الله يدعو خادمه
يوضح هذا الأصحاح دور الله فى إتمام الخلاص ودور الخادم والشعب فى ذلك (1) دور الله (ع1-6):
1وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ مُوسَى عَبْدِ الرَّبِّ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لِيَشُوعَ بْنِ نُونٍ خَادِمِ مُوسَى: 2«مُوسَى عَبْدِي قَدْ مَاتَ. فَالآنَ قُمُِ اعْبُرْ هَذَا الأُرْدُنَّ أَنْتَ وَكُلُّ هَذَا الشَّعْبِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنَا مُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. 3كُلَّ مَوْضِعٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ لَكُمْ أَعْطَيْتُهُ كَمَا كَلَّمْتُ مُوسَى. 4مِنَ الْبَرِّيَّةِ وَلُبْنَانَ هَذَا إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ نَهْرِ الْفُرَاتِ, جَمِيعِ أَرْضِ الْحِثِّيِّينَ, وَإِلَى الْبَحْرِ الْكَبِيرِ نَحْوَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ يَكُونُ تُخُمُكُمْ. 5لاَ يَقِفُ إِنْسَانٌ فِي وَجْهِكَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. كَمَا كُنْتُ مَعَ مُوسَى أَكُونُ مَعَكَ. لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ. 6تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ, لأَنَّكَ أَنْتَ تَقْسِمُ لِهَذَا الشَّعْبِ الأَرْضَ الَّتِي حَلَفْتُ لِآبَائِهِمْ أَنْ أُعْطِيَهُمْ.
ع1: يعلن السفر أن موسى “عبد الرب” حتى لا يعتبره الشعب إلهًا من أجل عظمته. وكذلك يلقب يشوع بأنه “خادم موسى” وهذا لأمرين :
- اتضاع من يشوع كاتب السفر فلا يقول عن نفسه أنه الرئيس أو القائد، وهذا حماية له من الكبرياء.
- إعلان أنه ملتزم بكل تعاليم الله التى سلمها لموسى، فهو امتداد طبيعى له.
وتوضح هذه الأعداد دور الله فى استلام الشعب لميراثه الذى يشير إلى خلاص البشر واستلامهم نصيبهم السمائى. وموسى يشير للناموس الذى لا يوصل البشرية إلى السماء ولكن يعدهم بذلك، ثم يسلم القيادة ليشوع الذى يرمز للمسيح الذى يعطينا الحياة الأبدية.
ع2: يموت الخادم لكن الخدمة مستمرة، ومطلوب بسرعة من يقودها بعد موسى. ويأتى الأمر الإلهى ليشوع، الذى مازال متأثرًا بموت موسى، بأن يستلم القيادة. وأن يتم ذلك فورًا “الآن” فى الوقت الذى كان الأردن فيه فى فصل الفيضان (وقت الحصاد) (ص3: 15، 16). كيف يعبر يشوع بالشعب كله ونسائهم وأبنائهم وحاجياتهم نهرًا فائضًا عنيف السريان بدون وجود معبر (كوبرى) أو مراكب للعبور ؟!
والأردن معناها “منحدر” إذ أن معدل انحداره يعادل 30 ضعف انحدار نهر النيل مما يزيد العبور صعوبة، ولكن لابد أن يتم وعد الرب لشعبه.
ع3: الآن يتمم الله وعده لموسى بإعطاء الشعب أرض الميعاد (عد13: 1،تث11: 24)، وأيضًا يتمّم وعوده للآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب. ويعد الله شعبه أن كل ما تدوسه أقدامهم يكون ملكًا لهم، فهذا يعنى :
- محبة الله غير المحدودة لشعبه ليأخذوا قدر ما يستطيعون من الأرض.
- أهمية الجهاد الروحى لنوال نعمة الله.
- ترمز إلى الإنسان الروحى الذى يدوس الشهوات الأرضية قدر ما يستطيع فينال بركات سمائية لا تحصى.
ويقول الله بصيغة الماضى “لكم أعطيته” مع أنهم لم يمتلكوا بعد لأن فى قلب الله أن يعطيهم فهذا بالتالى أمر محتم لابد أن يتم، أى أن وعد الله لهم أكيد.
ع4: تخمكم : حدودكم.
الحثيين : هم بنى حث بن كنعان بن حام (تك10: 15)، ويمثلون أقوى الشعوب الكنعانية، وتمتد بلادهم فى فلسطين وشمال سوريا وشمال العراق وفى آسيا الصغرى أى تركيا. وامتلك بنو إسرائيل بعض أراضيهم ولم يمتلكوا الباقى لتهاونهم فى تنفيذ وصايا الله بطرد الأشرار وتنقية الأرض، وقد دخل الحثيون فى حروب كثيرة مع مصر أقوى الدول وقتذلك.
