الصدام بين أبنير ويوآب
(1) تملك داود على يهوذا ومباركته ليابيش جلعاد (ع1-7):
1وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ دَاوُدَ سَأَلَ الرَّبَّ: «أَأَصْعَدُ إِلَى إِحْدَى مَدَائِنِ يَهُوذَا؟» فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اصْعَدْ». فَقَالَ دَاوُدُ: «إِلَى أَيْنَ أَصْعَدُ؟» فَقَالَ: «إِلَى حَبْرُونَ». 2فَصَعِدَ دَاوُدُ إِلَى هُنَاكَ هُوَ وَامْرَأَتَاهُ أَخِينُوعَمُ الْيَزْرَعِيلِيَّةُ وَأَبِيجَايِلُ امْرَأَةُ نَابَالَ الْكَرْمَلِيِّ. 3وَأَصْعَدَ دَاوُدُ رِجَالَهُ الَّذِينَ مَعَهُ كُلَّ وَاحِدٍ وَبَيْتَهُ وَسَكَنُوا فِي مُدُنِ حَبْرُونَ. 4وَأَتَى رِجَالُ يَهُوذَا وَمَسَحُوا هُنَاكَ دَاوُدَ مَلِكاً عَلَى بَيْتِ يَهُوذَا. وَأَخْبَرُوا دَاوُدَ: «إِنَّ رِجَالَ يَابِيشَ جِلْعَادَ هُمُ الَّذِينَ دَفَنُوا شَاوُلَ». 5فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلاً إِلَى أَهْلِ يَابِيشَ جِلْعَادَ يَقُولُ لَهُمْ: «مُبَارَكُونَ أَنْتُمْ مِنَ الرَّبِّ إِذْ قَدْ فَعَلْتُمْ هَذَا الْمَعْرُوفَ بِسَيِّدِكُمْ شَاوُلَ فَدَفَنْتُمُوهُ. 6وَالآنَ لِيَصْنَعِ الرَّبُّ مَعَكُمْ إِحْسَاناً وَحَقّاً، وَأَنَا أَيْضاً أَفْعَلُ مَعَكُمْ هَذَا الْخَيْرَ لأَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ هَذَا الأَمْرَ. 7وَالآنَ فَلْتَتَشَدَّدْ أَيْدِيكُمْ وَكُونُوا ذَوِي بَأْسٍ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ سَيِّدُكُمْ شَاوُلُ، وَإِيَّايَ مَسَحَ بَيْتُ يَهُوذَا مَلِكاً عَلَيْهِمْ».
ع1: حبرون : مدينة فى أرض يهوذا مقامة على الجبال ويسهل الدفاع عنها، دعيت أصلاً “قرية أربع”، وكان لحبرون قرى تابعة لها كما كانت إحدى مدن الملجأ. وهى من أقدم مدن العالم وتقع على بعد 30 كم جنوب غرب أورشليم، وهى الآن مدينة الخليل وبها مقبرة المكفيلة التى دفن فيها إبراهيم وإسحق ويعقوب وأسرهم.
بموت شاول، وجد داود أن لا معنى لبقائه فى “صقلغ” وأنه من الأجدى أن يعود إلى وطنه وشعبه، ولكنه كعادته لا يأخذ القرار إلا بعد سؤال الرب، فسأله هل يذهب إلى إحدى مدن يهوذا فأجابه الرب بالإيجاب. ثم سأله إلى أى مدينة يذهب، أجابه الرب بأن يذهب إلى حبرون. ونرى هنا داود يطلب الله قبل كل شئ، فى السلم كما فى الحرب، لأنه تعود أن يطلبه دائمًا.
? إهتم أن تطلب مشورة الله قبل أى عمل والله سيجيبك بطرق مختلفة مثل أب الاعتراف أو من خلال الكتاب المقدس أو بأى طريقة، ومهما كنت ترغب الأمر تأكد بالصلاة أن الله موافق عليه.
ع2: ذهب داود إلى حبرون مع زوجتيه أخينوعم وأبيجايل، التى كانت أرمة نابال الكرملى، أما زوجتـه ميكـال ابنة شاول فكانت لا تزال مع فلطئيـل الذى زوجها له شاول (1صم25: 44).
