في اليوم الثامن والعشرين من شهر بؤونة من سنة 283 للشهداء (567م ) تنيَّح القديس البابا ثيودوسيوس البطريرك الثالث والثلاثون من بطاركة الكرازة المرقسية. وُلِدَ في الإسكندرية وكان بتولاً عالماً حافظاً لكتب الكنيسة. وبعد نياحة البابا تيموثاوس اجتمع رأى الأساقفة والكهنة والأراخنة والشعب الأرثوذكسي واختاروه بطريركاً. وبعد قليل أثار عدو الخير بعض الأشرار، فأخذوا رئيس شمامسة كنيسة الإسكندرية وأقاموه بطريركاً، بمعاونة يوليانوس الذي كان البابا تيموثاوس قد حرمه، لقبوله إيمان مجمع خلقيدونية. وَطرَدَ والي الإسكندرية البابا ثيودوسيوس ، فذهب إلى قرية مليج وأقام بها سنتين، وكان القديس ساويرس الأنطاكي يقيم في سخا، فكان يعزيه ويشجعه. ولما طالب الشعب بإعادة البابا ثيودوسيوس الراعي الشرعي وطرد فاكيوس الدخيل، أرسلت الملكة الأرثوذكسية ثاؤدورة تسأل عن صحة رسامة البابا، فعقدوا مجمعاً في الإسكندرية، وأجمعوا على صحة رسامته، فعاد إلى كرسيه وفرح به الشعب جداً. وكان قد تم نفي البابا ثاؤدوسيوس مرتين بعد ذلك، الأولى عندما ملك يوستنيان الأول، الذي كتب إلى نوابه بالإسكندرية قائلاً إن كان الأب ثيودوسيوس موافقاً لإيمان مجمع خلقيدونية نجعله بطريركاً ووالياً معاً، وإذا لم يوافق فليخرج من المدينة، فرفض البابا وخرج من الإسكندرية ومضى إلى الصعيد.
أما نفيه الثاني فكان في فترة حكم الملك يوستنيان الثاني، الذي كان أشد تعصباً من سلفه، فاستدعى البابا ثيودوسيوس من النفي وبدأ يتملقه لكي يوافق على مجمع خلقيدونية، فرفض البابا ثاؤدوسيوس والأساقفة المرافقون له طلب الملك، فغضب الملك وحبس الأساقفة ونفى البابا وأقام بدله إنساناً اسمه أبوليناريوس، وأرسله إلى الإسكندرية بفرقة كبيرة من الجند لاستلام الكنائس، فثار الشعب فقتل منهم الجنود عدداً كبيراً، وأمر الملك بغلق الكنائس، ثم بنى الأرثوذكسيون كنيسة باسم القديس مرقس الرسول، وأخرى على اسم القديسين قزمان ودميان. وكان البابا يكتب رسائل من منفاه إلى شعبه يثبتهم فيها على الإيمان المستقيم وأقام في النفي مدة 28 سنة في الصعيد بالإضافة إلى أربع سنوات في الإسكندرية على الكرسي فكانت مدة رياسته اثنتين وثلاثون سنة كتب فيها الكثير من الرسائل والميامر لفائدة المؤمنين. ولما أراد الرب أن يريحه من أتعاب هذا العالم تنيَّح بسلام.