أبنير يبايع داود ملكًا
(1) أسماء أبناء داود (ع1-5):
1وَكَانَتِ الْحَرْبُ طَوِيلَةً بَيْنَ بَيْتِ شَاوُلَ وَبَيْتِ دَاوُدَ، وَكَانَ دَاوُدُ يَذْهَبُ يَتَقَوَّى وَبَيْتُ شَاوُلَ يَذْهَبُ يَضْعُفُ. 2وَوُلِدَ لِدَاوُدَ بَنُونَ فِي حَبْرُونَ. وَكَانَ بِكْرُهُ أَمْنُونَ مِنْ أَخِينُوعَمَ الْيَزْرَعِيلِيَّةِ، 3وَثَانِيهِ كِيلآبَ مِنْ أَبِيجَايِلَ امْرَأَةِ نَابَالَ الْكَرْمَلِيِّ. وَالثَّالِثُ أَبْشَالُومَ ابْنَ مَعْكَةَ بِنْتِ تَلْمَايَ مَلِكِ جَشُورَ،
4وَالرَّابِعُ أَدُونِيَّا ابْنَ حَجِّيثَ، وَالْخَامِسُ شَفَطْيَا ابْنَ أَبِيطَالَ، 5وَالسَّادِسُ يَثْرَعَامَ مِنْ عَجْلَةَ امْرَأَةِ دَاوُدَ. هَؤُلاَءِ وُلِدُوا لِدَاوُدَ فِي حَبْرُونَ.
ملك داود على سبط يهوذا فقط وسكن فى حبرون، وظلت بقية الأسباط غير خاضعة له مدة سبع سنوات ونصف، وكانت هناك صدامات بينه وبين بقية الأسباط ولكن قوته كانت تزداد تدريجيًا بمعونة الله. وبعد خمس سنوات ونصف، تحرك أبنير رئيس جيش شاول، وكان قائدًا حربيًا قويًا، وأقام إيشبوشث ابن شاول ملكًا على باقى الأسباط وكان ذا شخصية ضعيفة. وظل تملك إيشبوشث سنتين، استمرت فيها الصدامات بين الأسباط وبين سبط يهوذا وفى النهاية اختلف إيشبوشث مع أبنير ووبَّخه، فغضب أبنير واتفق مع داود أن يملك على كل بنى إسرائيل. وبعد ذلك مات أبنير ثم إيشبوشث، فملك داود على كل الأسباط بعد أن صبر سبع سنوات ونصف، لعله اهتم بحياته الروحية فيها بالإضافة إلى أنه تمرن على قيادة وإدارة المملكة الصغيرة وهى سبط يهوذا، فكان ذلك تأهيلاً له ليملك على كل إسرائيل. ولم يتذمر بدعوى أنه ممسوح من الله ملكًا منذ صغره، ولم يسعَ لمحاربة الأسباط، بل كان يدافع عن نفسه فى الصدامات التى كانت تقوم بها الأسباط ضده.
ع1: عندما ملك داود على سبط يهوذا، بدأ مركزه يتقوى رغم وجود صدامات بينه وبين باقى الأسباط بقيادة أبنير. وتزايدت هذه الصدامات طوال خمس سنوات ونصف ثم زادت بعدما ملَّك أبنير إيشبوشث ابن شاول على باقى الأسباط لمدة سنتين، ولكن كانت النصرة لداود وتقوى مركزه مع مرور السنين، وعلى العكس ضعف تابعوا إيشبوشث تدريجيًا وذلك لما يلى:
- ضعف شخصية إيشبوشث بالقياس بشاول أبيه أو يوناثان أخيه.
- محبة الناس وإعجابهم بداود لشخصيته وقوته فى الحروب وعلمهم أنه الملك الحقيقى الذى مسحه الله.
- كان داود متكلاً على الله، أما إيشبوشث وأبنير فاعتمدوا على القوة المادية.
وقد استمرت الصدامات مدة طويلة لعناد أبنير، ومن ناحية أخرى كان داود لا يريد الاعتداء على إيشبوشث ونسله لأنه وعد شاول أباه ألا يقطع نسله (1صم24: 20-22).
وأبنير يرمز للشيطان، وداود يرمز للمسيح وأولاد الله، فرغم أن قوة إبليس تبدو ضخمة، أى العشرة أسباط، ولكن الله ينصر أولاده ويحميهم، فتزداد قوتهم، أما إبليس فنهايته الهلاك الأبدى.
? انتظر داود سبع سنوات ونصف حتى خضعت كل الأسباط له، سبقها سنوات كثيرة منذ مسحة الله فى بيت أبيه، ولكن كان داود يتقوى ويعظم تدريجياً. فلا تنزعج إذا تأخرت بركة الله عنك أو استجابته لطلباتك، وتمسك به فى جهاد روحى برفض الخطية وتنفيذ الوصية، ففى النهاية ستنال بركات كثيرة وتقوى علاقتك بالله.