ع3: إهتم داود بمرافقيه الذين رافقوه أثناء مطاردة شاول له، فأتى بهم هم وعائلاتهم إلى حبرون والمدن والقرى التابعة لها.
ع4: يابيش جلعاد : مدينة على جبل جلعاد شرقى الأردن وتدعى حاليًا “وادى يابيش”. ويبدو أنهم كانوا على علاقة قوية بسبط بنيامين الذى منه الملك شاول، فلم ينضموا إلى أسباط إسرائيل فى محاربة هذا السبط عندما أخطأ فى أمر سرية اللاوى (قض20، 21) والآن يهتمون بجسد شاول، وقد يكون شاول قد اهتم بهم أثناء ملكه.
اجتمع مع داود فى حبرون شيوخ سبط يهوذا كممثلين للسبط ونادوا به ملكًا على سبطهم. كان هؤلاء الشيوخ يعلمون بأن داود سبق ومُسَح فعلاً على يد صموئيل فى أثناء حياة شاول، فكان من الطبيعى أن يولَّى رسميًا بعد موت شاول.
وأخبر رجال يهوذا داود بما قام به أهل يابيش جلعاد من تصرف يدل على الشجاعة والوفاء، إذ خاطروا بحياتهم وتوجهوا إلى حيث أجساد شاول وبنيه فأنزلوها من على سور بيت شان حيث علقها الفلسطينيون تشهيرًا بهم (1صم31: 10-12)، ونقلوها إلى مدينتهم حيث دفنوها.
وبهذا تم مسح داود ملكًا على ثلاث مراحل :
- مسحه ملكًا فى بيت أبيه يسى سرًا بيد صموئيل (1صم16: 13).
- مسحه ملكًا على سبط يهوذا فى هذا العدد.
- مسحه ملكًا على كل أسباط بنى إسرائيل (ص5: 3).
وهو بهذا يرمز للمسيح الذى مسح ملكًا ثلاث مرات :
- منذ الأزل (1تى6: 15، رؤ17: 14).
- على الصليب، بإيفائه الدين الذى علينا، ملك على كل من يؤمن به وخلصهم من يد إبليس.
- فى ملكوت السموات عندما يملك إلى الأبد على قلوب المؤمنين به.
ع5، 6: أرسل داود بالبركة والدعاء بالخير لأهل يابيش جلعاد لما فعلوه مع أجساد شاول وبنيه، ووعد أن يكافئهم هو أيضًا على معروفهم.
? ما أجمل أن يبدأ داود ملكه بمباركة وتشجيع شعبه وليس اللوم أو العقاب. فبدء الإنسان لأعماله أو مقابلاته لابد أن يكون باللطف والتشجيع. وكذلك استغل حماس أهل يابيش جلعاد الذين كانوا يحبون شاول الملك السابق ولم يرذلهم لأن شاول كان يعاديه، بل بحكمة حاول كسبهم ليستغل حماسهم ونشاطهم فى مملكته الجديدة. فجيد أن يستغل الإنسان كل الطاقات التى حوله وبالحب يشجع الجميع ويكسب الكل.
ع7: يعزيهم داود فى وفاة شاول ويطلب منهم أن يتماسكوا كرجال أقوياء، ويخبرهم أنه صار ملكًا على سبط يهوذا ولعله بهذا يدعوهم للخضوع له.
(2) تملك ايشبوشث على إسرائيل (ع8-11):
8وَأَمَّا أَبْنَيْرُ بْنُ نَيْرٍ، رَئِيسُ جَيْشِ شَاوُلَ، فَأَخَذَ إِيشْبُوشَثَ بْنَ شَاوُلَ وَعَبَرَ بِهِ إِلَى مَحَنَايِمَ
9وَجَعَلَهُ مَلِكاً عَلَى جِلْعَادَ وَعَلَى الأَشُّورِيِّينَ وَعَلَى يَزْرَعِيلَ وَعَلَى أَفْرَايِمَ وَعَلَى بِنْيَامِينَ وَعَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. 10وَكَانَ إِيشْبُوشَثُ بْنُ شَاوُلَ ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَلَكَ سَنَتَيْنِ. وَأَمَّا بَيْتُ يَهُوذَا فَإِنَّمَا اتَّبَعُوا دَاوُدَ. 11وَكَانَتِ الْمُدَّةُ الَّتِي مَلَكَ فِيهَا دَاوُدُ فِي حَبْرُونَ عَلَى بَيْتِ يَهُوذَا سَبْعَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ.
