابنيها لعلك تقتنع بوساطتى وتصفح عن ابنك.
ع16: وفى النهاية تلخص المرأة قصتها والتى تقصد بها أن يكون مثلاً يدعو داود لمسامحة أبشالوم، فتقول له كلى رجاء فى انصاتك إلىّ وانصافى من ولى الدم الذى يسعى لقتل ابنى الآخر وإزالة اسمى واسم ابنى من شعب الله ومن ميراث الأرض المقدسة التى أعطاها لشعبه. كل هذا دفع داود لمسامحة أبشالوم.
ع17: ليكن قرار سيدى الملك الأخير بخصوص العفو عن ابنه أبشالوم بمثابة عزاء آخر لى كما كان كلامك الأول عن قاتل أخيه فى الحقل. لقد عفوت عن ابنى لأنك رأيت ذلك خيرًا، وأنت خير من يميز بين الخير والشر لأنك مرسل من الله لخدمة شعبه، فليكن حكمك فى قضية أبشالوم هو أيضًا لخير شعبك والرب يعضدك ويبارك خطواتك.
ع18: أدرك الملك ما ترمى إليه المرأة من تلميحات تنطبق عليه وعلى ابنه أبشالوم وأن غرضها فى النهاية هو أن يراجع الملك موقفه من ابنه أبشالوم، كما فهم أنه لابد من وجود عقلية مخططة خلف هذه المرأة، هى المحركة لهذا كله، فطلب منها ألا تكتم أمرًا سيسألها عنه فأبدت المرأة استعدادها لإجابته على ما سيسأل.
ونلاحظ استعداد داود لإعادة أبشالوم لأنه يحبه، رغم أن القصة التى ذكرتها المرأة لا تنطبق تمامًا على أبشالوم، فهو مثلاً ليس ابنًا وحيدًا بل له اخوة كثيرون… ولكن داود كان مشتاقًا لرؤية ابنه.
ع19: استنتج الملك أن يوآب، الذى هو أقرب الناس علمًا بأحوال الملك واشتياقه لأبشالوم (ع1)، هو الذى دفعها لما فعلت وقالت، فسألها هل هو يوآب الذى أوعز إليها بما قالت، فأجابت المرأة بقسم أن ما استنتجه الملك هو صحيح وأكدت له أن يوآب هو فعلاً من أوصاها بما قالت.
ع20: لا يحاد يمينًا ولا يسارًا عما تكلم به : بدون زيادة أو نقصان أو تحريف.
لأجل تحويل وجه الكلام : لكى لا يتطرق للموضوع مباشرة.
أضافت المرأة أن يوآب لم يرغب فى مواجهته هو بنفسه بالكلام مباشرة فكلفها بالأمر. ثم مدحت ذكاء وفطنة الملك الذى استنتج من القصة التى ابتدعتها أنه هو المقصود بها بخصوص موقفه من أبشالوم، وأنه بحكمته هذه يماثل حكمة الملائكة الذين يعطيهم الرب نعمة معرفة أمور كثيرة لا يعرفها البشر.
- استطاعت هذه المرأة بحكمتها وكلامها الطيب أن تكسب داود ويوافق على طلبها، فليتك تستخدم الوقت المناسب وتمتدح الآخرين وتقدم لهم كلامًا طيبًا مستندًا على الصلوات ليعطيك الله حكمة فى كسبهم، فتكون فى سلام مع من حولك.
(2) داود يصرح ليوآب بإعادة أبشالوم إلى أورشليم (ع21-27)
21فَقَالَ الْمَلِكُ لِيُوآبَ: «هَئَنَذَا قَدْ فَعَلْتُ هَذَا الأَمْرَ، فَاذْهَبْ رُدَّ الْفَتَى أَبْشَالُومَ». 22فَسَقَطَ يُوآبُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ وَبَارَكَ الْمَلِكَ، وَقَالَ يُوآبُ: «الْيَوْمَ عَلِمَ عَبْدُكَ أَنِّي قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ إِذْ فَعَلَ الْمَلِكُ قَوْلَ عَبْدِهِ». 23ثُمَّ قَامَ يُوآبُ وَذَهَبَ إِلَى جَشُورَ وَأَتَى بِأَبْشَالُومَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 24فَقَالَ الْمَلِكُ: «لِيَنْصَرِفْ إِلَى بَيْتِهِ وَلاَ يَرَ وَجْهِي». فَانْصَرَفَ أَبْشَالُومُ إِلَى بَيْتِهِ وَلَمْ يَرَ وَجْهَ الْمَلِكِ. 25وَلَمْ يَكُنْ فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ جَمِيلٌ وَمَمْدُوحٌ جِدّاً كَأَبْشَالُومَ، مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ حَتَّى هَامَتِهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَيْبٌ. 26وَعِنْدَ حَلْقِهِ رَأْسَهُ، إِذْ كَانَ يَحْلِقُهُ فِي آخِرِ كُلِّ سَنَةٍ، لأَنَّهُ كَانَ يَثْقُلُ عَلَيْهِ فَيَحْلِقُهُ، كَانَ يَزِنُ شَعْرَ رَأْسِهِ مِئَتَيْ شَاقِلٍ بِوَزْنِ الْمَلِكِ. 27وَوُلِدَ لأَبْشَالُومَ ثَلاَثَةُ بَنِينَ وَبِنْتٌ وَاحِدَةٌ اسْمُهَا ثَامَارُ، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَمِيلَةَ الْمَنْظَرِ.
