تعداد الشعب
(1) أمر داود بالتعداد (ع1-9):
1وَعَادَ فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ فَأَهَاجَ عَلَيْهِمْ دَاوُدَ قَائِلاً: «امْضِ وَأَحْصِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا». 2فَقَالَ الْمَلِكُ لِيُوآبَ رَئِيسِ الْجَيْشِ الَّذِي عِنْدَهُ: «طُفْ فِي جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ وَعُدُّوا الشَّعْبَ، فَأَعْلَمَ عَدَدَ الشَّعْبِ». 3فَقَالَ يُوآبُ لِلْمَلِكِ: «لِيَزِدِ الرَّبُّ إِلَهُكَ الشَّعْبَ أَمْثَالَهُمْ مِئَةَ ضِعْفٍ، وَعَيْنَا سَيِّدِي الْمَلِكِ نَاظِرَتَانِ. وَلَكِنْ لِمَاذَا يُسَرُّ سَيِّدِي الْمَلِكُ بِهَذَا الأَمْرِ؟»
4فَاشْتَدَّ كَلاَمُ الْمَلِكِ عَلَى يُوآبَ وَعَلَى رُؤَسَاءِ الْجَيْشِ، فَخَرَجَ يُوآبُ وَرُؤَسَاءُ الْجَيْشِ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ لِيَعُدُّوا إِسْرَائِيلَ. 5فَعَبَرُوا الأُرْدُنَّ وَنَزَلُوا فِي عَرُوعِيرَ عَنْ يَمِينِ الْمَدِينَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ وَادِي جَادَ وَتُجَاهَ يَعْزِيرَ، 6وَأَتُوا إِلَى جِلْعَادَ وَإِلَى أَرْضِ تَحْتِيمَ إِلَى حُدْشِي، ثُمَّ أَتُوا إِلَى دَانِ يَعَنَ وَاسْتَدَارُوا إِلَى صَيْدُونَ، 7ثُمَّ أَتُوا إِلَى حِصْنِ صُورٍ وَجَمِيعِ مُدُنِ الْحِوِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى جَنُوبِيِّ يَهُوذَا إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ 8وَطَافُوا كُلَّ الأَرْضِ، وَجَاءُوا فِي نِهَايَةِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوْماً إِلَى أُورُشَلِيمَ. 9فَدَفَعَ يُوآبُ جُمْلَةَ عَدَدِ الشَّعْبِ إِلَى الْمَلِكِ، فَكَانَ إِسْرَائِيلُ ثَمَانَ مِئَةِ أَلْفِ رَجُلٍ ذِي بَأْسٍ مُسْتَلِّ السَّيْفِ، وَرِجَالُ يَهُوذَا خَمْسَ مِئَةِ أَلْفِ رَجُلٍ.
ع1: يذكر النص هنا أن الرب هو الذى أهاج داود ليعد الشعب، بينما فى سفر أخبار الأيام الأول (1أخ21: 1) ينسب هذا الأمر للشيطان. تفسير ذلك هو أن الرب لا يدفع الناس للشر، فحين يميل الناس من أنفسهم لغواية عدو الخير، فإنه يتركهم ليفعلوا ما يريدون ويكون ذلك بسماح من الله.
كان الغرض من رغبة داود فى التعداد هو المباهاة بكثرتهم وقد أيّده الشعب فى ذلك. ولم يكن هذا الغرض متفقًا وإرادة الله الذى شرَّع القيام بالإحصاء لأغراض دينية طقسية محدّدة سبق أن عينها لهم الله (خر30: 11) وهى دفع فدية عن الذكور أو حصر المتقدمين للتجنيد أو إعداد اللاويين الذين سيشتركون فى خدمة بيت الرب …
إذًا فحموّ غضب الله هو بسبب خطية داود والشعب، وهى أساسًا الكبرياء، فسمح لداود أن يأمر بالتعداد ولكنه كان غاضبًا من ذلك لذا عاقبه كما سنرى فى هذا الأصحاح. وقد حمى غضب الله قبل ذلك على الشعب مرات كثيرة بسبب خطاياهم منذ أيام موسى وما قبله حتى الآن، فسمح بإذلالهم فى مصر وسقوط المتذمرين موتى فى برية سيناء وسخطه أيضًا على الشعب بسبب خطية شاول فى أمر الجبعونيين (ص21)، لذا يقول “عاد فحمى غضب الرب…”.
