بنعمة المسيح زرنا روسيا فى الفترة ما بين 28 أكتوبر إلى 4 نوفمبر 2014م وكانت زيارة طيبة للغاية مع وفد كنسى يضم مطراناً وأربعة أساقفة وراهباً وكاهنين ورئيسة دير وشماساً أستاذاً للتاريخ، وهى تعتبر أول زيارة لبطريرك قبطى إلى روسيا، لأن الزيارات السابقة التى قام بها المتنيح البابا شنودة الثالث (عامى 1972، 1988) كانت إلى الإتحاد السوفيتى السابق.
الكنيسة الروسية عرفت الإيمان المسيحى الأرثوذكسى أواخر القرن العاشر الميلادى وبالتحديد عام 988 م وصارت أكبر كنيسة أرثوذكسية من ناحية تعداد السكان إذ يبلغ أكثر من مائة وعشرين مليون أرثوذكسى، وتعتبر الكنيسة الروسية أحد أركان الإيمان المسيحى فى شرق المسكونة….
لها تاريخ مجيد وروحانية عميقة وعاشت أزمنة إضطهاد قاسية خاصة بعد الثورة الشيوعية عام 1917م حيث أُغلقت الكنائس والأديرة وتحولت إلى مخازن أو متاحف أو مصانع صغيرة وأبطلت العبادات وقتل المئات والألوف وذاقوا أصنافاً من الألم والإضطهاد والعذاب..
وصار الدين مُحرماً فى كل ربوع الإتحاد السوفيتى ولكن لم تتوقف الصلوات الصامته والمرفوعة فى قلوب الملايين كما لم تتوقف معمودية الأطفال المولودين بفضل الأمهات والجدات المؤمنات رغم كل الضيقات والصعوبات التى واجهت هذه الممارسات الروحية…
وأخيراً وبعد سبعين سنة إنهزم الشر وإنهارت الشيوعية، وتفكك الإتحاد السوفيتى، وعادت روسيا إلى مجدها الأرثوذكسى وكنيستها النابضة بالحياة وذلك عام 1991 م
كانت زيارتنا من أجل تبادل المحبة بين الكنيستين والتعرف على صاحب القداسة البطريرك كيريل بطريرك موسكو وكل روسيا، وكذلك العمل على تقوية أواصر العلاقات الروحية والتعليمية والرهبانية واللاهوتية.
ولذلك شكلنا لجنة مشتركة بين الكنيستين لوضع مجالات التعاون موضع التنفيذ برئاسة مشتركة من كل من المطران إيلاريون مسؤل العلاقات الخارجية بالكنيسة الروسية ونيافة الأنبا سيرابيون أسقف لوس أنجيلوس بأمريكا بالكنيسة القبطية.
لقد كانت أيام الزيارة أياماً غنية للغاية لما شاهدناه وتلامسنا معه فى كل الأماكن التى زرناها من كنائس وأديرة وملاجئ ومتاحف وغيرها….
رأينا تقليد “العيش والملح”، حيث يقوم أب الكنيسة أو الدير الذى نزوره أو (أم الدير) بتقديم فطيرة كبيرة على صنية فى وسطها وعاء صغير للملح لتأكل قطعة صغيرة من الفطيرة مع الملح دلالة على المحبة والعشرة الروحية. رأينا إهتماماً بالغاً بالأيقونات، فى كل مكان زرناه وإبداعات الفن الروسى الكنسى الجميل حتى أننا شاهدنا فى كنيسة واحدة أكثر من سبعة ألاف متر مربع من أيقونات بالموازييك فى جمال وإبداع.
رأينا أديرة عامرة بالرهبان والراهبات يبلغ عددها 800 دير، بها أكثر من مائة ألف راهب وراهبة يعيشون حياة روحية رهبانية عميقة وبالتقاليد الرهبانية الأولى ويعتزون بأباء الرهبنة الأول أمثال أنطونيوس ومكاريوس وباخوميوس القديسين.
رأينا حركة عمرانية واسعة النطاق لترميم وإصلاح الكنائس التى أغلقت وأسئ إستخدامها إبان الحكم الشيوعى وبعض هذه الكنائس تديرها الدولة كمتاحف راقية مع إستخدامها للصلاة والقداسات فى الآحاد…
رأينا كيف تحتضن الأديرة بيوت ضيافة للأطفال الأيتام (ملاجئ) تقوم الراهبات برعاية الأيتام بصورة جميلة وعملية وتربوية على أسس روحية كنسية.
رأينا معاهد لاهوتية ضخمة يفتخرون بها جداً، على سبيل المثال المعهد اللاهوتى فى دير القديس سرجيوس أكبر الأديرة الروسية ويضم أكثر من ألف طالب يدرسون دراسات لاهوتية عميقة ويعدون للكهنوت أو الرهبنة أو التدريس فى المدارس.
رأينا جموعاً من الشعب الروسى يقضون أوقاتاً طويلة فى الصلوات الخاشعة، ويقفون بالطوابير الممتدة لكى ما ينلوا بركة أيقونة مقدسة أو بركة أجساد القديسين الراقدين بكل وقار وهدوء وخشوع.
رأينا الكرملين بكنائسه الضخمة الجميلة من الداخل بالأيقونات ومن الخارج بالقباب المتميزة فى شكلها والمغطاة بالذهب وعليها الصلبان اللامعة…
رأينا كنيسة “المسيح المخلص” والتى بنيت حديثاً فى موسكو بعد أن قام الحكم الشيوعى بتفجيرها لأنها أعلى فى مكانها من الكرملين وحولوا أرضها إلى حمام سباحة!!! لكن دارت الأيام وعادت روسيا إلى مسيحيتها وأعيد بناء الكنيسة بنفس الأبعاد مع إضافات معمارية جديدة وبإمكانيات حديثة من قاعات ضخمة ومتعددة الأغراض منها قاعة مدرجة بها أكثر من ألف وخمسمائة مقعد فى تناسق بديع للغاية.
لقد رأينا الكثير والكثير وأخذنا بركات عديدة منها إننا أقمنا أول قداس فى سان بطرسبرج، وهى المدينة الثانية (ليننجراد سابقاً) وقداساً آخر فى موسكو، كما قمنا بمعمودية طفل من أب قبطى وأم روسية ويدعى كيريل (كيرلس).
كما صاحب الزيارة إصدار كتاب عن العلاقات بين الكنيستين القبطية والروسية خلال القرنين الـ 19 ،20 من إعداد الأستاذ الدكتور إسحاق عجبان بمعهد الدراسات القبطية، وتم إصدار الكتاب باللغة العربية وباللغة الروسية وكان لإصداره وقع قوى فى كل الأماكن التى زرناها.
كما تمتعنا بزيارة الكنيسة الأرمنية والكنيسة الأنطاكية فى موسكو كما زرنا وزير الخارجية سيرجى لافروف بمقر الخارجية الروسية. وبنعمة المسيح ستكون هذه الزيارة مقدمة لتعاون وثيق بين الكنيستين.