ع21: وجدت نعمة فى عينيك : وجدت قبولاً لشخصى من جهتك باكرامك لى.
اقتنع الملك بوجوب تغيير موقفه من أبشالوم – وهو فى واقع الأمر كان يشتاق لذلك فى داخله – فاستدعى يوآب الذى كان هو الواسطة الحقيقية بينه وبين ابنه وطلب منه إحضار ابنه إلى أورشليم.
ع22: فرح يوآب لأن الملك قبل وساطته، فسجد أمامه تعبيرًا عن شكره له مرددًا القول بأن قبول الملك لوساطته يدل على ثقته الكبيرة فيه، وهذا تكريم لشخصه يفخر به.
ع23: ذهب يوآب إلى جشور لإحضار أبشالوم تنفيذًا لأمر الملك واصطحبه عائدًا به إلى أورشليم.
ع24: عاد أبشالوم إلى أورشليم حيث عاصمة الملك داود، ولكن الملك رأى أن يحرم ابنه من رؤيته، كدليل للشعب أنه مازال غير راضٍ عما فعله أبشالوم من قبل بقتله أخيه أمنون، ورسالة بذلك إلى أبشالوم أيضًا أنه لا يزال مستاءً من قتله لأخيه أمنون فيتضع ويتوب.
ع25: كان أبشالوم جميلاً ووسيمًا أكثر من كل بنى شعبه، وكان موضع ثناء ومدح من جميع الشعب فجسمه كله يتسم بالجمال.
ع26: الشاقل بوزن الملك : وحده أوزان تساوى 8 جرام.
كان الشعر من مظاهر الوسامة لأبشالوم فكان بالإضافة إلى الأطياب التى كان يدهنه بها يعتنى به كل العناية، ومن فرط إعجابه به كان لا يحلقه إلا مرة واحدة كل سنة مضطرًا لأنه كان غزيرًا جدًا ويشكل له ثقلا على رأسه، فكان يتباهى به ويزنه فيصل وزنه حوالى 1.5 كيلو جرامًا خاصة لأنه كان مدهونًا بالزيوت والأطياب بل كان يضع عليه برادة الذهب ليلمع كنوع من الرفاهية والتباهى.
ع27: كان لأبشالوم ثلاثة بنين وابنة واحدة أطلق عليها اسم عمتها ثامار، وكانت جميلة مثل أبيها وعمتها وجدها داود (1صم16: 12).
- انشغل أبشالوم بجماله، فابتعد عن نقاوة القلب والحياة مع الله وكانت نهايته مؤسفة كما سنرى فى الأصحاحات التالية. فلا تنشغل بجمالك أو مركزك أو ممتلكاتك إذ أنها كلها زائلة وستشغلك عن خلاص نفسك فتبتعد عن الله وتسقط فى خطايا كثيرة. وإن كان الله قد أعطاك شيئًا فاشكره عليه.
