الاستعداد الروحى للحرب
(1) الختـــــان (ع1-9): 1وَعِنْدَمَا سَمِعَ جَمِيعُ مُلُوكِ الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ غَرْباً, وَجَمِيعُ مُلُوكِ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ عَلَى الْبَحْرِ, أَنَّ الرَّبَّ قَدْ يَبَّسَ مِيَاهَ الأُرْدُنِّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى عَبَرْنَا, ذَابَتْ قُلُوبُهُمْ وَلَمْ تَبْقَ فِيهِمْ رُوحٌ بَعْدُ مِنْ جَرَّاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 2فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَالَ الرَّبُّ لِيَشُوعَ: «اصْنَعْ لِنَفْسِكَ سَكَاكِينَ مِنْ صَوَّانٍ, وَعُدْ فَاخْتُنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ثَانِيَةً». 3فَصَنَعَ يَشُوعُ سَكَاكِينَ مِنْ صَوَّانٍ وَخَتَنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي تَلِّ الْقُلَفِ. 4وَهَذَا هُوَ سَبَبُ خَتْنِ يَشُوعَ إِيَّاهُمْ: أَنَّ جَمِيعِ الشَّعْبِ الْخَارِجِينَ مِنْ مِصْرَ, الذُّكُورَِ, جَمِيعَِ رِجَالِ الْحَرْبِ, مَاتُوا فِي الْبَرِّيَّةِ عَلَى الطَّرِيقِ بِخُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ. 5لأَنَّ جَمِيعَ الشَّعْبِ الَّذِينَ خَرَجُوا كَانُوا مَخْتُونِينَ. وَأَمَّا جَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْقَفْرِ عَلَى الطَّرِيقِ بِخُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ فَلَمْ يُخْتَنُوا. 6لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَارُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْقَفْرِ حَتَّى فَنِيَ جَمِيعُ الشَّعْبِ رِجَالُ الْحَرْبِ الْخَارِجِينَ مِنْ مِصْرَ, الَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوا لِقَوْلِ الرَّبِّ, الَّذِينَ حَلَفَ الرَّبُّ لَهُمْ أَنَّهُ لاَ يُرِيهِمِ الأَرْضَ الَّتِي حَلَفَ الرَّبُّ لِآبَائِهِمْ أَنْ يُعْطِيَنَا إِيَّاهَا, الأَرْضَ الَّتِي تَفِيضُ لَبَناً وَعَسَلاً. 7وَأَمَّا بَنُوهُمْ فَأَقَامَهُمْ مَكَانَهُمْ. فَإِيَّاهُمْ خَتَنَ يَشُوعُ لأَنَّهُمْ كَانُوا قُلْفاً, إِذْ لَمْ يَخْتِنُوهُمْ فِي الطَّرِيقِ. 8وَكَانَ بَعْدَمَا انْتَهَى جَمِيعُ الشَّعْبِ مِنَ الاِخْتِتَانِ أَنَّهُمْ أَقَامُوا فِي أَمَاكِنِهِمْ فِي الْمَحَلَّةِ حَتَّى بَرِئُوا. 9وَقَالَ الرَّبُّ لِيَشُوعَ: «الْيَوْمَ قَدْ دَحْرَجْتُ عَنْكُمْ عَارَ مِصْرَ». فَدُعِيَ اسْمُ ذَلِكَ الْمَكَانِ «الْجِلْجَالَ» إِلَى هَذَا الْيَوْمِ.
ع1: الأموريين : قبائل كنعانية بعضها شرق الأردن وبعضها غربه.
البحر : البحر الأبيض المتوسط.
ذابت : ضعفت نفوسهم جدًا بسبب خوفهم.
جراء : بسبب.
سمع ملوك الأموريين بغرب الأردن وحتى البحر الأبيض بهزيمة يشوع لسيحون ملك الأموريين وعوج ملك باشان بشرق الأردن، وكذا بتجفيف الرب لنهر الأردن أمام الشعب، فخافوا جدًا. وتذكروا ما حدث لفرعون ملك مصر عندما طارد الشعب بعد خروجهم فغرق فى البحر الأحمر فزاد خوفهم. وقد ذكر الأموريين لأنهم أقوى الشعوب الكنعانية الساكنة فى هذه المنطقة.
ع2: صوان : حجر جرانيت.
أهمل بنو إسرائيل الختان فى برية سيناء 40 سنة، وقد مات الرجال المختونون الخارجون من مصر فى البرية، لذا نبّه الله يشوع ليصنع سكاكين من حجر الصوان الصلب ليختن الذكور. والختان يرمز للمعمودية لأن فيه قطع جزء من اللحم الذى يشير للطبيعة المائلة للشر والبدء بطبيعة جديدة مطيعة لله. ولأن سر المعمودية هو مدخل الحياة فى الكنيسة، لذا صنعوا الختان قبل الحرب وامتلاك الأرض الجديدة.
