أولا: تسميته :
يسمى التثنية لأن به إعادة للمرة الثانية لنصوص الشريعة والأحكام التى ذكرت فى أسفار التوراة السابقة، وإن كانت هذه الإعادة لا تقتصر فقط على تكرار السرد وانما اشتملت أيضًا على شرح وتفسير من موسى وتأكيد على وجوب اتباعها وعدم الانحراف عنها. وهذا الشرح مبنى أيضًا على ضوء أحداث برية سيناء.
بالإضافة إلى أن الجيل القديم الذى تذمر على الله قد مات كله فى برية سيناء والذين سيدخلون إلى أرض الميعاد هم الجيل الجديد مع اثنين فقط من الجيل القديم هما يشوع بن نون وكالب بن يفنة، لذا يشرح لهم موسى رعاية الله لهم ولآبائهم فى سيناء وتفاصيل الشريعة التى سيحيون بها طوال حياتهم فى أرض الميعاد.
ودعى هذا السفر بخمسة أسماء هى :
الشريعة الثانية فى الترجمة السبعينية.
هذا هو الكلام وهى الكلمات الثلاث الأولى التى يبدأ بها السفر.
السفر الخامس والمقصود الخامس من أسفار التوراة.
سفر التوبيخ أو النصائح.
النسخة والمقصود نسخة من الشريعة التى كان كل ملك يحتفظ بها عند تملكه ليقرأ فيها ويقود الشعب بتعليمها.
والأربعة تسميات الأخيرة هى تسميات فى اللغة العبرية.
ثانيا: كاتبه :
هو موسى النبى وهو كاتب الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم – والتى تعرف بالتوراة – وسفر التثنية هو خامس تلك الأسفار.
والأدلة على أن موسى هو كاتبه هى :
هو استكمال لما ورد فى نهاية سفر العدد حين قال “هذه هى الوصايا والأحكام…” (عد36: 13) ويبدأ سفر التثنية بما يلى “هذا هو الكلام الذى كلم به موسى جميع إسرائيل…” (ص1: 1).
يذكر عبارات كثيرة تؤكد أنه شاهد عيان مثل(ص1: 6، ص8: 1، 27: 9، 6: 1).
تنبيه موسى لكل ملك أن يكتب نسخة من السفر ليحفظها ويقود شعبه به ويكتب الشعب نسخة على نصب تذكارى، كذلك سلمها موسى لللاويين حتى يعلموها للشعب (ص17: 18، 27: 2، 3، 31: 9-13).
فى العهد الجديد شواهد كثيرة تؤكد أن موسى هو كاتب هذا السفر عدا الأصحاح الأخير منه – الأصحاح 34 – الذى يحكى عن موت موسى فقد كتبه يشوع ابن نون الذى خلف موسى فى قيادة الشعب والدخول بهم إلى أرض الموعد.
ثالثا : زمان كتابته :
فى آخر شهرين من عمر موسى النبى، وكان ذلك فى السنة الأربعين من الخروج (حوالى عام 1405ق.م) وبالتحديد فى أول الشهر الحادى عشر من تلك السنة(ص1: 2) وكان عمر موسى وقتذاك 120 عام قبل أن يعبر الشعب نهر الأردن ليتملك الأرض التى وعد بها الله شعبه.
رابعًا : مكان كتابته :
على الضفة الشرقية للأردن فى سهل موآب شمال البحر الميت فى المنطقة المواجهة لمدينة أريحا (ص1: 1).
خامسًا: سماته :
هو عبارة عن ثلاث عظات لموسى النبى ثم جزء ختامى وهو يعتبر الخطاب الوداعى لموسى قبل أن يموت فوضع فيه خلاصة مشاعره وإرشاداته لشعبه.
كُتِبَ باللغة العبرية.
إن كان يتكلم عن الشريعة، ولكنه يشمل أخبارًا تاريخية لم تذكر فى مكان آخر مثل تسليم يشوع القيادة وموت موسى (ص34).
يشبه سفر اللاويين فى التحدث عن الشريعة، ولكن سفر اللاويين يكلم الكهنة ومساعديهم اللاويين، أما سفر التثنية فيتحدث عن مسئوليات شعب الله كلهم نحوه ونحو بعضهم البعض.
اهتم اليهود وقادتهم بالتنفيذ الحرفى للشريعة ولكن فى العهد الجديد عندما نضج شعب الله أى المسيحيين فيعيشون بالروح لا بالحرف وينفذون أعماق الوصية وليس مظهرها (مت5).
يدعو هذا السفر شعب الله للتدقيق فى تنفيذ كلامه حتى ينالوا الخلاص.
تظهر أبوة موسى فى اهتمامه بتوصية شعبه للسلوك الروحى وتنفيذ وصايا الله.
التثنية بين أسفار موسى : إن كان الله قد كوَّن شعبًا خاصًا له فى سفر التكوين، ففى سفر الخروج، أخرجهم وأبعدهم عن الشعوب الوثنية وسكن فى وسطهم. أما سفر اللاويين فأعطاهم فيه شرائعه، وفى سفر العدد قادهم فى البرية،
وفى سفر التثنية يؤكد أهمية طاعة شرائعه لتحفظهم فى أرض الميعاد.
من أهم أسفار العهد القديم التى اقتبست من سفر التثنية هو سفر أرميا.