ع2: كان تعدد الزوجات مسموحًا فى العهد القديم بسبب ضعف نضج شعبه، ولكن فى العهد الجديد أعاد الله ما وضعه منذ بدء الخليقة وهو اقتران رجل واحد بامرأة واحدة ليصيرا جسدًا واحدًا (تك2: 24)، وقد أنجب داود من زيجاته المتعددة ستة أبناء خلال فترة ملكه فى حبرون. ويورد لنا الوحى هنا أسماءهم جميعًا. كان أولهم (البكر) أمنون الذى أساء إلى أخته (ص3: 2) وقتله بسبب ذلك أخوه أبشالوم (ص13: 29)، وكانت أمه أخينوعم من يزرعيل التى تزوجها داود بعد أن أخذت منه ميكال.
ع3: جشور : مدينة تقع شرق الأردن بين حرمون وباشان.
الابن الثانى هو “كيلآب” وورد اسمه “دانيئيل” فى (1أى3: 1)، وأمه أبيجايل التى عرف عنها الحكمة وحسن التصرف فى قصة داود مع نابال الكرملى ويبدو أنه مات فى حياة داود. والابن الثالث هو “أبشالوم” الذى حاول اغتصاب الملك من أبيه وحاربه فٌقِتَل وعاد داود لملكه (ص15-19) وهو ابن لبنت ملك “جشور” التى تزوجها داود لتوطيد صداقته بأبيها، وكانت وثنية ولكن لعلها انضمت للإيمان بعد زواجها من داود وقد قتل أبشالوم حينما هاجم أباه داود ورجاله (ص18: 14، 15).
ع4: الابن الرابع هو “أدونيا” الذى أعلن نفسه ملكًا فى أواخر حياة أبيه (1مل1: 11) باعتباره البكر لأن إخوته الأكبر منه قد ماتوا جميعًا، ولكن أباه عيّن سليمان ليخلفه على العرش، وهو ابن حجيث. والابن الخامس هو “شفطيًا ابن أبيطال”، ولم يرد عنه تفصيلات أخرى فى الوحى.
ع5: الابن السادس هو “يثرعام ابن عجلة”. وهو أيضًا لم يرد عنه تفصيلات إضافية فى الوحى. كل هؤلاء ولدوا لداود فى حبرون خلاف من ولدوا له بعد ذلك فى أورشليم.
(1أى3: 5).
(2) غضب أبنير من إيشبوشث (ع6-11):
6وَكَانَ فِي وُقُوعِ الْحَرْبِ بَيْنَ بَيْتِ شَاوُلَ وَبَيْتِ دَاوُدَ أَنَّ أَبْنَيْرَ تَشَدَّدَ لأَجْلِ بَيْتِ شَاوُلَ.
7وَكَانَتْ لِشَاوُلَ سُرِّيَّةٌ اسْمُهَا رِصْفَةُ بِنْتُ أَيَّةَ. فَقَالَ إِيشْبُوشَثُ لأَبْنَيْرَ: «لِمَاذَا دَخَلْتَ إِلَى سُرِّيَّةِ أَبِي؟» 8فَاغْتَاظَ أَبْنَيْرُ جِدّاً مِنْ كَلاَمِ إِيشْبُوشَثَ وَقَالَ: «أَلَعَلِّي رَأْسُ كَلْبٍ لِيَهُوذَا؟ الْيَوْمَ أَصْنَعُ مَعْرُوفاً مَعَ بَيْتِ شَاوُلَ أَبِيكَ، مَعَ إِخْوَتِهِ وَمَعَ أَصْحَابِهِ، وَلَمْ أُسَلِّمْكَ لِيَدِ دَاوُدَ، وَتُطَالِبُنِي الْيَوْمَ بِإِثْمِ الْمَرْأَةِ! 9هَكَذَا يَصْنَعُ اللَّهُ بِأَبْنَيْرَ وَهَكَذَا يَزِيدُهُ إِنَّهُ كَمَا حَلَفَ الرَّبُّ لِدَاوُدَ كَذَلِكَ أَصْنَعُ لَهُ 10لِنَقْلِ الْمَمْلَكَةِ مِنْ بَيْتِ شَاوُلَ وَإِقَامَةِ كُرْسِيِّ دَاوُدَ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَعَلَى يَهُوذَا مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ». 11وَلَمْ يَقْدِرْ بَعْدُ أَنْ يُجَاوِبَ أَبْنَيْرَ بِكَلِمَةٍ لأَجْلِ خَوْفِهِ مِنْهُ.
ع6: تشدد لأجل : تحمس لأجل.
فى المعارك التى نشبت بين مؤيدى بيت شاول ومؤيدى بيت داود، كان أبنير رئيس جيش شاول ونسيبه مدافعًا ببسالة عن بيته، محاولاً تثبيت المملكة لإيشبوشث ابن شاول.
ع7: رصفة بن آية : سرية شاول وهى التى حرست جثتى ابنيها اللذين صلبهما الجبعونيين (ص21: 8-11).
سرية : جارية يتزوجها سيدها.
