داود ومفيبوشث
(1) إكرام نسل شاول (ع1-5):
1وَقَالَ دَاوُدُ: «هَلْ يُوجَدُ بَعْدُ أَحَدٌ قَدْ بَقِيَ مِنْ بَيْتِ شَاوُلَ فَأَصْنَعَ مَعَهُ مَعْرُوفاً مِنْ أَجْلِ يُونَاثَانَ؟» 2وَكَانَ لِبَيْتِ شَاوُلَ عَبْدٌ اسْمُهُ صِيبَا، فَاسْتَدْعُوهُ إِلَى دَاوُدَ، وَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «أَأَنْتَ صِيبَا؟» فَقَالَ: «عَبْدُكَ». 3فَقَالَ الْمَلِكُ: «أَلاَ يُوجَدُ بَعْدُ أَحَدٌ لِبَيْتِ شَاوُلَ فَأَصْنَعَ مَعَهُ إِحْسَانَ اللَّهِ؟» فَقَالَ صِيبَا لِلْمَلِكِ: «بَعْدُ ابْنٌ لِيُونَاثَانَ أَعْرَجُ الرِّجْلَيْنِ». 4فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «أَيْنَ هُوَ؟» فَقَالَ صِيبَا لِلْمَلِكِ: «هُوَذَا هُوَ فِي بَيْتِ مَاكِيرَ بْنِ عَمِّيئِيلَ فِي لُودَبَارَ». 5فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ وَأَخَذَهُ مِنْ بَيْتِ مَاكِيرَ بْنِ عَمِّيئِيلَ مِنْ لُودَبَارَ.
ع1: الإنسان عندما تستقر أموره غالبًا ما ينسى الله وعمل الخير، ولكن داود ذا القلب الكبير، بعدما استقر بدأ يبحث عن عمل الخير حتى لأكثر شخص كان يعاديه وهو شاول الملك، فلم ينسَ العهد الذى قطعه مع شاول (1صم24: 20-22)، وكذلك مع ابنه يوناثان للعناية بنسلهما (1صم 20: 12-17)، ومن أجل محبته ليوناثان سعى للوفاء بوعده فسأل من حوله إذا كان أحد من بيت شاول على قيد الحياة.
ولأن داود ملك مقام من الله، لم يفعل مثل باقى ملوك العالم الذين يبيدون نسل الملوك السابقين لهم. ونرى هنا كيف أن ما زرعه يوناثان من محبة واهتمام بداود والمحافظة عليه عندما كان شاول يريد قتله، يرده له الله فى عناية داود بابنه مفيبوشث.
? لا تنسَ عهودك مع الله ومع الناس، لأنه إن كان الله أمينًا فى عهده معك للعناية بك، فلماذا تتهاون فى عهودك وحفظ وصاياه. إنه يحبك، فجدّد عهودك معه بالمقدار الذى يناسبك فى تداريب محددة، وإن كنت تنسَ فاكتب عهودك لله وللناس حتى تنفذها.
ع2: أخذ رجال داود فى البحث عمن يستطيع أن يدلهم على أخبار بيت شاول وعمن بقى منهم على قيد الحياة، فتوصلوا إلى كبير الخدم بيت شاول واسمه “صيبا”، فأمروه بالحضور إلى داود الذى سأله هل هو “صيبا” فأجابه بالإيجاب.
ع3: سأله الملك عما إذا كان أحد من بيت شاول حيًا ليصنع معه معروفًا، فأجابه صيبا أنه يوجد ابن ليوناثان أعرج الرجلين (هو مفيبوشث الذى ذكر فى ص4: 4).
? إن كل عمل طيب نعمله للآخرين هو فى الحقيقة موجه لله نفسه كقول السيد المسيح بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتى هؤلاء الأصاغر فبى فعلتم” (مت25: 40).
ع4: لودبار : موضع فى جلعاد، سمى دبير فى (يش10: 38) ويعرف الآن باسم أم الدبار جنوب وادى العرب شرق الأردن.
سأله داود أين يجد هذا الابن، فأجابه أنه فى بيت “ماكير بن عميئيل” الواقع فى أرض جلعاد. كان هذا الرجل شهمًا بإخفاء مفيبوشث عنده حتى لا يؤذيه أحد، ولابد أنه فعل ذلك وفاءً لشاول. وقد كان وفيًا أيضًا لداود لأنه أكرم داود ورجاله عندما جاءوا إلى محنايم هربًا من ابنه أبشالوم الذى قام بثورة ضده (ص17: 27-29).