ع8: ايشبوشث : الابن الرابع لشاول، لم يمت فى الحرب مع الفلسطينيين بينما مات إخوته الثلاثة الآخرين. وهو ايشبعل المذكور فى (1أى 8 : 33) وتغير إلى إيشبوشث لكراهيتهم لاسم البعل وهو إله وثنى.
محنايم : معنى اسمها جيشين، وتقع شرق الأردن وشمال نهر يبوق، وفيها رأى يعقوب جيش الملائكة فدعاها محنايم إشارة إلى جيشين، أى زوجاته وأولاده وجيش الملائكة، وتقع على حدود تخم جاد ومنسى وتنقسم إلى قسمين أحدهما لجاد والآخر لمنسى، وأعطى جاد قسمه لبنى مرارى فصارت مدينة ملجأ (يش21: 38).
كان أبنير يسعى للاحتفاظ بمنصبه كقائد للجيش، فلما قتل شاول فى الحرب أخذ إيشبوشث وجاء إلى مدينة محنايم فى الضفة الشرقية للأردن، حيث نادى به ملكًا على باقى أسباط إسرائيل، واتخذ من تلك البلدة عاصمة للملك. وكان أبنير يعلم ضعف شخصية إيشبوشث، بدليل عدم اشتراك إيشبوشث مع أبيه فى المعركة ضد الفلسطينيين أو لعله هرب من المعركة، وبالتالى سيصير هو الرئيس الحقيقى للمملكة، خاصة وأنه قريب شاول الملك فهو ابن عمه (1صم14: 50). وبهذا يبدأ أبنير بمعاداة داود بعد تملكه، وقد كان يريد أن يستولى على يهوذا أيضًا بدليل محاربته لها عدة مرات طوال السبع سنوات التى ملك فيها داود فى حبرون.
ع9: جلعاد : مدينة فى سهول جلعاد شرقى الأردن.
الأشوريين : يقصد بهم سبط أشير (الأشيريين).
يزرعيل : مدينة فى جبال يهوذا.
شملت مملكة ايشبوشث عدة مناطق منها جلعاد وأراضى يزرعيل وسبط أشير وسبط أفرايم وسبط بنيامين بالإضافة إلى بقية الأسباط عدا سبط يهوذا.
ع10: كان عمر إيشبوشث عند المناداة به ملكًا على إسرائيل أربعين عامًا، ولم يبقَ فى ملكه سوى سنتين فقط، ثم قتل بواسطة عبيده كما سيأتى فى (ص4)، ولم يخضع له سبط يهوذا الذى ظل ثابتًا فى اتباعه لداود.
وكان عمر إيشبوشث 35 عامًا عند موت شاول أبيه، وظل داود ملكًا خمس سنوات فى حبرون ثم قام أبنير بهذا الانقسام حين ملك إيشبوشث فى محنايم. ولم يدم هذا الإنقسـام سـوى سنتين، لذا تعتبر المملكة ممتدة أيام شاول وداود وسليمان وتم الانقسام بعد موت سليمان.
ع11: كانت عاصمة مملكة يهوذا الخاضعة لداود هى حبرون حيث ملك فيها داود سبع سنين وستة أشهر. (استمر ملك داود أربعين سنة منها سبع سنين وستة أشهر فى حبرون وثلاثة وثلاثين سنة فى أورشليم).
? لا تهتم بمصلحتك على حساب من حولك فتقيم انقسامات ومشاكل وتزعج الآخرين، وستفقد سلامك أنت أيضًا وهو أهم شئ، بل ابحث عن السلام مع الآخرين قدر ماتستطيع وبالمحبة اكسب من حولك فتحتفظ بسلامك حتى لو كانت قلوب من حولك فيها شر لأنك تسعى فى الخير.