ع3: القلف : جمع (قلفة) وهى الجلد الزائد الذى يقطع فى الختان.
نُزِعَت الغلف، رمز الشهوات الزائدة الضارة، وكومت فوق بعضها، لذا دعوا هذا المكان “تل القلف” إذ صارت الغلف كومة وغطوها بالتراب. وبهذا تم ختان الشعب كأمر الله وغالبًا الذين قاموا بختان الشعب هم الكهنة واللاويون.
ع4: كان الرجال الخارجون من مصر والذين هم فى سن الحرب جميعهم مختونين لكنهم ماتوا فى رحلة البرية.
ع5، 6: القفر : برية سيناء.
تفيض لبنًا وعسلاً : تعنى كثرة المراعى فى الأرض الجديدة التى تجعل البقر يعطى لبنًا فائضًا، وكثرة الزروع والنباتات التى تجعل إنتاج النحل من العسل وفيرًا.
الرجال الذين خرجوا من مصر كانوا مختونين ولكنهم عصوا الله فى البرية ورفضوا دخول أرض الميعاد، فأقسم الله أنهم لن يدخلوا الأرض الجديدة المملوءة خيرات وماتوا فى البرية. أما المولودون فى البرية فلم يختنوا.
ع7: وقد أقام الرب البنين مكان آبائهم ليحقق لهم وعده، فقام يشوع بختانهم علامة تجديد العهد مع الله.
ع8: أقاموا بمكانهم حتى برئوا، وهذا يوضح أن قبول الإنسان للعهد مع الله أمر مفرح ولكنه يستدعى آلامًا مؤلمة فى الجهاد، ويلزم للإنسان أن يصبر ولا يتزحزح عن عهده حتى يعطيه الله النصرة على الخطية والشفاء منها (لو21: 19) إذ بصبركم تقتنون أنفسكم. ونلاحظ أن خوف شعوب الأرض من اليهود جعلهم لا يهاجمونهم أثناء فترة آلامهم بعد الختان كما عمل أبناء يعقوب بشعب حمور وشكيم (تك34: 25).
ع9: الخطية حمل يدحرجه الله أى ينزله عن أكتافنا. وكان عار مصر هو عبودية اليهود عندما كانوا فيها ثم سخرية المصريين بهم عندما علموا بتوهانهم فى البرية أربعين سنة دون أن يصلوا إلى أرض الموعد. وأخذ المكان اسمه مما حدث فيه.
? كم من وعود لله تراجعنا عنها ولم نثبت عليها حتى يعيننا الله بالصبر والصلاة والجهاد، بدلاً من أن نتراجع وننهزم.
(2) الفصح وانقطاع المن (ع10-12):
10فَحَلَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْجِلْجَالِ, وَعَمِلُوا الْفِصْحَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ مَسَاءً فِي عَرَبَاتِ أَرِيحَا. 11وَأَكَلُوا مِنْ غَلَّةِ الأَرْضِ فِي الْغَدِ بَعْدَ الْفِصْحِ فَطِيراً وَفَرِيكاً فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
12وَانْقَطَعَ الْمَنُّ فِي الْغَدِ عِنْدَ أَكْلِهِمْ مِنْ غَلَّةِ الأَرْضِ, وَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مَنٌّ. فَأَكَلُوا مِنْ مَحْصُولِ أَرْضِ كَنْعَانَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ.
ع10: عربات أريحا : سهول أريحا.
بعد اختتان الشعب أصبح مسموحًا لهم بحسب الشريعة أن يأكلوا الفصح، لأنه غير مسموح لأى إنسان غريب أو غير مختتن أن يأكل منه (خر12: 44-49). وإن كان الختان يرمز للمعمودية وكذلك عبور نهر الأردن، فإن الفصح يرمز للتناول من جسد الرب ودمه وغير مسموح بالتناول إلا لمن اعتمد.
ويلاحظ أن هذه ثالث مرة يأكل فيها بنو إسرائيل الفصح، فالمرة الأولى كانت عند خروجهم من أرض مصر (خر12) والثانية فى السنة الثانية لخروجهم (عد9: 1-5). وكان المفروض أن يُعمَل الفصح كل سنة ولكنه لم يعمل إلا عند دخولهم أرض الميعاد.
ع11: غلة : ثمار.
الفريك : هو محصول القمح الغير كامل النضج فى أول موسمه.
أكل الشعب من ثمار أرض الموعد فى ثانى يوم عيد الفصح، أى أول أسبوع الفطير، سواء كانوا قد اشتروا ثمار من التجار أو وجدوها غنيمة فى بيوت بعض الكنعانيين الذين هربوا خوفًا من الشعب. فصنعوا فطيرًا من محصول وثمار الأرض الجديدة، وقد أكلوا الفطير لأن الشريعة تنص على أكل الفطير سبعة أيام بعد عيد الفصح (خر12: 15).
