في اليوم الثاني من شهر برمودة من سنة 1043 للشهداء ( 1327م )، تنيَّح القديس البابا يوأنس التاسع البطريرك الحادي والثمانون من بطاركة الكرازة المرقسية. وُلِدَ هذا القديس في مدينة نقيوس (نيقيوس: حالياً قرية زاوية رزين مركز منوف محافظة المنوفية). ولما كبر مضى إلى إحدى أديرة نقادة (نقادة: حالياً مدينة بمحافظة قنا بها أديرة كثيرة تسمى أديرة جبل الأساس) بالصعيد، وترَّهب باسم الراهب يوأنس النقادي. وعاش في نسك وصلوات وأصوام مع القراءة والتأمل. ولما ذاع صيت فضائله اختاره الآباء الأساقفة والأراخنة ليكون بطريركاً بعد نياحة سلفه البابا يوأنس الثامن. ورُسم باسم البابا يوأنس التاسع يوم أول بابه 1037 للشهداء ( 1320م ).
وفي أيامه استثار أحد العامة الغوغاء ضد الأقباط فدمروا الكنائس وكان السلطان محمد بن قلاوون يرغب في معاقبة مُسبـبي الفتنة. ولكن الأمراء المماليك هدأوا ثورته بادعائهم أن هذا التخريب بأمر الله. وقد طمع المماليك والأمراء في أموال وأوقاف الأقباط. وبعد مرور شهر اشتعلت حرائق كثيرة، فاتهموا الأقباط بإضرامها انتقاماً منهم لما تهدم من الكنائس. فاستدعى السلطان البابا، وقدم له ثلاثة من المسيحيين اعترفوا بأنهم أشعلوا النار. فبكى البابا وقال ” إن المسيحية تأمرنا بالمحبة والتسامح “. ولكن الله أراد تبرئة الأقباط من هذه التهمة، إذ قد ثبت أن المتسببين في الحريق كانوا من غير الأقباط.
ورغم هذا فقد استمر التخريب لبضعة شهور. وتهدمت كنائس كثيرة. واستشهد مئات الناس. وصدر الأمر من السلطان قلاوون أن يلبس المسيحيون العمائم الزرقاء، وحرم عليهم ركوب الخيل والبغال، والذي يركب حماره يركبه مقلوباً، وألا يدخل مسيحي حماماً إلا وفي عنقه جرس، وألا يستعمل الأمراء كاتباً من المسيحيين. وطرد مَنْ كان منهم في خدمة السلطان. ومن كثرة الهجمات اضطر المسيحيون على عدم الخروج إلى الشوارع.
وقد طغى الحزن على البابا، إذ لم يستطع أن يذهب لدير القديس مكاريوس لتكريس الميرون، ولا أن يقوم برحلة رعوية لتفقد شعبه الجريح. كما أنه لم يكن أي أسقف أو كاهن يستطيع أن يخرج من مقره إلا بعد غروب الشمس. وهكذا انصرفوا للصلاة حتى هدأت العاصفة. ولم ينعم البابا بالسلام لأنه لم يعش طويلاً. فتنيَّح بعد أن أقام على الكرسي ست سنوات وخمسة أشهر واثنين وعشرين يوماً.