يوضح الرب حدود الأرض وهى الصحراء العربية وبرية سيناء جنوبًا، ولبنان شمالاً، نهر الفرات الذى يبلغ طوله 2850 كيلو مترًا شرقًا، والبحر الأبيض المتوسط غربًا. وبذلك تبقى البرية التى ترمز للجفاف الروحى والعالم بمائه المالح الذى يرمز له البحر المتوسط خارج الحدود. وتشمل هذه المساحة أرض الحثيين وغيرهم من الكنعانيين. وقد ذكر بالتحديد الحثيين لأنهم أقوى الشعوب فى هذه المنطقة ليساند شعبه ويثبت إيمانهم وقدرتهم على امتلاك أرض الميعاد حتى المناطق التى تسكن فيها الشعوب القوية.
ع5: يعد يشوع أن لا يقف أحد من هذه الشعوب الوثنية الداخلين ليمتلكوا أرضهم أمامه، بل يخضع الكل له ويهزمهم ويطردهم، وكما ساند الله موسى كذلك يساند يشوع.
ع6: شجع الله يشوع أيضًا بأنه سيمتلك هذه الأرضى التى هو داخل إليها ويقسمها بين أسباط بنى إسرائيل كما وعد الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب.
? الله هو البادئ بالمبادرة ليدفعنا فى طريق خلاصنا بالمساندة والتشجيع والمصاحبة، فلا نخف من الفشل ولا نتراجع بل نكمل الطريق بقوته.
(2) دور الخادم (ع7-9):
7إِنَّمَا كُنْ مُتَشَدِّداً, وَتَشَجَّعْ جِدّاً لِتَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَكَ بِهَا مُوسَى عَبْدِي. لاَ تَمِلْ عَنْهَا يَمِيناً وَلاَ شِمَالاً لِتُفْلِحَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ. 8لاَ يَبْرَحْ سِفْرُ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ مِنْ فَمِكَ, بَلْ تَلْهَجُ فِيهِ نَهَاراً وَلَيْلاً, لِتَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ. لأَنَّكَ حِينَئِذٍ تُصْلِحُ طَرِيقَكَ وَحِينَئِذٍ تُفْلِحُ. 9أَمَا أَمَرْتُكَ؟ تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ! لاَ تَرْهَبْ وَلاَ تَرْتَعِبْ لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مَعَكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ».
ع7: إنما : ما عليك إلا أن …
يمينًا وشمالاً : يمينًا بالإفراط والزيادة وشمالاً ترمز للتفريط والإقلال والإهمال.
تفلح : تنجح.
يحدث يشوع كخادم مسئول عن قيادة شعبه فى أن واجبه هو الثبات فى الإيمان والشجاعة مهما كانت قوة الأعداء الذين يواجهونه، والمطلوب منه ليست أى قوة مادية بل التمسك بشريعة الله التى علمها له موسى بكل تدقيق فيضمن النجاح فى حروبه وكل أعماله.
ع8: تلهج : تحفظ الكلام وتكرره لكى ما يكون فى ذهنك.
يؤكد عليه أهمية التمسك بكلمة الله، فيفهمها ويحفظها ويكررها طوال اليوم بل وفى الليل أيضًا، فلا يحيد عنها فتصلح أخطاءه وتنجحه فى كل حياته.
ع9: لأجل صعوبة المواجهة مع الدول الكثيرة الساكنة فى أرض كنعان، يشجع الله يشوع للمرة الثالثة ويسانده حتى لا يخاف من قوتهم بل يستند على أمر الله ووعده بأن يكون معه.
? اهتم بقراءة كلام الله والتأمل فيه وحفظه وترديده طوال يومك فى شكل آية أو مزمور لتشعر بمعية الله وتستند عليه بل وتتلذذ بعشرته، فتفرح حتى وسط الظروف الصعبة وتجتاز منها مطمئنًا لأن الله معك.