وخطية داود فى التعداد كبيرة لما يلى :
- الكبرياء كما ذكرنا خاصة وأنه انتصر فى حروب كثيرة واتسعت مملكته فأراد أن يعرف قوته ويفتخر بها، وشاركه الشعب فى الكبرياء ونسوا أن الله وحده هو سبب انتصاراتهم.
- لم يستشر الله قبل التعداد.
- لعله كان يريد بعد التعداد استخدام قوته فى حروب جديدة أو أى أعمال خاصة به لم يأمر بها الله.
- ذكر أنه أمر بتعداد إسرائيل ويهوذا، فاصلاً سبط يهوذا عن باقى الأسباط، لأن داود من هذا السبط وكان عدد هذا السبط قد ازداد فأراد أن يفتخر به.
- لعله كان له أغراض أخرى شخصية مثل استخدام الشعب لقضاء بعض مصالحه أو لجمع ضرائب منه.
- لم يجمع منهم قيمة الفدية وهى نصف شاقل والتى تقدم للهيكل كما نصت الشريعة (خر30: 12).
- يخبرنا سفر الأخبار (1أخ27: 23، 24) أنه عدّ من هم أقل من عشرين سنة وهذا مخالف للشريعة.
- نسى أن الشعب هو شعب الله وليس شعبه هو، فالله هو وحده الذى يباركهم ويفتخر بهم لأنهم صنعته، فلا يصح أن يسرق مجد الله.
ع2: أمر الملك يوآب رئيس جيشه أن يجوب فى أنحاء البلاد من أقصى الشمال (دان) إلى أقصى الجنوب (بئر سبع) ليعد الشعب ويأتى إليه بالنتيجة.
ع3: أراد يوآب أن يثنى داود عن رغبته فى إحصاء الشعب، داعيًا الرب أن يكثر شعبه أضعاف أضعاف فينظر الملك إلى كثرتهم بفرح، وسأله عن رغبته من هذا الطلب. وهذا تصرف حكيم من يوآب، فرغم أنه عنيف ودموى، ولكنه نبّه الملك إلى خطورة عدّ الشعب، فهذا يحمل كبرياء ولكنه نبهه بتأدب شديد، فيوآب حريص على مصلحة الملك والمملكة.
ع4: لم يصغِ داود لمحاولة يوآب ورؤساء الجيش إثنائه عن رغبته، بل انتهرهم وأصرّ بشدة على تنفيذ أمره، فاضطروا للإذعان لرغبته وخرجوا من عنده ليجوبوا فى أنحاء المملكة ويحصوا الشعب.
? ليس من الحكمة أن نهمل نصائح الآخرين، بل نعوّد أنفسنا على الاستفادة من مشورات الحكماء المحيطين بنا ولا نصرّ على آرائنا بكبرياء حتى لو كان الإرشاد آتيًا من أناس أقل منا سنًا أو مركزًا أو علمًا.
ع5-8: فى هذه الأعداد وصف لخط سير الجولة التى قام بها يوآب ورؤساء الجيش. فبدأوا بعبور نهر الأردن إلى الضفة الشرقية ومروا بالقرب من “عروعير” إحدى مدن سبط جاد، وكان مرورهم إلى يمين المدينة فى اتجاه بلدة “يعزير”، وأتوا إلى جلعاد لإحصاء الأسباط القاطنة هناك وهما سبطا رأوبين وجاد. ثم واصلوا السير إلى “حدشى” فى أرض “تحتيم”، ومن هناك وصلوا إلى “دان يعن”، ثم استداروا إلى صيدون ثم إلى حصن صور وإلى جميع المدن التى استولى عليها بنو إسرائيل من الحويين والكنعانيين؛ وفى اتجاه العودة إلى الجنوب حصدوا الأعداد فى الأسباط القاطنة غربى الأردن إلى أن وصلوا إلى أراضى يهوذا ثم إلى بئر سبع فى أقصى الجنوب، فشملت جولتهم كل الأراضى التى يقطنها بنى إسرائيل شرق وغرب الأردن، واستغرقت تسعة أشهر وعشرين يومًا، وانتهت بوصولهم أورشليم وهى ذات المدينة التى كانوا قد انطلقوا منها ليبدأوا عملهم. وخط السير المذكور عبارة عن دورة من الجنوب إلى شرق الأردن ومنه إلى أقصى شمال فلسطين ثم إلى الغرب، عودة إلى غرب نهر الأردن ثم من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه.