(3) حرب بين أبنير ويوآب (ع12-23):
12وَخَرَجَ أَبْنَيْرُ بْنُ نَيْرٍ وَعَبِيدُ إِيشْبُوشَثَ بْنِ شَاوُلَ مِنْ مَحَنَايِمَ إِلَى جِبْعُونَ. 13وَخَرَجَ يُوآبُ بْنُ صَرُويَةَ وَعَبِيدُ دَاوُدَ، فَالْتَقُوا جَمِيعاً عَلَى بِرْكَةِ جِبْعُونَ. وَجَلَسُوا هَؤُلاَءِ عَلَى الْبِرْكَةِ مِنْ هُنَا وَهَؤُلاَءِ عَلَى الْبِرْكَةِ مِنْ هُنَاكَ. 14فَقَالَ أَبْنَيْرُ لِيُوآبَ: «لِيَقُمِ الْغِلْمَانُ وَيَتَكَافَحُوا أَمَامَنَا». فَقَالَ يُوآبُ: «لِيَقُومُوا». 15فَقَامُوا وَعَبَرُوا بِالْعَدَدِ، اثْنَا عَشَرَ لأَجْلِ بِنْيَامِينَ وَإِيشْبُوشَثَ بْنِ شَاوُلَ، وَاثْنَا عَشَرَ مِنْ عَبِيدِ دَاوُدَ. 16وَأَمْسَكَ كُلُّ وَاحِدٍ بِرَأْسِ صَاحِبِهِ وَضَرَبَ سَيْفَهُ فِي جَنْبِ صَاحِبِهِ وَسَقَطُوا جَمِيعاً. فَدُعِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ «حِلْقَثَ هَصُّورِيمَ» الَّتِي هِيَ فِي جِبْعُونَ. 17وَكَانَ الْقِتَالُ شَدِيداً جِدّاً فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَانْكَسَرَ أَبْنَيْرُ وَرِجَالُ إِسْرَائِيلَ أَمَامَ عَبِيدِ دَاوُدَ. 18وَكَانَ هُنَاكَ بَنُو صَرُويَةَ الثَّلاَثَةُ: يُوآبُ، وَأَبِيشَايُ، وَعَسَائِيلُ. وَكَانَ عَسَائِيلُ خَفِيفَ الرَِّجْلَيْنِ كَظَبْيِ الْبَرِّ. 19فَسَعَى عَسَائِيلُ وَرَاءَ أَبْنَيْرَ، وَلَمْ يَمِلْ فِي السَّيْرِ يَمْنَةً وَلاَ يَسْرَةً مِنْ وَرَاءِ أَبْنَيْرَ. 20فَالْتَفَتَ أَبْنَيْرُ إِلَى وَرَائِهِ وَقَالَ: «أَأَنْتَ عَسَائِيلُ؟» فَقَالَ: «أَنَا هُوَ». 21فَقَالَ لَهُ أَبْنَيْرُ: «مِلْ إِلَى يَمِينِكَ أَوْ إِلَى يَسَارِكَ وَاقْبِضْ عَلَى أَحَدِ الْغِلْمَانِ وَخُذْ لِنَفْسِكَ سَلَبَهُ». فَلَمْ يَشَأْ عَسَائِيلُ أَنْ يَمِيلَ مِنْ وَرَائِهِ. 22ثُمَّ عَادَ أَبْنَيْرُ وَقَالَ لِعَسَائِيلَ: «مِلْ مِنْ وَرَائِي. لِمَاذَا أَضْرِبُكَ إِلَى الأَرْضِ؟ فَكَيْفَ أَرْفَعُ وَجْهِي لَدَى يُوآبَ أَخِيكَ؟» 23فَأَبَى أَنْ يَمِيلَ، فَضَرَبَهُ أَبْنَيْرُ بِطَرَفِ الرُّمْحِ فِي بَطْنِهِ، فَخَرَجَ الرُّمْحُ مِنْ خَلْفِهِ فَسَقَطَ هُنَاكَ وَمَاتَ فِي مَكَانِهِ. وَكَانَ كُلُّ مَنْ يَأْتِي إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي سَقَطَ فِيهِ عَسَائِيلُ وَمَاتَ يَقِفُ.
ع12، 13: جبعون : مدينة تبعد عن أورشليم بنحو 8 كم إلى الشمال. والجبعونيون هم الذين خدعوا يشوع قديمًا وانضموا إلى بنى إسرائيل (يش10: 6).