التثنية والعهد الجديد : اقتبس العهد الجديد منه 83 مرة، وإن كانت أسفار العهد الجديد سبعة وعشرين، فسبعة عشر منها اقتبست من سفر التثنية، والمسيح نفسه اقتبس منه فى تجربته على الجبل (مت4: 4 ، تث8: 3) وفى عظته على الجبل (مت5: 31، تث24: 1).
سادسًا: أغراضه:
رعاية الله : يظهر محبة الله فى اهتماماته بشعبه بإخراجه من أرض مصر وعبورهم البحر الأحمر ورعايتهم فى البرية 40 سنة.
الطاعة : يذكرهم بالعهد الذى قطعوه مع الله ليكون لهم إلهًا يقودهم ويرعاهم، ومن ناحية أخرى يكونوا له شعبًا بطاعة وصاياه وشرائعه.
شرح الشريعة : يشرح معانى تفصيلية لتنفيذ الوصايا والشرائع المختلفة.
شرائع المعاملات : ينظم تفاصيل المعاملات بين اليهود وبعضهم البعض وكذلك معاملاتهم مع غير اليهود.
جزاء الطاعة : يوضح بركات طاعة الوصايا ومن ناحية أخرى اللعنات التى تأتى على من يعصى هذه الوصايا ويهملها.
يؤكد بعض المفاهيم الهامة مثل :
أ – الفداء من العبودية كما فداهم الله من عبودية مصر(ص5: 6، 5: 15، 7: 8) وترمز لفداء المسيح من عبودية الخطية.
ب – النصـيب الصـالح، إذ أعطاهـم أرض الميعاد وهى ترمز لملكوت السموات (ص1: 8 ، 4: 21).
ج – محبة الله من كل القلب (ص5: 10 ، 4 : 29).
د – شعب الله الذين يتحدون فى طاعة وصاياه (ص1: 1، 5: 1) وهو يرمز للكنيسة جسد المسيح.
هـ- المذبـح : حيـث يقدمـون عبادتهـم وعطاياهم فهو أهم مكان فى العالم (ص12 : 5، 7، 11) وهو يرمز للمذبح فى الكنيسة.
و – الخطية : يظهر مدى شناعتها والحاجة للتطهير منها وخاصة خطية عبادة الأوثان (ص15: 9 ، 7 : 25).
حقوق الإنسان : اهتم سفر التثنية بحقوق الإنسان فأظهر :
أ – الاهتمام بكل شخص : كما يهتم الله بالجماعة، يهتم أيضًا بكل شخص.
ب – المرأة : كما يهتم بالرجل يهتم بالمرأة أيضًا مثله.
ج – العبد : يهتم بحقوق العبد تمهيدًا لإلغاء العبودية من فكر الإنسان.
د – العدل : يحفظ الإنسان من الشهود الزور ولا يقبل أى اتهام لإنسان بدون محاكمة فيحيا فى أمان.
هـ- الملكية : يحفظ للإنسان ميراثه فى أرض الميعاد وكل ما يمتلكه.
و – الأجرة : يحفظ حقوق العمال والأجراء.
ز – الجسد : أعطى شريعة السبت لراحة الجسد والعبيد وأيضًا الحيوانات.
ح – الزواج : يهتم بالمحافظة على العلاقات الزيجية والأسرية.
ط – القانون : يخضع جميع الشعب، مهما كان مركزهم، للوصايا والشرائع.
ى – الحيوانات : حتى الحيوان أيضًا، أعطاه راحته وطعامه فيثبت فكرة حقوق الحيوان والرفق به.
يضع شروطًا ومفاهيم وقوانين للحرب فيراعى فيها :
أ – الاستعداد للحرب (ص20: 1-9).
ب – التعامل مع المدن التى تسقط فى أيديهم (ص20: 10-18).
ج – التعامل مع المسبيات (ص21: 10-14).
د – قداسة المحاربين (ص23: 9-14).
هـ- المتزوجين حديثًا (ص24 : 5).
أقسامه ينقسم السفر إلى ثلاث عظات لموسى النبى ثم جزء ختامى :
العظة الاولى (ص1-4: 43) تتحدث عن رعاية الله لشعبه فى برية سيناء.
العظة الثانية (ص4: 44 – حتى نهاية ص11) : تتكلم عن حفظ الوصية والابتعاد عن معطلاتها.
العظة الثالثة (ص12-27: 10) : وهى صلب السفر وتتحدث عن الشرائع والقوانين التى يحيا بها الشعب فى أرض الميعاد.
الختام (ص27: 11-34) وتشمل أحداثاً تاريخية فيتكلم عند الجبال على البركات واللعنات ونشيد موسى وتسليمه الشريعة لللاويين والقيادة ليشوع ثم موته.
سابعًا: نبواته :
المسيا المنتظر : يتحدث عن ظهور المسيح من نسـل اليهود ويأمرهم بطاعته (ص18: 15، 18).
تمرد الشعب : يتنبأ بعصيان شعب الله له وابتعادهم عنه، فيعاقبهم، وعندما يتوبوا يتحنن عليهم ويباركهم (ص32: 15-27).
إيمان الأمم : يتنبأ بدخول الأمم فى الإيمان وتسبيحهم لله (ص32: 43).
ثامنًا : رموزه :
الكهنوت وخيمة الاجتماع والذبائح، ترمز لذبيحة العهد الجديد بكهنوتها وذبيحة المسيح أى جسده ودمه الأقدسين.
موسى النبى كرمز للمسيح.