ع9: بعودة يوآب ورجاله قدموا للملك تقريرًا بنتائج الإحصاء التى أظهرت أن عدد ذكور أسباط إسرائيل (عدا سبط يهوذا) من ابن عشرين سنة فأكثر هو 800 ألف، لا يشمل هذا العدد اللاويين ولا سبط بنيامين الذى كان يقع فى نهاية خط العودة، فيبدو أن الرجال الذين قاموا بالإحصاء كانوا قد أرهقوا فضلاً عن عدم اقتناعهم من البداية بجدوى هذا التعداد.
وكان عدد الذكور من عشرين سنة فأكثر من سبط يهوذا 500 ألف، أى إجمالى العدد من أسباط إسرائيل مضاف إليهم سبط يهوذا هو 1300000 (مليون وثلاثمائة ألف). وإن كان عدد الجنود يمثل حوالى الخمس أو السدس من الشعب، فمعنى هذا أن عدد الشعب وصل وقتذاك إلى 6 أو 7 مليون، وهذا عدد كبير يرجع إلى بركة الله ورعايته لهم.
ويذكر سفر أخبار الأيام الأول (1أى21: 5) أن عدد إسرائيل 1100000 أى بزيادة 300 ألف عن عددهم هنا، كما يذكر أن عدد يهوذا كان 470 ألف رجل أى ينقص 30 ألفًا عن عددهم هنا، وتفسير هذا الاختلاف كالآتى :
الثلثمائة ألف الإضافيين فى أخبار الأيام هم المجندون فعلاً بصفة دائمة لحمل السلاح وأما الثمان مائة ألف فهم من يصلحون لحمل السلاح إذا دعت الضرورة. وهناك رأى آخر فى الثلثمائة ألف وهم الفرق بين عدد المجندين من أسباط إسرائيل المذكور فى أخبار الأيام أى 1100000 وعددهم هنا وهو 800000 فيقول هذا الرأى، أن سفر صموئيل يذكر أن الثمان مائة ألف هم ذوى بأس أى ممتحنين ولهم كفاءة أكبر فى الحرب أما الثلثمائة الباقين فأقل كفاءة.
كذلك الـ30 ألفًا الذين لم يشملهم سفر أخبار الأيام فى التعداد هم “المنتخبين فى إسرائيل” (ص6: 1) وكان منوط بهم حفظ الأمن والحرس الملكى بصفة دائمة.
ويلاحظ أن سبط لاوى لم يُحصَ هنا لأنهم لا يشتركون فى الحروب بل مكرسون لخدمة الرب أما سبط بنيامين فقد يكون عددهم هو الثلاثون ألفًا وهم فارق عدد سبط يهوذا هنا عن ما يقابله سفر أخبار الأيام.
(2) عقاب الله (ع10-16):
10وَضَرَبَ دَاوُدَ قَلْبُهُ بَعْدَمَا عَدَّ الشَّعْبَ. فَقَالَ دَاوُدُ لِلرَّبِّ: «لَقَدْ أَخْطَأْتُ جِدّاً فِي مَا فَعَلْتُ، وَالآنَ يَا رَبُّ أَزِلْ إِثْمَ عَبْدِكَ لأَنِّي انْحَمَقْتُ جِدّاً». 11وَلَمَّا قَامَ دَاوُدُ صَبَاحاً كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى جَادٍ النَّبِيِّ رَائِي دَاوُدَ: 12«اِذْهَبْ وَقُلْ لِدَاوُدَ: هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: ثَلاَثَةً أَنَا عَارِضٌ عَلَيْكَ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَاحِداً مِنْهَا فَأَفْعَلَهُ بِكَ». 13فَأَتَى جَادُ إِلَى دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: «أَتَأْتِي عَلَيْكَ سَبْعُ سِنِي جُوعٍ فِي أَرْضِكَ، أَمْ تَهْرُبُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ أَمَامَ أَعْدَائِكَ وَهُمْ يَتْبَعُونَكَ، أَمْ يَكُونُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَبَأٌ فِي أَرْضِكَ؟ فَالآنَ اعْرِفْ وَانْظُرْ مَاذَا أَرُدُّ جَوَاباً عَلَى مُرْسِلِي». 14فَقَالَ دَاوُدُ لِجَادٍ: «قَدْ ضَاقَ بِيَ الأَمْرُ جِدّاً. فَلْنَسْقُطْ فِي يَدِ الرَّبِّ لأَنَّ مَرَاحِمَهُ كَثِيرَةٌ وَلاَ أَسْقُطْ فِي يَدِ إِنْسَانٍ». 15فَجَعَلَ الرَّبُّ وَبَأً فِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الْمِيعَادِ، فَمَاتَ مِنَ الشَّعْبِ مِنْ دَانٍ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ سَبْعُونَ أَلْفَ رَجُلٍ. 16وَبَسَطَ الْمَلاَكُ يَدَهُ عَلَى أُورُشَلِيمَ لِيُهْلِكَهَا، فَنَدِمَ الرَّبُّ عَنِ الشَّرِّ وَقَالَ لِلْمَلاَكِ الْمُهْلِكِ الشَّعْبَ: «كَفَى! الآنَ رُدَّ يَدَكَ». وَكَانَ مَلاَكُ الرَّبِّ عِنْدَ بَيْدَرِ أَرُونَةَ الْيَبُوسِيِّ.