بعد تمليك أبنير لإيشبوشث على كل الأسباط ما عدا يهوذا، طمع فى الاستيلاء على يهوذا، لذا نادى بحرب بينه وبين جيش داود الذى كان بقيادة يوآب، والتقوا عند بركة بجوار جبعون.
ع14: يتكافحوا : يتبارزوا.
دعا أبنير إلى مبارزة دموية بين فريقين من جنود الجيشين، فان فاز فريق على الآخر يكون ملك الفريق الفائز ملكًا على كل إسرائيل، أو لعله أراد أن يختبر قوة جنود جيش يوآب (تذكرنا هذه الحادثة بما اقترحه جليات الفلسطينى عند المواجهة بين جيش الفلسطينيين وجيش إسرائيل بقيادة شاول (1صم 17: 8-11).
ع15: لاحظ أبنير ضعف ميل الفريقين للمقاتلة، فاقترح انتخاب فريق من اثنى عشر رجلاً من كل جانب ليقوموا بالمبارزة، فريق من رجال سبط بنيامين الخاضع لإيشبوشث، فقد كان شاول من سبط بنيامين، والفريق الآخر من رجال داود، أفرزوا من بين الجيشين استعدادًا للمواجهة.
ع16: حلقث هصوريم : حقل السيوف، حيث حصدت السيوف أرواح الجنود.
كان اقتراح القادة بالمواجهة المذكورة اقتراحًا جنونيًا لم يقتنع به المبارزون من الفريقين، فلم يطل اللقاء بينهما، إذ اتفقا فيما بينهم على أن يمسك كل مقاتلين رأس الآخر ويضرب كل منهما صاحبه فى جنبه فيقتله بسرعة ويموت دون أن يطيل عذابه، أى أنهم لم يتبارزوا بل قتل كل فريق الآخر، وكان اللقاء بهذه الصورة مأساة فدعى المكان الذى جرت فيه أحداثها “حقل السيف”. ونرى هنا قسوة قلب أبنير ويوآب، فهما مثل الرومان الذين أحبوا سفك الدماء واستهانوا بأرواح تابعيهم وقد شعر الجنود من الفريقين بعدم قيمة نفوسهم، فاتفقوا على أن يقتل كل فريق الآخر.
ع17: لم تسفر المبارزة عن حل، إذ سقط الأربعة والعشرون مقاتلاً من الجانبين دون استعراض أيّة مهارة قتالية من أى من الجانبين لتظهر تفوق جانب على آخر. فإذ رأى الجيشان أن الأمر لم يحسم بهذه الطريقة، دارت بينهما معركة شرسة انتهت بهزيمة جيش أبنير أمام رجال داود.
ع18، 19: يوآب وأبيشاى وعسائيل : قادة داود الثلاثة وهم أبناء “صروية” أخت داود من أمه.
ظبى البر : ذكر الغزال الذى يجرى بسرعة فى البرية.
يحدثنا الوحى هنا عن مأساة أخرى وقعت بين عسائيل أخى كل من يوآب وأبيشاى، وأبنير قائد جيش ايشبوشث. فقد كان الأخوة الثلاثة يقودون فرق داود، وكان عسائيل سريع الجرى مثل غزال، فجرى وراء أبنير لا يميل إلى هنا أو هناك بغرض اللحاق به وقتله. وكان هذا دون استشارة أخويه، أى كان اندفاعًا منه لتخليص يهوذا وداود من أبنير.
? يؤدى الجموح والتهور إلى منزلقات لا لزوم لها، فأحيانًا الطموح غير المدروس جيدًا يجلب التعاسة والشقاء لمن يندفع نحوه بغير حكمة. النوايا الحسنة وحدها لا تكفى إن لم تكن مصحوبة بالحكمة والتخطيط السليم.
ع20: نظر أبنير وراءه فرأى من يتبعه بغرض اللحاق به وعلم أنه عسائيل، فسأله مستنكرًا أأنت عسائيل (الاستنكار هنا لأنه رأى أن عسائيل بعمله هذا يكون متهورًا وأن غروره هذا سيكون فى غير صالحه).
