في اليوم العاشر من شهر برمودة من سنة 861 للشهداء ( 1145م )، تنيَّح الأب القديس البابا غبريال الثاني البطريرك السبعون من بطاركة الكرازة المرقسية الشهير بابن تريك. وُلِدَ هذا القديس بمصر القديمة سنة 800 للشهداء ( 1084م ) وكان والده كاهناً تقياً فرباه تربية مسيحية. ورُسِمَ أبو العلا صاعد بن تُريك شماساً حكيماً، محباً للجميع، ضالعاً في الأسفار الإلهية والعلوم الدينية، ساهراً، صاحياً.
وكان أبو العلا كاتباً بديوان الخليفة، وبعد فترة أراد تكريس نفسه لخدمة كنيسة الشهيد أبي سيفين، فسمح له الوزير على أساس أن يحتفظ بوظيفته ككاتب.
وفي أواخر حياة البابا مكاريوس، كان بديوان الخليفة من وَشى له بأن الأقباط يأخذون أموال الكنائس ويمدون بها الإفرنج سراً. فغضب الخليفة وأمر بأخذها إلى بيت المال. لذلك لم يجسر الأقباط على الاستئذان في انتخاب البطريرك الجديد. وانتظروا ما يقرب سنتين حتى قتل الذين وشوا بالأقباط، فهدأت الأحوال. فأذن لهم الخليفة برسامة بطريرك. عندئذ ذهب مجموعة من الشعب إلى برية القديس مكاريوس وهناك تقابلوا مع الأنبا يوسف أب دير القديس أنبا يوأنس كاما، فقال لهم: ” عودوا يا أولادي إلى مصر لأن المختار من الله هو الشماس أبو العلا بن تُريك “. فعادوا إلى مصر وأخذوا أبا العلا إلى الإسكندرية ورُسم في التاسع من أمشير سنة 847 للشهداء ( 1131م ). وكان عمره حينئذ سبعاً وأربعين سنة وسُميّ غبريال الثاني.
بعد الرسامة ذهب البابا إلى دير أنبا مكاريوس بشيهيت، حيث صلى القداس الإلهي، وأضاف للاعتراف الأخير النص القائل ” وجعله واحداً مع لاهوته “. ولما احتج الآباء على ذلك، أفادهم بأن هذا النص هو قرار المجمع المقدس. وبعد التداول طلبوا منه إضافة ” بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ” خشية الانسياق لهرطقة أوطاخي.
وقد رسم قداسته في عهده ثلاثة وخمسين أسقفاً، وقد رفض السيمونية في الرسامات، حتى أنه حضر إليه قس يدعى ” بقيرة ” يريد رسامته أسقفاً على أخميم نظير مبلغ من المال. ولما رفض البابا مطلبه ذهب القس إلى ابن الخليفة يطلب وساطته. فكتب البابا للخليفة قائلاً: ” إن ديني يمنعني من رسامة كاهن يبغى هذه الكرامة بالمال “. وقد كان لهذا القديس البابا أعمال جليلة منها:
أولاً: أصدر أمره بقراءة الرسائل والأناجيل باللغة العربية بعد قراءتها بالقبطية، وكذلك العظات، حتى يتسنى للشعب أن يفهم القراءات والعظات.
ثانياً: رأى البابا صعوبة قراءة الكتاب المقدس بعهديه في أسبوع البصخة. فنظم قراءات معينة لذلك، ثم أضاف الأنبا بطرس أسقف البهنسا بعض النبوات والمواعظ، حتى أصبح قطماروس البصخة كما هو عليه حالياً. كما أضاف الأنبا بطرس قراءة أناجيل متى يوم ثلاثاء البصخة، ومرقس يوم الأربعاء، ولوقا يوم الخميس ويوحنا ليلة القيامة، والمائة وواحداً وخمسين مزموراً ليلة سبت الفرح.
ثالثاً: أصدر البابا غبريال بعض القوانين في ثلاثة كتب. الكتاب الأول منها يشمل اثنين وثلاثين قانوناً ويختص بتنظيم أمور البيعة وعلاقة الشعب بها دينياً ومدنياً. والكتاب الثاني يختص بتنظيم أمور الإكليروس. والكتاب الثالث يختص بالمواريث.
وبعد أن أدى هذا القديس واجبه مرض مرضاً شديداً. وفي أثناء مرضه، رأى في حلم مجموعة من الكهنة والرهبان يحملون الأناجيل والمجامر والصلبان وسمعهم يقولون: ” ستنال الشفاء ولكننا سنعود إليك بعد سنة لنأخذك لتكون معنا “. وفعلاً نال الشفاء. وبعد سنة تنيَّح، بعد أن قضى على الكرسي المرقسي أربع عشرة سنة وثلاثة أشهر. فكفنوه ودفنوه بكنيسة الشهيد مرقوريوس أبى سيفين، وفي عهد البابا مرقس الثالث بن زرعة البطريرك الثالث والسبعين من بطاركة الكرازة المرقسية، تم نقل جسد البابا غبريال الثاني مع جسد الأنبا يوأنس الخامس إلى دير القديس مكاريوس بشيهيت، وذلك في فترة الصوم الكبير سنة 1170م باحتفال كبير.