(3) دور الشعب (ع10-18):
10فَأَمَرَ يَشُوعُ عُرَفَاءَ الشَّعْبِ: 11«جُوزُوا فِي وَسَطِ الْمَحَلَّةِ وَأْمُرُوا الشَّعْبَ قَائِلِينَ: هَيِّئُوا لأَنْفُسِكُمْ زَاداً, لأَنَّكُمْ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ تَعْبُرُونَ الأُرْدُنَّ هَذَا لِتَدْخُلُوا فَتَمْتَلِكُوا الأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ لِتَمْتَلِكُوهَا». 12ثُمَّ قَالَ يَشُوعُ لِلرَّأُوبَيْنِيِّينَ وَالْجَادِيِّينَ وَنِصْفَ سِبْطِ مَنَسَّى: 13«اذْكُرُوا الْكَلاَمَ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ قَائِلاً: الرَّبُّ إِلَهُكُمْ قَدْ أَرَاحَكُمْ وَأَعْطَاكُمْ هَذِهِ الأَرْضَ. 14نِسَاؤُكُمْ وَأَطْفَالُكُمْ وَمَوَاشِيكُمْ تَلْبَثُ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاكُمْ مُوسَى فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ, وَأَنْتُمْ تَعْبُرُونَ مُتَجَهِّزِينَ أَمَامَ إِخْوَتِكُمْ, كُلُّ الأَبْطَالِ ذَوِي الْبَأْسِ, وَتُعِينُونَهُمْ 15حَتَّى يُرِيحَ الرَّبُّ إِخْوَتَكُمْ مِثْلَكُمْ, وَيَمْتَلِكُوا هُمْ أَيْضاً الأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيهِمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ. ثُمَّ تَرْجِعُونَ إِلَى أَرْضِ مِيرَاثِكُمْ وَتَمْتَلِكُونَهَا, الَّتِي أَعْطَاكُمْ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ نَحْوَ شُرُوقِ الشَّمْسِ». 16فَأَجَابُوا يَشُوعَ: «كُلَّ مَا أَمَرْتَنَا بِهِ نَعْمَلُهُ, وَحَيْثُمَا تُرْسِلْنَا نَذْهَبْ. 17حَسَبَ كُلِّ مَا سَمِعْنَا لِمُوسَى نَسْمَعُ لَكَ. إِنَّمَا الرَّبُّ إِلَهُكَ يَكُونُ مَعَكَ كَمَا كَانَ مَعَ مُوسَى. 18كُلُّ إِنْسَانٍ يَعْصَى قَوْلَكَ وَلاَ يَسْمَعُ كَلاَمَكَ فِي كُلِّ مَا تَأْمُرُهُ بِهِ يُقْتَلُ. إِنَّمَا كُنْ مُتَشَدِّداً وَتَشَجَّعْ».
ع10، 11: عرفاء : الرؤساء المدنيين لبنى إسرائيل.
المحلة : المكان الذى يقيمون فيه خيامهم ويحلون فيه.
أمر يشوع عرفاء الشعب أن يمروا بينهم للتنبيه والاستعداد لدخول أرض الميعاد وإعداد الطعام والشراب اللازم لهذه الرحلة الطويلة، التى لا يُعرَف مقدارها، لأنهم داخلون إلى أناس غرباء عنهم سيحاربونهم ويطردونهم من بلادهم لأجل شرهم. وهذا الزاد أخذوه من النباتات ومنتجات الأرض فى شرق الأردن، حيث سكن سبطا رأوبين وجاد ونصف سبط منسى. وهنا تظهر أهمية الجهاد الروحى الإنسانى والذى تعضده النعمة الإلهية، فيعملوا هم ما يستطيعون بأخذ الزاد والله يكمل نعمته بانتصارهم على الأعداء.
? افعل كل ما تستطيعه لإظهار محبتك لله فى تمسكك بصلواتك وقراءاتك وخدمة الآخرين، ومن ناحية أخرى تجنب مصادر الشر وابتعد عن كل خطية والله سيساندك وينجحك فى كل طرقك.
ع12-15: عبر الأردن نحو شروق الشمس : الضفة الشرقية لنهر الأردن.
ذكّر يشوع رجال أسباط رأوبين وجاد ونصف سبط منسى بأمر موسى لهم، أنه بعد امتلاكهم أرضهم فى شرق الأردن وبناء بيوت لنسائهم وأطفالهم وحظائر لمواشيهم، عليهم أن يتقدموا أمام أخوتهم لمحاربة الأعداء وطردهم من بلادهم فى غرب الأردن، ثم بعد استكمال الحرب وامتلاك كل الأسباط واستقرارهم فى الأرض الجديدة يعودون إلى أماكنهم شرق الأردن (عد32).
ع16-18: وافق أسباط رأوبين وجاد ونصف سبط منسى على أوامر يشوع لهم، وكذلك وعدوا بطاعته فى كل شئ كما أطاعوا موسى. والأمر الثالث الذى وعدوا به هو استعدادهم لمعاقبة كل من يعصى كلامه بالقتل حتى لا يتعبوه فى قيادته لهم ومواجهة الأعداء. والأمر الرابع شجعوه ليقوم بأعماله القيادية.