ع21: خذ لنفسك سلبه : خذ عنيمة.
نصحه أبنير بأن يبحث عن محارب يكون نظيره فى الخبرة فيتقاتل معه ويأخذ غنيمة منه ولا يعرض نفسه لخطر مبارزة قائد مدرب، الذى هو أبنير نفسه، فرفض عسائيل النصيحة وواصل مطاردته لأبنير.
ع22: أضربك إلى الأرض : أقتلك.
كيف أرفع وجهى : سأكون فى مركز حرج لا أستطيع فيه أن أدافع عن موقفى.
كرّر أبنير نصحه لعسائيل طالبًا منه أن يكف عن مطاردته وإلا فسيواجهه ويقتله دفاعًا عن نفسه ضد طياشته. وأفهمه أيضًا أنه فى حالة قتله سيكون ملامًا من أخيه الأكبر يوآب ولن يستطيع أن يبرر فعلته أمامه، فهو لم يخف من عسائيل ولكنه خشى أن يقتله فيحدث صدام بينه وبين يوآب.
ع23: زج الرمح : مؤخرة الرمح – نهاية ساق الرمح.
لم يشأ عسائيل أن يقبل النصيحة ويتراجع، فاضطر أبنير دفاعًا عن نفسه أن يواجهه ويضربه فى بطنه حتى نفذ ساق الرمح من ظهره فمات فى الحال. وكان كل من يمر بالمكان الذى سقط فيه عسائيل يستوقفه تذكر هذا الحادث المؤلم لشاب شجاع فى مقتبل العمر، عزيز لدى إخوته والجميع. ولكن عسائل قد أخطأ إذ اعتمد على سرعته فى الجرى ولم يعتمد على الله، فتناسى مهارة أبنير فى الحرب لذا سمح الله أن يقتله أبنير.
(4) ايقاف القتال (ع24-32):
24وَسَعَى يُوآبُ وَأَبِيشَايُ وَرَاءَ أَبْنَيْرَ، وَغَابَتِ الشَّمْسُ عِنْدَمَا أَتَيَا إِلَى تَلِّ أَمَّةَ الَّذِي تُجَاهَ جِيحَ فِي طَرِيقِ بَرِّيَّةِ جِبْعُونَ. 25فَاجْتَمَعَ بَنُو بِنْيَامِينَ وَرَاءَ أَبْنَيْرَ وَصَارُوا جَمَاعَةً وَاحِدَةً، وَوَقَفُوا عَلَى رَأْسِ تَلٍّ وَاحِدٍ. 26فَنَادَى أَبْنَيْرُ يُوآبَ: «هَلْ إِلَى الأَبَدِ يَأْكُلُ السَّيْفُ؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهَا تَكُونُ مَرَارَةً فِي الأَخِيرِ؟ فَحَتَّى مَتَى لاَ تَقُولُ لِلشَّعْبِ أَنْ يَرْجِعُوا مِنْ وَرَاءِ إِخْوَتِهِمْ؟» 27فَقَالَ يُوآبُ: «حَيٌّ هُوَ اللَّهُ إِنَّهُ لَوْ لَمْ تَتَكَلَّمْ لَكَانَ الشَّعْبُ فِي الصَّبَاحِ قَدْ صَعِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَاءِ أَخِيهِ». 28وَضَرَبَ يُوآبُ بِالْبُوقِ فَوَقَفَ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَلَمْ يَسْعُوا بَعْدُ وَرَاءَ إِسْرَائِيلَ وَلاَ عَادُوا إِلَى الْمُحَارَبَةِ. 29فَسَارَ أَبْنَيْرُ وَرِجَالُهُ فِي الْعَرَبَةِ ذَلِكَ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَعَبَرُوا الأُرْدُنَّ، وَسَارُوا فِي كُلِّ الشُّعَبِ وَجَاءُوا إِلَى مَحَنَايِمَ. 30وَرَجَعَ يُوآبُ مِنْ وَرَاءِ أَبْنَيْرَ وَجَمَعَ كُلَّ الشَّعْبِ. وَفُقِدَ مِنْ عَبِيدِ دَاوُدَ تِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً وَعَسَائِيلُ. 31وَضَرَبَ عَبِيدُ دَاوُدَ مِنْ بِنْيَامِينَ وَمِنْ رِجَالِ أَبْنَيْرَ، فَمَاتَ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَسِتُّونَ رَجُلاً. 32وَرَفَعُوا عَسَائِيلَ وَدَفَنُوهُ فِي قَبْرِ أَبِيهِ الَّذِي فِي بَيْتِ لَحْمٍ. وَسَارَ يُوآبُ وَرِجَالُهُ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَأَصْبَحُوا فِي حَبْرُونَ.