كان نظام السرارى ساريًا فى ذلك العصر، وكان لشاول سرية اسمها “رصفة” حاول أبنير ضمها لسراريه تقوية لمركزه وسلطانه فى المملكة، ولما علم إيشبوشث استاء من ذلك وعاتب أبنير لأنه أساء بذلك إلى شاول أبيه.
ع8: رأس كلب : رأس كلب ميت لا قيمة له.
تضايق أبنير جدًا من عتاب إيشبوشث له، إذ اعتبره تحقيرًا له كأنه رأس كلب ميت وأنه اتهام باطل من إيشبوشث بأنه مناصر لداود بإساءاته إلى بيت شاول فى أخذه سريته. وذكّر إيشبوشث بأعماله العظيمة مع بيت شاول من قيادته للجيش أيام شاول ثم تمليكه إيشبوشث ودفاعه عنه ضد داود، فكيف يطالبه اليوم بإرجاع السرية كأنه إثم وذنب عظيم قد فعله أبنير. ولعل إيشبوشث قد خاف عندما تزوج أبنير بسرية شاول من أن يقيم أبنير نفسه ملكًا، وهذا الخوف يؤكد أنه بعيد عن الله فيظن السوء فى الناس.
ويلاحظ أن إيشبوشث لم يستطع أن يرد على أبنير بكلمة واحدة لأنه قد تمّلك بقوة أبنير وليس بقوة الله، فمن يعتمد على البشر يخضع لهم فيذلونه، أما من يتكل على الله فيظل قويًا مهما تغير البشر.
ع9، 10: دان : هو الاسم الجديد الذى أطلقه سبط دان على “لايش” بعد أن استولوا على المكان فى أقصى التخم الشمالى لمملكة إسرائيل.
بئر سبع : مدينة فى أقصى جنوب فلسطين تبعد عن حبرون نحو 45كم جنوبًا.
أقسم أبنير بصيغة الدعاء الشائعة فى ذلك العصر، وهى تعنى أن الرب يصنع به شرورًا إذا لم ينفذ قراره بالتخلى عن إيشبوشث ومناصرة داود الذى اختاره الرب ومسحه ملكًا بدلاً من شاول، فينقل الملك من بيت شاول ويسلمه لداود ليملك على جميع أسباط إسرائيل من أقصى البلاد شمالاً إلى أقصاها جنوبًا.
واعتمد أبنير فى نقل المملكة إلى داود على قوته ونسى أنه مجرد إنسان والله هو الذى يدبر حياة أولاده، فاستخدمه الله واتفق مع داود ولكن قبل أن يملك داود على الأسباط مات أبنير (ع27)، فالقوة والتدبير هى لله وليست فى يد البشر الضعفاء.
? سمح الله بعتاب إيشبوشث لأبنير وغضب أبنير منه حتى ينقل المملكة كلها إلى داود. فلا تنزعج من قوة الأشرار ومقاومتهم لك، فمهما طالت، الله قادر أن يحولها فى الوقت المناسب لخيرك.
ع11: لم يستطع إيشبوشث أن يرد على أبنير لخوفه الشديد منه، فهو القوة التى تحميه خاصة وأن أبنير هدّده بأخذ المملكة منه.
(3) داود يسترجع ميكال (ع12-16):
12فَأَرْسَلَ أَبْنَيْرُ مِنْ فَوْرِهِ رُسُلاً إِلَى دَاوُدَ قَائِلاً: «لِمَنْ هِيَ الأَرْضُ؟ يَقُولُونَ: اقْطَعْ عَهْدَكَ مَعِي، وَهُوَذَا يَدِي مَعَكَ لِرَدِّ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ إِلَيْكَ». 13فَقَالَ: «حَسَناً. أَنَا أَقْطَعُ مَعَكَ عَهْداً، إِلاَّ إِنِّي أَطْلُبُ مِنْكَ أَمْراً وَاحِداً، وَهُوَ أَنْ لاَ تَرَى وَجْهِي مَا لَمْ تَأْتِ أَوَّلاً بِمِيكَالَ بِنْتِ شَاوُلَ حِينَ تَأْتِي لِتَرَى وَجْهِي». 14وَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلاً إِلَى إِيشْبُوشَثَ بْنِ شَاوُلَ يَقُولُ: «أَعْطِنِي امْرَأَتِي مِيكَالَ الَّتِي خَطَبْتُهَا لِنَفْسِي بِمِئَةِ غُلْفَةٍ مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». 15فَأَرْسَلَ إِيشْبُوشَثُ وَأَخَذَهَا مِنْ عِنْدِ رَجُلِهَا، مِنْ فَلْطِيئِيلَ بْنِ لاَيِشَ. 16وَكَانَ رَجُلُهَا يَسِيرُ مَعَهَا وَيَبْكِي وَرَاءَهَا إِلَى بَحُورِيمَ. فَقَالَ لَهُ أَبْنَيْرُ: «اذْهَبِ ارْجِعْ». فَرَجَعَ.
ع12: لمن هى الأرض : أى أن أرض الأسباط تحت سلطانى هكذا يقول أبنير.