ع5: أرسل داود رسلاً إلى بيت ماكير ليحضروا مفيبوشث من هناك إليه فى أورشليم. وقد كان لشاول أبناء وأحفاد آخرون مثـل أبنائه من رصفة وأحفاده من ميرب (1أى8: 33) ولكن لم يذكرهم صيبا. ولا نعلم مشاعر مفيبوشث عند استدعائه، هل كان فى خوف من إساءة توجه له من داود، أم صدق ما سمعه من صيبا بأن داود يريد أن يصنع معه خيرًا ؟ على أى الأحوال كان لابد أن يذهب إلى داود.
(2) مقابلة داود ومفيبوشث (ع6-8):
6فَجَاءَ مَفِيبُوشَثُ بْنُ يُونَاثَانَ بْنِ شَاوُلَ إِلَى دَاوُدَ وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَسَجَدَ. فَقَالَ دَاوُدُ: «يَا مَفِيبُوشَثُ». فَقَالَ: «هَئَنَذَا عَبْدُكَ». 7فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: «لاَ تَخَفْ. فَإِنِّي لَأَعْمَلَنَّ مَعَكَ مَعْرُوفاً مِنْ أَجْلِ يُونَاثَانَ أَبِيكَ، وَأَرُدُّ لَكَ كُلَّ حُقُولِ شَاوُلَ أَبِيكَ، وَأَنْتَ تَأْكُلُ خُبْزاً عَلَى مَائِدَتِي دَائِماً». 8فَسَجَدَ وَقَالَ: «مَنْ هُوَ عَبْدُكَ حَتَّى تَلْتَفِتَ إِلَى كَلْبٍ مَيِّتٍ مِثْلِي؟».
ع6: جاء مفيبوشث إلى داود وأظهر احترامه الشديد وخضوعه له، إذ سجد أمامه وأعلن استعداده الكامل لطاعته بقوله “هأنذا عبدك”.
ع7: شاول أبيك : يعتبر الجد أبًا للأحفاد.
طمأنه داود وأفهمه أن غرضه من إحضاره هو الإحسان إليه وفاء لصداقته لأبيه يوناثان، فلم يكن مفيبوشث يعلم عن العلاقة الودية التى كانت بين أبيه وبين داود،فقد كان عمره خمس سنوات فقط حين مات أبوه. كما وعده داود بأن يعيد إليه كل أراضى جده شاول والتى كانت قد آلت لداود بعد موت إيشبوشث وعودة ميكال زوجة له. وزيادة فى إكرامه أمر بأن يتناول طعامه على مائدة الملك كواحد من أهل بيته.
ع8: لم يكن مفيبوشث يتوقع هذه المعاملة الكريمة من داود، فلم يسعه إلا أن يسجد ثانية شكرًا وتقديرًا، إذ كان يعتقد أنه أصبح نكرة بعد زوال المُلك من أسرة شاول، وشبّه نفسه بالكلب الميت الذى لا قوة له ولا نفع.
وقديمًا سجد داود ليوناثان باعتباره ولىّ العهد أيام مُلك شاول أبيه (1صم20: 41)، والآن يرد الله الكرامة لداود المتضع فيسجد ابن يوناثان له.
ألا يستوجب هذا التعبير هنا شيئًا من التأمل؟ أليس هو نفس التعبير “كلب ميت” الذى استعمله داود حين كان مطاردًا من شاول (1صم24: 14)، فتدور الأيام ويقولها حفيد شاول لداود ! ولكن داود كان قد قالها باتضاع شديد رغم قوته وسقوط شاول بين يديه، أما مفيبوشث فيقولها أمام عطايا ومحبة داود الفائقة للعقل.
? كن متضعًا شاكرًا لكل من يكرمك، فالشكر هو أقل شئ يقدم للكريم. وأشكر الله الذى جعل الناس يكرمونك.