ع24: سعى يوآب وأبيشاى لمطاردة أبنير للأخذ بثأر أخيهما عسائيل الذى قتله أبنير، واستمرت المطاردة حتى الغروب وكانوا قد وصلوا فى مطاردتهم إلى تل مجاور لإحدى قرى بنيامين فى طريق البرية المحيطة بجبعون ويسمى تل أمة.
ع25: كان أبنير يهدف من وراء بلوغه إحدى قرى بنيامين أن ينضم إليه رجال بنى بنيامين لتقوية جيشه وتنظيم صفوفه من جديد. كان هذا بالفعل ما حدث، حيث تحمس رجال بنيامين للانضمام إليه مدافعين بعاطفتهم عن إيشبوشث الملك الذى هو من نفس سبطهم.
ع26: الأخير : نهاية الحرب الأهلية إن استمرت.
نبّه أبنير يوآب إلى أن الحرب إن استمرت ستصبح حربًا أهلية يموت فيها الكثيرون من بنى إسرائيل ودعاه للصلح. ولم يدعُ أبنير لإيقاف الحرب إلا عندما قتل من جيشه عدد كبير وأصبح معرضًا للموت، مع أنه هو الذى بدأ واستهان بنفوس الجنود الذين طلب منهم أن يتبارزوا، فهو أنانى يفكر فى نفسه واستهان بأرواح غيره.
ع27: أقسم له يوآب أنه على يقين من أن سبب هذه الحرب المشئومة هو اقتراحه الذى كان فى صباح نفس اليوم بأن يتبارز فريقان من الجهتين، فلو لم يفعل ذلك، لكان جنود الطرفين قد انصرفوا لحال سبيلهم ولم تقع تلك المعارك الباطلة. وبهذا حمّله مسئولية هذه الحرب.
ع28: استجاب يوآب لدعوة أبنير رغم إلقائه بتبعة الحرب عليه، فنفخ فى الأبواق إشارة للرجال بإيقاف القتال، فتوقف رجاله عن السعى وراء جنود أسباط إسرائيل وانتهت الحرب بين الفريقين.
? ليتك تسعى للسلام، وإن حدث خصام أو عداوة مع أحد، فاهتم بإزالتها لتحتفظ بسلامك وسلام الآخرين، فليس هذا ضعفًا بل قوة بالسعى نحو السلام.
ع29: بعد توقف القتال الذى جرى غربى الأردن، سار أبنير ورجاله طوال الليل فى الأراضى الصحراوية غربى الأردن ثم عبروا الأردن إلى ضفته الشرقية وساروا فى الممرات الجبلية حتى وصلوا إلى عاصمة مملكة إيشبوشث التى هى “محنايم”.
ع30، 31: توقف يوآب أيضًا عن مطاردة أبنير ورجاله، وأُجرِىَ إحصاء للفريقين فوجد أن عدد القتلى من جيش يوآب تسعة عشر جنديًا بالإضافة إلى عسائيل، أما الخسارة فى أفراد جيش أبنير فكانت أفدح بكثير إذ بلغت ثلاثمائة وستين قتيلاً. وقد وافق يوآب على إيقاف الحرب لأنه يعرف رغبة داود فى إيقاف الحرب الأهلية، وأنه لا يريد الحصول على المُلك بواسطة مقاتلة إيشبوشث وأبنير، وكذلك فقد وعد داود شاول أن يحفظ نسله.
ع32: حمل جنود يوآب جسد أخيه عسائيل ودفنوه فى قبر أبيه فى بيت لحم، ثم واصلوا مسيرتهم طوال الليل حتى وصلوا صباح اليوم التالى إلى حبرون حيث مقر ملكهم داود.