يقولون اقطع عهدك معى : يعلن أن شعب الأسباط قالوا لأبنير ليتك تقطع عهدًا مع داود لنتبعه، والحقيقة أن أبنير هو الذى كان يريد أن يقطع العهد مع داود ليضمن مسامحة داود له ويصير تابعًا وقائدًا من قادته.
بعد غضب أبنير من إيشبوشث، قرّر أن يعزله من الملك ويجعل داود ملكًا على كل الأسباط، فأرسل إلى داود معلنًا استعداده لقطع العهد معه وجعله ملكًا على كل الأسباط.
ع13: ترى وجهى : تأتى لمقابلتى.
وافق داود على ما عرضه أبنير عليه، ولكنه اشترط ألا يأتى إليه أبنير لعقد المعاهدة إلا بعد رد زوجته الأولى ميكال إليه. وكان شاول قد أخذها منه وأعطاها زوجة لفلطئيل ابن لايش (1صم25: 44)].
ع14: كان داود يحب زوجته ميكال ويرغب فى عودتها زوجة له، فقرّر أن يرسل أيضًا لإيشبوشث، لأن ميكال كانت تسكن مع الأسباط التابعة لمُلك إيشبوشث، وطلب منه رد زوجته السابقة ميكال إليه. وكان هذا تصرفًا حكيمًا من داود حتى لا يُقال أنه تعدى سلطة الملك ايشبوشث فى هذا الأمر.
وقد طلب داود ميكال لما يلى :
- لأنه كان يحبها وكان أمينًا فى استرجاعها زوجة له عندما حانت له الفرصة، ومن يكون أمينًا فى بيته هو الذى يستحق أن يكون أمينًا على المملكة (1تى3: 5).
- بإرجاع ميكال يعلن أمام الأسباط قرابته لشاول فيجتذب قلوبهم إليه، خاصة سبط بنيامين، عندما يملك على الكل.
- يظهر أنه ليس متلهفًا على الملك والرئاسة بل تدبير بيته وتحقيق العدالة قبل كل شئ، فقد كان من السهل عليه أن يسترجعها بعد تملكه بسلطانه الملكى.
- هو رد لكرامة داود مما يجعل الأسباط تحترمه.
ولكن السبب الأول هو أهم الأسباب وقد يكون السبب الوحيد.
ع15: فلطئيل بن لايش : رجل من قرية “جليم” وهى من قرى سبط بنيامين وقريبة من جبعة.
اهتم ايشبوشث بطلب داود حتى لا يحدث خلاف معه، فهو يعرف قوة داود ورجاله، وأحضر ميكال ليرسلها إليه.
ع16: بحوريم : قرية فى الطريق من أورشليم إلى الأردن بالقرب من جبل الزيتون.
كان فلطيئيل زوج ميكال محبًا وفيًا لها، وإذ لم يكن باستطاعته مخالفة أمر الملك، خرج لتشييعها باكيًا على فراقها، وظل متتبعًا خطواتها حتى زجره أبنير آمرًا إيّاه أن يكف عن مواصلة السير وراءها ويرجع إلى منزله، فأطاع فلطيئيل ورجع إلى بيته.
? ثق فى محبة الله الذى يعيد إليك حقوقك إن كنت مظلومًا، مهما طال الزمن وتأخرت استجابته، فهو لا ينساك أبدًا وفى المدة الطويلة التى تنتظرها يعلمك وينميك فى معرفته فتجد خلاص نفسك كما حدث مع داود وصبر وقتًا طويلاً حتى خضعت المملكة كلها له.
(4) أبنير ينادى بداود ملكًا على كل أسباط إسرائيل (ع17-21):
17وَكَانَ كَلاَمُ أَبْنَيْرَ إِلَى شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ: «قَدْ كُنْتُمْ مُنْذُ أَمْسٍ وَمَا قَبْلَهُ تَطْلُبُونَ دَاوُدَ لِيَكُونَ مَلِكاً عَلَيْكُمْ. 18فَالآنَ افْعَلُوا. لأَنَّ الرَّبَّ قَالَ لِدَاوُدَ: «إِنِّي بِيَدِ دَاوُدَ عَبْدِي أُخَلِّصُ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَمِنْ أَيْدِي جَمِيعِ أَعْدَائِهِمْ». 19وَتَكَلَّمَ أَبْنَيْرُ أَيْضاً فِي مَسَامِعِ بِنْيَامِينَ، وَذَهَبَ أَبْنَيْرُ لِيَتَكَلَّمَ فِي مَسَامِعِ دَاوُدَ أَيْضاً فِي حَبْرُونَ بِكُلِّ مَا حَسُنَ فِي أَعْيُنِ إِسْرَائِيلَ وَفِي أَعْيُنِ جَمِيعِ بَيْتِ بِنْيَامِينَ. 20فَجَاءَ أَبْنَيْرُ إِلَى دَاوُدَ إِلَى حَبْرُونَ وَمَعَهُ عِشْرُونَ رَجُلاً. فَصَنَعَ دَاوُدُ لأَبْنَيْرَ وَلِلرِّجَالِ الَّذِينَ مَعَهُ وَلِيمَةً. 21وَقَالَ أَبْنَيْرُ لِدَاوُدَ: «أَقُومُ وَأَذْهَبُ وَأَجْمَعُ إِلَى سَيِّدِي الْمَلِكِ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ، فَيَقْطَعُونَ مَعَكَ عَهْداً، وَتَمْلِكُ حَسَبَ كُلِّ مَا تَشْتَهِي نَفْسُكَ». فَأَرْسَلَ دَاوُدُ أَبْنَيْرَ فَذَهَبَ بِسَلاَمٍ.