ع10: شعر داود بخطئه وندم على الأمر الذى سبق وأصدره بإجراء التعداد، واعترف للرب بأن ما قام به هو حماقة لا مبرر لها، فأخذ يتوسل إلى الرب أن يغفر له خطأه هذا. وهذا يوضح صفة هامة فى داود وهى التوبة التى بها ينال رضا الله ورحمته مهما كانت خطاياه، ويبين أيضًا أن العدّ لم يكن من الله، لأن داود لم يفرح بل اغتم وضربه قلبه.
? كثيرًا ما نندفع وراء أهوائنا الشخصية فنتخذ قرارات نندم عليها فيما بعد، فلنتريث فى خياراتنا حتى لا نقع فى الخطأ فنندم ونحزن.
ع11: بات داود باكيًا نادمًا على خطئه مصليًا للرب أن يعفو عنه ويغفر له، وفى صباح اليوم التالى جاءه جاد النبى برسالة من الرب.
ع12: كانت رسالة الرب التى حملها جاد النبى إلى داود هى تخييره بين ثلاث عقوبات لابد أن يوقع الرب إحداها عليه، وهذا يبين عدل الله فى عقابه للخطية وفى نفس الوقت رحمته فى تخيير داود لإحدى العقوبات.
ع13: بلّغ جاد لداود نص الرسالة وكانت العقوبات الثلاث التى خيَّر داود بينها هى :
الأولى : تكون مجاعة فى الأرض تستمر سبع سنين.
الثانية : يطارده أعداؤه مدة ثلاثة أشهر وهو هارب من أمامهم.
الثالثة : يضرب الرب الشعب بوبأ لمدة ثلاثة أيام.
وذكر فى سفر أخبار الأيام (1أى21: 12) أن المجاعة فى العقوبة الاولى هى لمدة ثلاث سنوات وليس سبع سنوات كما جاء هنا، وتفسير هذا الاختلاف هو أن سفر أخبار الأيام لم يشمل المدة التى تسبق بداية المجاعة وتلى نهايتها والتى تكون عادة أخف وطأة من الفترة المتوسطة التى تكون فيها حدة المجاعة على أشدها.
ع14: احتار داود وأحس أنه أوقع نفسه فى مأزق لا فكاك منه، وبعد تفكير اختار احد الأمور الثلاثة التى يكون فيها تحت رحمة الرب الواسعة ولا يسقط فى الخيار الذى يجعله تحت رحمة أعدائه، فالرب يجرح ويعصب، يسحق ويداه تشفيان، يؤدب ثم يشفق، أما الإنسان فهو قاس القلب يضرب بلا رحمة.
ع15: إلى الميعاد : غالبًا وقت تقديم الذبيحة المسائية التى تقدم كل يوم فى بيت الرب.
كان خيار داود هو أن يكون فى يد الله، أى العقوبة الأولى أو العقوبة الثالثة وهى “الوبأ”، فنفّذ الرب العقوبة الثالثة وأهلك بالوبأ 70 ألفًا من جميع الأسباط من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، فكانوا يتساقطون طوال النهار، من الصباح إلى وقت التقدمة المسائية اليومية (1مل18: 29). والعقوبة التى حلت بهم تعالج مشكلة كبرياء داود والشعب لكثرة عددهم، فها هو عددهم يقل حتى لا يتكبروا بل يعتمدوا على الله وحده.
ع16: بيدر : أى جرن وهو مكان لجمع وتخزين محاصيل الأرض.
أرونة البيوسى : ورد الاسم “أرونة” فى صموئيل و”أرنان” فى أخبار الأيام، والاسمان لشخص واحد كان يمتلك بيدرًا على جبل المريا شرق أورشليم، اشتراه منه داود لإصعاد محرقات عليه، وهو نفس الجبل الذى أقيم عليه هيكل سليمان (1أى21).