ع12: عندما بدأ بنو إسرائيل الحصول على الغذاء من أرض الميعاد، لم يعد هناك حاجة للمن، فقطعه الله، لأنه ينبغى على الإنسان أن يعمل بيديه ويتعب لأجل الحصول على احتياجه، ولكن إن قابل ظروفًا أصعب من قدراته مثل برية سيناء القاحلة فالله سيتدخل ولو بمعجزة مثل معجزة المن.
? كن أمينًا فى تحمل مسئوليتك واستخدام كل قدراتك لمجد الله، فالله يفرح بجهادك وسيحاسبك على إهمالك فى كل شئ بين يديك. وكن مطمئنًا للمستقبل لأنه إن قابلتك أى ضيقات سيتدخل الله ويحلها لك.
(3) يشوع ورئيس جند الرب (ع13-15):
13وَحَدَثَ لَمَّا كَانَ يَشُوعُ عِنْدَ أَرِيحَا أَنَّهُ رَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ, وَإِذَا بِرَجُلٍ وَاقِفٍ قُبَالَتَهُ, وَسَيْفُهُ مَسْلُولٌ بِيَدِهِ. فَسَارَ يَشُوعُ إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ: «هَلْ لَنَا أَنْتَ أَوْ لأَعْدَائِنَا؟» 14فَقَالَ: «كَلاَّ, بَلْ أَنَا رَئِيسُ جُنْدِ الرَّبِّ. الآنَ أَتَيْتُ». فَسَقَطَ يَشُوعُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ, وَقَالَ لَهُ: «بِمَاذَا يُكَلِّمُ سَيِّدِي عَبْدَهُ؟» 15فَقَالَ رَئِيسُ جُنْدِ الرَّبِّ لِيَشُوعَ: «اخْلَعْ نَعْلَكَ مِنْ رِجْلِكَ, لأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ هُوَ مُقَدَّسٌ». فَفَعَلَ يَشُوعُ كَذَلِكَ.
ع13: مسلول : خارج غمده.
كان يشوع مشغولاً بالحرب القادمة مع أريحا، خاصةً أنها كانت مدينة حصينة، إن هزمته ضاعت سمعته فى الأرض وسهلت هزيمته بعد ذلك، ولا يقدر أن يتجاوزها ويحارب بداخل الأرض خشية وقوعه فى كمين وهى خلف ظهره. كما أنه لا يقدر على التراجع إذ أنه والشعب كانوا قد عبروا الأردن وأصبح حائلاً وراءهم.
حينئذ تدخل الله فأرسل رئيس ملائكته أو ظهر هو بنفسه كما يرى بعض الآباء. والله فى محبته يظهر لأولاده بالشكل الذى يناسبهم، فظهر لإبراهيم فى هيئة ثلاثة رجال غرباء مروا بخيمته فى البرية،وليعقوب بهيئة ملاك يصارعه ومرة أخرى بهيأة جمهور من الملائكة ليشجعه، وهنا لأن يشوع سيدخل الحرب فيظهر له بهيأة رجل حرب يمسك سيفًا.
ويظهر إيمان وشجاعة يشوع فى تقدمه نحو الرجل الممسك بالسيف وسؤاله له هل أنت معنا أم علينا.
ع14: أعلن الرجل الذى ظهر فى الرؤيا أنه رئيس جند الرب. وجند الرب تعنى الملائكة أو البشر المؤمنين بالله، والمقصود برئيس جند الرب الله نفسه،لأنه قَبِلَ أن يسجد له يشوع ويُدعَى أيضًا الرب يهوة فى. وهذا السجود هو سجود العبادة وليس فقط الاحترام.
ع15: نعل : حذاء.
أعاد الرب على مسامع يشوع ما سبق أن قاله لموسى عند العليقة (خر3: 5)، ليعلمه :-
- أن حضور الرب المقدس قد قدَّس المكان كله، فهو فى حضرة الله القدوس.
- أن يشوع ليس عريس الكنيسة أو وليها بل صديقه [راجع شريعة خلع النعل (تث25: 9)]. فالمسيح هو الولىّ أو المخلص الوحيد لكنيسته، ويشوع وكل الأنبياء أو الكهنة الخدام فى العهدين هم أدوات فى يد الله وليسوا الولىّ، لذا يخلعوا نعالهم عند الاقتراب من الأماكن المقدسة.
- ليعلم أن القداسة، التى يشير إليها خلع النعل المصنوع من جلد حيوان ميت، هى حياة بدونها لا نعاين الرب (عب12: 14).
? إن الله يظهر فى حياتك، ليس فقط بالرؤى، ولكن من خلال أحداث الحياة ليشجعك، وتستطيع أن تشعر به إن طلبته من قلبك وآمنت بوجوده وكنت مستعدًا لطاعته حينئذ سيوضح نفسه لك ويرشدك لتحيا معه.