ع17، 18: منذ أمس وما قبله : من زمن طويل وحتى الآن.
لم يشأ أبنير كرجل حكيم أن يقيم معاهدة مع داود دون الرجوع لشيوخ إسرائيل ليكونوا مشاركين فى القرار فيصير قرارًا قويًا، فذكرهم برغبتهم منذ زمن طويل وحتى الآن بأن يكون داود ملكًا عليهم. فطالما كانت هذه رغبتكم فلتحققوها بإقامته ملكًا عليكم، فرغبتكم هذه تتفق مع المشيئة الإلهية باختيار داود مخلصًا لشعبه من الفلسطينيين ومن الأعداء الآخرين. ويفهم من هذا أن الأسباط كانوا يرغبون فى تمليك داود عليهم ولكن أبنير لم يستجب لرغبتهم لأنه فكر فى نفسه أن يكون متسلطًا على المملكة من خلال إيشبوشث الضعيف، حتى سمح الله بالمشكلة بينه وبين إيشبوشث فنفَّذ رغبة الشعب وإرادة الله بتمليك داود.
? هنا تتجلى حكمة أبنير، فعلى مثاله يجدر بكل حاكم أو رئيس عمل ألا ينفرد بالرأى بل يشارك شعبه أو العاملين معه فى قراراته فيضمن بذلك تعضيدهم له فى التنفيذ ونجاح خططه. فاهتم برأى من حولك واشركهم فى قراراتك حتى لو تنازلت عن بعض منها لتريحهم وتضمن تجاوبهم ويفرحوا معك بكل ما تعمله.
ع19: تكلم فى مسامع : خطب فيهم أو تكلم فى محضرهم.
بعد أن خاطب أبنير جميع الأسباط، خاطب سبط بنيامين بنوع خاص، فهو السبط الذى منه شاول لإقناعهم بقبول داود الذى هو من سبط يهوذا ملكًا، ولا يتعصبوا لبيت شاول؛ واستطاع أبنير إقناعهم لأنه بنيامينى مثلهم، وبعد أن حاز أبنير على تأييد وموافقة جميع أسباط إسرائيل وبالأخص سبط بنيامين، ذهب إلى حبرون مقرّ مُلك داود ليخبره بموافقة الجميع على تملكه عليهم.
ع20: جاء أبنير إلى حبرون يرافقه وفد من عشرين شخصًا، لعلهم مندوبون عن شيوخ إسرئيل، ليقابلوا داود الذى رحب بهم واحتفى باللقاء معهم بصنعه وليمة لهم. ومن البديهى أنهم أبلغوه خلال اللقاء بالقرار الجماعى لكل الأسباط.
ع21: أبلغ أبنير داود أنه بمجرد انصرافه من عنده سيذهب ليدعو جميع رؤساء الشعب ومعاونيهم للحضور إليه ليقطعوا عهدًا معه ويعلنوا قبولهم إياه ملكًا، فيكون تمليكه مؤسس على رغبة جماعية من الشعب ويتم بصورة رسمية، وأذن له داود بالانصراف فانصرف بسلام.