كان أحد الملائكة، وهو المكلّف تنفيذ العقاب، مستمرًا فيه حتى جاء الدور على أورشليم لإهلاك أهلها، ولكن الرب عطف على “مدينة الملك العظيم” وقبل توسلات شعبها وتوبتهم، فأمر الملاك أن يكف عن الضربة وكفى من ماتوا حتى وقتها وكانوا كما جاء فى العدد السابق 70 ألفًا.
وحين صدر الأمر إلى الملاك ليكف عن الضربة، كان وقتها عند مخزن غلال يملكه رجل يبوسى الأصل اعتنق اليهودية. وهذا يؤكد رحمة الله وتحننه على داود وشعبه التائب الصارخ إليه فأوقف الضربة.
(3) إقامة المذبح ورفع الضربة (ع17-25):
17فَقَالَ دَاوُدُ لِلرَّبَّ عِنْدَمَا رَأَى الْمَلاَكَ الضَّارِبَ الشَّعْبَ: «هَا أَنَا أَخْطَأْتُ وَأَنَا أَذْنَبْتُ، وَأَمَّا هَؤُلاَءِ الْخِرَافُ فَمَاذَا فَعَلُوا؟ فَلْتَكُنْ يَدُكَ عَلَيَّ وَعَلَى بَيْتِ أَبِي». 18فَجَاءَ جَادُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: «اصْعَدْ وَأَقِمْ لِلرَّبِّ مَذْبَحاً فِي بَيْدَرِ أَرُونَةَ الْيَبُوسِيِّ». 19فَصَعِدَ دَاوُدُ حَسَبَ كَلاَمِ جَادَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ. 20فَتَطَلَّعَ أَرُونَةُ وَرَأَى الْمَلِكَ وَعَبِيدَهُ يُقْبِلُونَ إِلَيْهِ، فَخَرَجَ أَرُونَةُ وَسَجَدَ لِلْمَلِكِ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. 21وَقَالَ أَرُونَةُ: «لِمَاذَا جَاءَ سَيِّدِي الْمَلِكُ إِلَى عَبْدِهِ؟» فَقَالَ دَاوُدُ: «لأَشْتَرِيَ مِنْكَ الْبَيْدَرَ لأَبْنِيَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ فَتَكُفَّ الضَّرْبَةُ عَنِ الشَّعْبِ». 22فَقَالَ أَرُونَةُ لِدَاوُدَ: «فَلْيَأْخُذْهُ سَيِّدِي الْمَلِكُ وَيُصْعِدْ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ. انْظُرْ. الْبَقَرُ لِلْمُحْرَقَةِ، وَالنَّوَارِجُ وَأَدَوَاتُ الْبَقَرِ حَطَباً». 23اَلْكُلُّ دَفَعَهُ أَرُونَةُ الْمَالِكُ إِلَى الْمَلِكِ. وَقَالَ أَرُونَةُ لِلْمَلِكِ: «الرَّبُّ إِلَهُكَ يَرْضَى عَنْكَ». 24فَقَالَ الْمَلِكُ لأَرُونَةَ: «لاَ. بَلْ أَشْتَرِي مِنْكَ بِثَمَنٍ وَلاَ أُصْعِدُ لِلرَّبِّ إِلَهِي مُحْرَقَاتٍ مَجَّانِيَّةً». فَاشْتَرَى دَاوُدُ الْبَيْدَرَ وَالْبَقَرَ بِخَمْسِينَ شَاقِلاً مِنَ الْفِضَّةِ. 25وَبَنَى دَاوُدُ هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ. وَاسْتَجَابَ الرَّبُّ مِنْ أَجْلِ الأَرْضِ، فَكَفَّتِ الضَّرْبَةُ عَنْ إِسْرَائِيلَ.
ع17: رأى داود الملاك المكلف بتنفيذ الضربة، فحزن جدًا وتألم معترفًا بخطئه مرة أخرى، وأقر بأن شعبه لم يذنب، فإن كان هو يستحق العقاب فهؤلاء لم يشاركوه خطأه. وهو كراعٍ أمين يشفق على رعيته يطلب من الرب ألا يهلك شعبه بل يهلكه هو وأهل بيته بدلاً من الشعب البرئ. وهذا يبين مدى تحمل داود لمسئولية خطأه، رغم أن الشعب كان حقيقة يشاركه الشعور بالكبرياء لكثرة عددهم والتباهى بقوتهم، ولكنه أراد أن يفدى شعبه بتحمل العقاب هو وأهل بيته بدلاً من الشعب، على مثال المسيح الفادى، ولكن الله عاقب الكل لأن الكل قد أخطأ.