(3) عطايا داود لمفيبوشث (ع9-13):
9وَدَعَا الْمَلِكُ صِيبَا غُلاَمَ شَاوُلَ وَقَالَ لَهُ: «كُلُّ مَا كَانَ لِشَاوُلَ وَلِكُلِّ بَيْتِهِ قَدْ دَفَعْتُهُ لاِبْنِ سَيِّدِكَ. 10فَتَشْتَغِلُ لَهُ فِي الأَرْضِ أَنْتَ وَبَنُوكَ وَعَبِيدُكَ، وَتَسْتَغِلُّ لِيَكُونَ لاِبْنِ سَيِّدِكَ خُبْزٌ لِيَأْكُلَ. وَمَفِيبُوشَثُ ابْنُ سَيِّدِكَ يَأْكُلُ دَائِماً خُبْزاً عَلَى مَائِدَتِي». وَكَانَ لِصِيبَا خَمْسَةَ عَشَرَ ابْناً وَعِشْرُونَ عَبْداً. 11فَقَالَ صِيبَا لِلْمَلِكِ: «حَسَبَ كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ سَيِّدِي الْمَلِكُ عَبْدَهُ كَذَلِكَ يَصْنَعُ عَبْدُكَ». «فَيَأْكُلُ مَفِيبُوشَثُ عَلَى مَائِدَتِي كَوَاحِدٍ مِنْ بَنِي الْمَلِكِ». 12وَكَانَ لِمَفِيبُوشَثَ ابْنٌ صَغِيرٌ اسْمُهُ مِيخَا. وَكَانَ جَمِيعُ سَاكِنِي بَيْتِ صِيبَا عَبِيداً لِمَفِيبُوشَثَ. 13فَسَكَنَ مَفِيبُوشَثُ فِي أُورُشَلِيمَ لأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ دَائِماً عَلَى مَائِدَةِ الْمَلِكِ. وَكَانَ أَعْرَجَ مِنْ رِجْلَيْهِ كِلْتَيْهِمَا.
ع9، 10: تشتغل : أى تحرث الأرض وتزرعها.
تستغل : أى تخرج من الأرض غلة.
أصدر داود توجيهاته لصيبا، فأعلمه أولاً أنه قد منح مفيبوشث سيده كل ما كان يملكه شاول من أراضى زراعية على أن يقوم صيبا وأفراد أسرته وعبيده بفلاحة الأرض والاعتناء بها لتنتج محاصيل وفيرة ليتوفر الطعام وبقية الاحتياجات له ولأسرته، كما أنه قرر أن يتناول مفيبوشث طعامه على مائدة الملك. ويظهر من هذه الآية أن صيبا كان رب أسرة كبيرة، إذ له خمسة عشر ابنًا عدا البنات بالإضافة إلى وجود عشرين عبدًا عنده، كل هؤلاء يستطيعون العناية بالأراضى الواسعة التى وهبها داود لمفيبوشث.
ع11: وعد صيبا الملك داود بأن ينفذ كل ما أمره به بكل دقة. وأضاف داود العبارة التالية مؤكدًا على تكريمه لمفيبوشث بأن يجعله يتناول طعامه دائمًا على مائدة الملك كواحد من أبنائه.
ع12: ميخا : ابن مفيبوشث وحفيد يوناثان. ورد اسمه كابن “لمريبعل” فى (1أى8: 34)، وكذلك فى (1أى9: 40) الذى هو نفسه مفيبوشث.
يذكر الوحى هنا ابنا لمفيبوشث هو ميخا الذى أعيد ذكره فى (1أى8: 35-39) و(1أى9: 41-44) كرأس لعشيرة من عشائر بنيامين. ويضيف (1أى8: 40) أن من سلالته كان هناك رجال جبابرة أشداء فى الحروب ولهم أبناء وأحفاد كثيرون. وبناءً على أمر الملك، أطاع جميع أفراد أسرة صيبا وعبيده وقاموا بخدمة مفيبوشث فى كل ما أعيد له من أملاك وأراضى. كان هذا إلى حين ثم انقلب صيبا على مفيبوشث فيما بعد كما سيذكر لنا الوحى فوشى به زورا إلى الملك (ص16: 1-4، 19 : 24-30).
ع13: أقام مفيبوشث منذ ذلك الحين فى أورشليم ليكون قريبًا من الملك داود الذى اعتبره من خاصته الذين يأكلون على مائدته، وكانت أراضى جده شاول التى أعادها إليه داود فى جبعة بنيامين، فكان صيبا يرعاها ويأتى بمنتجاتها إليه. وكما علمنا فى (ص4: 4) كان مفيبوشث أعرج الرجلين نتيجة هروب مربيته به وسقوطه من يدها على الأرض، وقد ظل هكذا طوال حياته.
? تأمل عطايا الله لك لتثق فى رعايته ويطمئن قلبك وتشعر كيف أنك محبوب جدًا إلى قلبه، فترفض كل خطية وتحيا له متمتعًا بعشرته.