(5) يوآب يقتل أبنير (ع22-39):
22وَإِذَا بِعَبِيدِ دَاوُدَ وَيُوآبُ قَدْ جَاءُوا مِنَ الْغَزْوِ وَأَتُوا بِغَنِيمَةٍ كَثِيرَةٍ مَعَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ أَبْنَيْرُ مَعَ دَاوُدَ فِي حَبْرُونَ، لأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَرْسَلَهُ فَذَهَبَ بِسَلاَمٍ. 23وَجَاءَ يُوآبُ وَكُلُّ الْجَيْشِ الَّذِي مَعَهُ. فَأَخْبَرُوا يُوآبَ: «قَدْ جَاءَ أَبْنَيْرُ بْنُ نَيْرٍ إِلَى الْمَلِكِ فَأَرْسَلَهُ فَذَهَبَ بِسَلاَمٍ». 24فَدَخَلَ يُوآبُ إِلَى الْمَلِكِ وَقَالَ: «مَاذَا فَعَلْتَ؟ هُوَذَا قَدْ جَاءَ أَبْنَيْرُ إِلَيْكَ. لِمَاذَا أَرْسَلْتَهُ فَذَهَبَ؟ 25أَنْتَ تَعْلَمُ أَبْنَيْرَ بْنَ نَيْرٍ أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ لِيُمَلِّقَكَ وَلِيَعْلَمَ خُرُوجَكَ وَدُخُولَكَ وَلِيَعْلَمَ كُلَّ مَا تَصْنَعُ». 26ثُمَّ خَرَجَ يُوآبُ مِنْ عِنْدِ دَاوُدَ وَأَرْسَلَ رُسُلاً وَرَاءَ أَبْنَيْرَ، فَرَدُّوهُ مِنْ بِئْرِ السِّيرَةِ وَدَاوُدُ لاَ يَعْلَمُ. 27وَلَمَّا رَجَعَ أَبْنَيْرُ إِلَى حَبْرُونَ مَالَ بِهِ يُوآبُ إِلَى وَسَطِ الْبَابِ لِيُكَلِّمَهُ سِرّاً، وَضَرَبَهُ هُنَاكَ فِي بَطْنِهِ فَمَاتَ بِدَمِ عَسَائِيلَ أَخِيهِ. 28فَسَمِعَ دَاوُدُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: «إِنِّي بَرِيءٌ أَنَا وَمَمْلَكَتِي لَدَى الرَّبِّ إِلَى الأَبَدِ مِنْ دَمِ أَبْنَيْرَ بْنِ نَيْرٍ. 29فَلْيَحِلَّ عَلَى رَأْسِ يُوآبَ وَعَلَى كُلِّ بَيْتِ أَبِيهِ، وَلاَ يَنْقَطِعُ مِنْ بَيْتِ يُوآبَ ذُو سَيْلٍ وَأَبْرَصُ وَعَاكِزٌ عَلَى الْعُكَّازَةِ وَسَاقِطٌ بِالسَّيْفِ وَمُحْتَاجُ الْخُبْزِ». 30فَقَتَلَ يُوآبُ وَأَبِيشَايُ أَخُوهُ أَبْنَيْرَ لأَنَّهُ قَتَلَ عَسَائِيلَ أَخَاهُمَا فِي جِبْعُونَ فِي الْحَرْبِ. 31فَقَالَ دَاوُدُ لِيُوآبَ وَلِجَمِيعِ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ: «مَزِّقُوا ثِيَابَكُمْ وَتَنَطَّقُوا بِالْمُسُوحِ وَالْطِمُوا أَمَامَ أَبْنَيْرَ». وَكَانَ دَاوُدُ الْمَلِكُ يَمْشِي وَرَاءَ النَّعْشِ. 32وَدَفَنُوا أَبْنَيْرَ فِي حَبْرُونَ. وَرَفَعَ الْمَلِكُ صَوْتَهُ وَبَكَى عَلَى قَبْرِ أَبْنَيْرَ، وَبَكَى جَمِيعُ الشَّعْبِ. 33وَرَثَا الْمَلِكُ أَبْنَيْرَ وَقَالَ: «هَلْ كَمَوْتِ أَحْمَقَ يَمُوتُ أَبْنَيْرُ؟ 34يَدَاكَ لَمْ تَكُونَا مَرْبُوطَتَيْنِ، وَرِجْلاَكَ لَمْ تُوضَعَا فِي سَلاَسِلِ نُحَاسٍ. كَالسُّقُوطِ أَمَامَ بَنِي الإِثْمِ سَقَطْتَ». وَعَادَ جَمِيعُ الشَّعْبِ يَبْكُونَ عَلَيْهِ. 35وَجَاءَ جَمِيعُ الشَّعْبِ لِيُطْعِمُوا دَاوُدَ خُبْزاً، وَكَانَ بَعْدُ نَهَارٌ. فَحَلَفَ دَاوُدُ: «هَكَذَا يَفْعَلُ لِيَ اللَّهُ وَهَكَذَا يَزِيدُ إِنْ كُنْتُ أَذُوقُ خُبْزاً أَوْ شَيْئاً آخَرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ». 36فَعَرَفَ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَحَسُنَ فِي أَعْيُنِهِمْ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مَا صَنَعَ الْمَلِكُ كَانَ حَسَناً فِي أَعْيُنِ جَمِيعِ الشَّعْبِ. 37وَعَلِمَ كُلُّ الشَّعْبِ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلِكِ قَتْلُ أَبْنَيْرَ بْنِ نَيْرٍ. 38وَقَالَ الْمَلِكُ لِعَبِيدِهِ: «أَلاَ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَئِيساً وَعَظِيماً سَقَطَ الْيَوْمَ فِي إِسْرَائِيلَ؟ 39وَأَنَا الْيَوْمَ ضَعِيفٌ وَمَمْسُوحٌ مَلِكاً، وَهَؤُلاَءِ الرِّجَالُ بَنُو صَرُويَةَ أَقْوَى مِنِّي. يُجَازِي الرَّبُّ فَاعِلَ الشَّرِّ كَشَرِّهِ».
ع22: كان يوآب غائبًا عن حبرون لأنه كان مع جنوده يحاربون بعض الشعوب المعادية وعاد بغنائم وافرة من حربه هذه، وكان وقت عودته بعد انصراف أبنير من عند داود.