ع18: استجاب الرب لصلوات داود وتضرعات شعبه، فرحمهم وأرسل جاد إلى داود ليقول له، أن يصعد إلى جبل المريا ويبنى هناك مذبحًا للرب فى بيدر أرونة اليبوسى، ويقدم ذبائح للرب تكفيرًا عنه وعن الشعب. ويذكر سفر الأخبار (1أى21: 20) أن الله فتح عينى أرونة اليبوسى فرأى ملاك الرب لذا شعر بخطورة الأمر وحضور داود الملك إليه.
? الرب لا يفرح بمعاقبة أولاده بل يحس بضيقاتهم ويحزن لما يصيبهم، كما يقول أشعياء النبى: “فى كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم” (إش63: 9). فلنلجأ دائمًا إلى الله طالبين مراحمه الكثيرة وإحساناته التى لا تعد.
ع19، 20: نفذ داود أمر الرب الصادر إليه على فم جاد النبى، وجاء إلى بيدر أرونة اليبوسى، ورأى أرونة الملك ورجاله قادمين نحوه فخرج لاستقباله وسجد أمامه تعبيرًا عن احترامه له.
ع21: سأل أرونة داود عن سبب مجيئه إليه، فأخبره داود أن ذلك لغرض شراء بيدره لكى يقيم عليه مذبحًا للرب يقدم عليه الذبائح فتكف الضربة عن الشعب.
ع22، 23: كان أرونة رجلاً كريمًا أبدى استعداده للتنازل عن ملكية البيدر للملك ليقدم عليه ما يشاء من ذبائح، بل أراد أن يتبرع بالذبائح وبالنوارج الخشبية التى تستخدم فى الدراس ليستعملها داود كوقود على المذبح، كل هذا يضعه أرونة تحت تصرف الملك دون مقابل. ودعا أرونة للملك أن يتقبل الرب منه التقدمات التى يقدمها له وليستجيب لصلاته ويرفع الوبأ عن الشعب. ولأجل محبة أرونة التى ظهرت فى ترحيبه بالملك ليقيم المذبح على أرضه، واستعداده لإعطاء حيواناته وأدوات الدارس للمساعدة فى تقديم الذبيحة، أعطاه الله نعمة ليس فقط أن تكف الضربة عند بيدره بل أيضًا أن يقام المذبح على أرضه، ولعله أيضًا رأى الملاك المهلك وقد أوقف الضربة. فالله يبارك كل من امتلأ قلبه بالمحبة والعطاء.
ع24: الشاقل : يزن نحو 1جم.
أبى داود أن يقبل هذا العرض المجانى من أرونة، لأنه لم يشأ أن يصعد محرقات ليست من ممتلكاته وعلى حساب غيره، بل أراد أن يكون إكرام الرب من ماله الخاص. وبناءً على تصميم الملك، قبل أرونة أن يبيع البيدر والبقر وأدواتها للملك نظير 50 شاقل من الفضة قبضها من الملك (750 جرام فضة) وهو الثمن المناسب فى ذلك الحين.
ع25: بنى داود المذبح وأصعد محرقات وذبائح سلامة للرب، فتقبل الرب تلك التقدمات استجابة لصلوات داود من أجل شعبه. وذكر سفر أخبار الأيام (1أخ21: 26) أن نارًا نزلت من السماء وأكلت المحرقات كعلامة لقبولها من الرب. وكف الوبأ عن الشعب، ومنذ ذلك اليوم ابتدأ داود يقدم ذبائحه وذبائح شعبه فى ذلك المكان.
وجبل المريا الذى أصعد عليه داود ذبيحته فى حقل أرونة اليبوسى هو نفس المكان الذى قدم فيه قديمًا إبراهيم ابنه اسحق ذبيحة (تك22)، وهناك تقليد يهودى بأنه هو نفس المكان الذى صلب فيه رب المجد يسوع المسيح. والأحداث الثلاثة كلها تدور حول فكرة الفداء الذى كمل فى الصليب.
? أشكر الله الذى أحبك وفداك على الصليب ومراحمه مفتوحة لك ليغفر جميع خطاياك عندما تقبل إليه تائبًا. فتمسك بالاعتراف والتناول لتتمتع بعمل الله فيك ولا تيأس مهما كانت خطاياك كثيرة.