(3) محاولة أبشالوم رؤية الملك (ع28-33)
28وَأَقَامَ أَبْشَالُومُ فِي أُورُشَلِيمَ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يَرَ وَجْهَ الْمَلِكِ. 29فَأَرْسَلَ أَبْشَالُومُ إِلَى يُوآبَ لِيُرْسِلَهُ إِلَى الْمَلِكِ فَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ. ثُمَّ أَرْسَلَ أَيْضاً ثَانِيَةً فَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَأْتِيَ. 30فَقَالَ لِعَبِيدِهِ: «انْظُرُوا. حَقْلَةَ يُوآبَ بِجَانِبِي، وَلَهُ هُنَاكَ شَعِيرٌ. اذْهَبُوا وَأَحْرِقُوهُ بِالنَّارِ». فَأَحْرَقَ عَبِيدُ أَبْشَالُومَ الْحَقْلَةَ بِالنَّارِ. 31فَقَامَ يُوآبُ وَجَاءَ إِلَى أَبْشَالُومَ إِلَى الْبَيْتِ وَقَالَ لَهُ: «لِمَاذَا أَحْرَقَ عَبِيدُكَ حَقْلَتِي بِالنَّارِ؟» 32فَقَالَ أَبْشَالُومُ لِيُوآبَ: «هَئَنَذَا قَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ قَائِلاً: تَعَالَ إِلَى هُنَا فَأُرْسِلَكَ إِلَى الْمَلِكِ لِتَسْأَلَهُ: لِمَاذَا جِئْتُ مِنْ جَشُورَ؟ خَيْرٌ لِي لَوْ كُنْتُ بَاقِياً هُنَاكَ. فَالآنَ إِنِّي أَرَى وَجْهَ الْمَلِكِ، وَإِنْ وُجِدَ فِيَّ إِثْمٌ فَلْيَقْتُلْنِي». 33فَجَاءَ يُوآبُ إِلَى الْمَلِكِ وَأَخْبَرَهُ. وَدَعَا أَبْشَالُومَ فَأَتَى إِلَى الْمَلِكِ وَسَجَدَ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ قُدَّامَ الْمَلِكِ، فَقَبَّلَ الْمَلِكُ أَبْشَالُومَ.
ع28: بعد عودة أبشالوم من جشور لم يقابل والده ولو مرة واحدة طيلة عامين كاملين، فكان حرمانه من لقاء والده لمدة عامين، بالإضافة إلى المدة الطويلة التى قضاها فى جشور وهى ثلاث سنوات قد أثر على نفسيته وانعكس على سلوكه تجاه أبيه كما سيأتى فى الأصحاح التالى. فلم يستفد من هذه الفترة الطويلة فى التوبة والاتضاع، بل امتلأ قلبه بالكبرياء والغيرة والحسد، فسعى لسلب المُلك من أبيه كما سيظهر فى الأصحاح التالى.
ع29: تضايق أبشالوم من طول حرمانه من الالتقاء بأبيه ومن قبوله فى القصر الملكى كأحد أبنائه، ففكر أن يلجأ إلى يوآب ليوسطه فى طلبه رؤية أبيه، ولكن يوآب رفض الوساطة هذه المرة، ورغم إلحاح أبشالوم ظل يوآب يرفض ولم يذهب إلى أبشالوم، ولعله كان يعرف أن داود غالبًا كان سيرفض من أجل العدل وحتى لا يعثر الشعب، فلم يرد يوآب أن يحرج نفسه.
ع30: تحايل أبشالوم حتى يأتى إليه يوآب، فأمر رجاله بحرق محصول الشعير فى حقل يوآب المجاور لحقله حتى يستفز يوآب فيحضر إليه محتجًا على حرق حقله، ونفذ رجال أبشالوم هذا الأمر.
ع31: نجحت حيلته، إذ غضب يوآب من حرق حقله وذهب لأبشالوم متسائلاً ومحتدًا لماذا حرق حقله !
ع32: برّر أبشالوم فعلته بأن تلك كان حيلته لاستثارته فيحضر إليه، حيث أنه رفض الحضور إليه أكثر من مرة وهو يريد أن يحمله رسالة إلى الملك يسأله فيها عن سبب السماح له بالعودة إلى أورشليم دون أن يسمح له بمقابلته، فكان من الأفضل تركه فى جشور لدى جده خيرًا من وجوده فى أورشليم مع حرمانه من رؤية أبيه. وكلف يوآب أن يطلب من الملك السماح له برؤيته، وإن كان ما يزال يعتبره مذنبًا فى شئ فليقتله فهذا أفضل له من الاستمرار فى هذا الوضع. وأظهر أبشالوم بهذا مدى محبته واشتياقه لداود ليحرك مشاعر أبيه نحوه معتمدًا على حنانه وأبوته، مع أن أبشالوم كان شريرًا ولم يكن يحب أبيه كما سيظهر فيما بعد.
ع33: نقل يوآب إلى الملك رغبة أبشالوم، فرّق قلب الملك نحو ابنه ووافق على السماح له برؤيته. فحضر أبشالوم إلى أبيه وسجد قدامه سجود الاحترام والتبجيل، فقام الملك من على كرسيه وعانق ابنه باشتياق شديد وقبله.
- ما أجمل أبوة داود وتسامحه .. فليتنا نشفق على الخطاة ليرحمنا الله ولعلنا بإشفاقنا نجذبهم إلى التوبة.