ع23: عند عودة يوآب أخبره أحد رجاله بالمقابلة التى تمت بين أبنير والملك داود، وكيف أنه لاقى ترحيبًا من الملك وانصرف بعد المقابلة فى سلام.
ع24: كان يوآب شخصية قوية ورئيسًا للجيش وله دالة عند داود لأنه ابن أخته، فلما سمع بمقابلة أبنير لداود وانصرافه من عنده بسلام، غضب جدًا، لأن أبنير عادى داود سنينًا طويلة مع شاول وحاول قتله ثم قسم المملكة بعد شاول وأعطى الجزء الأكبر لإيشبوشث ابن شاول. فدخل يوآب على داود وعاتبه بشدة لأنه لم يقتل أبنير وصرفه بسلام.
ع25: يملقك : ينافقك ويتملقك بكلام مديح ويخدعك.
وقال للملك أنه يجب أن يعلم أنه جاء لينافقك ويخدعك فيعلم أسرارك وإمكاناتك حتى يعود ويخطط لأخذ الملك منك لصالح إيشبوشث ابن شاول. وهذا يظهر شر يوآب وظنه السيئ فى أبنير، فهو ليس حكيمًا ومحبًا ومتسامحًا مثل داود، فقد اتهم أبنير بالجاسوسية دون أى وجه حق.
ع26: بئر السيرة : اسم لبئر يبعد عن حبرون نحو 6كم.
خرج يوآب غاضبًا من عند داود وأرسل – دون علم الملك – مَن يلحق بأبنير ليستدرجوه للرجوع ثانية إلى حبرون بدعوى الاتفاق مع الملك أو مع يوآب على بعض الأمور التى لم تُغَطَّ فى مباحثاته الأولى مع الملك. وكان أبنير قد وصل فى مسيرته إلى موقع بئر يسمى بئر السيرة حين لحق به رسل يوآب.
ع27: استجاب أبنير بحسن نية لطلب رسل يوآب وعاد إلى حبرون، وكان يوآب فى انتظاره عند مدخل المدينة، فأخذه إلى جانب الباب متظاهرًا بأنه يريد أن يحادثه سرًا، ولكنه استل سيفه فجأة وقتله غدرًا وانتقامًا لقتله عسائيل أخيه.
وكان ليوآب غرض آخر لقتله أبنير وهو تخوفه من منافسته له فى قيادة جيش داود مستقبلاً. وهذا يرينا كم يقود حب الذات الإنسان إلى ارتكاب شرور فظيعة.
ويلاحظ أن يوآب قد قتل أبنير عند باب مدينة حبرون وليس داخلها، لأن حبرون من مدن الملجأ ولا يجوز قتل إنسان فيها أخذًا بالثأر، لأن أبنير كان قد قتل عسائيل فلم يأخذ يوآب بثأر أخيه. وقتل يوآب لأبنير كان غدرًا، لأنه إن كان يريد أن يقاتله فكان لابد أن يبارزه، وبهذا الغدر خالف الشريعة الموسوية التى تقول “ملعون من يقتل قريبه فى الخفاء” (تث27: 24).
وقد سمح الله بموت أبنير لأنه أساء إلى داود كثيرًا، سواء فى مطاردته له أيام شاول وتقسيمه للمملكة ومصادماته مع داود، وحتى لا يظن أحد أن أبنير هو الذى ملّك داود، فالله هو الذى ملَّكه.
ع28: فور علم داود بما حدث، أعلن على الفور براءته وبراءة مملكته من هذا القتل الغادر.
ع29: يحل على رأس يوآب : يحمل ذنب قتل أبنير على موآب وبنيه.
ذو سيل : هو من الأمراض النجسة فى الشريعة.
أبرص : مصاب بالبهاق.
لم يكتفِ داود بتبرئة نفسه، بل لعن يوآب ودعى عليه وعلى بيته بأن تصيبهم أمراض وشرور جزاء فعلته، فيكون دائمًا من أهل بيته مرضى بأنواع السيل والبرص والشلل وقتلى بيد الأعداء وفقراء فى عوز دائم إلى القوت الضرورى.
كانت لعنة داود هذه بمثابة نبوة عما سيلحق بيوآب ونسله من شرور كثمرة ظلمه لأبنير. ومن المعلوم أن نسل فاعلى الشر غالبًا ما ينشأون أشرارًا مثل آبائهم، فيعانون من نفس الويلات التى عانى منها الآباء، ولكن أن أصلح الأبناء سيرتهم فإن الله يرحمهم ويرفع غضبه عنهم (حز18: 10-18).
ع30: هكذا انتقم يوآب وأخوه أبيشاى عن مقتل أخيهما عسائيل بيد أبنير خلال الحرب، ولكن هذا الانتقام كان عمل شرير غير مبرر لأن أبنير كان قد حذر عسائيل أكثر من مرة من تتبعه وطلب منه الابتعاد عنه، فكان قتله إيّاه دفاعًا عن النفس وأثناء الحرب، أما قتل أبنير فكان خداعًا وغدرًا. وتوضح هذه الآية أن أبيشاى اشترك فى مخادعة أبنير ليذهب مع يوآب وحدهما فيستطيع يوآب قتله غدرًا.