حياة داود
- الابن الأصغر والثامن ليسى ومعنى اسمه محبوب (1صم16: 10، 11، 17: 13-14)، وكان يعيـش فـى بيت لحـم ويـرعى عنـم أبيـه، وكان حلو المنظر وشجاعًا جدًا (1صم17: 34-36).
- مسحه صموئيل ملكًا وكان ذلك عام 1065 ق.م (1صم16).
- اسـتدعـاه شـاول ليضـرب له على العود ليذهب عنه الروح النجس الذى حلَّ عليه (1صم16: 19-23).
- قتل جليات وهتفت النساء له أكثر من شاول فاغتاظ الأخير (1صم17، 18).
- قتل مائتى فلسطينى كمهر لميكال ابنة شاول ثم تزوجها (1صم18).
- صار صديقًا ليوناثان بن شاول ثم حاول شاول قتله، خاصة بعد انتصار داود على الفلسطينيين، وتوسط يوناثان ليمنعه (1صم19).
- حاول شاول قتله بالرمح ثم حاول القبض عليه فى بيته فهرّبته ميكال (1صم19 : 11-17).
- هرب إلى صموئيل فى الرامة ونايوت (1صم19: 18)، وأرسل شاول رسلاً للقبض عليه فتنبأوا هناك ثم حضر شاول بنفسه وتنبأ (1صم19).
- تعاهد مع يوناثان الذى أعطاه علامة على كراهية شاول له، ولما تأكد داود من أنه يحاول قتله هرب بعد أن قبّل يوناثان (1صم20).
- هرب إلى نوب مدينة الكهنة وأكل من خبز الكهنة وأخذ سيف جليات (1صم21: 1-9).
- هـرب إلـى جت مدينة الفلسطينيين وتظاهر بالجنون فلم يقبض عليه أخيش ملك جت (1صم21: 10-15).
- انضم 400 رجل له ثم ذهب إلى موآب وترك أباه وأمه هناك، ولكنه عاد إلى اليهودية بإرشاد جاد النبى (1صم22)، والتجأ إليه أبياثار الكاهن الذى نجا من يد شاول قاتل الكهنة (1صم22: 20-23).
- انتصر على الفلسطينيين وخلص قعيلة ثم تركها إلى زيف لمطاردة شاول له وكان معه 600 رجل (1صم23: 1-14).
- جدّد يوناثان العهد معه وحاول شاول القبض عليه فى برية زيف، ولكن هجوم الفلسطينيين جعله يترك مطاردته (1صم23: 15-28).
- ذهب إلى عين جدى وطارده هناك شاول ولكنه وقع فى يده فقطع داود طرف جبته وعاتبه على مطاردته فخجل شاول منه وانصرف (1صم24).
- طلب مساعدة نابال، فوبخ رسله، وحينئذ قام داود ليقتله هو وكل رجاله، ولكن أبيجايل باعتذارها وهداياها أوقفت داود عن الشر، ثم مات نابال وتزوج داود بأبيجايل (1صم25).
- استمرّ شاول فى مطاردته ووقع للمرة الثانية فى يد داود وأخذ رمحه وكوز الماء ووبخه، فاعتذر شاول وانصرف عنه (1صم26).
- التجأ إلى أخيش ملك جت هو ورجاله وأقام فى صقلغ وهاجم الشعوب الوثنية جنوب يهوذا فظن أخيش أنه هاجم شعبه فاطمأن له (1صم27).
- استعدّ الفلسطينيون لمحاربة بنى إسرائيل ورفض رؤساء الفلسطينيين خروج داود معهم (1صم29) وانتصروا على بنى إسرائيل وقتلوا شاول وأبناءه (1صم31).
- حزن داود ورثائه لشاول ويوناثان (2صم1).
- تملك داود فى حبرون بسبط يهوذا وتملك ايشبوشث ابن شاول فى محنايم على باقى الأسباط (2صم2).
- استمرت الحروب بين سبط يهوذا وباقى الأسباط وانتهت بعد سبع سنوات بتملك داود على كل الأسباط، وقتل أبنير إيشبوشث واستعاد داود ميكال (2صم2، 3، 4، 5).
- انتصر داود على اليبوسيين سكان أورشليم وأخذ حصنهم كما انتصـر على الفلسطينيين (2صم5).
- نقل تابوت عهد الله إلى أورشليم بإكرام عظيم وحاول بناء بيت للرب ولكن الله أجلّ ذلك ليتم على يد سليمان ابنه (2صم6، 7).
- توالـت انتصـاراتـه على الشعوب المحيطة وهى الفلسطينيون والموآبيون والأراميون (2صم8).
- معروف داود مع نسل شاول أى مفيبوشث (2صم9).
- استمرار انتصارات داود على الأراميين والعمونيين (2صم10).
- أخطأ مع امرأة أوريا ثم قتله ووبّخه ناثان النبى فتاب (2صم11، 12).
- أخطأ أمنون مع ثامار أخته وقتله أبشالوم ثم هرب (2صم13).
- عودة أبشالوم واستمالته للشعب وهروب داود من وجهه (2صم14، 15).
- إبطال مشورة أخيتوفل لأبشالوم ثم انتصار داود وقتل أبشالوم وعودته لأورشليم (2صم16، 17، 18، 19).
- إخماد فتنة شبع بن بكرى ضد داود (2صم20).
- داود يرضى الجبعونيين وانتصاراته المتتالية على الفلسطينيين (2صم21).
- نشيد النصرة لداود وقائمة أبطاله (2صم22، 23).
- خطية داود بعدّ الشعب وضربة الله بالوبأ وإيقافها وتقديم الذبيحة فى بيدر أرونة اليبوسى (2صم24).
- شيخوخة داود ومحاولة أدونيا تمليك نفسه ثم تمليك داود لسليمان وقتل سليمان لأدونيا وموت داود (1مل1، 2).
داود كرمز للمسيح
يرمز داود للمسيح فى أمور كثيرة فى حياته منها :
- داود معنى اسمه المحبوب، والمسيح هو المحبوب من الآب (أف1: 6).
- داود كان حسن المنظر أشقر بحلاوة فى العينين، والمسيح أبرع جمالاً من بنى البشر.
- داود من بيت لحم، والمسيح كذلك ولد فى بيت لحم.
- مُسِحَ داود سرًا وفى نفس الوقت كان شاول يملك علانية على المملكة، كما أن المسيح يملك سرًا على قلوب المؤمنين به فى حين تظهر قوة الشيطان المسيطرة على العالم وشروره.
- داود هو مسيح الرب الذى مسحه صموئيل، والمسيح مُسِحَ بحلول الروح القدس عليه فى نهر الأردن.
- داود كان الابن الصغير المهمل، والمسيح ولد باتضاع فى مزود بقر.
- داود الراعى الأمين الذى فدى أغنامه عندما قتل الأسد والدب، والمسيح الراعى الصالح الذى بذل نفسه عن خرافه بموته على الصليب.
- ذهب داود ليسأل عن إخوته فى الحرب، والمسيح تجسد ليفتقد إخوته بنى البشر ويفديهم، وكما احتمل داود تعييرات إخوته احتمل المسيح مقاومة وتعييرات اليهود له.
- قتل داود جليات الجبار الذى يعيّر شعب الله، والمسيح قيَّد الشيطان الذى يحارب أولاد الله.
- هتفت النساء وغنّت لداود بعد انتصاره على جليات، ونحن نسبح المسيح مخلصنا كل حين.
- عاش داود مطاردًا من شاول ليس له مكان يستقر فيه، والمسيح عاش متجردًا ليس له أين يسند رأسه.
- ملك داود وعمره 30 عامًا كما بدأ المسيح خدمته وهو ابن ثلاثين عامًا.
- وحد داود سبط يهوذا مع باقى الأسباط ليكونوا مملكة واحدة، كما وحد المسيح اليهود مع الأمم فى الإيمان الواحد.
- التف حول داود المتضايقون والمضطهدون فجعل منهم جيشًا، والمسيح التفت حوله الخطاة والمتعبون فحولهم إلى جيش مؤمنين يقهرون الشيطان بقوته.
- أحسن داود إلى الزيفيين ولكنهم خانوه وحاولوا تسليمه إلى شاول، والمسيح أحسن إلى يهوذا الأسخريوطى وإلى اليهود الذين شفاهم وأشبعهم ولكنهم خانوه وصلبوه.
- قام إيشبوشث ومعه باقى الأسباط على داود، وهكذا أيضًا قام العالم كله على المسيح وصلبوه.
- كما ملك داود على سبط يهوذا ثم على باقى الأسباط، هكذا ملك المسيح فى أورشليم ثم اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض.
- المحاربون الذين تألموا مع داود أثناء مطاردته من شاول، تمجدوا معه عندما ملك وصاروا من أبطال حربه، هكذا من يحتمل الآلام من أجل المسيح على الأرض يتمجد فى ملكوت السموات.