ع31: تنطقوا بالمسوح : إلبسوا المسوح أى الملابس الخشنة كمنطقة، وهى ما يلبس على الوسط ويمتد إلى أسفل، وذلك تعبيرًا عن الحزن الشديد لأن الإنسان يتضايق عندما يلمس جلده هذه الملابس الخشنة.
أعلن داود فترة حداد على مقتل أبنير، وطلب من الشعب أن يظهروا كافة مظاهر الحزن والتى كانت تتمثل فى ذلك العصر فى تمزيق الثياب ولبس المسوح واللطم على الوجوه. كما أمر بترتيب جنازة رسمية، وسار داود فى المقدمة وراء النعش مشاركًا فى تشييع أبنير. وقد حزن داود على أبنير لأنه قُتِلَ غدرًا وكان قائدًا فى محاربة وإبادة الوثنيين كما أمر الله.
ع32: تم دفن أبنير فى حبرون عاصمة مملكة داود تكريمًا له، وبكى داود على قبره وتأثر الشعب به فبكوا هم أيضًا. وهذا يظهر مدى تسامح داود ومحبته لمن يعاديه خاصة إذا طلب الصلح.
ويلاحظ أن داود لم يعزل يوآب من رئاسة الجيش رغم علمه بأن ما فعله خطأ كبير، وذلك لقوة مركز يوآب، فلم يكن من الحكمة معاقبته فى هذا الوقت لئلا تحدث اضطرابات، ولكنه نال جزاءه فيما بعد على يد سليمان بتوصية داود أبيه. فداود عادل حتى مع ابن أخته يوآب ما دام قد أخطأ (1مل2: 31).
ع33: رثى داود أبنير بقصيدة شعرية جميلة، مستنكرًا الطريقة التى مات بها هذا المحارب والقائد العظيم، وهى حيلة شريرة قد يموت بها شخص ساذج يستدرج بمكر.
? ليتك تقدر فضائل من يعاديك أو يسئ إليك وتحاول أن تسامحه مهما كانت أخطاؤه وتذكر حسناته وأعماله العظيمة بعد موته، فهذه هى المحبة الحقيقية التى لا تظلم أحدًا وتسامح كل الإساءات.
ع34: بنى الإثم : الأشرار الغادرون.
مما قاله داود فى رثائه أن موت أبنير كان كموت الشرفاء، فلم يكن مقيدًا كمجرم حكم عليه بالقتل ولكنه سقط بأيدى غادرة شريرة مثلما يقتل اللصوص أى إنسان برئ. وكانت كلمات الرثاء هذه مؤثرة فى الشعب فعادوا يبكون على أبنير.
ع35: يفعل لى الله وهكذا يزيد : أصير مستحقًا للعقاب الإلهى الشديد.
حاول مرافقو داود أن يجعلوه يأكل شيئًا لأنه لم يكن قد تناول شيئًا من الطعام منذ مطلع النهار، ولكنه امتنع عن أن يذوق الطعام حتى الغروب بالرغم من أن الوقت كان مازال مبكرًا على وقت الغروب، ودعى داود على نفسه إن تناول شيئًا حتى غروب الشمس. وكان صوم داود هذا لما يلى :
- حزنًا على أبنير.
- رفضًا للشر الذى تم مع أبنير من يوآب وأخيه أبيشاى.
- تقديم الصوم والصلاة على الراقدين كما حدث من أهل يابيش جلعاد (1صم31: 13).
ع36: رأى الشعب وسمعوا عما فعله داود بسبب موت أبنير من بكاء ورثاء وصوم عن الطعام فارتاحوا لتصرفه هذا وأعجبهم ما قام به من واجب العزاء لأبنير، إذ كان أبنير قائدًا عظيمًا فى نظر كل الشعب.
ع37: أكدت تصرفات داود للجميع أنه لم يكن محرضًا على قتل أبنير بل لم يعلم بما كان يدبره يوآب للغدر بهذا الرجل العظيم.
ع38: حاول رجال داود مواساته فى حزنه الشديد على مقتل أبنير ولكنه قال لهم أن أبنير يستحق كل هذا الرثاء لأنه كان بالحقيقة إنسانًا عظيمًا وسقوطه يعد خسارة جسيمة لشعبه.
ع39: تكلم داود باتضاع عجيب أمام عبيده ومستشاريه، معلنًا ضعفه أمام قوة يوآب وأبيشاى ابنى صروية أخته. فقد كانا قويين ولهما تحكم وسيطرة ليست قليلة فى المملكة، فطلـب داود مـن الله أن يتدخل ليجازيهما على شرهما ويحفظ مملكته بالحق والعدل. وقد قتل فيمـا بعد سـليمان يـوآب، أما يعسـيئيل أحـد ابنـاء أبنير فصار رئيسًا لسبط بنيامين (1أى27: 21).